المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المجون في شعر بشار- وجهة نظر للنقاش



08-02-2005, 04:08 PM
المجون في شعر بشار بن برد دوافعه وأبعاده ـــ د.أحمد علي محمّد(*)

هذا مقال عن موضوع سبق لأهل منتدى العروض التطرق إليه، وهو موضوع الشعر المتحلل من القيم في بعض تاريخنا الأدبي.
وقد أحسست بأن الكاتب يناقض نفسه قليلاً، غير أنه في بعض ما قال يستحق أن يناقش بدقة أتوقعها من رواد منتدانا الكرام.
وعلى هذا الأساس نسخت لكم هذا المقال
http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm
من موقع مجلة "التراث العربي" الدمشقية:-محمد
المقدمة:
دواعي البحث ومشكلته ومنهجه:
كانت دوافع أغلب الدراسات الأدبية التي تناولت موضوع المجون في الشّعر العباسي خاصة تتركز حول أثر الظروف التاريخية التي أسهمت في نشوء تلك الظاهرة، فكانت النتيجة التي خلص إليها معظم تلك الدراسات لا تخرج عن حدود الأحكام العامة والتقييدات المنهجية التي يظهر بموجبها الشعراء وكأنّهم انتظموا في مدارس وهيئات منظمة وحملوا أفكاراً محددة ثم أشاعوها بصورة مقصودة، ومن هنا تسنى لكثير منهم الكلام على تيارات ومذاهب واتجاهات لها خصائصها الفكرية والفنية المميزة، والواقع أنّ هذا النهج المدرسي في دراسة الفن قائم على مغالطة واضحة، ذلك لأنّ الفن خارج عن التقييد، وبعيد عن التصنيف، لأنّه محكوم بالخصوصية، من أجل ذلك كان تلمس الحقائق الموضوعية في دراسة ظواهر الفن لا يأتي بما هو موصولٌ بطبيعته.
إنّ التصنيفات المنهجية لا تكترث في النتاجات الأدبية إلا بما هو متكرر أو ما يشكّل خطوطَ ظاهرةٍ عامة، لتكون هنالك نتائج وخصائص ومقومات مشتركة لهذه الفئة من الشعراء أو تلك، وهنا تكمن الخطورة التي يخضع بموجبها الشّعر إلى أفكار مصممة مسبقاً، فإصرار الباحثين على استخلاص القيم العامة والخصائص المشتركة يلغي مفهوم الخصوصية لكلّ شاعر بل لكلّ نصٍّ، لأنّ الشّعراء مختلفون فيما بينهم، واستجابتهم للأفكار متباينة. هذا أمر، وأمرٌ آخر أنّ الشعر العربي في كلّ تفصيلات تاريخه لم يكن منبعثاً عن اتجاهات فكرية، ولم يكن ملتزماً بالتعبير عنها بصورة قسرية إلا ما كان من شعر الفِرَقِ، وهذا ليس اتجاهاً عاماً في الشعر العربي على أية حال، أو أنّ شعر الفِرق لم يشكّل لدى القارئ العربي حضوراً دائماً في الذاكرة، وإنّما هو شعر تستدعيه الحوادث التاريخية والصراعات المختلفة التي كانت قائمة بين المذاهب والأحزاب، وقد أكد الزمّان أنّ الشّعر الجيد الذي عبر عن صموده الأزلي هو الشّعر الذي قيل بمعزل عن الظروف التي كانت تحيط به، وخارج إطار الأفكار التي كانت سائدة في حقبة من الحقب أيضاً، بدليل أننا نقرأ شعر المتنبي والبحتري وابن الرومي اليوم لما يمثله ذلك الشّعر من خصوصية، ومن هنا أصبح يلبي عندنا حاجة جمالية تشبع رغبتنا للتميز والإبداع.
لقد آثر أغلب من درس الشعر وَفْق تيارات فكرية اعتباره دليلاً على وجود تلك الأفكار وشيوعها وبيان آثارها في الواقع، بمعنى أنّ هذا النمط من الدراسات لم يُعْنَ بالظاهرة الأدبية، لأنّ المجون على سبيل المثال شكّل لديهم موضوعاً فكرياً، فكان الشعر حاملاً لذلك الموضوع، والأصل أن يُدرس المجون على اعتباره موضوعاً فنياً غير تابع للأفكار أو الأحداث، لأنّ الشّعر في الحقيقة لا يستطيع التعبير عن الأفكار الدقيقة كما يعبر عنها النثر، وإذا ما حدث مثل ذلك خرج الشّعر على طبيعته، بدليل أنّ الذين حاولوا تضمين الشّعر الأفكار والمعارف العلمية حولوه إلى قوالب جامدة دخلت في إطار الشعر التعليمي الذي يخلو من روح الفنّ، والحقّ أنّ الشّعر هو الذي يخلق الأفكار ويبتكر المعاني ويثير الانفعالات ومن ثَمَّ يحمل الناس على التأثر والتواصل والتمثل، يقول أبو تمام:
ولولا خلالٌ سنّها الشّعرُ ما دَرَى بُغَاةُ المعالي أين تُؤتى المكارمُ
ومن الدراسات التي بالغت في تصنيف الأسباب الموضوعية لظاهرة المجون دراسة هدارة الموسومة بـ "اتجاهات الشعر في القرن الهجري الثاني" حيث وضع الباحث يده على جملة من الأسباب التي جعلت من المجون تياراً فنياً جارفاً، وقد حدد أولاً الإطار الزّمني لهذه الظاهرة بالقرن الهجري الثاني ملغياً المحاولات الفنية السابقة في هذا الموضوع لأنّها لم تشكّل عنده تياراً فنياً له خصائصه ومقوماته المميزة، ثم حدد مفهوم المجون بقوله: "هو ارتكاب المآثم والدعوة إلى التحلل الأخلاقي، ومجانبة الآداب بدعوى الحرية الفكرية"([2])، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل الشعر عبر فواصل تاريخه كان ينطق بما يوافق الأخلاق والفضائل؟ ثم متى كان الجانب الأخلاقي أو حتى الموضوع الشعري معياراً لجودة الفنّ عامة والشّعر خاصةً؟ وهل موضوع الهجاء ـ وهو من أوسع أبواب الشعر العربي ـ بعيدٌ عن ارتكاب المآثم والتحلل الأخلاقي، وخصوصاً ذلك الهجاء الذي يعمد فيه الشعراء إلى القذف والفحش؟ ثم هل كان الغزل العربي أو حتّى المديح خالصاً لوجه الأخلاق؟
إذا كان المجون عند هدارة ما هو إلا التصريح بالمآثم والتحلل الأخلاقي ومجانبة الآداب، فإنّ باباً واسعاً في الشّعر العربي دخل في المجون، وعليه فإنّ الباحث لم يوفق فيما أرى بتحديد هذا المفهوم تحديداً موضوعياً، أو أنّه لم يستطع ضبطه بما يوافق مجالات استخدامه الحقيقة، فما اصطلح عليه بشعر المجون وإن كان متسعاً إلا أنه لا يخرج عن حدود العبث مع ما ينطوي عليه ذلك المفهوم من عوالق وملابسات، وتحت هذا الإطار يمكن أن ندرج مجون بشار ومجون أبي نواس. والعبث لم يكن منقطعاً عن الأسباب والدوافع الشخصية، من أجل ذلك كان مجون بشار يختلف عن مجون أبي نواس، لأنّ هنالك من الأسباب النفسية والاجتماعية والثقافية والطباع ما يجعل المجون نزوعاً فردياً يدل على سمات خاصة، إذ الناس في هذه الأمور مختلفون، فهم وإن تقاسموا صفة العبث إلا أنّ لكلّ فرد دوافعه، ثم إن مؤدى العبث بين الشعراء متباين، فعبث بشار لم يصل إلى درجة تعابث أبي نواس مثلاً، كما أنّ عبث أبي دلامة لم يصل إلى درجة عبث بشار، فهؤلاء جميعاً كانوا من المجان ولكن لكلّ نفر منهم أسبابه ودوافعه.
