المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات في جزم المضارع في جواب الطلب



(الصمصام)
04-23-2008, 03:13 AM
وقفات في جزم المضارع في جواب الطلب

وأثر المعنى على الحركة الإعرابية في الجواب






د. سلوى محمد عمر عرب

الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية - كلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة الملك عبد العزيز



ملخص البحث



الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

فإن هذا البحث يعالج بعض قضايا الجزم في جواب الطلب ؛ فبعد التعريف بالجزم ، وتقديم نبذة مختصرة عن جزم المضارع عامة، وعن جزمه في جواب الطلب ، يتوقف عند أربع قضايا من قضايا المضارع الواقع بعد الطلب ، عانت من الاضطراب، وكانت موضع خلاف بين النحويين ، وهي :

أولاً : عامل الجزم في جواب الطلب .

ثانيًا : علة امتناع جزم المضارع بعد النفي والخبر المثبت .

ثالثًا : الجزم في جواب النهي .

رابعًا : أثر المعنى على الحركة الإعرابية في المضارع الواقع بعد الطلب .

وقد أسفر عن نتائج فيها تيسيرٌ للنحو ، وحلٌّ للإشكال ، وإزالةٌ للغموض الذي يكتنف بعض المسائل .

وخُتم البحث بتطبيقٍ على بعض الآيات القرآنية الكريمة ، تناولها بالدراسة العميقة للمعنى الذي هو الركيزة الأساس في تحديد الحركة الإعرابية المناسبة .

وهو يفتح آفاقاً لدراساتٍ مستقبليّةٍ لمعاني آيات القرآن الكريم ، معتمدة على ما جاء من أقوال النحاة والمفسرين .

أسأل الله أن يجعل فيه النفع ، وبالله التوفيق .



* * *

(الصمصام)
04-23-2008, 03:16 AM
تقديم :



معنى الجزم:


الجزم في اللغــة : " القطع ، وكل أمر قطعته قطعاً لا عودة فيه فقد جزمته "(1)

وفي الاصطلاح النحوي : " عبارة عن حذف حركة أو حرف من حروف العلة - أو ما شبه به - بعامل " (2).

وجاء في ( اللسان ): (3) " أن الجزم في النحو سمي جزماً لقطع الإعراب عن الحرف وإسكانه " .

وعرّفوا السكون بأنه " عبارة عن خلو العضو من الحركات عند النطق بالحرف ، ولا يحدث بعد الحرف صوت ، فينجزم عند ذلك ، أي ينقطع ؛ فلذلك سمي جزماً ، اعتباراً بانجزام الصوت ، وهو انقطاعه ، وسكوناً ، اعتباراً بالعضو الساكن(4).

وعلة تسمية الجزم التي وردت في ( اللسان) علة لفظية ، لا تتطرق إلى الأبعاد التي أسكن من أجلها الحرف وقطعت عنه الحركة ، وتتجاهل المعنى الذي دلت عليه الكلمة ، ودل عليه الإعراب ، وتدعونا إلى التساؤل عن العلة المعنويّة التي من أجلها أسكن الحرف ، وقطعت عنه الحركة ؟!!

ولعلّ العلّة تكمن في ذات المتكلم ، فالمتكلم يقف على الحرف ، ويجعله ساكناً ، ويقطع الصوت بعده ، فيقول : افعلْ ، أو لا تفعلْ ، أو لم أفعلْ ، أو إنْ تفعلْ افعلْ ؛ فكأنُما أراد أن يدلل على معنى الأمر ، والنهي ، والنفي،والشرط ، وهي معانٍ تُشعر بالعزيمة القوية ، والجزم والقطع في الأمر ، والبت فيه ؛ لذا يُعرًف الليث الجزم بقوله : " الجزم عزيمةٌ في النحو في الفعل " (5).

فكأنما أراد أن يشيـر إلى العزيمة القوية الموجودة في نفس المتكلم ، قال المبرد(6): "إنما سمي الجزم في النحو جزماً ؛ لأن الجزم في كلام العرب القطع، وكلّ أمرٍ قطعته قطعاً لا عودة فيه فقد جزمته " ، فلما رأوا أن المتكلم يقف على الحرف ولا يجري الصوت فيه ، جازماً في الأمر ، قاطعاً له ، وضعوا عليه علامة تدل على سكون الحرف وقطع الصوت عنه ، وسميت هذه العلامة سكوناً، وجزماً .

وقد وُضِعَتْ علامات الإعراب لتُعْرِب عن المعاني التي تدور في النفس،، وكان ذلك في فترة زمنية متأخرة ، عندما اتخذ أبو الأسود الدؤلي كاتباً من بني عبد القيس(7) ، وأمره أن يضع علامات تدل على الملفوظ من الكلام ، ثم وُضعت بعد ذلك العلامات المعروفة ؛ وهي الفتحة ،والضمة ،والكسرة، والسكون ، وفقاً لحركة الفم وسكونه .

فالمعنى الذي يدور في نفس المتكلم يأتي أولاً ، ثم يليه التعبير عنه بالكلام الملفوظ ، ثم الدلالة عليه في الخط المكتوب بالعلامات الدالة عليه .

وقيل : إن الدائرة الصغيرة قد اختيرت لتدل على السكون والجزم ؛ لأنها مأخوذة من ميم " جزم " . وقيل : اتُخِذ رمز الدائرة الصغيرة - وهو رمز الصفر في حساب الهنود ، الذي يدل على خلو المرتبة - ليدلّ على خلـو الحرف من الحركـة (8) .

ولعل السبب في أن الحروف أصلها السكون ؛ لأنّ الحرف ليس له معنى بمفرده ، ولا يكون له معنى إلاّ مع غيره ، فحروف الهجاء تدب فيها الحركة إذا ائتلفت مع الحروف الأخرى في الكلمة ، وتتغير حركاتها بتغيّر المعاني التي تدلّ عليها ، ويسكن ما يسكن منها - بعد ائتلافها - منعاً لتوالي الحركات .

والجزم من خصائص الأفعال ، والأفعال التي يلحقها السكون هي : فعل الأمر ، والفعل المضارع إذا سبق بجازم ، أو إذا وقع جواباً للطلب ، وسيتضح ذلك فيما يلي :

(الصمصام)
04-23-2008, 03:18 AM
جزم الفعل المضارع : (9)

يجزم الفعل المضارع في موضعين :

أولهما : إذا سبق بأداة من الأدوات التي تجزم المضارع ، وهي نوعان:

الأول - أدوات تجزم فعلاً واحداً ، وهي أربعة أحرف : اللام الطلبية، و " لا " الطلبية، و"لم" ، و" لمّا " .

الثاني - أدوات تجزم فعلين : أحدهما فعل الشرط ، والآخر :جواب الشرط ؛ وهي إحدى عشْرةَ أداةً: "إنْ - إِذْمَا - مَنْ - مَا - مَهْمَا – مَتَى - أيَّانَ - أيْنَ - أنَّى - حَيْثُمَا - أيّ " .

وثاني الموضعين : إذا وقع جواباً للطلب . وهو موضوع هذا البحث .

جزم المضارع في جواب الطلب

يجوز جزم الفعل المضارع الواقع في جواب الطلب إذا سقطت الفاء ، بشرط أنْ يقصد الجزاء .

والمقصود بوقوع الفعل المضارع جواباً للطلب ؛ هو أنْ يكون مترتباً على كلام قبله ترتب الجواب على السؤال .

والمراد بقصد الجزاء ؛ هو تقدير الفعل " مسبباً عن ذلك الطلب المتقدم، كما أن جواب الشرط مسبب عن فعل الشرط "(10) .

فمثال جزم المضارع بعد الأمر : " ايتني أكرمْك " .

وبعد الدعاء : ربِّ وفقْني أطعْك " .

وبعد التمني: " ليت لي مالاً أنفقْه " .

وبعد الترجّي : لعلّك تتصدقُ تؤجرْ "

وبعد الاستفهام : " أين بيتك أزرْك ؟ " .

وبعد العَرْض : " ألا تنزلُ عندنا تصبْ خيراً " .

وبعد التّحْضِيض : " هلاّ تزورُنا نكرمْك "

وبعد النّهْي " لا تكفرْ تدخلْ الجنة " .

جزم ما جاء بمعنى الأمر :

كل ما دلّ على معنى الأمر - وإن لم يكن بصيغة فعل الأمر المخصوصة - يجوز عند الجمهور أن يُجزم بعده المضارع إذا خلا من الفاء، وقصد معنى الجزاء؛ لأن علة الجزم تكمن في المعنى لا في اللفظ ، فما جاز فيما جاء بصريح اللفظ في الأمر وغيره ، جاز فيما جاء بمعناه (11) .

فمما جاء على معنى الأمر (12) :

1- اسم الفعل :

وذلك نحو : " نزالِ أكرمْك " ، و " مناعِ زيداً من الشرِّ تؤجرْ " ،

و "تراكِ زيداً يخرجْ" ، و "عليك زيداً أكرمْك " ، و" دونك عمراً أحسنْ إليك " .

وأيضاً : " صَهْ أكلمْك " ، و " مَهْ تُكْرَمْ " ، و " رُوَيدَك أحسنْ إليكَ "؛ ومنه قول الشاعر(13) :

رُوَيْدَ تَصَاهَلْ بالعِرَاقِ جيادُنا كأنّك بالضَّحَّاكِ قَدْ قَامَ نَادِبُه

ومنه قول الشاعر أيضاً (14) :

وَقَوْلِي كلَّما جَشَأَتْ وَجَاشَتْ مَكَانَكِ تُحْمَدِي أو تَسْتَرِيحِي .

فجزم في البيت الأول " تَصاهلْ " في جواب اسم الفعل " رُوَيْد " ؛ لأنه بمعنى "تمهّلْ " . وجزم في البيت الثاني " تُحمدي " في جواب اسم الفعل " مكانَكِ " ؛ لأنه بمعنى " اثبتي " . وكل ما أشبه هذا من أسماء الأفعال يجري مجراه.

2- ما جاء بلفظ الخبر :

أ- ويكون دعاءً : نحو : " غفر الله لك يدخلْك الجنة " ؛ أي : إنْ غفر لك يدخلْك الجنة ، و" غفر الله لي أنج من عذاب الله " ؛ أي : إنْ غفر الله لي أنجُ ، ومعناه معنى " اللّهمّ اغفرْ لي أنجُ " ، لكنه جاء مجيء لفظ الإخبار بالغفران على خلاف الأصل ، فصحّ الجزم ؛ لأنّ معنى الشرط فيه صحيح .

ب- ويكون غير دعاء : نحو قولهم : " حَسْبُك يَنَمِ النَّاسُ" ؛ أي : اكتفِ ينم الناس ؛ وقالوا : " أتّقَى اللهَ امرؤٌ وفعل خيراً يُثَبْ عليه " معناه : لِيَتَّقِ وجعلوا منه قوله تعالى : ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاْللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فيِ سَبِيلِ اللهِ بأَمْواَلِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ .... ﴾ (15) فجزم" يغفرْ "؛ لأنه جواب " تؤمنون " لكونه في معنى : " آمنوا " ، والدليل قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه - " آمنوا …………وجاهدوا " (16) وقال أبو حيّان :(17) " قال بعض أصحابنا : الفعل الخبري لفظاً ، الأمريّ معنى لا يقاس ، ولم يُسمع منه إلاّ الذي ذكرناه ".

وجعل الشاطبي مما جاء بلفظ الخبر التحذير والإغراء ونحوهما قياساً على ما سبق ؛ وذلك نحو : " إيَّاك وزيداً تسلمْ منه " ، و " وأخاكَ تقو به".

ومن هذا الباب ما قام من المصادر مقام أفعال الأمر، كـ " ضرباً زيداً يتأدبْ ". وصرّح الشاطبي بأنّ هذا كلّه إنّما أتى به على ما يحتمله كلام ابن مالك ، وما يسوغه القياس، ولم ير فيه نصاً (18) .

(الصمصام)
04-23-2008, 03:20 AM
وبعد هذا العرض الموجز لجزم المضارع في جواب الطلب ، نقف عند بعض القضايا التي اختلف فيها النحويون في هذا الباب ، وهي :

أولاً - عامل الجزم في جواب الطلب .

ثانيًا- علّة امتناع جزم المضارع بعد النفي والخبر المثبت .

ثالثًا- الجزم في جواب النهي .

رابعًا-أثر المعنى على الحركة الإعرابية في المضارع الواقع بعد الطلب .



