المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسلمات استشراقية في الثقافة العربية



07-01-2005, 10:14 PM
مسلمات استشراقية في الثقافة العربية



الطريقة التي استقبل فيها كتاب إدوارد سعيد "الاستشراق" في الساحة الثقافية العربية هي مؤشر نموذجي يشخص حالة هذه الساحة بدقة يندر أن تتوافر في طرق أخرى.

ذلك أن ردود الفعل كلها ذات دلالة ساطعة: رد الفعل الغالب وهو عدم المبالاة (وهو ناتج عن عدم الفهم من جانب وعدم رؤية أهمية الموضوع أو بالأحرى الاعتقاد بعدم أهميته من جانب آخر).

ورد فعل ثان هو رد فعل عدائي عبر عنه ممثلون "بارزون" للاتجاه الحداثي العربي مثل "صادق جلال العظم".

ورد فعل ثالث يكتفي بالتحمس للكتاب كمجموعة من الوثائق التي تدين الرؤية العنصرية الغربية.

وكما في الكثير من الحالات يشكل ما يمكن أن نسميه "رد الفعل الغائب" مؤشراً هاماً أيضاً ونعني به رد الفعل الطبيعي على حدث ما حين يتخلف وقوعه، و"رد الفعل الغائب" هنا نراه في رد فعل رابع كان يجب أن يرى العلاقة الوثيقة لموضوع الكتاب بالثقافة العربية الحديثة، العلاقة الداخلية لا الخارجية. فإن تحليل الاستشراق ليس تحليلاً لذلك "التراث البحثي" الغربي فقط، بل هو أيضاً تحليل لمكون أساسي من مكونات الثقافة العربية الحديثة، مكون نتج عن "اجتياف" أو "استبطان" وجهة النظر الغربية في المجتمع والثقافة العربيين التقليديين. والتحليل الذي يتناول ردود الأفعال المذكورة أعلاه يمكن له أن يكون (بل يجب أن يكون) موضوع بحث مستقل هو إسهام في الحوار مع هذا الكتاب الهام الذي لا يمكن تخطيه لأنه التصق بموضوعه التصاقاً غير منفصل (بعض الكتب يلتصق بموضوعه فلا ينفصل عنه حتى لو كان الكتاب لا يحتوي نظرية صحيحة تماماً تحيط بموضوعها فلا تترك منه شاردة أو واردة وذلك بسبب قوة العمل النظري المبذول فيه ومن أمثلة ذلك "احتكار" كتاب فرويد لتفسير الأحلام لموضوعه و"احتكار" كتاب ماركس "رأس المال" لموضوع تحليل الاقتصاد الرأسمالي بحيث لا مهرب للباحثين من ذكره ولو من باب المعارضة عند كل محاولة لتحليل هذا الاقتصاد).

هذا التحليل ليس موضوع هذا المقال بل أنا هنا أريد إظهار بعض أوجه استبطان النظرة الاستشراقية في الثقافة العربية وهذا ما يبدو لي بكل صراحة أجدى بكثير من تحليل ما يكتبه الغربيون عنا فأساس مشاكلنا وأساس حلها أيضاً هو تصحيح نظرتنا لأنفسنا ولكن هذا موضوع آخر..

سأتناول إن شاء الله ثلاثة جوانب من جوانب استبطان النظرية الاستشراقية في الثقافة العربية الحديثة:

أ-شرقنة الشرق:

أحد المفاهيم الأساسية التي ابتكرها إدوارد سعيد في كتابه المذكور هو مفهوم"الجغرافية التخيلية":"ذلك أن مواضيع وأقاليم وأقساماً جغرافية كالشرق والغرب،من حيث هي كيانات جغرافية وثقافية ،دون أن نقول شيئا عن كونها كيانات تاريخية،هي من صنع الإنسان"(1)

"إن الشرق يشرقن" ومن البديهي أن أحداً من الشرق "لم يكن يعرف" أنه من الشرق قبل الغزو الأوروبي العسكري ثم الثقافي(وأحياناً الثقافي ثم العسكري..إلخ)

ومنذ ذلك الحين صار من المألوف أن تقرأ في الكتابات العربية وتسمع في الأحاديث اليومية وترى في السينما عبارة "نحن الشرقيين .." ومن يتابع النتاجات الثقافية العربية في مطلع عصر النهضة فسوف يرى مفهوم "الشرق" يستعمل بديلاً عن مفاهيم نستعملها الآن مثل "العروبة" و"العالم الإسلامي" إلى آخره وهذا يشمل على حد سواء المستغربين في الثقافة العربية النهضوية والأدباء المتمسكين بالتراث العربي الإسلامي ومن أمثلة النوع الثاني أمير الشعراء شوقي الذي يكثر في قصائده هذا التعبير مثلاً: "كلنا في الهم شرق" وفي شعر حافظ عن مصر:

أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي

ومن الشعر الذي يتضح فيه التداخل بين مفهوم "الشرق" وما ندعوه الآن الوطن العربي:

كلما أنّ في العراق جريح لمس الشرق جنبه في عمانه

والاستمرار في نسبة الذات إلى هذا الموقع "الجغرافي التخيلي" مستمر إلى الآن فكثير من عاداتنا نسميها "العادات الشرقية" وكأننا حكم علينا أن لا نستطيع تعريف هويتنا إلا بصورة سلبية: "إننا ما يقابل الغرب" أي "ما ليس غرباً" وهذا معنى "إننا شرق".

ومن الهجائيات الجالدة للذات التي ازدهرت خصوصاً بعد هزيمة عام 1967 ما كتبه نزار قباني:

قتلتنا في مقاهي الشرق حرب الكلمات ..

إن كثيراً جداً من الهويات الزائفة ظهرت بالترافق مع "الهوية الشرقية" ولنسمها توازياً مع مصطلح الأستاذ سعيد "الهويات التخيلية" وإذا كانت "الجغرافية التخيلية" نتاجاً لبنى اجتماعية سياسية قسمت العالم وفقاً لمناطق نفوذ تمتلكها جماعات بشرية كبيرة متميزة فإن "الهويات التخيلية" عندنا لم تنتج مثل "الجغرافية التخيلية" عن عوامل داخلية لها على كل حال أصل مادي موضوعي ما بل نتجت هذه الهويات التخيلية عن عامل استلابي محض هو محاولة الذات لبس ثوب الهوية التي تعجب المرجع الاستلابي الذي هو الغرب. مثلاً لم تظهر هوية تخيلية مثل "الهوية الفرعونية" بسبب وجود الآثار الفرعونية أو ترجمة نصوصها وفك رموزها وإنما ظهرت لأن المثقفين الذين اعتبروا "الفرعونية" هويتهم تلبسوا بهذه الهوية بعد أن لاحظوا إعجاب الغرب بالأثار الفرعونية (الفرنسيون أحبوا الأثار الفرعونية لأن الفراعنة لم يهوموهم في معركة المنصورة ولم يأخذوا قديسهم لويس التاسع أسيراً في دار ابن لقمان تحت رعاية الطواشي صبيح الرؤومة فقد بدا لهم تاريخ مصر القديم حليفاً ضد تاريخها الإسلامي تماماً كما حاولوا بلا نجاح أن يتخذوا من تاريخ المغرب الكبير الأمازيغي قبل الفتح حليفاً ضد تاريخ هذا المغرب الإسلامي) وما ينطبق على الهوية التخيلية الفرعونية في مصر ينطبق على الهوية التخيلية الفينيقية في لبنان وعلى هويات تخيلية أخرى أقل حظاً بالرواج

إن اعتبار المرجع الغربي هو الحكم الفاصل الذي يصدر أحكام القيمة على كل شيء محلي بما فيه أحداث التاريخ (كم تم الاستشهاد بعبارة غوستاف لوبون: ما عرف التاريخ أرحم من العرب) والإنجازات العلمية (اكتشاف أهمية ابن خلدون بعد أن قال عنه توينبي ما قال) والأدبية (ما هو السر في أن ألف ليلة وليلة وهي الوحيدة من القصص الشعبية عندنا التي اشتهرت في الغرب هي الوحيدة التي نتباهى بها؟ وهل كانت لتساوي شيئاً لولم تتلق ختم المصادقة على أهميتها من المرجع الأوروبي؟) هو سمة عصرنا إلى الآن فنجيب محفوظ تختلف قيمته بين ما قبل اليوم الذي أعلنت فيه لجنة نوبل منحه الجائزة وما بعده.