لقد وقف كلّ من د. طه حسين وفلهوزن وعبد الرحمن بدوي كما يصور هدارة([3])، عند أسباب المجون، فزعم د. طه حسين أنّ التماجن في الشعر قد بدأ بتحول السلطة من الأمويين إلى العباسيين، ويرمي من وراء ذلك إلى أنّ العنصر الفارسي كان له الأثر البارز في نشوء هذه الظاهرة، ثم تبنّى هدارة هذا الرأي عندما لاحظ أنّ أغلب الشعراء المُجّان كانوا من الموالي، وهذا مؤداه إلى أمرين: الأول يشي بأنّ عهد بني أمية كأنّه عهد لم يُعَبّر فيه الشّعراء إلا عن الفضائل، وهذا غير صحيح على الإطلاق فصور النقائض التي شارك فيها كبار شعراء بني أمية كلّها في الهجاء القائم على التهتك وتتبع سوءات الشعراء والطعن في أنسابهم وتحقيرهم إلى الحدّ الذي تنتفي فيه إنسانيتهم، ثم إنّ شعر الفرزدق وما فيه من فحش هل يُصَنّف خارج دائرة المجون؟
وإذا أعدنا النظر في غزل الأمويين كغزل عمر بن أبي ربيعة ووضاح اليمن وغيرهما، فهل نجد في ذلك الغزل ما يخالف غزل بشار وأبي نواس؟ والأهم من ذلك هل كان الشعر الجاهلي بمنأى عن التعابث والمجون، فماذا بشأن خمريات الأعشى هل تخرج عن المجون؟ وهل نستطيع أن نعد شعر الأعشى ومجاهرته بشرب الخمرة وفتونه بها إلى الدرجة التي صرفته عن الدخول في الإسلام أقل من ظاهرة فنية؟
ما معنى الربط بين المجون وتحول السلطة من الأمويين إلى العباسيين إذن؟
والثاني يتصل بالحكم النقدي المعزول عن الموضوعية، فهل كان كلّ شعراء المجون من الموالي؟ ألم يكن أبو دلامة زند بن الجون والحسين بن الضحاك الخليع وغيرهما على رأس شعراء المجون في العصر العباسي؟
لقد تسنى للدكتور هدارة أن يقول: "إنّ المجون لم يكن دعوة ساذجة بريئة تدعو إلى الترف والتظرف الاجتماعي فحسب، وإنما هو نتيجة مؤثرات عميقة اجتماعية وفكرية ودينية"([4]).
من أجل ذلك جعل الشعوبية من دوافع المجون عند الشعراء الموالي على اعتبار الشعوبية كما قال: "كانت تهدف إلى تحطيم معنويات المسلمين ودس الأكاذيب والمفتريات في أصول دينهم حتى ينتقموا لأصولهم الفارسية"([5])، فلما وصل في بحثه إلى ذكر بعض الشعراء العرب قال: "هنالك من شعراء المجون من لا صلة لهم بالشعوبية والذي دعاهم إلى ذلك عوامل اجتماعية وثقافية"([6])، وهذه نتيجة محيرة تثير جملةً من التساؤلات أبرزها: كيف تجتمع أهداف الشعوبية التي تحضّ الشعراء الأعاجم على إشاعة الفساد والتحلل والإباحية لتخريب بنية المجتمع العربي من الداخل تمهيداً للقضاء على وحدته وتسريع انهياره، مع الأسباب الاجتماعية والثقافية النابعة من صميم المجتمع العربي والتي تدفع هي الأخرى الشعراء العرب إلى الفساد والتحلل والإباحية، ثم ما مؤدى ذلك؟ هل البنى الاجتماعية والثقافية في المجتمع العربي العباسي أسهمت هي الأخرى في مجون شعرائها لتهدم نفسها بنفسها أيضاً، أقول كيف اجتمعت أهداف الشعوبية مع العوامل الثقافية والاجتماعية في نشوء ظاهرة المجون إذا كانت بالفعل ذات أغراض سياسية؟
إنّ المجون عند هدارة مقدمةٌ وفاتحة وتمهيدٌ للزندقة، فإذا كان المجون قد انحصر بالتعبير عما يجانب الخلق القويم والدعوة إلى الإباحية، فإن الزندقة عنده تلامس الشعور الديني والعقيدة، فكلّ معنىً تردد في شعر العباسيين الذين ظهروا في القرن الثاني يشكك في سلامة العقيدة هو داخل في الزندقة والإلحاد، وعلى هذا الأساس عدّ الزندقة كالمجون محصورة في شعراء القرن الهجري الثاني، وهذا اعتبار خاطئ أيضاً لأنّ الزندقة المرادفة للإلحاد لا تتصل بزمن دون زمن، ولو أردنا تبيان ذلك لضاق المقام بنا.
لسنا في الواقع ننكر أثر الشعوبية في بث الفرقة بين طبقات المجتمع، ولسنا بصدد نفي تهمة الشعوبية عن الشعراء الموالي، فهذا أمر يثبته التاريخ، غير أننا ننكر بشدة أن تكون هناك أسبابٌ ودوافعُ واحدة لتعابث الشعراء ومجونهم، ومن ثمّ فإنّ إقرار نتائج عامة في هذا الموضوع يضر بالشعر موضوع الدراسة الأدبية، لأنّ ذلك في اعتقادي يدخل في باب دراسة تاريخ الأفكار ولا يدخل في دراسة الشعر لأنّ الشعر ينبغي أن ُدرس لذاته، غير تابع للتاريخ ولا الأفكار ولا العقائد، وعليه فإننا نريد دراسة ظاهرة المجون في شعر بشار في إطارها الخاص وأسبابها الشخصية المتصلة بالشاعر، ومن ثم تبيان أبعادها في شعره، والتساؤل بعد ذلك عن قيمتها الفنية والمكانة التي تشغلها في تاريخ بشار الشعري، في محاولة لفهم شخصيته وتقدير الفنّ الذي جاء به، مصورين مشكلة البحث بالتساؤل الآتي: إذا كان بشار بن برد ماجناً زنديقاً، وهو في مجونه وزندقته مدفوع إلى "تحطيم معنويات المسلمين ودس الأكاذيب في دينهم حتى ينتقم لأصوله الفارسية" ([7]) كما قال هدارة على اعتباره شاعراً شعوبياً ومولى، فكيف تقبّلَه القارئُ المسلم، وكيف تسنم المكانة السامقة في سماء الشعر العربي، ولماذا قدمه النقاد العرب المسلمون على سائر شعراء عصره، ولماذا لا يزال الدرس الأدبي يحفل به وبشعره كل هذا الاحتفال؟ وبمعنى آخر: ما أثر مجون بشار مع قبح ما يعنيه المجون في تقييم شخصيته وشعره؟ وهل كان الناس في العصور المنصرمة قد وضعوا مجونه جانباً حين حكموا على جودة شعره؟ أم أن الأحكام القاسية التي أطلقها النقد الحديث على بشار ومجونه فيها من العسف والظلم ما لم يره المتقدمون؟