أولاً : عامل الجزم في جواب الطلب

لمَّا كان الطلب - وهو الأمر ، والنهي ، والدعاء ، والتمنّي ، والترجّي ، و الاستفهام ، والعَرْض ، والتخصيص - لا يقتضي جواباً لعدم توقف شيء منه في الفائدة على غيره ، وقد تلاه جواب مجزوم؛ فقد دلّ ذلك على وجود جازم ترتب عليه الجواب فانجزم ، ومن هنا أخذ النحويون يبحثون عن العامل الذي جزم جواب الطلب ، فاختلفوا في تحديد هذا العامل على أربعة مذاهب :

أوّلها :أن الجازم هو لفظ الطلب ضُمّن معنى حرف الشرط فجزم ، كما أن أسماء الشرط تضمنت معنى حرف الشرط "إنْ " فجزمت ؛ نحو : " مَنْ يأتني أكرمْه ، فأغنى ذلك التضمين عن تقرير لفظها بعد الطلب .

ونُسب هـذا المذهــب إلى الخليل ، وسيبويه ، وابن خروف ، وابن مالك (19) ، ورُدّ هذا القول بالاعتراضات الآتية :

1- إنّ تضمين الفعل معنى الحرف إمّا غير واقع ، أو غير كثير ، بخلاف تضمين الاسم معنى الحرف(20) .

2- إنّ تضمين الفعل معنى الحرف يقتضي أن يكون العامل جملة ، ولا يكون العامل جملة ، قاله ابن عصفور (21) .

3- إنّ في تضمين الطلب معنى الشرط تضمين معنيين: معنى " إنْ " ، ومعنى الفعل ، ولا يوجد في لسان العرب تضمين لمعنيين ، إنّما يكون التضمين لمعنى واحد .

4- إنّ معنى " إنْ تأتني " معنى غير طلبي ، فلو تضمنه فعل الطلب في نحو: " ايتني آتك " لكان الشيء الواحد طلباً غير طلب ؛ أي مضمناً لمعنيين متناقضين.

وهذا الاعتراض والذي قبله لأبي حيّان (22) .

5- إنّ تضمّن الطلب معنى حرف الشرط " إنْ " غير جائز ؛ لأنّ حرف الشرط لابد له من فعل .

وهذا الاعتراض للأشموني(23) . وقد أجيب بأنّ هذا في الشرط التحقيقي لا التقديري ، فهو ليس شرطاً حقيقة بل مضمناً معناه(24) .

6- إن تضمين الطلب معنى الشرط ضعيف ؛ لأنّ التضمين زيادة بتغيير الوضع ، والإضمار زيادة بغير تغيير ، فهو أسهل ، ولأنّ التضمين لا يكون إلاَّ لفائدة، ولا فائدة في تضمين الطلب معنى الشرط ؛ لأنه يدل عليه بالالتزام ، فلا فائدة في تضمينه معناه ، قاله ابن الناظم .(25) .

ثانيها : إنّ الجازم هو الطلب ناب مناب الشرط ، لا على جهة التضمين، بل على جهة أنّ هذه الأشياء من أنواع الطلب قد نابت مناب الشرط؛ بمعنى أن جملة الشرط قد حذفت ، وأنيبت هذه منابها في العمل ، ونظيره قولهم: " ضرْباً زيداً " ؛ فإنّ " ضرْباً " ناب عن "اضربْ " فنصب " زيداً " ، لا أنّه ضمن المصدر معنى فعل الأمر ، بل ذلك على طريق النيابة .

وهذا مذهب الفارسيّ(26) ، وابن عصفور(27) ، ونسبه أكثر النحويين إلى السيرافي(28).

ورُدّ هذا القول بالاعتراضات الآتية (29) :

1- إن نائب الشيء يؤدي معناه ، والطلب لا يؤدي معنى الشرط ؛ إذ لا تعليق في الطلب بخلاف الشرط .

2- إنّ الأرجح في " ضرْباً زيداً " أنّه منصوب بالفعل المحذوف لا بالمصدر؛ لعدم حلوله محل فعل مقرون بحرف مصدري .

ثالثها : إن الجازم هو شرط مقدر دلّ عليه الطلب، وذهب إليه أكثر المتأخرين، واختاره أبو حيّان (30) ، ورجّحه خالد الأزهريّ(31) وزعم أنه مذهب الخليل، وسيبوية، والسيرافي, والفارسي، إلاّ أنّهم اختلفوا في علته ؛ " فقال الخليل وسيبويه : إنما جَزَمَ الطلب لتضمنه معنى حرف الشرط، كما أنّ أسماء الشرط إنما جَزَمتْ لذلك . وقال الفارسي والسيرافي : لنيابته مناب الجازم الذي هو حرف الشرط المقدر ….."(32) .

مما سبق نجد أنّ المذاهب الثلاثة تدور حول مصطلحات ثلاثة: " التقدير ، والتضمين ، والنيابة " ؛ فهل الجازم هو :

1- شرط مقدر بعد الطلب ؟ " وهو المذهب الثالث "

2- أم الطلب الذي تضمن معنى الشرط ؟ " وهو المذهب الأول "

3- أم الطلب الذي ناب مناب الشرط ؟ " وهو المذهب الثاني "

ولا يخفى ما في نسبه هذه المذاهب إلى كلٍّ من الخليل، وسيبويه، والسيرافي، والفارسي، من اضطرابٍ ؛ فقد نُسب إلى الخليل، وسيبويه المذهب الأوّل وهو " التضمين " ، كما نُسب إليهما المذهب الثالث وهو " التقدير " . ونُسب إلى السيرافيّ، والفارسي المذهب الثاني ، وهو " النيابة " ، كما نسب إليهما - أيضاً - المذهب الثالث وهو " التقدير " .

وللوقوف على الحقيقة لابدّ من ذكْر كلامِ كلِّ واحدٍ منهم بنصّه ، قال سيبويه(33) : " وإنما انجزم هذا الجواب كما انجزم جواب " إن تأتني " بإن تأتني؛ لأنهم جعلوه معلقاً بالأول غير مستغن عنه - إذا أرادوا الجزاء - كما أنّ " إنْ تأتني " غير مستغنية عن " آتك " .

وزعم الخليل : أنّ هذه الأوائل كلها فيها معنى " إنْ " فلذلك انجزم الجواب ……" .

فكلام سيبويه يحتمل أن يكون الجازم " إنْ والفعل " أي: شرط مقدر، ويحتمل أن يكون الجازم الطلب تضمن معنى الشرط المقدر ، أو الطلب ناب مناب الشرط المقدر ، فهو يحتمل المذاهب الثلاثة .

وقوله : " وزعم الخليل " قد يشير إلى أن ثمة اختلافًا بين مذهبيهما.

وكلام الخليل يحتمل - أيضاً - المذاهب الثلاثة؛ فقوله : " إن هذه الأوائل فيها معنى إنْ " يحتمل أنّها تضمنت معنى " إنْ " ، كما يحتمل انها نابت مناب " إنْ " ودلت على معناها. وقوله : " فيها معنى إنْ " يدل على أنّ الشرط ملحوظ مقدّر ، إمّا على جهة التضمين، أو النيابة . فالتقدير، والتضمين، والنيابة محتمَلة في كلامه .

أما قول السيرافي (34) " جُزِمَ جواب الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والعَرْض بإضمار شرط في ذلك كله0000 ولفظ الأمر والاستفهام لا يدل على هذا المعنى ، والذي يكشفه الشرط ، فوجب تقديره بعد هذه الأشياء " .

فقوله : " بإضمار شرط في ذلك كله " يدل على أن الجازم هو الشرط المضـمر في الطلب إمّا على جهة التضمين أو النيابة؛ لأنه يدل على معناه . وقوله : " فوجب تقديره بعد هذه الأشياء " يقطع بأن يكون الجازم هو الشرط المقدر .

أما قول الفارسي في (الإيضاح) (35): " وقد يحذف الشرط في مواضع فلا يؤتى به لدلالة ما ذكر عليه ، وتلك المواضع : الأمر، والنهي 0000 " ؛ فيدل على أن الجازم شرط مقدر محذوف ، كما أنه قد يدل على أن الجازم الطلب الذي تضمن الشرط ودل عليه ، أو الطلب الذي دل على الشرط فناب عنه ؛ فاحتمل كلامه - أيضاً - المذاهب الثلاثة ، ولا يبعد عنه ما جاء في ( المسائل المنثورة )(36) .

وبإنعام النظر فيما أثر عن هؤلاء النحاة ؛ نجد أنّ أقوالهم تتشابه ولا تناقض بينها - وإن اختلفت عباراتهم - كما أنّ بعضها يحتمل المذاهب الثلاثة ، ومن هنا ندرك سبب اضطراب العلماء في نسبة هذه المذاهب إليهم .

والحقيقة أن الخليل ، وسيبويه ، والفارسي لم يصرح أحد منـهم بتأييده لمذهب من هذه المذاهب ، ولم يحدد أحد منهم مصطلحاً معيناً من المصطلحات الثلاثة ويتشبث به ، وإنّما الذين أوجدوا هذا الخلاف وحاولوا أن يعمّقوه ، وأن يوجدوا فروقاً بين أقوال النحاة ؛ هم المتأخرون (37) ، فحاول كل منهم أن يؤوّل كلام السابقين ويوجهه وفق مذهبه ، حتى اتسعت شقة الخلاف .

ولم يختلف أحد على وجود شرط ملحوظ في الكلام ، سواء أقدرناه بعد الطلب ، أم قدرناه في الطلب على جهة التضمين أو النيابة ؟ فالشرط ملحوظ في جميع التراكيب التي انجزم فيها المضارع ، والفرق بين التضمين والتقدير أنّ التضمين : يكون في المعنى المتضمن على وجه لا يصح إظهاره معه . والتقدير : يكون على وجه يصح إظهاره معه (38) .

أما قول النحويين بأن الجازم هو الطلب مضمناً معنى الشرط ، أو نائباً مناب الشرط ففيه ترخُّص ؛ لأن الطلب في حد ذاته لا يفتقر إلى جواب ، والكلام تام به ، فإذا قلنا : " افعلْ " أو " لا تفعل " فإنما نطلب من المأمور أن يفعل ، أو ننهاه عَنْ أَنْ يفعل ، ولا وجود لمعنى الشرط فيه بمفرده ؛ إذ لا يقتضي - بمفرده - جواباً ، ولا يتوقف وجود غيره على وجوده ، ولكن إذا أتينا معه بجواب ، نحو : " ايتني آتك " ، دلّ ذلك على أن هناك شيئاً يتوقف عليه هذا الجواب ، ولم نلحظه من الطلب بمفرده ، ولا من الجواب بمفرده، بل منهما معاً ، ولله درّ ابن خروف ! إذ قال : " كلُّ جوابٍ يُجزم فلتضمن الكلام معنى الشرط "(39) ، فقال : " لتضمن الكلام " ولم يقل: الطلب ؛ لأن الطلب بمفرده - كما سبق- كلام تام ، لا يوجب اقترانه بجواب ، ولكن الكلام المشتمل على الطلب والجواب معاً دلاّ على معنى الشرط . وقال في (شرح الكتاب)(40) : "والجازم في هذا الباب للجوابات الكلام الذي دخله معنى الشرط ؛ لأنه في معنى " إنْ تأتني آتك "، والعامل في جواب الشرط الصريح حرف الشرط ومجزومه ، فكذلك ما ناب منابه وتضمن معناه " .

والأمر أيسر من أنْ يُجعل فيه خلافٌ ، إذ قَصْدُ الشرط موجود في كلامهم وإن اختلفت العبارة ، والجزم حاصل بالشرط الملحوظ من الكلام سواء أكان مقدراً في الكلام وجاز التلفظ به ، أم تضمنه الطلب ولم يَجز التلفظ به ، أم ناب عنه؟ . والذي قادهم إلى إيجاد هذا الخلاف مصطلحات ثلاثة : " التقدير ، والتضمين ،والنيابة " ، وحسماً للخلاف يمكننا القول: بأن الجازم للجواب شرطٌ مقدرٌ ملحوظٌ ، تضمنه الكلام ، وناب منابه - وهو قريبٌ ممّا قاله ابن خروف - سواء تلفظنا به أم لم نتلفظ به ، وبذلك نكون قد وَفّقْنا بين المذاهب الثلاثة . قال الشاطبيّ(41) : " والخَطْبُ في المسألة يسيرٌ ، وكلاهما محتملٌ ممّا يقال به ، فلا حاجة إلى الإكثار " .

(الصمصام)
04-23-2008, 03:22 AM
رابعها : أي المذهب الرابع في عامل الجزم في جواب الطلب هو : أن الجازم لامٌ مقدرةٌ . وهذا القول لا يُعتد به ، قال الأشموني (42) " وهو ضعيفٌ، لا يطّرِدُ إلا بتجوّزٍ وتكلّفٍ " ؛ فالتجوّز ؛ لأن أمر المتكلم نفسه إنما هو على التجوز بتنزيل نفسِه منزلة الأجنبي ، وأمّا التكلّف ؛ فلأنّ دخول لام الأمر على فعل المتكلم قليلٌ (43) .