وحتى الفلاسفة الغربيين لا نعترف بقيمتهم حتى يعترف بهم الغرب (أعطوني مثالاً واحداً على فيلسوف غربي مغمور في بلاده اكتشفه مفكر عربي وفي الحقيقة ما يجري عندنا هو أن الفيلسوف تظل له قيمة ما دامت له قيمة هناك وانظروا إن شئتم إلى صعود سارتر ثم هبوطه عندنا فنحن "صعّدناه" لا لأننا كنا حقاً قد رأينا بصورة مستقلة قيمته ونحن "هبطناه" لا لأننا رأينا بصورة مستقلة عيوبه بل نحن ببساطة استوردنا تقويمه كما نستورد كل شيء).

مع ظهور الثقافة العربية الحديثة اختفت قدرة العرب على تقويم أنفسهم، إن التقويم يجب أن يأتي من المرجع، حتى لو تمثل بشخصية متواضعة نسبياً، آثاري فرنسي مثلاً:

في رواية توفيق الحكيم "عودة الروح" يعرب مفتش الري الإنجليزي عن احتقاره للفلاحين فيتولى الآثاري الفرنسي الدفاع عنهم "شق قلب فلاح من هؤلاء وستجد سبعة آلاف عام من الحضارة". وهذه العبارة هي بالنسبة لبطل الرواية المصري "محسن" المعبر عن وجهة نظر الحكيم والمتحول لاحقاً في رواية أخرى له إلى "عصفور من الشرق" القول الفصل. هذا القول الفصل لا يمكن للفلاح طبعاً أن يقوله لأنه ليس الطرف المؤهل لقوله، ليس لديه الختم الذي يختم به الشهادة وكشف العلامات إن جاز التعبير وهو غير قادر- كما يتضح من الحوار- حتى على معرفة "أن قلبه يحتوي على سبعة آلاف عام من الحضارة"!

ب-"العلة الجوهرية" التي تسبب التخلف:

إذا كان "الشرق المشرقن"- كما يبرهن إدوارد سعيد عبر كل صفحات كتابه- هو بالنسبة للمستشرقين جوهر ثابت لا يتغير في الزمان والمكان، وهذا الجوهر معتل علة لا تقبل الشفاء، فإن هذا الافتراض استبطنته الثقافة العربية الحديثة كمسلمة من مسلماتها، آخذة طبعاً أولاً بأول الحجج التي كانت تساق للتدليل على هذه "الحقيقة" وبصورة مازوشية غريبة لا تصدق.

في أيامنا هذه تم التعتيم على حقيقة معروفة بل بديهية لدارسي الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر وهذه الحقيقة هي أن هذا الفكر كانت تسوده النزعة العنصرية بشكلها "البدائي" الذي هو ببساطة يقوم على نظرية الحتمية البيولوجية التي تقسم البشر إلى أعراق منفصلة كل شيء في نتاجاتها الاجتماعية والعقلية يتحدد ببنيتها البيولوجية الوراثية. وهذا التقسيم اعتبر "حقيقة علمية" على أساسها يتم تحليل كل الظواهر الثقافية اعتباراً من أكبرها مثل الدين حتى أصغرها مثل نص أدبي محدد لكاتب معين (فنحلل نص ابن حزم "طوق الحمامة" بأنه نتاج وجود "دم آري" يسري في عروق المؤلف).

إذا كان "أرنست رنان" قد كتب في هجاء العرب الصفحات الطوال واعتبرهم حين نقارنهم مع الآريين "مثل اسكتش بقلم رصاص مقارنة مع لوحة ملونة غنية" فإن هذا لم يمنع حداثياً عربياً مناضلاً متحمساً مثل الشاعر الزهاوي أن يعده واحداً من الأدلة على أن غير المسلمين يجب أن يدخلوا الجنة:

أيلقى "رنان" في الجحيم و "بخنر" و"دروين" من عن أصلنا كشف السترا!

ثمة كتاب مشترك بين الشاعر إبراهيم ناجي والدكتور إسماعيل أدهم عن توفيق الحكيم(2) والدكتور إسماعيل أدهم يعرف في الصفحة الأولى من الكتاب- بالمناسبة- بأنه "مستعرب عربي"!

الدكتور أدهم في دراسته يلقي أهمية كبرى على كون والدة توفيق الحكيم تركية الأصل ذلك أن "الذهنية العربية تنقصها الطاقة على التجرد من الذاتية وجعل الظواهر الموضوعية في طبيعتها الموضوعية –وللقارئ أن يلاحظ أسلوب هذا "المستعرب" العربي غير القويم!.(م)- فمن هنا كان الفن العربي مظهراً لتفتح ذاتية الفنان عن نفسه، ومن هنا كان في أغراضه فردياً، لأن الفنان يعيش في حاضره، ولا تتجلى له الأشياء في تطورها التاريخي، ولهذا كانت القصة والمسرحية غريبة على فن العرب" (3)

وبالمناسبة يظهر أن هذا "المستعرب" يعتقد أن الأتراك آريين وهذا كما يعرف اللسانيون غير صحيح ويبقى للقارئ أن يتأمل في الأواليات النفسية التي قادت هذا "الباحث الموضوعي" إلى هذا الخطأ في بديهيات التقسيم اللساني للغات والشعوب بين ما هو "آري" أي "هندي أوروبي" وما هو غير آري أي ليس هندياً أوروبياً مثل الساميين والفنلنديين والهنغاريين والكوريين والأتراك إلخ.

وهذا الحديث عن افروق بين الساميين والآريين يتردد عند كبار المثقفين فالسمات الأساسية لشعر ابن الرومي تؤخذ عند الناقد الكبير إبراهيم عبد القادرالمازني من كونه ذا أصل آري والأمثلة كثيرة جداً بل لا يكاد يوجد أمثلة أخرى مختلفة فلنكتف بذكر مثال واحد نجلبه من باحث إسلامي محترم هو أحمد أمين:

في كتاب أمين المشهور "ظهر الإسلام" تحليل للفرق بين الصوفيين العرب والصوفيين الفرس وهو يستند في التحليل صراحة إلى أحد المستشرقين: "وقد كان الأدب الصوفي نتاجاً لجنسين مختلفين الجنس السامي ويمثله الأدب الصوفي العربي، والجنس الآري ويمثله الأدب الصوفي الفارسي. وبين الجنسين اختلاف كبير في التصوف والإنتاج والمزاج. ومع كراهيتنا لإرجاع الخصائص إلى الجنس، فإننا نقر إلى حد ما أن الساميين بحكم نشأتهم أقوياء الحس في الغالب، ضعاف الخيال بينما الآريون واسعوا الخيال، كبر في أذهانهم جلال القوى الطبيعية لأنهم نشؤوا في أقطار ذات مناظر طبيعية جميلة جلية فخمة غريبة. وهم أقدر على وصف خلجات النفوس والساميون أقدر على تشبيه ظواهر الأشياء".(4)

وهو يعيد القارئ بعد التفصيل في هذه المحاكمة إلى مرجع موثوق: "انظر براون في كتابه "الأدب الفارسي" ".