أما المنهج الذي نريد من خلاله النظر إلى مجون بشار فقائم على عرض الأخبار التي ساقها الأدباء وعلى رأسهم الأصفهاني، المتصلة بمجونه وتحليلها ومناقشتها ومقابلتها بأشعاره المشهورة في هذا الباب. ومن ثم عرض آراء بعض المحدثين في مجون بشار وتحليلها ومحاورتها بغية الوصول إلى فهم واضح لدوافع وأبعاد قضية المجون في شعر بشار، وقد استقامت لنا خطة هذا البحث فجعلناه في ثلاث نقاط أساسية:
ـ ظواهر مجون بشار.
ـ دوافع مجونه النفسية والاجتماعية والفكرية.
ـ أبعاد المجون وأثره في تقييم شخصيته وشعره.
1. مجون بشار:
لقد علقت شبهةُ المجون والزندقة بشخصية بشار من جراء سلوكه قبل كلّ شيء، فهو بطبيعته متبرم بالناس مفطور على استعدائهم، إذ شحذ لسنه منذ الصغر بهجائهم، حتى لكأن موضوع الهجاء كان وسيلة لإثبات وجوده، ثم كان موضوع الغزل مجالاً آخر لتثبيت تلك التهمة على اعتبار الغزل كان أداته للتعبير عن اللذة والمتعة التي كان يميل إليها بطبيعته، فكان مجونه متردداً بين هجائه وغزله على نحو خاص حتّى قال يونس النحوي على نحو ما روى ابن سلام: "العجيب من الأزد يدعون هذا العبد ينسب بنسائهم ويهجو رجالهم يعني بشاراً"([8]).
هجاء بشار وشبهة المجون:
كان بشار ـ على نحو ما يذكر الأصفهاني ـ قد قال الشعر ولما يبلغ عشر سنين، فكأن أول عهده بالشعر يهجو الناس، "فإذا هجا قوماً جاؤوا إلى أبيه فشكوه فيضربه ضرباً شديداً، فكانت أمه تقول: كم تضرب هذا الصبي الضرير، أما ترحمه؟ فيقول: بلى والله إني لأرحمه، ولكنه يتعرض للناس فيشكونه إلي، فسمعه بشار فطمع فيه فقال: يا أبت إن هذا الذي يشكونه مني إليك هو قول الشعر، وإني إن ألممت عليه أغنيتك وسائر أهلي، فإن شكوني إليك فقل لهم أليس الله يقول: )ليس على الأعمى حَرَجٌ( فلما أعادوا شكواه قال لهم بُرد ما قاله بشار فانصرفوا وهم يقولون فقْه بُرد أغْيظ لنا من هجاء بشار"([9]).
وواضح أنّ بشاراً منذ صغره قد أدرك خطورة الهجاء، وأثره البالغ في الناس فشحذ لسانه بذمهم ليهابوه ويتجنبوا معرة لسانه، وفي الوقت نفسه جعل من الهجاء وسيلة للتكسب فروي عنه أنّه قال: دخلت على الهيثم بن معاوية وهو أمير البصرة فأنشدته:
إنّ السلام أيّها الأمير عليك والرحمة والسرور
فسمعته يقول: إن هذا الأعمى لا يدعنا أو يأخذ من دراهمنا شيئاً، فطمعت فيه فما برحت حتى انصرفت بجائزته"([10]). ولذلك كان الموسرون بالبصرة يسترضونه تجنباً لهجائه، وهو بطبعه لم يكن يحسن مصانعة الناس، ومن ثم لم يكن بارزاً في المدح كبروزه في الذم، وقوله في الخبر الآنف لأبيه: "أغنيك وسائر أهلي" عظيم الدلالة على ميله الشديد إلى الهجاء، وتكريسه هذا الموضوع للنيل من الخصوم ومن ثم حصوله غصباً على جوائزهم.
كل الهجاء سلاحاً ذا حدين، فهو من جهة أسلوب ناجع في رد ع الخصوم والنيل منهم انتقاماً وتشفياً، وبالفعل كان الناس في مختلف طبقاتهم ومراكزهم يخافون لسانه، لأنه فاحش القول وشعره سائر بين الناس، يتناقله المغنون وتنشده الجواري وتنوح به النائحات، كما كانت مجالس العلماء تحفل بأشعاره أشد ما يكون الاحتفال، إذ الأصمعي وهو من النقاد المتشددين كان يرى أن بشاراً خاتمة الشعراء، ولولا أنه متأخر عن زمن الفحول لكان قدّمه على كثير منهم، وهو من جهة أخرى السبب الذي أحدث جفوة بينه وبين الناس، بل كان هجاؤه باباً للقدح في عقيدته، وإبراز مجونه وزندقته، وليس ذلك فحسب بل كان الهجاء سبباً في مقتله كما سنرى.
إذن بشار من محترفي الهجاء، تصيد فيه سقطات الخصوم، وأمعن في تصوير مباذلهم، وقد تمرس في هذا الباب كما تروي الأخبار، إذ حمل في نفسه صور النقائض التي كانت تدور بين أعلام الشعر الأموي، ولهذا اختلف إلى المربد وعاين جولات الخصوم في التهاجي، وقد أحب أن يشارك في ذلك، فقال: "هجوت جريراً لم يجبني ولو أجابني لكنت اشعر الناس"([11]) إذ أراد أن يمتحن قدرته البيانية في الهجاء فكانت نفسه تنازعه إلى مقارعة جرير وغيره من كبار الشعراء.
وما إن تمكن من هذه الأداة الجارحة حتى انخرط في مهاجاة أعلام عصره، وكبار الشخصيات إذ نراه يتعرض للمفكرين والزهاد والنقاد والنحاة والشعراء، فكان هجاؤه لواصل بن عطاء قد أضفى على شخصه رنيناً هائلاً، وبالمقابل أشعر خصمه بإهانة بالغة، والخلاف بين الرجلين غامض إذ لم تفصل المصادر فيه، وكل ما هناك أن بشاراً كان في بادئ أمره من أصحاب الكلام، وكذلك كان واصل بن عطاء، فلما صار واصل إلى الاعتزال وصار بشار كمما يقول الأصفهاني إلى الرجعة، حدث اختلاف بين الرجلين من حيث المذهب الفكري، فانقلبت العلاقة بينهما من علاقة ود وإعجاب، إذ سجل الأصفهاني شعراً يمدح فيه بشار واصلاً ويشيد بخطبه وبلاغته، إلى علاقة عداء وخصومة، فهجاه هجاء موجعاً في قوله:
مالي أشايع غزّالاً لـه عنق كنِقْنِقِ الدَّوِّ إن ولّى وإن مثَلا
عُنقَ الزرافةِ ما بالي وبالُكمُ أتكفرون رجالاً أكفروا رجلا؟
فما كان من واصل إلا أن حرّض الناس عليه متهماً إياه بالزندقة والفجور، فكان يقول في مجالسه: "أما لهذا الأعمى الملحد المكنيّ بأبي مُعاذ من يقتله، أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية لدسَسْت له من يبعج بطنه في جوف داره"([12]).
وواضح أنّ الخصومة بين الرجلين حملت واصل بن عطاء على اتهام بشار بالزندقة، وكانا قبل ذلك على ود ومحبة، والسؤال هنا: هل كان بشار قبل مخالفته واصل بن عطاء ملتزماً بالمبادئ داعياً إلى المثل متقيداً بالأعراف، وهل كان تحوله إلى المجون بعد ما دب الخلاف بينه وبين واصل؟ في الحقيقة أنّ مجون بشار مرتبط بمحاولاته الأولى في النظم بدليل أنّه كان يهجو الناس منذ صغره ويتعرض لأنسابهم ويقدح في أعراضهم، غير أنّ واصلاً فيما يبدو لم يثره كل ذلك في بداية الأمر لأنّه كان على وفاق مع بشار، ولما اختلفا أخذ يبين عَواره ويتتبع سقطاته في أشعاره الماجنة ويدعو الناس إلى قتله والتخلص منه كما يبين الخبر الآنف.