ثانياً : علة امتناع جزم المضارع بعد النفي والخبر المثبت

علّل النحويون امتناع جزم المضارع بعد النفي نحو : " ما تأتينا تحدثنا" بعللٍ شتى ، منها ما يلحظ فيه التكلف والبعد عن المنطق ، ومنها ما يكتنفه الغموض وعدم الوضوح ، ومنهم من اكتفى بمنع الجزم ولم يعلل (44) .

وإذا نظرنا إلى حقيقة الأمر وجدنا أنّ النفي كالإثبات خبر محض لا يتوقف عليه كلام قبله ، ولا يترتب عليه ترتب الجواب على السؤال، فإذا قلت : "فعلتُ كذا"، أو" لمْ أفعلْ كذا" فهو خبر قابل للتصديق والتكذيب ، وليس فيه طلب يترتب على تنفيذه أو عدم تنفيذه أمر ما ، أو رد فعل معين ، فالمتكلم أراد أنْ يخبر فحسب ، ولم يرد أن يشترط لهذا الخبر شرطاً تترتب عليه نتيجة كما يترتب جواب الشرط على الشرط ؛ ولذلك لم ينجزم بعده المضارع إذا خلا من الفاء ؛ لأنه لم يحسن معه الشرط ، فالشرط لا يحسن إلا مع الطلب ، أما الخبر - سواء كان بالنفي أم بالإثبات - فلا يحسن معه الشرط ، ولذلك لم يرد به سماع عن العرب ، فالعرب لا تتكلم إلا بما هو صواب يقبله المنطق .

أمّا إطلاق كلمة " جواب " على الفعل المضارع المنصوب المسبوق بنفي فهو غير صحيح ، وإنما هو من قبيل الاستطراد ، ومجاراة لأساليب الطلب التي ينتصب معها المضارع بعد فاء السببية ، ولما كان النفي - أيضاً - ينتصب معه المضارع المقترن بالفاء ، أُطلق عليه طلب من قبيل التجوّز والترخص ، وطرداً للتسمية على جميع الأساليب المتقدمة التي ينتصب بعدها المضارع .

ونُسِبَ جواز الجزم بعد النفي إلى الكوفيين و الزجاجي ؛ (45) فأمّا نسبته إلى الزجاجيّ فما هو إلا من قبيل التعميم ؛ فلما كان المضارع ينتصب بعد الفاء المسبوقة بطلب أو نفي لتضمنه معنى السببية ، وبسقوط الفاء ينجزم بعد الطلب لتضمنه معنى الشرط الذي لا يحسن مع النفي لما ذكرناه سابقاً ؛ أدخل النفي مع الطلب عن غير قصد ، فقال : " وكل شيء كان جوابه بالفاء منصوباً ، كان بغير الفاء مجزوماً "(46) ، فلم يصرح بالنفي في هذه العبارة ، ولو قال : " كان فعله بالفاء منصوباً " لكان أدق في التعبير ؛ لأن النفي إخبارٌ لا يحتاج إلى جواب كالطلب .

أما قوله : " اعلم أنَّ جوابَ الأمرِ ، والنْهي ، والاستفهام ، والتمني، والعَرْض، والجحد، مجزوم على معنى الشرط 000" (47) .

فالملاحظ أنّ عبارة " على معنى الشرط " ملحقة في بعض النسخ ، وساقطة من بعضها ، فلا يبعد أن تكون كلمة " الجحد " قد أُلحقت أيضاً من قبل النساخ ظناً منهم بأنه قد غفل عن إدراجها ضمن ما ينجزم بعده المضارع ، إذ كان ضمن ما ينتصب بعده ، وتناقل النحويون ذلك عنه ونسبوه إليه .

وعلى أي حال فقـد خطّأه كثير من شراح ( الجمل ) وتعقّبوه وردّوه عليه(48).

وأمّا ما نُسب إلى الكوفيين فلم أجده فيما اطلعت عليه من كتبهم .

وأجـاز الصيمري في ( التبصرة والتذكرة ) الجزم بعد النفي ، ومثّل له بقوله : " ما أنت جواداً أقصدْك "(49) . وقال أبو حيان : " والصحيح أنّ الجزم بعد حذف الفاء في النفي لا يجوز ، ولم يرد به سماع ، ولا يقتضيه قياس"(50) .

نستنتج مما سبق أن الجزم بعد النفي غير جائز ؛ لأنّ النفي إخبار وليس طلباً، وما نسب إلى الزجاجي والكوفيين مشكوك في صحته ، والصواب ما عليه الجمهور .

(الصمصام)
04-23-2008, 03:25 AM
ثالثاً : الجزم في جواب النهي

عرفنا فيما سبق أنّ جواب الطلب يُجزم عند سقوط الفاء إذا قُصد الجزاء ، والجازم هو شرط مضمر ملحوظ من الكلام المكون من جملة الطلب وجملة الجواب معاً ، يُقدر بـ " إنْ " والفعل المناسب . واختيرت " إنْ " دون غيرها من حروف الجزاء ؛ لأنّها أمُّ حروف الجزاء ؛ فهي لا تفارق المجازاة ، في حين غيرها من حروف الجزاء قد يتصرفن فيفارقن الجزاء .

والعلّة في تقدير المجازاة - هنا - هي إيجاد مسوّغ لجزم جواب الطلب؛ إذ الطلب في حد ذاته لا يقتضي جواباً ، ولا يفتقر إلى جواب ، ولكن لما وجد جواب مجزوم ، كان لابد من إيجاد ما ينجزم به هذا الجواب ويتوقف عليه ، لذلك قدّر النحويون المجازاة ، بشرط مضمر يُقدر بـ " إنْ والفعل " ؛ فهذا الإضمار أو التقدير هو أمر وهميّ متخيّل ، الغرض منه تسويغ الجزم في جواب الطلب ؛ لذا لا يصح أن ينجـزم الجواب إلاّ إذا صحّ المعنى بتقدير " إنْ والفعل " ، فإذا لم يصح المعنى بتقدير الشرط ، لم يجز الجزم في الجواب ؛ فيجوز الجزم في نحو :" علّمني عِلْمًا انتَفِعْ به " (51)،وقوله تعالى:

﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا .... ﴾ (52) ويمتنع الجزم في نحو : " أطعمْ جائعاً يبحثُ عن طعامٍ".

ويجب الجزم في نحو : " افتحْ صنبورَ الماءِ ينهمرْ ماؤه " ، وقوله تعـالى: ﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ أوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ .... ﴾ (53) .

وأضاف أكثر النحويين (54) إلى هذا الشرط العام شرطاً آخر لصحة الجزم في جواب النهي ، وهو وقوع " لا " بعد " إنْ " الشرطية المقدرة دون أنْ يقع فساد في المعنى ؛ قال ابن مالك(55) :

وشَرْطُ جزمٍ بعدَ نهيٍ أنْ تضع " إنْ " قبلَ " لا " دونَ تخالفٍ يقع

فصحّ الجزم في نحو : " لا تدنُ من الأسدِ تسلمْ"،و" لا تعصِ اللهَ تدخلِ الجنةَ " ؛ لأنّ التقدير : إنْ لا تدنُ من الأسدِ تسلمْ ، وإنْ لا تعصِ اللهَ تدخلِ الجنةَ ؛ فصح المعنى؛لأن عدم الدنو سبب في السلامة ، وعدم المعصية سبب في دخول الجنة.

وامتنع الجزم - عندهم - في نحو : " لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك "، و" لا تعصِ اللهَ تدخلُ النارَ " ، قالوا : لأنّ التقدير : إنْ لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك ، وإنْ لا تعصِ اللهَ تدخلُ النارَ . فهذا المعنى فاسد - ولا شك - والسبب هو تقدير "لا" بعد " إنْ " الشرطية ، ولو لم يقدروها لاستقامت العبارة ، واستقام المعنى .

ولم يشترط الكسائي (56) هذا الشرط – وهو تقديره " لا " ضمن جملة الشرط المقدرة – بل يقدر التقدير المناسب للمعنى الذي تدل عليه القرائن ، إذ المعوّل عليه في جزم الجواب هو المعنى ؛ فيصح الجزم – عنده – في كلتا الحالتين لصحة المعنى بتقدير " لا " في جملة الشرط المقدرة في المثالين الأولين ، أي : " إنْ لا تدنُ منْ الأسدِ تسلم "، و " إنْ لا تعصِ اللهَ تدخلُ الجنةَ " وعدم تقديرها في المثالين الأخيرين ؛ لأنه واضح فيهما أنّ قصد المتكلم: " إنْ تدنُ من الأسدِ يأكلك " ، و " إنْ تعصِ اللهَ تدخل النار " .

ونُسب هذا المذهب أيضاً - وهو صحة الجزم في نحو : " لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك " - إلى الكوفيين عامة (57) .وصرح السهيليّ بجوازه ، وقال بأن له نظائر وشواهد يطول ذكرها وخرّجه على ما ذهب إليه الكسائي ، أو على إضمار فعل يدل عليه النهي ، أو أن يكون منجزماً على نهي آخر .

وقال بأن الثلاثة الأوجه جائزة على أصول النحويين أجمعين (58) وأجازه الأخفش(59) لا على أنه جواب ، بل حملاً على اللفظ الأول؛ لأنه مجزوم.

وأجازه الجرميّ على قُبحٍ(60) ، وقال سيبويه: " فإن قلتَ : لا تدنُ من الأسد يأكلْك فهو قبيح إنْ جزمت ، وليس وجه كلام الناس " (61) .

واحتجّ المانعون بفساد المعنى عند تقدير " لا " بعد " إنْ " الشرطية ، إذ سيصير " إنْ لا تدنُ من الأسدِ يأكلْك " ، وهذا محال ، لأنّ تباعده لا يكون سببًا لأكله ، ويجوز الرفع، أو إدخال الفاء والنصب (62) .

وقالوا بأنّ المضمر يجب أنْ يكون من جنس المظهر (61) إذ لو خالفه لما دلّ عليه ، فيجب أنْ تعاد " لا " في جملة الشرط المقدرة .

أما المجيزون فاحتجوا بالقياس والسماع ، بالقياس على النصب فكما جاز النصب في " لا تدنُ من الأسدِ فيأكلَك " بثبوت الفاء والنصب ، جاز الجزم عند سقوطها.

وبالسماع (64) ، فقد جاء في الأثر أنّ أبا طلحة قال للنبيّ – صلى الله عليه وسلم – في بعض المغازي : " لا تُشْرِفْ يُصبْك سَهْمٌ من سِهَامِهِمْ "(65) –بجزم " يصبك " على جواب النهي –

وعنه- صلى الله عليه وسلم– "منْ أَكَلَ مِنْ هذه الشَّجَرَةِ فلا يقربْ مسجدَنا يؤذِنا بريحِ الثومِ "(66) بجزم " يؤذنا " على جواب النهي .

وعنه-صلى الله عليه وسلم- : " لا تَرْجِعُوا بعدي كفاراً يضربْ بعضُكم رقابَ بعضٍ "(67) بجزم " يضربْ " على جواب النهي .

كما احتجوا بقول بعض العرب : " لا تَسْألُونا نُجبْكم بما تكرهون "(68) بجزم " نجبْكم " على جواب النهي .

- وبقراءة الحسن : ﴿ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثرْ ﴾ (69) بالجزم في بعض التوجيهات .

- وجاء في( كتاب الجمل) (70) " لا تقصدْ زيداً تندمْ " .

- وفي( التبصرة والتذكرة) للصيمري (71) - في بعض النسخ -: " لا تشتم زيداً يضربْك " .

وأجاب البصريون بأنه لو صحّ القياس على النصب لصحّ الجزم بعد النفي قياساً على النصب (72) .

وردوا النصوص السابقة (73) بندورها ، وبجواز أن يكون المجزوم ثانياً بدلاً من المجزوم أولاً لا جواباً ، وبثبوت الياء في الحديث الأول والثاني في بعض الروايات .

أما قراءة الحسن ، فقالوا بأنها تحتمل عدة أوجه (74) :

1- أن تكون " تستكثر " بدلاً من " تمنن " ، وأنكره أبو حاتم (75) ، وقال : إنّ المن ليس بالاستكثار فيبدل منه .

2- أن يكون قدّر الوقفَ عليه؛ لكونه رأس آية ، فسكّنه ثم وصله بنية الوقف.

3- أن يكون سكّنه لتناسب الفواصل ، وهي : فأنذر ، فكبر ، فطهر ، فاهجر.

4- أن يكون أسكن الراء لثقل الضمة، مع كثرة الحركات تشبيهاً له بـ "عضد".

5- إثبات الوجه إنْ لا تمنن تستكثر من الأجر .

وقد أجمع القراء السبعة على الرفع فيه (76) ، والجملة في موضع نصب على الحال ؛ أي : ولا تمنن مستكثراً ما أعطيت ، أو على حذف " أنْ " فارتفع الفعل .