أما التمييز بين الآريين ("العرق التخيلي"!) والساميين فليس هو ما يلفت انتباهنا في نص أحمد أمين فهذا أمين تمييز عادي (أرثوذكسي كما يمكن للأستاذ إدوارد سعيد أن يضيف) وما نريد التركيز عليه ولفت انتباه القارئ إليه هو الأوالية النفسية التالية التي تسود المحاكمات الحداثية العربية لحد الآن والتي تظهر واضحة في النص

أولاً: ثمة افتراض علة جوهرية مسبقة في "الشرق" أو "المسلمين" أو "العرب" أو –أخيراً "الساميين".

ثانياً لا يتم بحال البرهان على هذه العلة، على وجودها بحد ذاته، بل يتم "التأكد" من وجودها إما باكتشاف الفروق بين أي صفة من صفات هذه الهوية التخيلية الدونية والصفة المناظرة للهوية العليا-المرجع: الغرب- الآريين- إلى آخر هذه الهويات التخيلية،أو يتم اعتبار الفروق برهاناً على وجود هذه العلة. وإذا كانت الخطوتان الأوليتان للتعامل المعرفي مع الفروق بين الهوية الدنيا- هوية الذات والهوية العليا- هوية الآخر- المرجع هي اعتبارهما دليلاً على وجود العلة الجوهرية في الذات ومؤشراً على وجودها فإن الخطوة الثالثة هي الدعوة إلى التخلص من كل سمة مميزة للذات لأنها سبب ونتيجة للدونية.

وكما في نص أحمد أمين يتم بصورة تعسفية من جهة خلق فروق بدون برهان كاف (فلماذا –مثلاً- كان المتصوف العربي محيي الدين بن عربي "قوي الحس ضعيف الخيال"! أين البرهان على هذه المصادرة!) ومن جهة أخرى خلق تفسير لهذه الفروق المخترعة (فلماذا-مثلاً- لم يفعل "جلال وجمال وفخامة المناظرة الطبيعية" في الأندلس موطن ولادة ابن عربي وفي دمشق موطن وفاته فعله في الآريين الفرس!).

لنفرض أن تلميذين في صف ما اختلفا في درجة التفوق في الرياضيات: وفقاً لمنطق قد نقول إنه هو في أن يماثل التأويل الاستشراقي وتأويل التلاميذ العرب للاستشراق قد يكون سبب التفوق الأول طويل القامة والثاني قصيرها.

غير أن الواقع أسوأ حتى من هذا المثال إذ أن "جلالة المناظر الطبيعية" لا يسهل تعريفها و "حدها"- على الطريقة المنطقية الصورية- كما يسهل تعريف "القامة الطويلة" و "القامة القصيرة".

غير أن أحمد أمين يبدو متأكداً من أن "الصحراء" أقل "جلالة وفخامة"من الغابة فمن أين أتاه هذا اليقين- الذي هو فيه مخلص كل الإخلاص-؟

نجد المفتاح في تأكيد ابن خلدون في "أن النفس تعتقد الكمال في من غلبها" وبالتالي بكل شاراته وعاداته (أي بلغتنا المعاصرة: بكل سماته المميزة بما فيه تلك السمات الموجودة بالصدفة والتي لا علاقة لها بواقعة الغلبة).

غير أن لهذا سبباً آخر –نفترض أنه ينبني على هذا السبب- وهو الاحترام الخارق للمرجع الغربي واعتباره معصوماً علمياً لا يأتي أقواله الباطل، وهو، حتى حين يقرر أن العرب- مثلاً- بتكوينهم الجسدي البيولوجي بالذات ذوو مكانة دونية حتمية فإن المثقف العربي الحديث كان يقبل هذا القول على أنه قول العلم غير المنحاز ويستشهد به ويعده أرضية أساسية للبحث.

صفق المثقفون العرب الحديثون طويلاً للإجراءات "الإصلاحية" التركية التي قام بها مصطفى كمال. وهذه الإجراءات يمكن لكل صاحب عقل سليم (أي لأي شخص غير المثقف العربي الحديث!) أن يرى فيها حماقات مضحكة ونكتة كبيرة. غير أن هذه النكتة الواقعية كانت تعكس عصاب المرحلة الجماعي عندنا وعندهم.

يمكن للإنسان بغض النظر عن موافقته أو رفضه أن يرى معنى للقضاء على نظام الخلافة، لفصل الدين عن الدولة والمدرسة، غير أن أيّ إنسان حتى لو كان معادياً للدين ولكنه لم يفقد عقله بصورة نهائية لا رجعة فيها لا يمكن أن يرى معنى لتحويل يوم العطلة من الجمعة إلى الأحد ولا لمنع الطربوش واستبداله بالقبعة!

هاهنا نرى هذه الأوالية البسيطة التي سار عليها الحداثيون الأتراك والعرب: كل ما يميزهم هو بآن علامة على التقدم وسبب له، وكل ما يميزنا هو بآن علامة على التخلف وسبب له وعلى هذا الأساس حاول الحداثيون عندنا إلغاء الأحرف العربية ووضع أحرف لاتينية مكانها.

لنفرض أن الولد القصير هو المقصر في الرياضيات: إن "مصلحاً" يفكر بطريقة المثقف العربي الحديث سيلتمس وسيلة لجعله متفوقاً ليس بتعليمه أصول الرياضيات ولكن بتطويله! وعلى سرير بروكوست هذا أراد مثقفون عرب بالفعل في بداية القرن العشرين تمديد المجتمع العربي ليقصروا منه ما طال ويطولوا منه ما قصر بحيث تزول الفروق بينه وبين المجتمع الغربي: "الطريق واحدة فذة ليس لها تعدد وهي أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره.. ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع"(5)

الدكتور طه حسين اشترك في هذه الدعوة إلى احتذاء طريق الغرب بقضه وقضيضه مع سلامة موسى غير أنهما كانا على قدر كاف من المنطق لينتبها إلى أن الأطروحة الأساسية:"الشرق هو شيء مختلف كلياً عن الغرب ولا يمكن له بحكم طبيعة جوهرية فيه أن يتغير ويصبح غرباً" لا تنسجم منطقياً مع متطلبات دعوتهما هذه إذ هي والحال هذه تشبه دعوة القرد أن يحذو حذو الإنسان!