* باحث من سورية.
([2]) اتجاهات الشعر في القرن الهجري الثاني، محمد مصطفى هدارة، ص:203.
([3]) حديث الأربعاء، طه حسين، 2/81، وتاريخ الإلحاد، عبد الرحمن بدوي.
([4]) اتجاهات الشعر، محمد مصطفى هدارة، ص230.
([5]) المرجع نفسه ص215.
([6]) المرجع السابق.
([7]) المرجع السابق، ص218.
([8]) الأغاني للأصفهاني: 3/149.
([9]) الأغاني للأصفهاني: 3/146.
([10]) المرجع نفسه.
([11]) نفسه 3/162.
([12]) نفسه.

08-02-2005, 09:35 PM
السلام عليكم

أستاذ محمد قبل أن أعود للمناقشة أتابع نشر ما بقي من المقالة السابقة

لم يسلم العلماء والنحاة من هجاء بشار فقد عرّض بالأصمعي وسيبويه وغيرهما من الأعلام بسبب بعض ما أخذا عليه في اللغة أو النحو، فهو مثلاً يهجو سيبويه ويعيره بأمه الفارسية، وهنا نلتفت إلى ناحية مهمة تتصل بشعوبيته، وموقفه الباطن أو الظاهر من الصراع بين العرب والأعاجم، فقد قيل إنّ بشاراً شعوبي متعصب للعجم دون العرب، وهذا الأمر كما أظن ناجم عن مواقف شخصية أكثر من كونه موقفاً سياسياً أو فكرياً أو ثقافياً، فالمتأمل شخصية بشار يجد أنّه رجلٌ حاد الطباع متقلب المزاج سريع الاستجابة لما حوله شديد الانفعال، يمكن أن يثور لأقل الأسباب، فماذا يمكن أن نتوقع منه حين يكون في مجلس فيدخل أعرابي فينال منه ويزدريه، يقول الأصفهاني: "دخل أعرابي على مَجْزَأة بن ثور السدوسي وبشار عنده وعليه بزّة الشعراء، فقال الأعرابي: من الرجل؟ فقالوا: شاعر، فقال: أعرابي هو أم مولى؟ قالوا: بل مولى، فقال ما للموالي وللشعر؟ فغضب بشار وسكت هنيهة ثم قال: أتأذن لي يا أبا ثور؟ قال: فقل ما شئت يا أبا معاذ فقال":

خليلي لا أنام على اقتسار



ولا آبى على مولى وجار




لقد رأى كثير من الدارسين في مثل هذا الشاهد ما يدل على شعوبية بشار، إذ عاب على العرب عاداتهم وسخر من أحوالهم، وبالمقابل افتخر بأصله الفارسي، والصحيح أن مثل هذا الشعر لا يخرج عن الإطار الذي قيل فيه والمناسبة المتصلة به، والدافع الذي حمل بشاراً على قوله، فلا يعدو كونه ردة فعل طبيعية من قبل شاعر كبير كبشار.

وما من أحد ينكر عصبية بشار لأصوله الفارسية، ومبالغته في الإشادة بنسبه، واعتزازه الشديد بقومه، ولكن هذا الأمر لا ينحل بالضرورة عن مسألة التحزب، أو العمل المنظم في إطار الشعوبية لبلوغ أهداف سياسية كما توهم بعض الدارسين، بل ينحل عن موقف شخصي، وكيف لا؟ وبشار قد بلغ ما بلغ من الشهرة وذيوع الصيت وعلو القدر، فليس أقل من أن يدافع عن ذاته ويرد كيد الخصوم بكل ما أوتي من قوة، لأنه في مثل هذه الظروف يدافع عن ذاته وشاعريته وتميزه، من أجل ذلك لم يكن متسامحاً حتى مع سيبويه وهو من أصل فارسي حين عاب عليه قوله:

تلاعب نينان البحور وربما



لهوت بها في ظل مرؤومة زهر




فقال سيبويه لم أسمع بنون ونينان، فلما بلغ ذلك بشار بن برد قال في هجائه([1]):

أَسِبْوَيْهِ يا بن الفارسية ما الذي



تحدثت عن شتمي وما كنت تنبذ




وهذا يدل على أنّ بشاراً لم يدخر وسعاً في اكتساح الخصم مهما كان، سواء أكان من العرب أو الفرس، وهذا أمر كما قلنا يتصل بطباعه ونفسيته ولم يكن بحال من الأحوال طوية أو فكرة خبيئة يحارب من أجلها لبلوغ هدف من الأهداف، لهذا كان الهجاء عنده ناجماً عن مواقف معينة ومرتبطاً بمناسبات محددة.

لقد كان هجاء بشار متلوناً بتلون المواقف التي عاشها، ومختلفاً باختلاف الشخصيات التي تناولها، وهو من ثم صورة واقعية لتفصيلات حياته الخاصة، وقد انحل في ذلك الهجاء نزوعه الفطري إلى هذا الغرض الفني الذي وجد فيه ذاته وعبر به عن وجوده، والواقع أن عاهته قد لعبت دوراً بارزاً في هذا الأمر، فكانت تدفعه إلى درء شر الخصوم بالذم والمهاجاة، من أجل ذلك انحط في هجائه ليتناول به صغار الشعراء أمثال حماد عجرد، وحماد أدنى طبقة منه كما يقول الجاحظ: "بشار في العيوق، وحماد في الحضيض"([2])، وليس ذلك فحسب بل شهر الهجاء بوجه عامة الناس والسوقة، وهذا ما أذهبَ بشاشة شعره، وجعله هدفاً للخصوم ليوجهوا السهام إلى عقيدته أولاً، كالذي كان يصنعه حماد عجرد وقد دس عليه كثيراً من الأقوال، ونحله بعضاً من الأشعار ثم أشاعها في الناس ليبرزه فاسقاً ماجناً، ولعل أخطر تلك الأشعار التي حرفها قوله:

يا بن نهبى رأسي علي ثقيل



واحتمال الرؤوس خطب جليل



ادع غيري إلى عبادة الاثنيـ



ـن فإني بواحد مشغول



يا بن نهبى برئت منك إلى الله



جهاراً وذاك مني قليل




وقال الأصفهاني: "فأشاع حماد هذه الأبيات لبشار، وجعل فيها مكان "فإني بواحد مشغول" فإني عن واحد مشغول" لتصح عليه الزندقة، فمازالت الأبيات تدور في أيدي الناس حتى انتهت إلى بشار فاضطرب منها وجزع، وقال أساء بذمي، والله ما قلت إلا "فإني بواحد مشغول" فغيرها حتى شهرت في الناس"([3]).