وقرأ الأعمش (77) " تستكثرَ " بالنصب بأن مضمرة ، أي : لا يكن منك منٌّ ولا استكثار ، ويعضده قراءة ابن مسعود . " أنْ تستكثرَ "(78) .

وأجاز العكبري جزمه على الجواب ، قال : " والتقدير في جعله جواباً : إنّك إن لا تمنن بعملك أو بعطيتك تزدد من الثواب لسلامة ذلك عن الإبطال بالمن والأذى. على ما قال تعالى: ﴿ لا تـُبْـطِـلُوا صَدَقـَاتِـكُم بِالْمَنِّ والأَذَى ﴾ (79)" (80).

(الصمصام)
04-23-2008, 03:27 AM
وبعد عرض القضية وحجج الفريقين ، وبإنعام النظر في الأساليب التي أجازوا فيها الجزم والتي منعوه فيها ، نحو : " لا تدنُ من الأسد تسلمْ " ، و " لا تدنُ من الأسد يأكلْك "، نجد أنْ لا فرق بينهما في التركيب ، فكلاهما يتكون من عناصر أساسية هي : أداة النهي ، والفعل ، وجار ومجرور ، والجواب ، وكلاهما نهي يترتب عليه جلب مصلحة أو دفع ضرر ، وهذا هو وجه الاختلاف بينهما ، فالمنع إذن ليس من جهة اللفظ ، وإنما من جهة المعنى ، والمتكلم عندما ينهى شخصاً إما أن يبين له عواقب الطاعة ، أو أن يبين له عواقب المعصية ، فإن أراد إقناعه نهاه ورغبه في الأمور الحسنة التي تترتب على الامتثال ؛ نحو:" لا تعص الله تدخل الجنة " و " لا تكذبْ تنجُ " و " لا تهملْ واجبك تنجح ".

و إنْ رآه في خطر نهاه وحذره من المخاطر التي تترتب على عدم الامتثال ، ويكون همه هو درء الخطر عنه وتخويفه . ولنا أن نتخيل حالة الرعب والتوتر والاضطراب التي يكون عليها من رأى شخصاً أو طفلاً يهم بعمل يترتب عليه خطر ؛ أينهاه مبيناً حسنات الامتثال ، أم ينهاه مبينًا المخاطر؟

لا شكّ أنّ الحالة النفسية للمتكلم لها تأثير في تحديد الأسلوب الذي يُعبّر به عما يدور في نفسه ، ففي الغالب ينهاه مبينًا المخاطر التي تترتب على عدم الامتثال ، لأنّ همّه هو درء الخطر عنه ، فيقول له : " لا تقتربْ من النار تحترق " و " لا تكسلْ تندمْ " و " لا تمسكْ الزجاج يقطعْ يدك " .

ولو تدبرنا الاستخدام اللغوي في وقتنا الحاضر ، وجدناه يجري هذا المجرى، وعلى هذا جاء ت النصوص السابقة التي احتج بها الكسائي ومن وافقه .

والكسائيّ – كما هو معروف – علم من أعلام النحو ، وهو إمام المذهب الكوفيّ ، وأحد القراء السبعة ، فما أجازه لابد أن يكون عن ُبعْدِ نظرٍ ، وله وُجْهةٌ في ذلك .(81)

وقال الرضي (82) " وليس ما ذهب إليه الكسائيُّ ببعيد لو ساعده نقل " وقد ساعده النقل بالنصوص السابقة التي وردت .

وحجّة المانعين هي عدم استقامة المعنى بتقدير " إنْ لا " . فإذا عرفنا أنَّ تقدير الشرط أمرٌ وهميٌّ افتراضيٌّ وضعه النحويون لتسويغ الجزم في جواب الطلب ولم تتكلم به العرب ، ولم تظهره في كلامها ، وعلة المنع هي من جهة المعنى عند تقدير : " إنْ لا " ، ويترتب على النهي إمّا الطاعة وإمّا المعصية ؛ إذن ِلمَ لا نقدر التقدير الذي يناسب المعنى ويحدّده السياق ؟ ويتم ذلك بالاستغناء عن "لا" تلك التي يفسد معها المعنى- فيما ذكروا- فيكون التقدير في نحو " لا تدنُ من الأسدِ تسلمْ ": إنْ لا تدنُ تسلمْ، وفي نحو " لا تدن من الأسد يأكلك " : إن تدن يأكلْك – وهو ما قاله الإمام السهيلي في بعض توجيهاته (83) – فالمعنى الذي يشتمل عليه أسلوب النهي المجاب عنه يتضمن طاعة يترتب عليها أمر حسن ، أو معصية يترتب عليها أمر سيء ، فالمهم إن معنى الجزاء الذي هو شرط في جزم الجواب متحقق في التركيب في كلتا الجملتين على اعتبارات معنوية مختلفة ، وبالتقدير المناسب للمعنى الذي قصده المتكلم .

يقول السيوطي (84) : " ينبغي أنْ يُقدّرَ المُقدَّرُ من لفظِ المذكورِ مهما أمكن ... فإذا مَنع من تقدير المذكور مانعٌ معنويٌّ أو صناعيّ قُدِّر مالا مانع له".

ويقول ابن جني في ( باب تجاذب المعاني والإعراب) (85) : "...وذلك أنّك تجد في كثير من المنثور، والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذبين : هذا يدعوك إلى أمر ، وهذا يمنعك منه ، فمتى اعتورا كلاماً ما أمسكت بعروة المعنى ، وارتحت لتصحيح الإعراب" .

وإذا أردنا أنْ نحتفظ بلفظ الفعل الأساسي ، وبمعنى الطلب نقدر في الأول " لا تدنُ من الأسدِ [ إنْ لا تدنُ ] تسلمْ " ، وفي الثاني " لا تدنُ من الأسد [ إنْ تدنُ ] يأكلْك " ، ويساعد على هذا التقدير قيام القرينة المعنوية فلا داعي للتمسّك باشتراط تقدير " لا " الناهية في جملة الشرط – إذا وُجدت القرينة المعنوية – كما لم يشترطوا تقدير أدوات الطلب الأخرى ؛ نحو " أيْنَ بيتك أزرْك ؟ " و" ألا تنزلُ عندنا تصبْ خيراً " و " ليتَ لي مالاً أنفقْ منه ".

كما أنَّ " لا " الناهية ستتحول عن أصلها بدخول " إنْ " الشرطية عليها وستصبح نافية .

ومن هنا ندرك سبب اختيار أكثر النحويين المذهب الثالث في عامل الجزم، وهو شرط مقدر ، كما ندرك سبب قول كثير منهم أن يكون تقديره بعد الطلب ؛ قال السيرافي : " ولفظ الأمر والاستفهام لا يدل على هذا المعنى ، والذي يكشفه الشرط ، فوجب تقديره بعد هذه الأشياء "(86) .

لذا فالرأي هو جواز الجزم فيما ورد من النصوص على البدلية وعلى الجزاء .

فإذا كانوا قد أجازوا الجزم في النصوص التي وردت وخرَّجوه على البدلية، فلم لا يجيزون القياس على تلك النصوص ؟

وإذا أجازوا القياس على تلك النصوص ، وخرَّجوه على البدلية أليس من الأولى أنْ يُجاز على الجزاء ما دامت القرائن تبين المعنى ؟! أليس من الأولى أنْ نعود إلى رأي الكسائي الذي يُجيزه على الجواب ؟وبينَ المعنيينِ فرقٌ بيّنٌ .

وليس حمل قراءة الحسن على ما ذهب إليه الجمهور - على جودته - بمانع من أن تحمل على ما ذهب إليه الكسائي ؛ فهو أيضاً جيّد في أداء المعنى .

وإجازة هذا على قلة، وللقادر على التمييز بين دلالات التراكيب، ولا مانع عندئذ من الحمل عليه عندما يكون الحمل عليه أولى .

(الصمصام)
04-23-2008, 03:30 AM
وفي تقديرِ الشرطِ بعدَ الطَّلَبِ ، وعدمِ اشتراطِ تقديرٍ مُعيَّنٍ فوائد عديدة منها :

1- المحافظة على صيغة الطلب الذي هو أساس المعنى ، وعدم اطراحه ، أو تحويله عن وجهته .

2- إبراز المعنى الإضافي الآخر الذي تضمنه الكلام ودلَّ عليه الطلب والجواب ، وهو الشرط المقدر .

3- اطّراد القاعدة في جميع أساليب الطلب ، ومعاملتها معاملة واحدة من حيث ذكر أداة الطلب أولاً وعدم إعادتها في الجملة الشرطية المقدرة .

4- الاحتفاظ بالحركة الإعرابية للفعل الطلبي ، وبمكونات تركيب جملة الطلب ؛ لأن حركة الفعل ستتغير بدخول " إنْ " الشرطية عليه .

ومثالٌ على ما سبق فإن جملة : " ألا تنزلُ عندنا تصبْ خيراً " إذا قُدِّرَ الشرطُ مكان الطلب ستصبح : " إنْ تنزلْ عندنا تصبْ خيراً " ، فيُلغى الطلب، ولا يصبح ثمّة ما يدلّ عليه ، ولا يُعرف أصله أهو نهي ، أم تمنٍ، أم عرض، أم تحضيض ،أم غيره؟ ، وهل الأصل: " ألا تنزلُ "، أم " لا تنزلْ "، أم " هلاّ تنزلُ " ، أم " ليتك تنزلُ " ، أم " لعلّك تنزلُ " ؟

كما أن الفعل الطلبي سيتغيّر بعد دخول " إنْ " الشرطية عليه ، فبعد أن يكون مرفوعاً ،أو مجزوماً بـ" لا" الناهية سيصبح مجزوماً بـ " إن " الشرطية.

أمَّا إذا كان تقدير الشرط بعد الطلب - وهو قول كثير من النحويين(87)- نحو : " ألا تنزلُ عندنا [ إنْ تنزلْ عندنا ] تصبْ خيراً " نكون قد حافظنا على مكونات الجملة الطلبية ، ومعنى الطلب ، وإعراب الفعل الطلبي.

5- الاحتفاظ بـ " لا " الناهية وعدم تحوُّلها إلى نافية بدخول " إنْ " الشرطية عليها ، وبالتالي سيتغير عملها ، فلو أُنيب الشرطُ منابَ الطلب – وهو النَّهي – فإنَّ جملة " لا تهجُ زيداً تسلمْ " ستصبح: " إنْ لا تـهجُ زيداً تسلمْ " ، فـ " لا " في الجملة الأولى ناهية جازمة ، في حين هي في الجملة الثانية نافية غير عاملة . والفعل في الجملة الأولى مجزوم بـ " لا " الناهية ، وهو في الجملة الثانية مجزوم بـ " إنْ " الشرطية ، فاختلف عامل الجزم في الجملتين.

ولكن بتقدير الشرط بعد الطلب ، نحو : لا تهجُ زيداً – إنْ لا تهجُه – تسلمْ " نكون قد حافظنا على الطلب ، وعلى عامل الجزم في الفعل الأساسي .

6- التمكن من إدراج النصوص السابقة التي استشهد بها الكسائي ومن ذهب مذهبه ضمن القاعدة ، وعدم الاضطرار إلى القول بشذوذها ، أو تأويلها، لا سيما أنّها قد وردت عن أفصح الناس لساناً ، وأكثرهم بياناً . يقول ابن جني في (باب ما يرد عن العربي مخالفاً لما عليه الجمهور) : " إذا اتفق شيء من ذلك نُظر في حال ذلك العربي وفيما جاء به . فإن كان الإنسان فصيحاً في جميع ما عدا ذلك القدر الذي انفرد به ، وكان ما أورده مما يقبله القياس ، إلا أنه لم يرد به استعمال إلاّ من جهة ذلك الإنسان فإنَّ الأولى في ذلك أنْ يُحسن الظن به ، ولا يُحمل على فساده(88) "

أما احتجاجهم بندور النصوص التي وردت ؛ فليست النصوص التي بين أيدينا هي كل ما قالته العرب ، وقد يكشف لنا المستقبل عن نصوص أخرى مماثلة ، فقد ذكر السهيلي بأنَّ له نظائر يطول ذكرها(89)، يقول أبو عمرو بن العلاء : " ما انتهى إليكم ممَّا قالت العرب إلاَّ أقله ، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير "(90) .

ويقول أحد الباحثين المحدثين(91) : " استقرأ القوم هذه النصوص ، ثم انتهوا إلى تقعيد القاعدة ،ولمَّا استقرَّ القول فيها والاطمئنان إليها ، وجدوا نصوصاً أخرى تأتي على خلاف ما انتهوا إليه، فماذا كان موقفهم حيال تلك النصوص ؟ أخذوا يتأولونها بدلاً من أنْ يعملوا على إعادة النظر في القاعدة ".