الحل الذي وجداه كان باتباع أوالية تكاد تشبه أوالية "الإنكار" التي يتحدث عنها التحليل النفسي بصفتها إحدى الأواليات الدفاعية-العصابية-للأنا:لقد أنكرا أن تكون مصر شرقية:طه حسين قال إن مصر يونانية وسلامة موسى قال إن مصر آرية!وهذا الزعم الأخير استفز الأستاذ ساطع الحصري الذي ذكره بأن بعض الشرق المحتقر آري مثل إيران وأفغانستان والهند على حين أن بعض الغرب المحترم غير آري مثل هنغاريا وفنلندا وآستونيا(6)

ج-تمثيل مجتمع أخرس:

وسمت الثقافة العربية الحديثة منذ نشوئها بسمة الانفصال التام عن المجتمع.لقد كان المثقفون الأوائل في العادة خريجي معاهد ومدارس ذات ارتباط وثيق بالسلطة الاستعمارية(مدارس تبشير،مدارس حديثة فرضت عليها المناهج الغربية)وأما من حيث النسبة العددية لهؤلاء المتعلمين فقد كانوا قطرة في بحر من الأميين(فوق التسعين بالمائة في جميع الحالات)

إن الانفصال بين "العالم"و"العامة"كان قديماً غير أن هذا الانفصال كان مختلفاً في طبيعته كل الاختلاف عن مقابله الحديث سواء أفي وظيفة "العالم"أم في وظيفة "العلم"فخلافاً لحال المثقف الحديث لم يكن العالم في خدمة قوة مهيمنة غريبة(من خارج المجتمع)وخلافاً لحال الثقافة العربية الحديثة لم يضع العلم العتيق على نفسه مهمة الهيمنة على المجتمع ومحاولة تغييره انطلاقاً من نموذج غريب جاهز.

وحتى العالم الديني الحديث "حدّثت"المدارس العليا التي اعتادت أن تخرجه بحيث فقدت استقلاليتها التي كانت تتيح لها التعبير المستقل عن مصالح الجماعة الأهلية أو عن الرؤى الدينية القويمة بلا تدخل هوى السلطان.ونتائج التحديث نشهدها في المثالين الذين سنضربهما مراراً: "الأزهر"و"الزيتونة"وهما ليسا الوحيدين.

إذا كانت الثقافة العربية الحديثة كما قلنا قامت على أساس المسلمة الاستشراقية نفسها التي تقول إن الشرق يشكو من عيب جوهري يجعله غير قادر على أن يتجاوز وضعه المأساوي على الأقل طالما هو محتفظ "بجوهره الشرقي"فإنه ينتج من ذلك منطقياً أن هذا الشرق يجب أن يمنع –لغرض إصلاحه!-من التعبير عن ذاته الحقيقيةلأن هذه الذات تتناقض مع نموذج الأصل الأساسي(الغرب)ومن هنا كان من الملائم عد المجتمع الأهلي مجتمعاً ينبغي إسكاته وترك"النخبة"تتكلم بالنيابة عنه لأنه إن نطق فلن ينطق إلا بلغة "لا تعبر عن عصرها"(:العصر"في الاستعمال المعاصر في الثقافة العربية هي كلمة مرادفة لكلمة"الغرب" فالعصر هو الغرب والغرب هو العصر ومن لم يتطابق مع الغرب فهو لم يتطابق مع العصر والذي لم يتطابق مع الغرب يعيش خارج الزمن المعترف به فالزمن مضبوط على الساعة الغربية حتى لو كانت الشمس تشرق عندنا أولاً)

اللغة الوحيدة المعترف بها هي "لغة العصر" ومن هنا كان مجتمعنا أخرس منذ عصر النهضة فهو لا يتقن لغة العصر لذلك فما هو إلا الطفل يحتاج إلى وصيه ليعبر عنه وهذا الوصي تمثل في النخب المستغربة بتجلياتها العديدة وأسمائها وأيديولوجياتها المتباينة التي تلتقي في نقطة واحدة هي نقطة الاستيراد الجاهز والتي لها طبيعة واحدة هي الطبيعة الوصائية التي تنقلب في التطبيق إلى أنظمة اجتماعية-سياسية شمولية لم تزل قائمة في أماكن عديدة من بلادنا لا يتغير منها إلا أشكالها وأسماء قادتها.

ومحاولة "إنطاق الأخرس" أي التعبير من جديد عن هذه الهوية المكبوتة:الهوية الخاصة المغايرة للمجتمع الأهلي،"الذات الحقيقية" هي المهمة الأجل للتيار الثقافي التأصيلي العربي.

هوامش
(1)"الاستشراق"-المعرفة-السلطة-الإنشاء-إدوارد سعيد-ترجمة كمال أبو ديب-مؤسسة الأبحاث العربية-طبعة ثالثة-1991-ص40.

(2)"توفيق الحكيم"-د.إبراهيم ناجي،د.إسماعيل أدهم-مكتبة الآداب-1984-القاهرة-دراسة "أدهم"نشرت أولاً في مجلة "الحديث"الحلبية لصاحبها الدكتور سامي الكياليالذي كتب مقدمة للكتاب تاريخها 15/1/19945.

(3)المرجع نفسه-ص12.

(4)"ظهر الإسلام"-أحمد أمين-الجزء الرابع-الطبعة الخامسة-مكتبة النهضة المصرية-1982-القاهرة-ص170.

(5)"مستقبل الثقافة في مصر"-د.طه حسين-دار الكتاب اللبناني-بيروت-1982-ص54.

(6)انظر مقالاً شيقاً عن هذا السجال الذي دار في العشرينات و رافق إنشاء ما سمي "بالرابطة الشرقية"ومجلتها في مصر:"الرابطة الشرقية وتهمة الإلحاد"-د.عبد العظيم أنيس-مجلة"اليسار"المصرية-العدد الثالث-مايو1990

07-02-2005, 06:04 PM
السلام عليكم

أستاذ محمد ب هذا موضوع هام جداً , وقد كُتب عنه الكثير والكثير , وخلال دراستي وكتابة بحثي الذي حمل عنوان قضايا الإصلاح والنهضة عند محب الدين الخطيب تعرفت على كثير جداً من الكتب والمقالات التي بحثت بعلاقة الشرق مع الغرب , وخرجت بفائدة أعتقد أنها جديرة بالإهتمام وهي :
كما أن كثيراً من العلماء والأدباء فتنوا بحضارة الغرب ودعوا إلى الذوبان فيها وتطرفوا لدرجة صاروا يرون كل ما يتعلق بالعرب والمسلمين هو تافه وغير جدير بالإهتمام كان هناك بالمقابل علماء وأدباء ورجال فكر قضّوا حياتهم في مواجهة ما صار يُعرف بتيار التغريب , وعملوا جهدهم على إظهار فضل العرب والمسلمين والرفع من شأنهم والعمل على تقدمهم ورقيهم .
فكما كان هناك طه حسين وسلامة موسى ولطفي السيد وشبلي شميل وعلي عبد الرزاق ومنصور فهمي وغيرهم كان هناك محب الدين الخطيب ومحمد الخضر حسين وأحمد تيمور وشكيب أرسلان وعبد العزيز جاويش وغيرهم .

لكن المشكلة هي أن البلاد العربية والإسلامية وقعت فريسة سهلة للمحتل الغربي الذي دعم توجّه التغريبين وأقوالهم وأبحاثهم حتى صارت كأنها الحقيقة الساطعة وجاءت الحكومات بعد الإستقلال لتتابع الدور الذي رُسم لها أصلاً فهمّش الرأي الآخر ووصم أصحابه بالتخلف والرجعية والبعد عن الحضارة .