ولم يكن بشار قد اقتصر على هجاء العامة والدهماء من الناس، وإنما تجاسر على الكبراء والقادة والرؤساء، وهذا أسهم بدوره في تشنيع سيرته، فقد روي أنه هجا روح بن حاتم فحلف أن يقتله، غير أنّ بشاراً استجار بالمهدي فشفع له عند روح، ثم هجا العباس بن محمد، كما هجا غيره من الكبراء، وقد كان هجاؤه للخليفة المهدي فيه ختام حياته إذ قتله بتهمة الزندقة وتفصيل ذلك ما أورده الأصفهاني في قوله: "خرج بشار إلى المهدي ويعقوب بن داود وزيره فمدحه ومدح يعقوب فلم يحفل به ولم يعطه شيئاً، ومر يعقوب ببشار يريد منزله فصاح به بشار: "طال الثواء على رسوم المنزل" فقال يعقوب فإذا تشاء أبا معاذ فارحل، فغضب بشار وقال يهجوه:

بني أمية هبوا طال نومكم



إنّ الخليفة يعقوب بن داود|



ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا



خليفة الله بين الزق والعود




فلما طالت أيام بشار على باب يعقوب دخل عليه وكان من عادة بشار إذا أراد أن ينشد أو يتكلم أن يتفل عن يمينه وشماله ويصفق بإحدى يديه على الأخرى ففعل ذلك وأنشد:

يعقوب قد ورد العفاة عشية



متعرضين لسيبك المنتاب



فسقيتهم وحسبتني كمونة



نبتت لزارعها بغير شراب



مهلاً لديك فإنني ريحانة



فاشمم بأنفك واسقها بذناب



طال الثواء علي تنظر حاجة



شمطت لديك فمن لها بخضاب



تعطى الغزيرة درها فإذا أبت



كانت ملامتها على الحلاب




يقول ليعقوب: أنت من المهدي بمنزلة الحالب من الناقة الغزيرة التي إذا لم يوصل إلى درها فليس ذلك من قبلها إنما هو من منع الحالب منها، وكذلك الخليفة ليس من قبله لسعة معروفة إنما هو من قبل السبب إليه، فلم يعطف ذلك يعقوب عليه وحرمه، فانصرف إلى البصرة مغضباً، فلما قدم المهدي البصرة أعطى عطايا كثيرة ووصل الشعراء، وذلك كله على يدي يعقوب فلم يعط بشاراً شيئاً من ذلك، فجاء بشار إلى حلقة يونس النحوي فقال: هل ههنا أحد يحتشم؟ قالوا له: لا. فأنشأ بيتاً يهجو فيه المهدي، فسعى به أهل الحلقة إلى يعقوب، فقال يونس للمهدي إن بشاراً زنديق وقامت عليه البينة عندي بذلك وقد هجا أمير المؤمنين فأمر ابن نهيك أن يضرب بشاراً ضرب التلف ويلقيه بالبطيحة"([4]).

ومن الملاحظ أن المهدي أمر بقتل بشار بسبب الهجاء لا بسبب الزندقة، فالزندقة كانت شبهة حاضرة لكل من يخرج على أمر الخليفة أو يهجوه، ولو تأملنا علاقة بشار بالمهدي لعلمنا أن الخليفة لم يستعده بسبب شعره قبل هذه الحادثة، فسوف نعرض صوراً لاحقة لعبث بشار مع المهدي وتطاولـه على القيم وتعرضه لكبار الشخصيات كما هو الشأن في قصته مع خال المهدي، غير أن هجاءه لابن داود ثم تعرضه للخليفة جعله يدفع حياته ثمناً لذلك التعابث، ومن الطريف أن يونس النحوي كما يذكر الخبر الآنف قد استشف زندقة بشار وبدت له البينة من خلال هجاء الخليفة ليس غير، مما يشي أن الرجل راح ضحية شعره، ثم كان هنالك من يريد التخلص منه فأوغر صدر الخليفة عليه ليقتله بتهمة الزندقة، وتروي المصادر متابعة للخبر السابق أن المهدي لما ضرب بشاراً "بعث إلى منزله من يفتشه وكان يتهم بالزندقة فَوُجِد في منزله طومار فيه بسم الله الرحمن الرحيم، إني أردت هجاء آل سليمان بن علي لبخلهم فذكرت قرابتهم من رسول الله r فأمسكت"([5]).

غزل بشار وشبهة المجون:

كان الغزل باباً آخر ثبتت من خلاله زندقة بشار، ذلك لأنه كان يميل إلى الغزل كميله إلى الهجاء، لا بل كان غزله في نظر الزهاد والمصلحين أشد خطراً على الناس من هجائه، لشيوع شعره وسرعة انتشاره وسهولة جريانه على الألسنة، إضافة لما كان ينطوي عليه من إباحية وفساد، فقيل ليس في البصرة غزل ولا غزلة إلا ويروي شعر بشار، من أجل ذلك كثر من هاجمه فقال سوار بن عبد الله ومالك بن دينار: "ما شيء أدعى لأهل هذه المدينة إلى الفسق من أشعار هذا الأعمى"([6])، وكان واصل بن عطاء يقول: "إن من أخدع حبائل الشيطان وأغواها لَكلماتُ لهذا الأعمى الملحد"([7])، والواقع أن هذه المخاطر التي تصورها المصلحون والمفكرون والزهاد في غزل بشار كانت في غاية المبالغة، وخصوصاً أنّ نفراً من النقاد لم يرَ في شعره كل هذا الفساد الذي أشير إليه، فقد قيل للمهدي حين منع بشاراً من ذكر النساء في شعره: "ما أحسب شعر هذا أبلغ في هذه المعاني من شعر كُثَيّر وجميل وعروة وقيس بن ذريح وتلك الطبقة"([8]) غير أنّ المهدي كما تقول المصادر كانت عنده غيرة على النساء فمنع بشاراً من التغزل بهن فقال: "ليس كلّ من يسمع تلك الأشعار يعرف المراد منها وبشار يقارب النساء حتى لا يخفى عليهن ما يقول وما يريد وأي حرة حصان تسمع قول بشار فلا يؤثر في قلبها، فكيف بالمرأة الغزلة والفتاة التي لا همّ لها إلا الرجال"([9])

إنّ موقف المهدي من غزل بشار لا يستقيم على قاعدة واحدة، فهو وإن كان غيوراً على النساء، خائفاً من الفتنة التي يصنعها بشار في قلوبهن، إلا أنّه في مجالسه الخاصة كان يدعوه إلى إجازة ما يرتج عليه من أبيات في الغزل، كالذي رواه الأصفهاني في قوله: "نظر المهدي" إلى جارية تغتسل.... فأنشأ يقول: نظرت عيني لحيني، ثم ارتج عليه فقال من بالباب من الشعراء قالوا: بشار، فإذن له فقال أجز: نظرت عيني لحيني، فقال بشار:

نظرت عيني لحيني



نظراً وافق شيني



سترت لما رأتني



دونه بالراحتين




فقال له المهدي قبحك الله ويحك أكنت ثالثنا... فضحك وأمر له بجائزة"([10]).