لقد كان الكسائي بعيد النظر عندما لم يُوجب تقدير " لا " بعد " إنْ " الشرطية في جملة الشرط الوهمية المقدرة ، لأن المعوِّل عليه عنده هو توجُّه الذهن وقيام القرائن؛ فالشرط المقدر يتعيَّن بفهم المعنى المراد، ففي نحو: " لا تدنُ من الأسدِ يأكلْك - بالجزم - معلوم أنَّ قصد المتكلم : إنْ تدنُ يأكلْك،ومثله : " لا تقتربْ من النار تحترقْ " و" لا تكسلْ تندمْ " و" لا توبخْ جاهلاً يمقتْك " و " لا تشتمْ زيداً يضربْك " .

أمَّا إذا لم توجد قرينة توضح المعنى المراد ، فعندئذ يتوجب تقدير"لا" في جملة الشرط المقدرة ، لتُعيّن أحد المعنيين المحتملين ؛ نحو : " لا تقصدْ زيداً تندمْ " و " لا تزرْ زيداً يُهنْك " ؛ فلا يُعرف هل التقدير إنْ تقصدْه تندم ، أم إنْ لا تقصدْه تندمْ ؟ لأنَّ كلاهما محتمل .

وكذا لا يُعرف : إنْ تزرْه يُهنْك، أم إنْ لا تزرْه يُهنْك ؟ فكلاهما -أيضًا – مُحتمَل .

وقد كان الجُرجانيّ منصفاً عندما أجازه ولكن على إظهار الشرط ؛ أي: " لا تدنُ من الأسدِ فإنَّك إنْ تدنُ منه يأكلْك " ، قال : " فلمَّا كان هذا الشرط غير مجانس لما قبله من الكلام وجب إظهاره لينتفي اللبس …."(92) ، والحقيقة إنَّ هذا المثال ليس فيه لبس ، ولو قصره على ما أوقع في لبس لكان أكثر إنصافاً .

(الصمصام)
04-23-2008, 03:32 AM
وباستقراء النصوص التي وردت في النهي المجاب عنه ، اتضح ما يلي:

1- لم يرد جواب النهي في القرآن الكريم إلا مقترناً بالفاء ، ما عدا آية واحدة ،هي ﴿ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴾ (93) بالجزم على قراءة الحسن عند من جعلها جواباً ، وقد سبق ذكر الحركات الإعرابية التي وردت فيها وتوجيهاتها .

2- الغالب في كلام العرب عندما تنهى عن فعل ، وتُبيِّن العواقب المترتبة على هذا النهي تجزم إذا قصدت الجزاء ، وإنْ لم تقصد الجزاء ترفع ، أو تُدخل الفاء وتنصب ، فالجزم في الفعل المضارع الواقع بعد الطلب ليس على الوجوب ، بل على الجواز ، والحركة الإعرابية تخضع لاعتبارات معنوية مختلفة ، وهو ما سنوضحه في المبحث القادم إن شاء الله .



رابعاً : أثر المعنى على الحركة الإعرابية في المضارع الواقع بعد الطلب

عرفنا فيما سبق أنّ جواب الطلب يجوز فيه الحركات الثلاثة؛الجزم، والرفع، وإدخال الفاء والنصب ، لكنّ هذا الجواز يخضع لاعتبارات معنوية، هي التي تتحكم في الحركة الإعرابية، فتقتضي الجزم أو الرفع أو النصب .

وقول النحويين : " يجوز في جواب الطلب الحركات الثلاثة " قد يُوهم بأنَّ الحبل متروك على الغارب ، وأنَّ لنا أنْ نختار أيَّة حركة نشاء ، فتارة نختار الرفع، وتارة نختار النصب ، وتارة نختار الجزم ، دون أن يكون هناك أي تأثير على المعنى . وليس الأمر كما تُوهم ؛ فالحركة الإعرابية مرهونة بالمعنى ؛ فإمّا أن ننطلق من المعنى المراد فنعبِّر عنه بالتركيب الصحيح الذي يشتمل على المفردات المضبوطة ضبطاً مناسباً للمعنى المقصود ، ويدل عليه أو أنْ ننطلق من نصّ مكتوب؛ فإنْ كان النص مضبوطاً بالشكل فقد أعفانا من عناء التخمين وافتراض المعاني ، وإنْ لم يكن مضبوطاً بالشكل فعندئذٍ لنا أنْ نقلب الأمر وننظر في المعاني الصحيحة المحتملة ، ونضع الحركة الإعرابية المناسبة لكل معنى منها ، ونستبعد الحركات الإعرابية التي لا يستقيم معها المعنى .

فإذا قصدنا بالفعل الواقع بعد الطلب أنْ يكون مترتباً على الطلب السابق له، وأنْ يكون مشروطاً به ، ومقيداً حصول الثاني بحصول الأول ؛ فالجزم والكلام جملة واحدة ، ولا يجوز السكوت على الطلب دون الجواب ؛ لأنَّ المعنى المراد عندئذٍ سيكون ناقصاً ؛ وذلك نحو : " لا تهملْ واجبك تفزْ " . فإنْ أردنا أنْ ننهاه فقط دون أنْ نوضح له النتائج التي تترتب على الطاعة اكتفينا بالطلب ، وقلنا : " لا تهملْ واجبك " .

ولا يصح - إذا أردنا الجزاء - أنْ نكتفي بالطلب دون الجواب ، كما لا يجوز في الشرط أنْ نكتفي بالشرط دون الجواب .

أمَّا إذا قصدنا بالفعل الواقع بعد الطلب الاستئناف،أو الوصف ،أوالحال ؛ فالرفع .

والاستئناف(94): هو مواصلة الكلام إثْر انقطاعٍ دون أنْ يكون بين الجملة المستأنفة وما قبلها صلة إعرابية ، وهو نوعان :

- استئناف بيانيّ :وهو الذي تكون فيه الجملة المستأنفة لبيان معنى سابق في الكلام المتقدّم ؛ فهي مستقلة بنفسها في الإعراب ، مرتبطة بما قبلها في المعنى ؛ فتكون بمثابة ردّ على سؤال مقدّر ؛ وذلك نحو : " لا تصاحبْ فلاناً يخذُلُك " - بالرّفع - فكأنّه سُئل : لماذا لا أصاحبه ؟ فقيل : يخذلُك .

- واستئناف غير بيانيّ : وهو الذي لا يكون فيه بين الجملة المستأنفة وما قبلها صلة معنوية ولا إعرابية ؛ فهي مستقلة بنفسها ، منقطعة عما قبلها إعراباً ومعنى ؛ وذلك نحو: " لا تتهاونْ في الصلاة ،يرحمُنا ويرحمُك الله ". وقد يُقصد بالفعل الواقع بعد الطلب الوصف - إذا أردنا أنْ نصف مجهولاً يتضح بتخصيصه - فيكون قبل الفعل عندئذ نكرة يصح وصفها به، ويكون الفعل متصلاً بما قبله ، لأنَّ الصفة مرتبطة بالموصوف ؛ وذلك نحو : " لا تتركْ طفلاً يبكي"؛ أي:لا تتركْ طفلاً باكياً ؛ أي : لا تتركْ طفلاً صفته كذا .

وقد يقصد به الحال إذا كان ما قبله معرفة، ويكون الفعل - أيضاً - متصلاً بما قبله ؛ لأنّ الحال مرتبطة بصاحبها ؛ وذلك نحو : " لا تتركْ الطفلَ يبكي " ؛ أي: لا تتركْ الطفلَ على هذه الحالة . وهذا التركيب صالح - أيضاً - لأنْ يكون على معنى القطع والاستئناف ، وعندئذٍ يكون الفعل المضارع منقطعاً عمَّا قبله، كأنه قطع الكلام ثم بدا له أنْ يستأنفه .

ويجوز فيه الجزم على مذهب الكوفيين والكسائي إذا قُصِدَ معنى الجواب وترتَّب الكلام بعضه على بعض ؛ أي : لا تتركْ الطفلَ إنْ تتركْه يبكِ ،فكأنَّه نهاه ثم بيّن له ما يترتَّب على تركه ، وجاز ذلك لوجود قرينة معنوية ، وهو غير جائز على مذهب الجمهور ، لاشتراطهم تقدير "لا" بعد " إنْ " في جملة الشرط المقدَّرة ، فلا يستقيم المعنى بتقديرها إلا على معنًى آخر.

وقد يُقصَد بالفعل الواقع بعد الطلب بيانُ السبب الذي نهاه عن هذا الفعل أو أمَرَه به من أجله ، فعندئذٍ يكون إدخال فاء السببيَّة والنَّصب ؛ أي : لا تتركْ الطفلَ فيبكي ، فالبكاء متسبّب عن الترك ، وكلّ هذه الأوضاع للفعل يحدِّدها المعنى الذي قصده المتكلم . والفرقُ - في حالة الرفع - بين الاستئناف، والوصف ,والحال أنَّ الفعل في الاستئناف يكون منقطعاً عمَّا قبله ، فكأننا توقفنا وقطعنا الكلام السابق ، ثمَّ بدا لنا أنْ نستأنف الحديث ، فنقف وقفةً لطيفةً على ما قبل الفعل ، ويتّضح هذا الأمر في المحادثة الشفهية ، إذا كان المتحدِّث ممَّن يُحْسِن التعبير عن المعاني المختلفة بالأداء المناسب لكلّ معنًى، فنبرة الصوت لها أثرٌ في إبلاغ المعاني المرادة ، وهو أمرٌ قد يُغفله الكثيرون رغم أهميته البالغة ، لذا يجب أنْ يُدَرَّب النّاشئة على الخطابة والإلقاء ، وأداء المعاني المختلفة أداءً صحيحاً معبّراً عن المعنى المراد ، فالأداء الصحيح من أهم مقومات الخطابة الجيدة ، والإلقاء المتميز .

أمّا في الوصف والحال فالفعل متصل بما قبله ، والكلام يجب أنْ يكون متتابعاً ؛ لما بين الصفة والموصوف ، والحال وصاحبها من تلازم وارتباط قويّ.

والفرق بين الوصف والحال أنَّ الوصف يسبقه نكرة، والحال يسبقه معرفة.

وإنْ كنَّا نتعامل مع نصوص مكتوبة ، فسنلاحظ أنَّ القرائن المعنوية ستوجِّه الذهن إلى أنَّ الفعل الواقع بعد الطلب يقوى فيه معنًى على المعاني الأخرى الجائزة ، ومنها ما يمتنع فيه معنى، وتجوز فيه المعاني الأخرى على تفاوت في الجواز .

فممَّا يقوى فيه الجزم على الجواب مـن الآيات الكريمـة قولـه تعـالى : ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذعِ النَّخْلَةِ تُسَاقطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ (95) بجزم

" ُتساقطْ "على جواب الطلب؛ وذلك أنَّ الله أمرها بهزّ الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع (96) ، فالتساقط مترتّب على هزّ الجذع ؛ أي: إنْ تهزّي ُتساقطْ ، وليس المقصود وصف النخلة بأنها نخلة تساقط رطباً - ولا يتأتى ذلك فيها ؛لأن الفعل مسبوق بمعرفة - وليس المقصود بيان حال النخلة عند هزِّها ، ولا استئناف الكلام والإخبار بأنَّ النخلة تُساقطُ رطباً ، لذلك فالقراءة المتواترة بالجزم ، وعليها القراء السبعة ، ولم تردْ قراءة بالرفع - فيما أعلم .

وهو شبيه بقولك : افتحِ الصنبور ينهمرْ ماؤه ، واضغطِ الزرَّ يُضأ المصباحُ، وأدرِ المِفتاحَ يُفتحِ البابَ . ومثله في القرآن كثير(97)

وممَّا ذُكر فيه الجزم على الجواب قوله تعالى: ﴿ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مَمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً مَن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ ﴾ (98) ذكرها سيبويه(99) ضمن ما ينجزم على الجواب ، وكذا جاء عن الأخفش والمازني وغيرهما(100) ، وقالوا الفعل " يُقيموا " مجزوم على جواب (قلْ) ، والمعنى : قلْ لهم أقيموا يُقيموا ، أي: إنْ تقلْ لهم يُقيموا .

وكذا جاء عن المبّرد (101)، إلاّ أنّه يجعل الفعل مجزوماً على جواب "أقيموا" المحذوفة المقدرة .

(الصمصام)
04-23-2008, 03:35 AM
فالفعل المضارع في الأقوال السابقة مبنيّ على الطلب ، مترتّب عليه ، ومشروط به ، ومسبّب عنه .

ورُدّ قول الأخفش والمازنيّ ومن وافقهما :

1- بأنَّ ( قلْ ) لابدَّ له من جملة تُحكى به ؛ لأنَّ أمرَ اللهِ لنبيّه بالقول ليس فيه بيانٌ لهم بأنْ يُقيموا الصلاة ، حتّى يقول لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم- " أقيموا الصلاة "(102) .