وكمثال على المفكرين الذين قاموا دعوة التغريب والتغريبين أنقل لكم ما كتبته في بحثي المشار إليه سابقاً عن عمل السيد محب الدين في ذلك:

يُعتبر السّيّد محب الدّين من أهمّ الكتّاب الّذين سخّروا أقلامهم لمقاومة تيار التّغريب, ولبيان أهداف وأخطاء هذا التّيار. وقد كانت مطبعته وصحفه منبراً لكلّ الأقلام الّتي كانت تسعى لنفس الغاية الّتي سعى إليها, فقد كتب في مجلّته الزّهراء والفتح مقالاتٍ هامّة في هذا الموضوع, منها, مثلاً, مقاله الّذي يحمل عنوان "حملة التّجديد والإصلاح", والّذي نشره في الزّهراء, ومما جاء فيه قوله:"هناك تجديدٌ حقيقيٌّ وتجديدٌ مدسوسٌ, وإذن, فالمقياس الّذي يتميّز به التّجديد الحقيقيّ عن التّجديد المدسوس هو تعيين المبادئ والغايات, ورسم الخطط فيما بينهما"(1)

فالسّيّد محب الدّين كان يريد من المتغرّبين أن يحددوا أهدافهم وغاياتهم, وما هو التّجديد الّذي يطلبونه, والّذي يناسب أمّتنا, وديننا, والّذي يؤدّي حقّاً إلى تقدّمنا وعزّتنا, وتخلّينا عن منتجات ومصنوعات الأمم الأخرى, والّذي يساهم بتقدّمنا حقيقةً لا شكلاً, وجوهراً لا مظهراً خارجياً فقط. لذلك فهو يقول, في مقاله المشار إليه آنفاً: " تُرى, ما هي مبادئ حركة التّجديد الحقيقيّة الّتي يحتاج إليها هذا الشّرق العربيّ؟ وما هي غاياتها؟ وما هي خططها؟ نريد أن نكون أقوياء في أنفسنا, ومحترمين عند الأمم القوّيّة, هذه غاية يجب أن نصل إليها, ويجب أن نحتفظ بكياننا القوميّ والوطنيّ والدّينيّ, وهذا مبدأٌ يجب أن نقطع اليد الّتي تحاول قطع ما بيننا وبينه. فالخطّة الّتي يجب أن نرسمها بين هذا المبدأ, وتلك الغاية هي أن نأخذ من كلّ مكانٍ ما نحن في حاجةٍ إليه من أسباب القوّة, وأن نحتفظ بكلّ ما في كياننا القوميّ والوطنيّ والدّينيّ, مما لا يعدّ من عوامل الذّلّ, وبواعث الوهن"(2).

وهكذا حدد السّيّد محب الدّين ما يمكن قبوله من الغرب وما يمكن رفضه, فهو يريد أن نستفيد من أسباب القوّة الموجودة عند الأمم القوّيّة, فنستفيد من العلوم والإختراعات, ونطوّرها حتّى تكون لنا صناعاتنا الخاصّة واختراعاتنا الخاصّة, وأن نبتعد عن كلّ ما يُخرجنا عن كياننا القوميّ والوطنيّ والدّينيّ, فتبقى لنا شخصيّتنا الخاصّة, الّتي تميّزنا عن غيرنا من الشّعوب والأمم الأخرى. وكان يعلن عن هذا بقوله: " التّجدد الّذي نبقى معه مسلمين حقّاً......., التّجدد الّذي ينمّي في نفوسنا فضيلة الوفاء لأجدادنا......, التّجدد الّذي يزيدنا قوّة وثروةً ومنعةً, ويرفع عنّا ذلّة الخنوع لنير الأجانب ونزعاتهم ونزغاتهم, فذلك التّجدد نحن دعاته, والمرحّبون به, والحاضّون عليه"(3).

وحارب السّيّد محب الدّين كلّ الدّعوات الّتي تتنافى مع إيمانه هذا, فنراه يقول: " في مصر دعاية إلى شيءٍ يسمّونه أدباً مصريّاً, وتحت هذه الدّعاية مقاومةٌ لشيءٍ يسمّونه أدباً عربيّاً, و نحن إذا تجاوزنا عن المآرب المستترة تحت الدّعاية الظّاهرة, لا نكاد نتصوّر تنافياً, بل ولا تعارضاً بين أن يكون لمصر أدبٌ مصريٌّ, وبين أن يكون لمصر مع سائر الشّعوب العربيّة أدبٌ عربيٌّ"(4).

وكان لموضوع الأدب واللّغة العربيّة, والدّفاع عنهما ضدّ المشكّكين, والدّاعين إلى تفريق وحدة العرب عن طريق هدم أهمّ رابطةٍ تؤلّف بينهم, وهي اللّغة العربيّة, حيّزٌ كبيرٌ في خطة السّيّد محب الدّين لمقاومة المتغرّبين, الّذين هاجموا اللّغة العربيّة, ودعوا إلى استبدالها باللّغة العاميّة, أو قاموا بالحطّ منها, وبيان عجزها عن مسايرة الحضارة والتّقدّم.

وهاجم في مجلّاته كلّ من تعرّض لهذه اللّغة بالسّوء, فنقرأ في مجلّته الزّهراء, مثلاً, قوله معلّقاً على مقالة نشرها في هذه المجلّة, بعنوان "العاميّة والفصحى": " إذا كنّا نحمد للسر وليم ويلكوكس( 5) مساعيه في مصر لإصلاح أرضها, فإنّنا في الوقت نفسه نعدّه في زمرة العاملين مع دعاة البروتستانتيّة من جهةٍ, ومع الّذين يكيدون للعربيّة, كحضرة الفاضل سلامة موسى أفندي, من جهةٍ ثانية"( 6).

وكتب في مقالٍ نشره في الفتح بعنوان "إحلال العاميّة في محل العربيّة الفصحى أمنية كلّ من يتمنّى هدم الإسلام", قائلاً: "الدّعوة إلى إحلال العاميّة محل العربيّة الفصحى من أدب النّاطقين بالضّاد وثقافتهم, ليست من مخترعات هذا الجيل, بل هي فكرةٌ استعماريّة"( 7). واعتبر أنّ هذا المستعمر كان هدفه الأساسيّ حرمان العرب والمسلمين من تراث الفصحى, في الدّين والعلوم والآداب, لتسهل على الاحتلال مهمّته(8 ).

ونشر قصائد تمجّد اللّغة العربيّة الفصحى, وتحارب كلّ من يدعو إلى تركها, أوعدم استخدامها, أو استبدالها باللّغة العاميّة. ومن هذه القصائد ما نشره في مجلّة الفتح, لمناسبة الدّعوة في المجمع اللّغوي إلى اللّغة العاميّة. وقال في تقديم هذه القصيدة: "لمّا كاد النّاس ينسون ذلك الهذيان الّذي قُدّم إلى مجمع فؤاد الأوّل للغة العربيّة من بعض أعضائه, يقول لهم فيه إنّ تعلّم العربيّة الفصحى محنةٌ حائقةٌ بأهل العربيّة, إنّه طغيانٌ وبغيٌ, جاء عضوٌ آخر من أعضاء المجمع بتقريرٍ يقول فيه: إنّ لغة القرآن فقدت مرونة التّطوير, ويقترح التّفكير في العدول عنها إلى العاميّة.........ارتجل الشّاعر على أثر ذلك الأبيات التّالية, يصف بها العربيّة, بين حماتها وعداتها"( 9). وكان من هذه الأبيات قول الشّاعر:

هي للعاشـق شغلٌ شاغلُ ............ فليقل ما شاء عنه العاذلُأ
بغض العرب رجالٌ لا يُرى .......... منهم إلّا كـذوبٌ خاتلُأ
إلى العجمة تدعـو يعرباً ........... باطـلٌ ما أنت فيه آملًُ

وكما قلنا, فقد جعل السّيّد محب الدّين مطبعته ومكتبته السّلفيّة وصحفه, منبراً لمقاومة التّغريب وأفكاره. فعندما أصدر السّيّد سلامة موسى كتابه أحلام الفلاسفة, انتقد السّيّد محب الدّين هذا الكتاب لما حمله من أفكارٍ وآراء, رأى فيها محاربةً للأديان. وعرض السّيّد محب الدّين لبعض ما جاء في هذا الكتاب من هذه الأفكار, ونبّه إلى ما فيه من دسٍ على الأديان والمعتقدات ودعوةٍ إلى تركها, يقول: "نشرت مجلّة الهلال(10 ) الغرّاء كتاباً جديداً لسلامة موسى أفندي بهذا العنوان, أراد أن يستعرض فيه أماني العظماء في تكوين الإنسانيّة, وإبلاغها إلى ما يرتجونه من المثل العليا. وكانت هذه الفكرة جميلةً بذاتها, لولا ما بثّه الكاتب في كتابه من آراءٍ خبيثةٍ, لم نكن نتوقّع من رصيفتنا الهلال أن تكون واسطةً لنشرها أو إيصالها إلى الأوساط العائليّة, فتتناولها الفتيات وقليلو التّجربة. كقول سلامة موسى أفندي صفحة 81: "وكان أفلاطون يبحث في شيوعيّة النّساء, ففي مثل هذا الوسط الحرّ نشأ أدبٌ نزيهٌ, خلّوٌ من القيود, لا يزال إلى الآن يوحي إلى الكتّاب والأدباء روح التّفكير النّزيه الحرّ الجريء". وكقوله صفحة 87 في موضوعٍ آخر: "وليس في هذا النّظام ما يخالف الطّبيعة البشريّة كما يتوهّم القارئ لأوّل وهلةٍ, فإنّ العائلة لا تزال موجودةً بوجود الأمّ, الّتي هي صلة القرابة بين جميع السّكان, ثمّ إنّ الأبناء لا يعرفون لهم أباً معيّناً, فالمنفعة الشّخصيّة والأثرة الأبويّة منتفية, وبذلك ينتفي التّنازع بين أفراد البيت, ثمّ إنّ الشّهوة الجنسيّة غير مقيّدةٍ لأنّ لجميع الأفراد أن يتمتّعوا بها, بشرط أن لا تعقب نسلاً". هذا بعض أحلام الفلاسفة الّتي يذيعها سلامة موسى أفندي, بواسطة رصيفتنا مجلّة الهلال, لتدخل كلّ منزلٍ تدخله الهلال, لأنّ الكتاب هديّة لقرّائها...وكنّا نستغرب من الأستاذ المؤلف شدّة كراهيته للإسلام والنّصرانيّة معاً, مع أنّ الثّانية دين آبائه, إلى أن علمنا من كتابه هذا صفحة 31 ما أساءت به هاتان الشّريعتان إلى حضرته, حيث قال: "ثمّ كان ملوك النّصارى, وخلفاء المسلمين, عائقاً آخر يمنع التّخيّل, والبحث في المثل العليا للحكومات, والهيئات الإجتماعيّة". ويريد من هذه المثل العليا نفس الأحلام الّتي ألّف منها كتابه, وأراد أن تكون من الثّقافة الّتي تستنير بها بناتنا ونساؤنا, وأبناؤنا وشبابنا, حتّى يخلصوا من هداية موسى, وعيسى, ومحمّد صلّى اللّه عليه وسلّم"( 11).

ونشر السّيّد محب الدّين مقالاتٍ لكتّاب كثيرون ينتقدون أفكار سلامة موسى ومن يلفّ لفّه, منها مقالةٌ بعنوان "شرقيٌّ يكره الشّرق", فيها عرضٌ لكتاب سلامة موسى اليوم والغد, ونقدٌ لأفكاره, و لما فيه من كراهية للشّرق, وتمجيدٍ للغرب( 12). ونشر أيضاً مقالاً فيه نقدٌ لمقالات سلامة موسى عن استعمال اللّغة العاميّة بدل اللّغة العربيّة الفصحى, وهو بعنوان "العاميّة والفصحى"( 13) بيّن فيه الكاتب أهميّة اللّغة الفصحى, ودافع عنها. وعلق السّيّد محب الدّين على هذه المقالات بما يبيّن حبّه الشّديد للّغة العربيّة الفصيحة, وإيمانه العميق بها, وبجدارتها بمواكبة الحضارة, والمدنيّة الحديثة.

وانتقد السّيّد محب الدّين كتابات السّيّد طه حسين, وكتب مقالاً في الزّهراء بعنوان "ما أعرفه عن طه حسين", بيّن فيه أنّ هذا الرّجل لا يتورّع عن سرقة جهود غيره, وأنّه كان يتسلّح باللّسان السّليط لإسكات خصومه, وأنّه يسارع إلى تكذيب العلماء قبل أن يتحقّق من أقوالهم, ويظنّ بعد ذلك أن لا أحد يستطيع بيان الحقّ غيره, وفي نهاية المقال يُورد كلمةً للأستاذ داود بركات بحقّ طه حسين يقول فيها: "لو أنّا أخذناه على سبابه, لما بقي شيءٌ يُسمّى طه حسين"( 14).

ويقول أيضاً في نفس العدد من المجلّة: "يرى الدّكتور طه حسين أنّ النّظريات الّتي ذهب إليها في كتاب الشّعر الجاهلي خير عملٍ صدر منه إلى الآن, ونرى أنّ هذا الكاتب لم يفضح نفسه بشيءٍ كما فضحها بالأبحاث الّتي تعرّض لها في كتاب الشّعر الجاهلي, لأنّه هجم فيه على أمورٍ كثيرةٍ, لو كشف الغطاء لـه عن تفاصيل كلّ واحدٍ منها, للبس فيه ثوبي حزنٍ وخجلٍ لا سبيل إلى نزعهما عن جسمه أبد الدّهر, وقد صدرت في الرّدّ عليه كتبٌ متعدّدةٌ, ونُشرت في ذلك مقالاتٌ كثيرةٌ"( 15). وقام السّيّد محب الدّين بنشر كثيرٍ من هذه الرّدود, سواءً في مطبعته السّلفيّة, أو في مجلّته الزّهراء, فنشر كتاب صديقه السّيّد محمّد الخضر حسين في نقد كتاب طه حسين, وهو بعنوان: نقض كتاب الشّعر الجاهلي, ونشر مقالاتٍ كثيرةً في نفس الموضوع.

وعندما نشر الشّيخ علي عبد الرّازق كتابه المثير للجدل الإسلام وأصول الحكم, كانت مجلّته الزّهراء, كعادتها, منبراً لنقد الكتاب وما جاء فيه, ونشر أيضاً فيها نصّ الحكم الصّادر بحقّ الشّيخ علي عبد الرّازق عن الأزهر الشّريف والّذي جاء فيه: "وبعد: فقد صدر في مصر كتابٌ عنوانه الإسلام وأصول الحكم للشّيخ علي عبد الرّازق, خرج فيه على الأصول الّتي سُميّ بها عالماً شرعيّاً, وكان بها أهلاً للفتيا والقضاء, ولمّا تحقق ذلك لهيئة كبار العلماء في الجامع الأزهر الشّريف ناقشته, وحكمت بالإجماع بإخراجه من زمرة العلماء"( 16).