وتأويل موقف المهدي المتباين من غزل بشار أنّه لما شاع وانتشر في الناس، أضحى ذلك باباً في إغواء النساء، ومجالاً للفساد والإباحية، وقد لاحظ أن غزله يختلف عن غزل المتقدمين لكونه مكشوفاً للناس، وليس ذلك فحسب بل بدا في غزله خبيراً بأحوال الحسان عارفاً طباعهن، مما جعل بعض العشاق يفتنون النساء بشعره، فروي أنّ رجلاً جاء إلى بشار فقال له: أنت بشار، قال: نعم، فقال: آليت أن أدفع لك مئتيّ دينار، وذلك أني عشقت امرأة، فجئت إلهيا فكلمتها فلم تلتفت إلي فهممت أن أتركها فذكرت قولك:

قاس الهموم تنل بها نجحا



والليل إن وراءه صبحا



لا يؤيسنك من مخبأة



قول تغلظه وإن جرحا



عسر النساء إلى مياسرة



والصعب يمكن بعدما جمحا




وقيل.. لما سمع المهدي هذه الأبيات قال لبشار: "أتحض الناس على الفجور وتقذف المحصنات المخبآت، والله لئن قلت بعد هذا بيتاً واحداً في نسيب لآتين على روحك"([11]).

2 ـ دوافع المجون عند بشار:

يَصْدُرُ مجون بشار بن برد عن التعابث بصورة أساسية، وليس التعابث في حال من الأحوال تطاولاً مقصوداً على أعراف المجتمع وقيمه، أو انتفاضاً على واقع، أو موقفاً فكرياً هادفاً، وإنما هو ميل فطري، واتجاه ذاتي يخلو فيه الرجل إلى متعته ولذته ويتحلل من قيود كثيرة كانت مفروضة عليه، والمهم أن المجتمع قد قبل عبث بشار وغيره بصورة فن وشعر، ذلك لأن بشاراً في تعابثه قد لاذ بالفن الذي وفر له هامشاً للحرية الفردية، وكان في الوقت ذاته مضماراً لتخطيه القيم والمبادئ، وقد ركب أسلوب التعابث والتظرف، وكان هذا الأسلوب مقبولاً عند أشد الخلفاء غيرة وحياءً أعني الخليفة المهدي الذي قبل تعابث بشار في كثير من المواقف من باب التسلي والإضحاك، فقد روي أن يزيد بن منصور الحميري دخل على المهدي وبشار عنده ينشده شعراً فقال لبشار: ما صناعتك؟ فقال: أثقب اللؤلؤ فضحك المهدي ثم قال لبشار: ويلك أتتنادر على خالي، فقال: وما أصنع به يرى شيخاً أعمى ينشد الخليفة شعراً ويسأله عن صناعته([12]).

كان بشار إذن يميل إلى الدعابة والهزل والتظرف والعبث، وكان لعاهته أثر بالغ في ذلك، لأنه كما يقول دائماً، يريد التفوق على المبصرين، ولم يكن لديه وسيلة لبلوغ ذلك سوى العبث الذي عبر به عن وجوده، كما كان أسلوبه في الإبداع، من أجل ذلك أشار في غير موضع من أشعاره إلى أنه أجاد الوصف مع أنه كفيف، وقد ذكر ذلك على لسان إحدى النساء:

عجبت فطمة من نعتي لها



هل يجيد النعت مكفوف البصر




ومرة أخرى يتكلم في شعره على عاهته مشيراً إلى أن تلك العاهة لم تلغ تفرده أو تقضِ على ذكائه وعبقريته:

عميت جنيناً والذكاء من العمى



فجئت عجيب الظن للعلم موئلا




وكان أوجع الهجاء في نفس بشار ذاك الذي يطول شكله، أو يشير إلى عاهته، لهذا قيل إنه بكى لما شبهه حماد عجرد بقرد أعمى، فقيل له ما يبكيك من هذا الشعر؟ فقال: إنه يراني ولا أراه.

إن بشاراً كان يدرك أنه لم يستطع مبارزة المبصرين من الشعراء وغير الشعراء، لأنه كان يشعر أنه مكشوف لبصرهم، وهم مستورون عنه لا يستطيع أن يجسد معايبهم الخلقية على نحو ما كان خصومه يجسدون عاهته وشكله، لهذا ما كان يزعجه شيء في هجاء الشعراء مثلما يزعجه تصويرهم إياه بالقرد لأن هذا التصوير صادف إحساساً لديه بقبح المنظر وسوء الطباع. وهنا ترسخ في نفسه كره للناس وتبرم شديد بهم، ومن ثم تحول ذلك الإحساس إلى تطاول وتمرد وعبث، فبطريق التعابث أراد تجاوز قصوره، وبطريق ازدراء القيم أراد التعبير عن حريته المطوقة بالمحدود، وبطريق التهتك أراد أن يعوض ما حرمته الطبيعة من نعمة البصر، ولكن مع كل ذلك لم يكن بشار يسعى إلى العبث سعي القاصد الناقم، وإنما كان يبلغ ذلك بلوغ الساذج البسيط الذي لم يجد في نفسه الشخص القادر على التمام لعيب في نفسه وشكله، فمن هنا آثر ترك نفسه على سجيتها، فقطع الحياة عابثاً لا يقيم وزناً للحدود، وكان لأصحابه دور بارز في كل ذلك، ففي مسألة التعابث كان منقاداً أكثر من كونه قائداً، رُوِيَ أنّ رجلاً يقال له سعد بن القعقاع يشارك بشار في المجانة "فقال له وهو ينادمه: ويحك يا أبا معاذ قد نسبنا الناس إلى الزندقة فهل لك أن تحج بنا حجة تنفي ذلك عنا، قال: نِعْمَ ما رأيت، فاشتريا بعيراً ومحملاً وركباً فلما مرا بزرارة قال له: ويحك يا أبا معاذ ثلاثمئة فرسخ متى نقطعها مل بنا إلى زرارة نتنعم فيها فإذا أقبل الحاج عارضناهم بالقادسية وجززنا رؤوسنا فلم يشك الناس أن جئنا من الحج فقال له بشار: نِعمَ ما رأيت وإني أخاف أن تفضحنا، قال لا تخف فمالا إلى زرارة يشربان الخمر ويفسقان، فلما نزل الحاج بالقاسدية راجعين أخذا بعيراً ومحملاً وجزا رؤوسهما وأقبلا وتلقاهما الناس فقال سعد بن القعقاع:

ألم ترني وبشاراً حججنا



وكان الحج من خير التجاره



خرجنا طالبي سفر بعيد



فمال بنا الطريق إلى زراره



فآب الناس قد حجوا وبَرّوا



وأُبنا موقرين من الخساره([13])




ويكشف لنا هذا الخبر حقيقية عبث بشار، فهو في قرارة نفسه يريد أن يزيل عن نفسه صفة الزندقة التي نسبها الناس إليه، ولما عرض عليه ابن القعقاع الحج وافق وقال: نِعْمَ ما رأيت، ثم غرر به سعد فأقنعه أن الرحلة إلى الحج طويلة وليس بوسعهما بلوغ الغاية فعرض عليه ثانية أن يميلا إلى زرارة إلى أن يعود الحجاج ليعودا معهم وكأنهما قد أديا الفريضة، غير أن سعداً فضح الأمر في الشعر الذي قاله وكان بشار يخاف من ذلك وقد حدث. فبشار في هذه الحكاية منقاد على اعتباره كفيفاً يحتاج لمن يقوده ويذهب به، وقد برزت نيته الصادقة في إزالة التهمة عنه غير أن رفيق السوء هو الذي غرر به فكانت المسألة برمتها لا تخرج عن حدود التعابث والمجون، ولو كان بشار يضمر في نفسه سوء الاعتقاد لكان رفض فكرة الحج من أساسها.