2- وبأنَّ تقدير : قلْ لهم أقيموا يُقيموا ليس بصحيح ؛ لأنَّه يلزم فيه ألاَّ يتخلف أحد من المقول لهم عن الطاعة ، والواقع بخلاف ذلك (103) .

ورُدَّ بأنَّ الفعل مسندٌ إليهم على سبيل الإجمال ، أو أنْ يكون المقصود المخلصين من المؤمنين (104) .

ورُدَّ قول المبرد ، وقيل : فاسدٌ من وجهين (105) :

1- أنَّ الجواب يجب أنْ يخالف الشرط: إمَّا في الفعل؛نحو:" أسلمْ تدخل الجنة" ، أو في الفاعل ؛ نحو :" أكرمْني أُكرمْك" ، أو فيهما معاً ؛ نحو :" ايتني أكرمْك" .

أمَّا إنْ كان مثله في الفعل والفاعل فهو خطأ كقولك: " قمْ تقمْ " وتقديره : إنْ يُقيموا يُقيموا .

2- أنْ الأمر المقدّر " أقيموا " للمواجهة ، والفعل المذكور " يُقيموا " على لفظ الغيبة ، وهذا لا يجوز إذا كان الفاعل واحداً .

وقال الرضي :" قول المبرّد فيه من التكلف ما فيه "(106) .

وجاء عن جماعة من النحويين المفسرين أنَّ المعنى هو الأمر بإقامة الصلاة ، فتقدير : " قلْ لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة " : قلْ لهم أقيموا الصلاة ، والفعل " يُقيموا " مجزوم بلام أمر محذوفة ، وتقديره : ليقيموا ، فهو أمر مستأنف ، وجاز حذف اللام لدلالة " قلْ " على الأمر ؛ وهو قول الكسائي، وابنِ مالكٍ، وجماعة ، وأجازه الزّجاج(107) .

أو أنْ يكون الفعل " يُقيموا " مضارعاً بلفظ الخبر صُرف عن لفظ الأمر ، والمعـنى : " أقيمــوا " فلمَّا كان بمعنى الأمر بُني ؛ قاله أبو علي الفارسي وفرقة(108) .

وقال الزجاج - بعد استعراض ما جاء فيه من المذاهب :" أجودها أنْ يكون مبنيّاً ، لأنَّه في موضع الأمر "(109) .

وأجاز بعض الكوفيين أنْ يكون نحو : " مُرْهُ يَحْفِرَها " - بالنصب -على تقدير : " أنْ " ؛ أي : بأنْ يحفرَها ؛ ورُدَّ بأنَّ الفعل عامله لا يُضمر(110).

وبالنفاذ إلى عمق المعنيين ، وبإنعام النظر فيهما نجد أنَّ معنى الأمر في الآية الكريمة أقوى من معنى الجزاء ، وليس في الأمر بإقامة الصلاة دليل على الاستجابة أو عدمها ؛ فالنتيجة المترتبة على الأمر بالصلاة هي معنى آخر ، ليس في لفظ الآية ما يدل عليه ، والمقصود - والله أعلم - هو حثّ المؤمنين على إقامـة الصلاة والإنفاق ، وليس في اللفظ ما يدلّ على الامتثال أو عدم الامتثال ، ولا على النتيجة المترتبة على أمرهم بإقامة الصلاة والإنفاق ؛ إذ ليس المقصود الإخبار بأنه إنْ أمرهم امتثلوا وأقاموا الصلاة وأنفقوا !!

وشبيهٌ به قولُنا :" قلْ للطلاب يكتبوا الواجب" ، المقصود وبكل بساطة هو أمرهم بالكتابة ، والتقدير: قلْ للطلاب اكتبوا الواجبَ ،أو أنْ يكتبوا الواجبَ، ويبعد تقدير : قلْ للطلاب اكتبوا يكتبوا ؛ لأنَّه ليس في اللفظ دليل على إرادة الإخبار بنتيجة الأمر ، ولا يلزم من مجرد القول الامتثال والكتابة ، وليس في اللفظ دليل على الامتثال ؛ لأنهم قد يمتثلون وقد لا يمتثلون . وشبيه به :" قلْ لزيدٍ يُسامح المعتذر" ، وغيره مما نلمس في معنى الجزاء فيه بعد وتكلّف ، وتزيّد في المعنى ، وكثرة الحذف والتقدير ؛ فالتكلّف يكمن في افتراض معنى الشرط والجزاء لتسويغ الجزم في الفعل " يُقيموا " .

والتزيّد في المعنى ؛ لأنَّ اللفظ ليس فيه ما يدلّ على النتيجة المترتبة على أمرهم بالصلاة .

وكثرة الحذف والتقدير - ولنا مندوحة عنهما - ؛ لأنَّ الفعل " يُقيموا " إذا جُعل جواباً للشرط فسيخلو القولُ من مقولٍ ، ولابدَّ من تقديره ، بالإضافة إلى تقدير الشرط الجازم للجواب .

وليس كذلك في المعنى الآخر الذي هو معنى الأمر ؛ فبتقدير " أقيموا " مكان " يُقيموا " لن يكون فيه حذف ، وسيكون المقدَّر في مكانه الأصلي ، ومن لفظ المذكور .

وبتقدير لام الأمر أو " أنْ " قبل الفعل سيكون التقدير أقل من تقدير جملة بأكملها كما هو في معنى الشرط والجزاء . وقد نصَّ السيوطي(111) على أنَّ :

- القياس أنْ يُقدَّر الشيء في مكانه الأصلي .

- وينبغي تقليل المقدَّر .

- وأنْ يُقدَّر المقدَّر من لفظ المذكور مهما أمكن .

والذي دعاهم إلى تكلُّف الحذف والتقدير ، والذهاب بعيداً عن المعنى هو محاولة تسويغ الجزم في الفعل " يُقيموا " ، وفرارهم من تقدير لام الأمر أو "أنْ" قبل الفعل تمسّكاً بالقاعدة النحويّة : " الفعل عاملة لا يُضمر " ، وهم مع قولهم بالجزاء لتسويغ الجزم يُقرُّون بأنَّ معناه الأمر ، يقول الفرَّاء : " جُزمت يقيموا بتأويل الجزاء ، ومعناه - والله أعلم - معنى أمر ؛ كقولك : قلْ لعبد الله يذهب عنَّا ، تُريد : اذهب عنَّا ، فجزم بنية الجواب للجزم ، وتأويله الأمر…"(112) ، فهذا نصٌّ صريحٌ منه بأنَّ معناه الأمر رغم أنَّ إحلال فعل الأمر محلّ المضارع لتسويغ الجزم أيسر من الشرط والجزاء ، وهو ما قال به جماعة النحويين من المفسرين كالكسائيّ ، والزجاج ، والفارسيّ .

قال أبو حيان : " ومتعلق القول الملفوظ به أو المقدَّر في هذه التخاريج هو الأمر بالإقامة والإنفاق "(113) .

ويقوِّي هذا المعنى ما ذكره القرطبيّ من أنَّ المعنى :" قلْ لِمَنْ آمن وحقَّقَ عبوديته أنْ يُقيموا الصلاة "(114) .

وكذا الأخفش الذي ترأس المذهب الأول يعود في (معاني القرآن) ويقول في قــوله تعــالى : ﴿ فَذَرُوهـَا تَأْكُلْ ... ﴾(115) ، و﴿ قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا يَغْفِرُوا.. ﴾ (116) ونحوه:"فصار جواباً في اللفظ، وليس كذلك في المعنى"(117).

وقد تنبَّه الشاطبيُّ لهذا الأمر ، فجعل ما ينجزم بعد الطلب على ضربين: ما يكون الجزاء مقصوداً فيهوما لا يُقصد فيه الجزاء، ومثَّل له بنحو:" قلْ له يقلْ كذا ، ومُرْهُ يَحْفِر البــئرَ" ، و﴿ قُــل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ ءَامَنـُوا يُقِيمُوا الصَّلاةََ .. ﴾ (118) قال :" فالجزم- هنا- صحيح وإنْ لم يكنْ على معنى : إنْ تقلْ له يفعلْ ، وإنْ تأمرْه يحفرْها … قال : فدلَّ ذلك على أنَّه ليس على معنى قصد الجزاء "(119) .

ويقوى في المجزوم - معنى الأمر على معنى الجزاء فيما لم يستوفِ مفعوله،أو بمعنًى آخر فيما احتاج فيه القول إلى مقول؛نحو الآية الكريمة السابقة،وقوله تعالى﴿ قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ . ﴾ (120) ، و" قلْ له يقلْ ذاك " ، فالتقدير : قلْ لهم : اغفروا ، وقلْ له : قلْ.

وممَّا جــاء مرفوعـاً على الحال وليس جواباً للطلب السابق قوله تعالى : ﴿ ... ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ (121) ؛ أي : لاعبين ؛ فهو حال من المضمر في " ذرْهم " .

أمَّا قولهم : " خلِّ زيداً يمزحْ "(122) فيقوى فيه الحال إنْ رآه في حال مزاحٍ؛ والمعنى : خَلِّ زيداً مازحاً ؛ أي : مستمراً في مزاحه . أمَّا إنْ كان مضيَّـقاً عليه ممنوعاً من المزاح ؛ فالمعنى:اتركه لكي يمزح - على التعليل - ولمْ أجدْ من تطرَّق إلى هذا المعنى رغم كثرته ، أو على معنى : اتركْه إنْ تتركْه يمزحْ ، بالجزم على جواب الطلب .

ومما يقوى فيه الرَّفع على الحال قول الحق تبارك وتعالى﴿ وَلاَ تَمْنُن تَسْـتَكْثِرُ ﴾ (123) ؛ فقد أجمـع القراء السبعة على قراءة الرفع على الحال ؛ أي : مستكثراً عطاءك وقد سبق شرحه والكلام عنه .

ومنه قوله تعالى:﴿ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى ﴾ (124)؛ أي : غير خائف ولا خاشٍ ، أو على الاستئناف ؛ أي : وأنت لا تخافُ ولا تخشى. وقرأ الأعمش، وحمزة ،وابن أبي ليلى : " لا تخفْ " بالجزم على جواب الطلب ؛ أي : إنْ تضربْ لا تخفْ ، أو على نهي مستأنف ؛ أي : اضربْ ولا تخفْ .

ومما يقــوى فيه الرفــع على الاستئناف قولهم :"لا تذهبْ به، تُغْلَبُ عليه"(125) ؛ أي : فإنك تُغلـبُ عليه . والجزم فيه قبيحٌ عند سيبويه ؛ لأنَّه شبيهٌ بقولهم :" لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك " وهو جائزٌ عند الكسائيّ والكوفيين كما سبق

ومنه : " قُمْ يدعوك "(126) الأمير؛ أي: قُمْ إنَّه يدعوك ؛ فالرفع على الاستئناف فيه أقوى من الجزم على الجواب ؛ ذلك لأنَّه لم يُرِدْ أنْ يجعل الدعاء بعد القيام ، ويكون القيام سبباً له ، وإنَّما أراد : قُمْ ؛ لأنَّ الأميرَ يدعوك، فالدُّعاء سابق للقيام ،لا مسبباً عنه . وإنْ أراد معنى : قُمْ إنْ قُمْتَ يدعُك الأمير، فيكون الدعاء مسبباً عن القيام ، فيقوى فيه عندئذٍ معنى الجزم جواباً للطلب المتقدم .

ومن الأفعال المضارعة الواقعة بعد الطلب ما حُمل على الصفة ، أو على الاستئناف ، ويُلمح فيه معنى التعليل ؛ من ذلك قول الحق تبارك وتعالى : ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا... ﴾(127)، " تُطهرُهم " صفة للصدقة إنْ كان ضمير الفاعل يعود على الصدقة ؛ أي : صدقةٌ مطهرةٌ ومزكيةٌ لهم ، ويُبعده قوله " بها " .

وإنْ كان ضمير الفاعل يعود على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو المخاطب في هذه الآية فـ" تُطهرهم " حال من الفاعل ؛ أي : مطهِّراً ومزكِّياً لهم بها ؛ أي بالصدقة . والحمل على القطع والاستئناف فيه حلٌّ لهذا الإشكال ؛ أي : أنت تُطهرهم وتُزكيهم بها ، وقريب منه معنى التعليل ؛ أي : لتطهِّرَهم وتزكِّيَهم بها ، والله أعلم . وقيل : " لو قُرِئ بالجزم لم يمتنع في القياس"(128).