وقد وضع الشّيخ علي عبد الرّازق في كتابه أفكاراً عن الحكم, ونظامه في الدّولة الإسلاميّة, وجاء فيه قوله: "إنّ الشّريعة الإسلاميّة شريعةٌ روحيّة محضةٌ, لا علاقة لها بالحكم والتّنفيذ, وإنّ الدّنيا من أوّلها إلى آخرها وجميع ما فيها من أغراضٍ وغاياتٍ أهون عند اللّه من أن يقيم على تدبيرها غير ما ركّب فينا من عقولٍ, وأهون عند اللّه من أن يبعث لها رسولاً, وأهون عند رسل اللّه من أن ينشغلوا بها, ويُنصّبوا لتدبيرها" ( 17). وهذه الأفكار الغريبة لا تتناسب مع إيمان السّيّد محب الدّين في أنّ الإسلام هو "دين عقيدةٍ وعبادةٍ..., وتتّسع دائرته فتحيط بنظام الحكم كلّه, والمسلمون لا يعتبرون أنفسهم عائشين في بلدٍ إسلاميٍّ, إلّا إذا ساد نظام الإسلام بلدهم, وقامت فيه أحكامه وآدابه, كما تقوم به شعائره و تسود عقائده"( 18). لذلك فإنّ هذه النّظرة لنظام الإسلام تختلف تماماً عن نظرة الشّيخ علي عبد الرّازق. وقد قام السّيّد محب الدّين بنشر كتاب نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم في مطبعته السّلفيّة, حيث قام الشّيخ محمّد الخضر بنقد أفكار الشّيخ علي عبد الرّازق بأسلوبٍ علميٍّ, وبيّن خطأ هذه الأفكار الموجودة في الكتاب.

وهكذا فقد جعل السّيّد محب الدّين من صحفه ومطبعته مركزاً يحارب التّغريب ويفنّد أفكاره, ويُظهر مراميه وأهدافه الحقيقيّة, والّتي كان يرى فيها محاولةً لهدم الدّين والأخلاق والشّخصيّة العربيّة والإسلاميّة. وقد كتب في الفتح مقالاً ينتقد فيه وضع المرأة, وما وصلت إليه, بسبب من اعتبرهم مقتبسين من الغرب في تعاملهم معها, يقول: "كنّا نشكو جهل المرأة, وكنّا نحمّل جهل المرأة مسؤوليّة كلّ ما في البيت من عيوبٍ. وفي عشراتٍ قليلةٍ من السّنين جرّبنا دفع المرأة في تيارٍ جديدٍ اقتبسناه من مُثلٍ أجنبيّة عنّا….... إنّ الحالة الّتي وصلت إليها المرأة اليوم لا يمكن أن يرضى عنها رجلٌ عاقلٌ, مسلماً كان أو غير مسلم, وإنّ العناصر الأجنبيّة الّتي كنّا نعتزّ بامتيازنا عنها في صيانة نسائنا واستمساكهن, ترى الآن أنّها هي الّتي تمتاز علينا بذلك, وتتمتّع بنتائجه في سعادتها البيتيّة وحياتها المنزليّة"( 19). وفي نهاية المقال يُصدر نداءً لجميع العقلاء ليعرفوا ما هو الّذي يصلح لنا اقتباسه عن الغرب, وما هو الشّيء الّذي لا يصلح, يقول: "أيّها العقلاء, يجب علينا بعد اليوم, وقد أعددنا أنفسنا لنكون أصحاب وطننا, أن نطيل التّفكير فيما نأخذ عن الغير وما ندع, ليس كلّ ما عند الغير يجوز لمثلنا أن يأخذه ..., إذا مددنا يدنا لنأخذ, يجب علينا أن نطيل النّظر قبل ذلك, لئلا تقع أيدينا على عقارب ......, أيها النّاس, اتّقوا اللّه في النّساء"( 20).

ولا ننسى أنّ جمعيّة الشّبان المسلمين وُجدت أصلاً من أجل محاربة هذا التّيار التّغريبي, والّذي انتشر انتشار النّار في الهشيم, والّذي كان بحاجةٍ إلى من يوقفه, ويكشفه للنّاس بصورةٍ واضحةٍ لا لبس فيها. ووصف لنا هذا بقوله: "كان جوّ القاهرة الفكريّ والثّقافيّ في ذلك الحين متشبّعاً برطوبة الأخذ بثقافة الغرب, بكلّ ما فيها من خيرٍ وشرٍّ وجدٍّ وهزلٍ, وأكثر القائمين على الأندية والعاملين في الصّحافة, والمترددين على الأندية والمجتمعات, يعدّون كلّ نزعةٍ إسلاميّة رجعيّة وجموداً, وكان العالم الإسلاميّ قد أُصيب حينئذٍ بظهور الدّعوة الكماليّة إلى الفصل بين الدّين وشؤون الدّنيا, وتردد صدى ذلك في مصر على صفحات كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرّازق وأنصاره الكثيرين.....كانت الدّعوة إلى تأسيس جمعيّة الشّبّان المسلمين مهددةً, من كتّاب الصّحف, ورجال هذه الهيئات الثّقافيّة, بحملات التّشكيك والتّنفير, لو وصل خبر تأسيسها إلى ألسنتهم, وصفحاتهم وأجوائهم فتقرر من السّاعة الأولى أن تكون الدّعوة إلى هذا العمل الجديّ منطوياً في مسار الكتمان"( 21).

وكانت هذه الجمعيّة متنبّهةً إلى ما يجري حولها, ومتيقّظةً لأعمال دعاة التّغريب ودعواتهم, وأهدافهم الّتي يرمون إليها, من إبعاد الشّباب خاصّةً والمسلمين عامّة, عن تراثهم وماضيهم ولغتهم, بهدف سلخهم عن دينهم, وتوجيههم إلى ما يريده الغرب, ويريده الملحدون. وظلّت هذه الجمعيّة تخدم قضيّتها, وتحاول جمع الشّباب المسلم والمثقّف حولها من أجل الحفاظ على دينهم وأخلاقهم.