3. أبعاد المجون وأثره في تقويم شعر بشار:

إن ما جاء به الباحثون من آراء حول مجون بشار لا يؤخذ بكليته، كما أنه لا يرد في جملته، وربما كانت تصوراتهم إزاء موضوع المجون بدوافعه السياسية والفكرية أو حتى العرقية منوطةً بالواقع التاريخي الذي عاش فيه بشار، غير أن ما يحتمل النظر في جملة الأسباب التي دعت بشاراً إلى التعابث والتمرد والتطاول على القيم هو أن الخلفاء كانوا يتهاونون في ردع المتماجنين من الشعراء، فالمهدي مع تشدده لم يزدجر بشاراً على عبثه ومجونه، وإنما أمر بقتله حين هجاه، فكان ظاهر تهمته رميه بالزندقة والإلحاد، وأما باطنها فهو الهجاء كما تجمع المصادر التي تكلمت على موت بشار، وليس ذلك فحسب بل إن عدداً من الخلفاء كانوا قد اتخذوا من الشعراء المجان ندماء ومسامرين بغرض التسلي، وكان بشار ينال الأعطيات الجزلة من جراء تماجنه، وبمعنى أن عين الرقيب كانت تغفل عن مجونه طالما أن ذلك المجون لا يشكل خطراً على ذوي السلطان، أو ينال من شخصياتهم.

ويبدو أن هذه المسألة كانت واضحة في أذهان نقاد الشعر القديم وعلى رأسهم الأصمعي والجاحظ، فالأصمعي كان من أوثق الرواة وأصدقهم وأغزرهم علماً، وأوسعهم معرفة بصناعة الشعراء، كما أنّ الجاحظ من أظهر النقاد الذين أمعنوا النظر في جماليات العربية، وقد حمله ذلك على تأليف أهم كتاب يبين مآثر اللغة وبيانها الساحر، وقد تعصب للعرب بفضل لغتهم، وهذان الرجلان كانا من أشد المناصرين لمذهب بشار في الشعر، وليس ذلك فحسب بل إن الأصمعي أوشك أن يختم الشعر به، كما أن الجاحظ جعله على رأس طبقة الشعراء المحدثين حين قال: "بشار من أصحاب الإبداع والاختراع"([14])، ثم رفع ناقد مثل ابن رشيق من قدره فقدمه على سائر الشعراء: "أتى بشار بن برد وأصحابه فزادوا معاني ما مرت بخاطر جاهلي ولا مخضرم ولا إسلامي"([15]) كما أحصى النقاد معانيه المولدة والفريدة حتى فاق الشعراء جميعاً بما جاء به من خطرات الفؤاد وتجليات الوجدان وقد تناقلت الكتب من معانيه المولدة قوله:

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة



والأذن تعشق قبل العين أحيانا




وهذا كله يثبت أن بشاراً قد تسنّم ذروة الشعر العربي زمناً، وقد أقر له الأقدمون بالتفوق والعبقرية، ولم يكن مجونه حائلاً دون الاعتراف بفضله، وقد كان الأصمعي وهو عربي شهد لبشار بالشاعرية، ولم يثنه عن الاعتراف بفضله ما كان يظهره بشار من عداء للعرب، وكذا الجاحظ المعتزلي لم يصده هجوم بشار على المعتزلة وواصل بن عطاء عن الإشادة بشعره.

ومؤدى ذلك أن النقاد القدامى لم ينظروا إلى مجون بشار بعيداً عن ظروفه الخاصة، إذ المجون عند بشار وغيره موضوع فني، والموضوع في الواقع يمثل مادة الشعر، والحكم النقدي لا يهتم بالمادة بمقدار اهتمامه بالصياغة وسبل تجويدها، ومن الطبيعي أن يرتقي بشار المكانة السامقة التي وضعه فيها النقاد، ذلك لأنه امتلك ناصية البيان وأجاد في صناعته إجادة لم تتوافر لكثير غيره من شعراء العربية.

كما أن شخصية بشار لم تكن مكروهة لإسهامه في المجون، لأن المجون كما قلنا موضوع فني، وكذا تعابثه كان مقبولاً في مجتمع لأن الفنان بنوازعه المميزة ومزاجه المتقلب وطباعه الحادة كان يمثل حضوراً دائماً في المجتمع لأن رصيده في الإبداع يفوق سلبياته، ولهذا حفل الدرس الأدبي في القديم ببشار وشعره بإبداعاته ومباذله ولم يكن المجون في حال من الأحوال يحجب النظر عن محاسن أشعاره، والأهم من ذلك أن مجون بشار وزندقته لم يَعْدما إشارات المنصفين إلى أنه متهم، وقد حاولنا فيما تقدم الوقوف عند بعض الشواهد والأخبار التي تلفت النظر إلى هذه الناحية، ظناً منا أن شاعراً كبيراً كبشار نال شهرة وحظوة في عصره لم يعدم منافساً أو عدواً يتقول عليه ويدس في أخبار ما يشوه صورته، والحق أن مجمل الأخبار التي عرضناها في هذا الباب تحمل على الظن أن بشاراً كان متهماً، وهو بطبيعة الحال ليس بريئاً تماماً من كل ما نسب إليه، غير أن صورة المجون التي رسمت له كانت مضخمة أوسع ما يكون التضخيم، ومن عجب أن الباحثين المحدثين قد أسهموا في تضخيم مجون بشار فإذا به يستحيل إلى تيار قوي تنعكس فيه أسباب وأهداف ونتائج هي في ظني أكبر من بشار ومن شعره، وما أعده جناية بحق بشار بن برد في الدراسات المحدثة التي تكلمت على مجونه أنها استبعدت تماماً كل إشارة يمكن أن تنصفه أو تبعد عنه صفة المجون والزندقة([16]).

المراجع:

1 ـ اتجاهات الشعر في القرن الثاني الهجري، محمد مصطفى هدارة، مصر، دار المعارف، 1963.

2 ـ الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية.

3 ـ حديث الأربعاء، طه حسين، مصر، دار المعارف.

4 ـ دراستان: من قتل بشار، والخير والشر في لزوميات المعري، محيي الدين صبحي، دمشق، وزارة الثقافة، 1981.

5 ـ العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ابن رشيق القيرواني، تحقيق محمد قرقزان، بيروت، دار المعرفة، 1981.



--------------------------------------------------------------------------------

([1]) نفسه: 3/167.

([2]) البيان والتبيين للجاحظ: 1/64.

([3]) الأغاني: 3/169.

([4]) نفسه: 3/187.

([5]) نفسه.

([6]) نفسه: 3/184.

([7]) نفسه.

([8]) نفسه.

([9]) نفسه.

([10]) نفسه.

([11]) نفسه 30/192.

([12]) نفسه.

([13]) نفسه: 3/179.

([14]) البيان والتبيين للجاحظ: 1/59.

([15]) العمدة لابن رشيق: 2/970.

([16]) هنالك دراسات قليلة أشارت إلى الظلم الذي لحق بشار بن برد منها دراسة لمحيي الدين صبحي (من قتل بشاراً).

08-02-2005, 10:19 PM
ألف شكر للتكميل أستاذة رغداء.
وفي انتظارك ملاحظاتك القيمة.
مع دعائي الدائم لك بالتوفيق.

08-04-2005, 06:06 AM
وبرأي الفقير:
1- الشاعر مثل غيره مكلف ومسؤول عما يفعل ويقول!
2- الضعف الفني للشعر وقوته لا يتعلقان بصحة موقف الشاعر الدينية والأخلاقية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة، بخلاف رأي الأصمعي، أن الشعر المستند إلى أساس ديني وأخلاقي هو بالضرورة ضعيف.
3- إن المجتمع الإسلامي القديم كان قوياً وثقاً من نفسه لذلك كان أميل إلى التسامح مع ظواهر المجون.