وممَّا هـو بسبيلــه ، قولــه تعالى : ﴿ .. فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ، يَرِثُنِي ..﴾ (129) - في قراءة الرفع - وقرأ الكسائيُّ، وأبو عمرو بالجزم(130) ، وقال بعض العلماء : والرفع هنا أحسن من الجزم ؛ وذلك من جهة المعنى والإعراب؛ أما المعنى فلأنه إذا رفع فقد سأل وليًّا وارثًا ؛ لأنَّ من الأولياء من لا يرث ، وإذا جزم كان المعنى : إنْ وهبته لي ورثني ، فكيف يُخبر الله سبحانه بما هو أعلم به منه(131)، وهذه الحجّة في ترجيح الرفع على الجزم - وإن كان الرفع هو الراجح - ليست بالحجة القوية ؛ فقد جاء في الكتاب العزيز على لسان نوح عليه السلام: ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ، إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُوا عِبَادَكَ وَ لاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ (132)، فكيف أخبر الله سبحانه وتعالى بما هو أعلم به منه ؟!

وفي هذه الآية الكريمة نلحظ معنى التعليل وبيان السبب الذي من أجله طلب زكريا - عليه السلام - من ربِّه أنْ يهبَ له الولد ؛ فهو لم يُرِدْ أنْ يشترط على ربِّه إنْ وهبتني ولداً ورثني ؛ فمعلوم أنَّ الأولاد ترث آباءها ،كما لم يُرِدْ - أيضاً - أنْ يصفه لمجرد الوصف في حدِّ ذاته ، وإلا لوصفه بأوصافٍ أخرى حسنة أفضل من الوراثة يتمنَّاها كلُّ والد في ولده ، وإنَّما حدّد فعلاً معيناً ينبئ عن الغرض الذي من أجله طلب الولد،فهو يُريد ولداً ليرث عنه العلم والحكمة فكأنَّه قال : فهب لي من لدنك وليّاً ليرثني ؛ فالتعليل وبيان السبب واضح في هذه الآية .

فإذا اطمأننا إلى معنى التعليل فتسويغ الرفع يسير ؛ فعندما سقطت اللام ارتفع الفعل ، قال الحافظ ابن كثير : " سأل الله ولداً يكون نبيّاً بعده ، ليسوسهم بنبوَّته"(133) ، فوجود لام التعليل " ليسوسهم " يؤكد معنى التعليل .

ومثله في الدلالة على معنى التعليل قوله تعالى : ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّيِ لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ﴾ (134) ، أي : أرسلْه معي معيناً ليصدِّقني ، ويحتمل الحال والاستئناف أيضاً (135) .

ومثله في القرآن كثيرٌ(136) ممَّا يترجَّح فيه معنًى على المعاني الأخرى ، يحتاج إلى دراسةٍ أعمق لمعاني القرآن الكريم ، فالدراسات حول القرآن الكريم لا ينضب معينها ولا يأسن .




والحمد لله الذي بفضله تتمُّ الصالحات.

(الصمصام)
04-23-2008, 03:38 AM
نتائج البحث :



اتضح من البحث بعد معالـجة القضية الأولى ( عامل الجزم في جواب الطلب ) أنَّ الخطب أيسر من أن يُجعل فيه خلاف ، فهم يدورون حول محور واحد ؛ فالمضارع الواقع جواباً للطلب مجزوم سواء كان عامل الجزم هو لفظ الطلب ضُمِّن معنى حرف الشرط، أم كان الجازم هو الطلب ناب مناب الشرط، أم كان الجازم شرطاً مقدَّراً دلّ عليه الطلب ؟ والقول بأنَّ الجازم للجواب هو شرط ملحوظ من الكلام ، فيه حلٌّ للخلاف ؛ لأنَّ الإقرار بوجود الشرط موجود في المذاهب الثلاثة ، سواء تلفظنا به أم لم نتلفظ به ، سواء كان على جهة التضمين ، أم النيابة ، أم التقدير .

كما كشف البحث النقاب عن علة امتناع جزم المضارع بعد النفي، والخبر المثبت ؛ وهي : أنهما ليسا طلباً يستدعي جواباً ، فلا يُجزم المضارع بعدهما إلا مع الخبر إذا تضمَّن معنى الطلب . وعَدُّ النفي من قبيل الطلب في نصب المضارع عند اقترانه بالفاء، فيه تَجَوُّزٌ وترخُّص من قبل النحويين .

أمّا منعهم الجزم في جواب النهي إذا كان سلباً ، واعتلالهم بعدم صحة المعنى بتقدير " لا " بعد " إنْ " في جملة الشرط المقدرة ؛ نحو : " لا تدنُ من الأسدِ يأكلْك " ففيه تعسُّفٌ، إذ كان بالإمكان القول بجوازه فيما لا يوقع في لبس ، إذا دلَّت عليه قرينة معنوية ، ومَنْعُهُ فيما أوقع في لبس ، ولم تدل عليه قرينة معنوية ، أو إظهار الشرط لمنع اللبس كما قال الجرجانيّ ؛ فالأمر يتوقف على المعنى أولاً وآخراً ، وتقدير الشرط أمر وهميٌّ لتسويغ الجزم في الجواب ، وقد أجاز الجزم في نحو ما سبق الكوفيون، والكسائيّ،ووردت به نصوص فصيحة ، فالجواز يعضده القياس والسماع ، ولا حجّة في قلّة النصوص الواردة، فما جاء عن العرب قليل من كثير .

وأخيراً ... فإن الجزم في جواب الطلب ليس على الوجوب ؛ إذ يجوز في المضارع الواقع في جواب الطلب الجزمُ ،والرفعُ ؛ الجزم على الجواب ، والرفع على أحد ثلاثة أشياء : الصفة إن كان ما قبله نكرة ، أو الحال إن كان ما قبله معرفة ، أو الاستئناف .

وتحديد الحركة الإعرابية مرهون بتحديد المعنى الذي يحدّده السياق .

كما كشف البحث عن بعض المعاني المستترة التي أغفلها بعض النحويين بالقاعدة التي وقعوا تحت وطأتها ؛ فالبحث نواة لدراسات مستقبليَّة لتيسير النحو ، تجعل المعنى هو الأساس ، وهو أقوى من أي اعتبارات أخرى.

وبالله التوفيق .

(الصمصام)
04-23-2008, 03:41 AM
الحواشي والتعليقات



(1) اللسان " جزم " 3/142 .

(2) شرح ألفية ابن معطي 1 / 315 .

(3) اللسان : " جزم " 3/142.

(4) الأشباه والنظائر 2/74 .

(5) اللسان : " جزم " 3/142 .

(6) السابق ، ولم أقف عليه في كتب المبرد .

(7) انظر أخبار النحويين البصريين 35، والفهرست 60 .

(8) انظر رسم المصحف 588 .

(9) انظر في هذا الموضوع الكتاب 3/56،شرح المفصل 7/42،وشرح الألفية لابن عقيل 2/364،والتصريح 4/368 .

(10) شرح قطر النـدى 80 ، وانظر الكــتاب 3/93،وشرح المفصل7/48، والتصريح 4/334 .

(11) انظر شرح المفصل 7/49 .

(12) انظرالكتاب 3/100 ،وشرح المفصل 7/49 ، وشرح الكافية4/118 ، وشرح قطر الندى81 ،و المقاصد الشافية6/ 77 ،والتصريح4/343 .

(13) البيت في اللسان" رود " 6/261 ، والمقاصد الشافية 6/79 دون نسبة .

(14) البيت لعمرو بن الإطنابة ، وهو في الخصائص 3/35 ، وشرح المفصل 4/74 ، والمقرب 1/273، والمغني1/223، وأوضح المسالك4/189،والتصريح4/343، والهمع4/126، والخزانة 2/438 .

(15) سورة الصف : 11، 12 .

(16) انظر البحر المحيط 8/263 .

(17) انظر ارتشاف الضرب 4/1685 .

(18) المقاصد الشافية 6/81 .

(19) انظر الهمع 4/133 ، وانظر الكتاب 3/38 ، وشرح الجمل لابن خروف 2/861 ، وشرح الكافية الشافية 3/1551 .

(20) انظر حاشية الصبان 3/309 .

(21) انظر شرح الجمل 2/192 .

(22) انظر اعتراضَي أبي حيان في الهمع 4/134 ، وحاشية الصبان 3/309 .

(23) انظر شرح الأشموني 3/310 .

(24) انظر حاشية الصبان 3/310 .

(25) انظر شرحه على الألفية 684 .

(26) انظر الإيضاح العضدي 333 ، والمسائل المنثورة 156 .

(27) انظر شرح الجمل 2/192 .

(28) انظر ارتشاف الضرب 4/1684 ، والمساعد 3/97 ، والتصريح 4/335 ، والهمع 4/134 ، والأشموني 3/310 .

(29) انظرها في التصريح 4/336 .

(30) انظر ارتشاف الضرب 4/1684 .

(31) انظر التصريح 4/336 .

(32) السابق 4/335 .

(33) الكتاب 3/93 .

(34) السابق 3/94 هامش (1) .

(35) انظر الإيضاح العضدي 333 .

(36) ص 156 .

(37) انظر ارتشاف الضرب 4/1684،والتصريح4/334 والهمع4/133.

(38) انظر الأشباه والنظائر 1/249 ، 250 .

(39) شرح الجمل 2/861 .

(40) انظر تنقيح الألباب 117 .

(41) المقاصد الشافية 6/72 .

(42) شرح الأشموني 3/310 .

(43) انظر حاشية الصبان 3/310 .

(44) انظر شرح التسهيل لابن مالك 4/40، وشرح قطر الندى 81، والتصريح 4/337 وحاشية الصبان 3/308 .

(45) انظر الأجوبة الثمانية 3 " مخطوط " ، والمقاصد الشافية 6/73 ، والتصريح 4/337.

(46) الجمل 210 .

(47) السابق .

(48) انظر إصلاح الخلل 263 ، وشرح الجمل لابن خروف 2/863 ، وشرح الجمل لابن عصفور 2/192 .

(49) انظر التبصرة والتذكرة 1/406 .

(50) ارتشاف الضرب 4/1683 .

(51) انظر معاني القرآن للفراء 1/157 ، 158 .

(52) سورة الحجر : 3

(53) سورة يوسف : 9 .

(54) انظر شرح المفصل 7/50 ، وشرح الجمل لابن عصفور 2/192 ، وشرح قطر الندى 82 .

(55) انظر شرح ابن عقيل 2/356 .

(56) انظر شرح الجمل لابن عصفور 2/193 ، وارتشاف الضرب 4/1685، والتصريح 4/339 .

(57) انظر المراجع السابقة .

(58) انظر أمالي السهيلي 85، 86 .

(59) انظر ارتشاف الضرب 4/1685 .

(60) السابق .

(61) الكتاب 3/97 .

(62) السابق

(63) انظر شرح المفصل 7/50 .

(64) انظر المقاصد الشافية 6/75 ، والتصريح 4/339 .

(65) انظر صحيح البخاري / كتاب مناقب الأنصار / باب مناقب أبي طلحة 18 عن أنس 7/160 بروايــة يصيبُك " بالرفع ، ولأبي ذر " يصبْك " بالجزم . وفي فتح الباري 7/419 ، وفي صحيح مسـلم / كتاب الجهاد والسير باب غزوة النساء مع الرجال 12/394 رقم ( 4660 ) .

(66) أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الأذان / باب ما جاء في الثوم النيء ، ومسلم في كتاب المساجد ، والإمام أحمد في مسنده 2/13 .

(67) أخرجه البخاري في كتاب العلم 43 ، والحج 132 ، والمغازي 77، والأضاحي 5، والأدب 95، والحدود 9، والفتن 8. وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان 118، والقسامة 29، والفتن 050 .

(68) انظر المقاصد الشافية 6/75 .

(69) سورة المدثر : 6 . وانظر قراءة الحسن في المحتسب 2/237 .

(70) ص 210 .

(71) 1/406 .

(72) التصريح 4/340 .

(73) انظر المقاصد الشافية 6/76 .

(74) انظر شرح قطر الندى 82 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم 4/3/446.

(75) انظر المحتسب 2/338 .

(76) انظر اتحاف فضلاء البشر 427 .

(77) انظر المحتسب 2/ 273 .

(78) انظر مختصر في شواذ القرآن 164 .

(79) سورة البقرة : 264.

(80) انظر إملاء ما من به الرحمن 2/272.

(81) إصلاح الخلل 263 .

(82) شرح الكافية 4/121 .

(83) انظر أمالي السهيلي 86 .

(84) الأشباه والنظائر 1/343 .

(85) الخصائص 3/255 .

(86) الكتاب 3/94 هامش (1) . وانظر في التقدير بعد الطلب الأصول 2/162، وشرح الكافية 4/116، وشرح ألفية ابن معطي 1/335 .

(87) انظر المراجع السابقة .

(88) الخصائص 1/385 .

(89) انظر أمالي السهيلي 86 .

(90) الخصائص 1/386 .

(91) هو الدكتور سمير شريف ستيتية في كتابه الشرط والاستفهام في الأساليب العربية 14 .