هوامش :
(1) ـ محب الدّين الخطيب, " حملة التّجديد والإصلاح ", الزّهراء, 4 (الرّبيعان / 1346), 7.
(2) ـ المصدر نفسه, 7.
(3) ـ محب الدّين الخطيب, "محافظون ", الزّهراء, 3 (محرّم / 1345), 5.
(4) ـ محب الدّين الخطيب, "الاتجاهات في الأدب العربيّ اليوم ", الزّهراء, 4 (ذو الحجة / 1346), 580.
(5) ـ وليم ويلكوكس, مهندس انجليزي للرّيّ في مصر, رأس تحرير مجلّة الأزهر, وبدأ بإدارتها من أوّل يناير سنة 1893, كتب مقالات تدعو إلى استعمال اللّغة العاميّة بدل اللّغة العربيّة الفصحى, وترجم أجزاءً من الإنجيل إلى ما سماه اللّغة المصريّة وذلك في سنة 1926م؛ انظر, سامي عبد العزيز الكومي, الصّحافة الإسلاميّة في مصر, 214؛ ومحمّد محمّد حسين, الإتجاهات الوطنيّة في الأدب المعاصر, 2, 361.
(6) ـ تعقيب لمحب الدّين الخطيب على مقالة عزّة دروزة, "العاميّة والفصحى", الزّهراء, 3 (صفر / 1345), 116.
(7) ـ محب الدّين الخطيب, "إحلال العاميّة في محل العربيّة الفصحى أمنية كلّ من يتمنّى هدم الإسلام", الفتح, 849 (ذو القعدة / 1366), 865.
(8) ـ المصدر نفسه, 865.
(9) ـ محب الدّين الخطيب, "إلى حماة العربيّة وعداتها", الفتح, 849 (ذو القعدة / 1366), 864. والقصيدة هي للشّاعر كمال النجمي.
(10) ـ الهلال, أسّسها جرجي زيدان عام 1892م, في القاهرة. وصدر العدد الأول منها في (ربيع أول 1310هـ, 1892م), وكان ينشر فيها كتبه على هيئة فصول متفرقة، وقد لقيت المجلّة قبولا من الناس حتى لم يكد يمضي على صدورها خمس سنوات حتى أصبحت من أوسع المجلات انتشارا، وتجاوز عمرها قرنا من الزمان، وكان يكتب فيها عمالقة الفكر والأدب، ورأس تحريرها كبار الكتاب والأدباء، من أمثال الدكتور أحمد زكي، والدكتور حسين مؤنس، والدكتور علي الراعي، والشاعر صالح جودت وغيرهم؛ انظر, موقع إسلام أون لاين, أحمد تمّام, مقال بعنوان "جرجي زيدان كفاح ونجاح", في ذكرى وفاته, www.islamonline.net؛ ومحمّد منير سعد الدّين, الإعلام,110.
(11) ـ محب الدّين الخطيب, "في أحلام الفلاسفة لسلامة موسى", الزّهراء, 3 (صفر / 1345), باب حركة النّشر والتّأليف.
(12) ـ المقال موقّع بـ (ع) دمشق الشّام, الزّهراء, 4 (جمادى الثّانية / 1346), 223.
(13) ـ عزة دروزة, "العاميّة والفصحى", الزّهراء, 3 (صفر / 1345), 116. وهي رد على مقالة كان سلامة موسى قد نشرها في الهلال بعنوان "اللّغة الفصحى والعاميّة".
(14) ـ محب الدّين الخطيب, " ما أعرفه عن طه حسين ", الزّهراء, 3 (ربيع الثّاني / 1345), 268.
(15) ـ المصدر نفسه, 281.
(16) ـ نُشر هذا الحكم في الزّهراء, 2 (صفر / 1344), وكان ملحقاً معها.
(17) ـ علي عبد الرّازق, الإسلام وأصول الحكم, من دراسة الدّكتور كامل سعفان, علي عبد الرّازق, 33.
(18) ـ محب الدّين الخطيب, مع الرّعيل الأوّل, 38.
(19) ـ محب الدّين الخطيب, "اتّقوا اللّه في النّساء ", الفتح, 843 (جمادى الأولى / 1366), 723.
(20) ـ المصدر نفسه, 723.
(21) ـ محب الدّين الخطيب, حياته بقلمه, 78.

07-03-2005, 07:34 AM
الأستاذة رغداء:

المقال كان -كما ترين - يهتم بإنارة هذا الجانب "الاستشراقي" في الثقافة العربية.
أما الجانب الآخر المقاوم لهذا التيار فتناوله آخرون كما تناوله الفقير في بعض مقالاته أيضاً، وإن كان التناول يتم من وجهة نظر محددة خاصة إلى حد ما، وترين ذلك مثلاً في المقال عن محمود شاكر رحمه الله:


http://www.awu-dam.org/mokifadaby/380/mokf380-027.htm

مع التحية.

(الصمصام)
07-03-2005, 09:22 AM
أستاذي محمد ب
أضأت لي الكثير من الجوانب التي كنت أجهلها عن الجانب الإستشراقي في الثقافة العربية الحديثة

وتعقيب الأستاذة رغداء عن الجانب المقاوم لهذا التيار أجاب على ما كان يخطر في الذهن
عن دور علماء الأمة في التصدي لهذا التيار
وأبرزت دور محب الدين الخطيب كنموذج عن التيار المقاوم
وأبرزت أنت بطريقة أخرى جهد محمود شاكر رحمه الله بالرابط الذي أرفقته

أن يجتمع النقيض بنقيضه في صفحة فهو أمر حسن لكشف معظم جوانب الموضوع

توقفت هنا متسائلا
((إذا كانت الثقافة العربية الحديثة كما قلنا قامت على أساس المسلمة الاستشراقية نفسها ))

هل معنى ذلك أن المتصدين للتيار التغريبي قد فشلوا في مهمتهم؟
أم أنهم نجحوا في الحد من خطورته لفترة مؤقتة وبوفاة رموز التصدي خلت الساحة للتيار الآخر ؟



تحياتي

07-04-2005, 07:17 PM
السلام عليكم

أستاذ محمد ب الموضوع كبير ومهم ومازال الحديث فيه مستمراً وأعتقد أنه سيستمر في مستقبل الأيام ما دامت الدنيا , (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود:118)

ومسألة تطبّع الأمة المغلوبة بثقافة الأمة الغالبة هو أمر صحيح وواقعي , ولكن هناك نقطة وهي أن الغرب كان في يوم من الأيام هو الأمة المغلوبة وكان المسلمون هم الأمة الغالبة ونعرف تأثير الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية , صحيح أن الغرب ينكر هذا ويرفضه وبأحسن الأحوال يتجاهله أو يقلل من شأنه ولكن هذا لا يلغي وجود مثل هذا التأثر فعلاً .
والنقطة الآن لماذا ظهر تأثير التغريب على العرب والمسلمين بمثل هذه الصورة الكبيرة حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من تبعية وتهميش ؟

ببساطة فقد أعاد السيد محب الدين سبب ذلك إلى قبول المسلمين قيادة غير قيادة العروبة لدفة الإسلام , وارتكب المسلمون, في رأيه, خطيئةً كبرى عندما كفّوا يد العروبة عن إدارة دفّة الإسلام, وعندما رضوا أن يحكم بلاد الإسلام غير العرب, ويستلم قيادة العالم الإسلاميّ أقوامٌ آخرون لا ينتسبون إلى العروبة. فالعرب هم أولى النّاس بإدارة البلاد الإسلاميّة, فهم حملة رسالة الإسلام وهم دعاته, وعليهم كان يقع عبء التّبليغ والدّعوة, لذلك لا يجوز, برأي السّيّد محب الدّين, أن يحكم بلاد الإسلام غير العرب.
طبعاً هذا الرأي قد يقبله بعضنا ويرفضه آخرون , ولكننا إذا نظرنا إليه من زاوية بعيدة عن العنصرية والقومية لوجدنا فيه شيئاً من الصواب , والخلافة العثمانية أكبر دليل على هذا , فالتخلف الذي خلّفه الترك وراءهم جعل من الصعب على الدول التي كانت تحت لوائهم أن تحرر من تخلفها وجهلها .

لقد ورثت الدول الإسلامية والعربية الإنحطاط والتخلف والجهل والتبعية وعندما حاولت التقدم والنهوض كانت كالطفل الذي يحتاج إلى من يرعاه ويدربه ويربيه ولكنها للأسف لم تجد إلا من يستغلها ويبتزها ويزيدها ضعفاً وخمولاً وتشتتاً. فهم كما قال نزار دخلوا علينا من عيوبنا .