(92) المقتصد 2/1127 .

(93) سورة المدثر :6 . وانظر قراءة الحسن في المحتسب 2/237 .

(94) انظر مغنى اللبيب 2/427 ، ومعجم المصطلحات النحوية والصرفية14

(95) سورة مريم : 25 .

(96) انظر تفسير البحر المحيط 6/173 .

(97) انظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم 4/3/426 .

(98) سورة ابراهيم : 31 .

(99) انظر الكتاب 3/99 .

(100) انظر البحر المحيط 5/414 .

(101) السابق 5/415 .

(102) انظر مشكل إعراب القرآن 1/406 ، وأمالي ابن الشجري 2/277 ، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/59 .

(103) انظر شرح الكافية الشافية 3/1569 .

(104) انظر شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم 691 .

(105) انظر إملاء ما مَنّ به الرحمن 2/69 ، ومغنى اللبيب 1/250 .

(106) شرح الكافية 2/119 .

(107) انظر البحر المحيط 5/414 ، وانظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/162 ، وشرح الكافية الشافية 3/1569 .

(108) انظر البحر المحيط 5/415 .

(109) معاني القرآن وإعرابه 3/162 .

(110) انظر شرح المفصل 7/52 .

(111) انظر الأشباه والنظائر 1/340 ، 341 .

(112) معاني القرآن للفراء 2/77 .

(113) البحر المحيط 5/415 .

(114) الجامع لأحكام القرآن 5/366 .

(115) سورة الأعراف : 73 .

(116) سورة الجاثية :14 .

(117) معاني القرآن للأخفش 2/106 .

(118) سورة إبراهيم : 31 .

(119) المقاصد الشافية 6/70 .

(120) سورة الجاثية : 14 .

(121) سورة الأنعام :91 .

(122) انظر شرح المفصل 7/51 .

(123) سورة المدثر : 6 وانظر توجيههــا في المحــتسب 2/338 ، وإملاء ما مَنّ به الرحمن 2/272 ، والبحر المحيط 8/364 ، ودراســـات لأســلوب القرآن الكريم 4/3/446 .

(124) سورة طه : 77 ، وانظر الكتاب 3/98 .

(125) انظر الكتاب 3/98 .

(126) السابق .

(127) سورة التوبة : 103 . وانظر إملاء ما مَنّ به الرحمن 2/21 ، والبحر المحيط 5/99 .

(128) انظر التصريح 4/336

(129) سورة مريم : 6 .

(130) انظر التيسير 148 .

(131) انظر إعراب القرآن للنحاس 3/6 ، والجامع لأحكام القرآن 6/81 ، وشرح المفصل 7/51 .

(132) سورة نوح : 26 ، 27 .

(133) انظر تفسير ابن كثير 5/207 .

(134) سورة القصص : 34 .

(135) انظر البحر المحيط 7/113 .

(136) انظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم 4/3/440






المصادر والمراجع



1- الأجوبة الثمانية : لابن لب الغرناطي " مخطوط " .

2- أخـبار النحويين البصريين : لأبي سعيد السيرافي . تحقيق : د . محمد إبراهيم البنا . القاهرة : دار الاعتصام . الطبعة الأولى 1405هـ - 1985م .

3- الأشباه والنظائر في النحو : لجلال الدين السيوطي- تحقيق : د. عبدالعال سالم مكرم - بيروت : مؤسسة الرسالة - الطبعة الأولى 1406هـ -1985م .

4- إصلاح الخلل الواقع في الجمل : لابن السيد البطليوسي- تحقيق :

د. حمزة النشرتي- الرياض:دار المريخ-الطبعة الأولى 1399هـ- 1979م .

5- الأصول : لابن السراج - تحقيق : د. عبد الحسين الفتلي - بيروت : مؤسسة الرسالة - الطبعة الأولى 1405هـ 1985م .

6- إعراب القرآن: لأبي جعفر النحاس - تحقيق : د. زهير غازي زاهد - القاهرة : عالم الكتب - ومكتبة النهضة العربية- الطبعة الثانية 1405هـ - 1985م .

7- أمالي ابن الشجري : لهبة الله بن علي بن الشجري - تحقيق : د.محمود الطناحي - القاهرة: مكتبة الخانجي .

8- أمالي السهيلي : لأبي القاسم السهيلي - تحقيق : د . محمد إبراهيم البنا - القاهرة : مطبعة السعادة - الطبعة الأولى 1390هـ - 1970م .

9- إمـلاء ما مَنّ به الرحمن: للعكـبري - بيروت دار الكتب العلمية - الطبعة الأولى 1399هـ - 1979م .

10- ارتشاف الضرب : لأبي حيان - تحقيق : د . رجب عثمان محمد - القاهرة : مكتبة الخانجي - الطبعة الأولى 1418هـ 1998م .

11- الإيضاح العضدي : لأبي على الفارسي - تحقيق : د. حسن فرهود - دار العلوم للطباعة والنشر - الطبعة الثانية 1408هـ 1988م .

12- البحر المحيط : لأبي حيان - تحقيق : الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وآخرون - بيروت : دار الكتب العلمية - الطبعة الأولى 1413هـ - 1993م .



13- البيان في غريب إعراب القرآن : لأبي البركات بن الأنباري- تحقيق : د. طه عبد الحميد طه - منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب 1400هـ 1980م .

14- التبصرة والتذكرة : للصيمري - تحقيق : د. فتحي أحمد علي الدين - مكة المكرمة : مركز البحث العلمي وإحياء التراث بجامعة أم القرى - الطبعة الأولى 1402هـ 1982م .

15- التصريح بمضمون التوضيح : للشيخ خالد الأزهري - تحقيق : د. عبد الفتاح بحيري إبراهيم - القاهرة : الزهراء للإعلام العربي الطبعة الأولى 1413هـ - 1992م .

16- تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب : لابن خروف تحقيق خليفة محمد بديري - طرابلس : منشورات كلية الدعوة الإسلامية ولجنة الحفاظ على التراث الإسلامي -الطبعة الأولى 1415هـ 1995م .

17- التيسير في القراءات السبع : لأبي عمرو الداني - بيروت : دار الكتاب العربي - الطبعة الثالثة 1406هـ -1985م .

18- الجامع لأحكام القرآن : للقرطبي - تحقيق : أبي إسحاق إبراهيم اطفيش.

19- الجُمل : لأبي القاسم الزجاجي - تحقيق : د . علي توفيق الحمد - بيروت: مؤسسة الرسالة : إربد : دار الأمل - الطبعة الأولى 1404هـ 1984م .

20- حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك-مكة المكرمة : المكتبة الفيصلية.

21- خزانة الأدب : لعبد القادر البغدادي . تحقيق : عبد السلام هارون - القاهرة : مكتبة الخانجـي - الطبعة الثالثة 1409هـ - 1989م .

22- الخصائص: لأبي الفتح بن جني . تحقيق: محمد على النجار . بيروت : دار الهدى للطباعة والنشر . الطبعة الثانية .

23- دراسات لأسلوب القرآن الكريم: لمحمد عبد الخالق عضيمة- القاهرة: مطبعة دار السعادة - الطبعة الأولى 1392هـ 1972م .

24- رسم المصحف : لغانم قدوري الحمد . بغداد : منشورات اللجنة الوطنية للاحتفال بمطلع القرن الخامس عشر الهجري - الطبعة الأولى 1402هـ 1982م .

25- شرح ألفية ابن مالك: لابن الناظم- تحقيق : د . عبد الحميد السيد- بيروت: دار الجيل.



26- شرح ألفية ابن معطي : تحقيق : د . علي موسى الشوملي - الرياض : مكتبة الخريجي - الطبعة الأولى 1405هـ - 1985م .

27- شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك : لابن عقيل - تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد - الطبعة الثانية .

28- شرح الأشموني على ألفية ابن مالك - مكة المكرمة: المكتبة الفيصلية .

29- شرح التسهيل: لابن مالك - تحقيق : د. عبد الرحمن السيد ،و د. محمد بدوي المختون - القاهرة : هجر للطباعة والنشر - الطبعة الأولى 1410هـ 1990م .

30- شرح الجُمل : لابن عصفور الإشبيلي - تحقيق : د. صاحب أبو جناح - مكة المكرمة : المكتبة الفيصلية .

31- شرح جمل الزجاجي : لابن خروف - تحقيق : د . سلوى محمد عمر عرب - مكة المكرمة : جامعة أم القرى - الطبعة الأولى 1419 هـ .

32- شرح الكافية الشافية : لابن مالك - تحقيق : د. عبد المنعم هريدي - دار المأمون للتراث - الطبعة الأولى 1402هـ - 1982م .

33- شرح الكافية: للرضي - تحقيق : يوسف حسن عمر - منشورات جامعة قار يونس .

34- شرح المفصل : لابن يعيش . القاهرة : مكتبة المتنبي .

35- شرح قطر الندى : لابن هشام الأنصاري . تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد- مصر : مطبعة السعادة - الطبعة الحادية عشرة 1383هـ - 1963م .

36- الشرط والاستفهام في الأساليب العربية:للدكتور: سمير شريف ستيتية - دبي : دار القلم - الطبعة الأولى 1416هـ - 1995م .

37- صحيح البخاري - القاهرة : دار الحديث - تقديم : أحمد محمد شاكر .

38- صحيح مسلم : تحقيق : الشيخ خليل مأمون شيحا - بيروت : دار المعرفة - الطبعة الأولى 1414هـ - 1994م .

39- فتـح الباري بشرح صحيح البخاري - تحقيق : قصي محب الدين الخطيب - القاهرة : دار الريان للتراث - الطبعة الأولى 1407هـ 1986م .

40- الفهرست : لابن النديم . بيروت : دار المعرفة 1398هـ - 1978م.



41- الكتاب : لسيبويه - تحقيق : عبد السلام هارون - القاهرة : مكتبة الخانجي - الطبعة الثالثة 1408هـ - 1988م .

42- لسان العرب : لابن منظور - بيروت : دار صادر – الطبعة الأولى 2000م

43- المحتسب : لأبي الفتح بن جني - تحقيق : علي النجدي ناصف ، وآخرون - القاهرة : المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، لجنة إحياء التراث 1386هـ .

44- مختصر في شواذ القرآن : لابن خالوية - نشره : ج برجشتراسر ، مصر : المطبعة الرحمانية - جمعية المستشرقين الألمانية.

45- المسائل المنثورة : لأبي علي الفارسي - تحقيق : د. مصطفى الحديدي- مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق .

46- المساعد علي تسهيل الفوائد : لابن عقيل - تحقيق د. محمد كامل بركات - مكة المكرمة: مركز البحث العلمي وإحياء التراث - دمشق : دار الفكر 1400هـ - 1980م .

47- مسند الإمام أحمد : إشراف : د. سمير طه المجذوب - بيروت - دمشق عمان : المكتب الإسلامي - الطبعة الأولى 1413هـ 1993م.

48- مشكل إعراب القرآن : لملكي بن أبي طالب القيسي - تحقيق : د. حاتم الضامن - بيروت : مؤسسة الرسالة - الطبعة الثالثة 1407هـ -1987م.

49- معاني القرآن : لأبي زكريا الفراء - تحقيق : محمد علي النجار - القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب - الطبعة الثانية 1980م .

50- معاني القرآن : للأخفش الأوسط - تحقيق : د. فائز فارس - الطبعة الثانية 1401هـ - 1981م .

51- معاني القرآن وإعرابه:للزجاج - تحقيق : عبد الجليل شلبي - بيروت : عالم الكتب - الطبعة الأولى 1408هـ 1988م .

52- معجم المصطلحات النحوية والصرفية : للدكتور محمد سمير اللبدي - بيروت : مؤسسة الرسالة ، الأردن : دار الفرقان - الطبعة الثالثة 1409هـ 1988م .

53- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب : لابن هشام الأنصاري - تحقيق : د. مازن المبارك ، ومحمد علي حمد الله - دمشق : دار الفكر - الطبعة الثانية 1384هـ - 1964م .



54- المقاصد الشافية : لأبي إسحاق الشاطبي - الجزء السادس - تحقيق : د. عبد المجيد قطامش - مكة المكرمة : جامعة أم القرى - مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي " تحت الطبع ".

55- المقتصد في شرح الإيضاح : لعبد القاهر الجرجاني - تحقيق : د.كاظم بحر المرجان - بغداد: دار الرشيد للنشر - منشورات وزارة الثقافة والإعلام 1982م .

56- همع الهوامع : لجلال الدين السيوطـي- تحقيق : د. عبد العال سالم كرم - الكويت : دار البحوث العلمية 1394هـ - 1975م .

(الصمصام)
04-23-2008, 03:43 AM
.


رابط البحث




http://www.uqu.edu.sa/majalat/shariaramag/mag24/f16.htm




.