(الصمصام)
08-04-2005, 11:00 AM
السلام عليكم
الأستاذ محمد
الأستاذ ة رغداء
جزيتما خيرا على جهديكما

سأشارك ببعض النقاط التي توقفت عندها وليست جميعها فالموضوع طويل ويلزمه العودة

(وهنا تكمن الخطورة التي يخضع بموجبها الشّعر إلى أفكار مصممة مسبقاً، فإصرار الباحثين على استخلاص القيم العامة والخصائص المشتركة يلغي مفهوم الخصوصية لكلّ شاعر بل لكلّ نصٍّ، لأنّ الشّعراء مختلفون فيما بينهم، واستجابتهم للأفكار متباينة)

مفهوم الخصوصية واضح ولا جدال فيه ولكن هذا لا ينفي استخلاص القيم العامة والخصائص المشتركة من خلال أشعار مجموعة معينة مجتمعة على نهج وخط واحد فشعراء المجون في الدولة العباسية
أصبحوا ظاهرة تستحق الدراسة يحملون فكرا ومنهجا في حياتهم ويبثونه من خلال أشعارهم وإذا تجاوزنا العصر العباسي لعصرنا هذا ونظرنا إلى شعراء الحداثة عموما وإلى شعرهم نستطيع أن نستخلص القيم العامة لهذا الفكر والحصائص المشتركة بعيدا عن خصوصية كل منهم بجودة شعره وقدراته البلاغية وخصائصه النفسية والشعورية طبعا هذه الخصائص ليست منهجية ومنظمة لدى شعراء المجون العباسي لكن قاسما مشتركا يجمعهم ونظرة توحدهم وآراء قد اتفقوا عليها وتعاونوا في بثها
ثم كيف يدرس المجون على أنه موضوع فني بحت أليس ما يقوله الشاعر قد بني على أساس أفكاره المسبقة فكيف إن أصبح ظاهرة مشتركة بين عدد كبير من الشعراء ولم يعد فرديا يختص به قلة من الشعراء في العصور السابقة للعصر العباسي

وأميل لرأي الكاتب في أن المجون في العهد العباسي لم يكن تحت ستار تنظيم سياسي منظم هدفه هدم الدولة ونشر المجون والفحش فيها إنما كان نتيجة عوامل عديدة من أهمها انتشار الترف والثراء
والحق أعجب كثيرا من إلقاء الخلل والتفكك والعيوب وانهيار الأخلاق وغيرها في مجتمعاتنا على الآخر
لا أنكر أن للأعداء نصيبا ولكن أن نلقي كل خلل لدينا على غيرنا ونبريء أنفسنا ونظهر بمظهر الأبرياء الأتقياء الأنقياء الخالين من العيوب فنعمي أبصارنا عن مصدر الداء الكامن فينا ونترك جروحنا تتعفن وتقتلنا بدون أن نبحث عن علاج لها
وهي مشكلة قديمة مستمرة لا زالت فينا ولذلك نرى أن أوضاعنا تزداد تدهورا لأننا أغفلنا مصدر الخلل فينا


ومما توقفت عنده قوله :

(فماذا بشأن خمريات الأعشى هل تخرج عن المجون؟ وهل نستطيع أن نعد شعر الأعشى ومجاهرته بشرب الخمرة وفتونه بها إلى الدرجة التي صرفته عن الدخول في الإسلام أقل من ظاهرة فنية؟)

لا أعلم الرابط الذي ربط به الكاتب بين خمريات الأعشى والمجون فالربط كما أراه هنا غير صحيح
فالأعشى شاعر جاهلي والخمرة في الجاهلية كانت حلالا ومما يتباهى به الأشراف وكما نعلم أنها لم تحرم في الإسلام إلا بعد الهجرة إلى المدينة

08-04-2005, 03:35 PM
السلام عليكم

أستاذ محمد وأستاذ الصمصام عندما قرأت المقال لفت نظري ثلاثة نقاط الأولى تحدث عنها أستاذي محمد وهي أن الضعف الفني للشعر أو قوته لا يتعلقان بصحة موقف الشاعر الأخلاقية والدينية .
والنقطة الثانية هي التي تحدث عنها الأستاذ الصمصام عن أن مفهوم الخصوصية لا ينفي استخلاص القيم العامة والخصائص المشتركة من خلال أشعار مجموعة معينة من الشعراء مجتمعة على نهج وخط.
وبقيت النقطة الثالثة والتي كدت أن أنساها لانشغالي فيما مضى من الوقت :)
لكنني وبعد مراجعة سريعة تذكرتها جيداً وهي تعليق على الدوافع النفسية للمجون :

المجون كصفة يتصف بها الإنسان تكون نتيجة عوامل متعددة منها ما يتعلق بالفرد نفسه ومنها ما يتعلق بمجتمعه الإنسان الماجن قد يلجأ إلى المجون للتعبير عن ذاته وعن يأسه واحتقاره لمن حوله ولما حوله ونحن نرى أن الإنسان السوي قد يتلفظ بألفاظ بذيئة عندما يحتقر من حوله فيغضب منهم ولا يجد في نفسه دافعاً لاحترامهم وتقديرهم .
بالإضافة إلى أن الإنسان يتشجع على المجون إذا وجد فيما حوله ما يشجع على ذلك , فالناس بشكل عام تضحك لسماع الألفاظ البذيئة وتحرص على سماعها وتضحك ممن يتلفظ بها وتصفه بالظرف فتقول هذا شخص لسانه على حسابه أي أنه يتحدث بما يريد وأمام من يريد بلا حساب ولا تقييد
فالمجتمع الذي وصل لمرحلة من الفساد لا يستنكر فيها البذاءة والمجون نجد فيه تنامياً لهذا , بعكس المجتمع المحافظ والذي تنتشر فيه القيم الأخلاقية يرفض مثل هذه التصرفات أو الألفاظ
وبالعودة إلى بشار نجد أنه عبّر بمجونه عن احتقاره وغضبه من مجتمعه ونجد أن هذا المجتمع تقبله لأن المجون هو رفيق الفراغ و الثراء والترف الذي انتشر في ذلك العصر.

وفي عصرنا الحديث وُصف نجيب سرور بالمجون , لكننا إذا رجعنا لحياته نجد فيها من المآسي والآلام ما يجعلنا نعتقد أن مجونه ما كان إلا تعبيراً عن سخطه واحتقاره لمجتمعه , وأن هؤلاء الذين عابوا عليه مجونه كانوا متحدرين أخلاقياً وفكرياً ولكنهم كانوا يلبسون ثوب الرياء الذي قال عنه الشاعر :
ثَوب الرِياء يَشِفُّ عَن ما تَحتَهُ ................ فَإِذا التحفت بِهِ فَإِنَّكَ عاري

08-05-2005, 02:52 PM
الكاتب وضع الأفكار في مواجهة الخصوصية وهذا غير منطقي، إذ هناك أفكار توحد الشعراء وتقسمهم إلى مدارس سواء كانت هذه الأفكار من النوع الفني المتعلق بالشكل أم كانت من النوع العقدي أو ما يسمى "الأيديولوجي".
فمكابرة الكاتب في هذا لا معنى لها وقد رد عليه الأستاذ الصمصام رداً كافياً.
وللأستاذة رغداء أقول: إن الفرق بين مجتمعنا الحالي والمجتمع القديم أن الماجنين آنذاك كانوا يجرؤون على الدخول في ما يمكن أن نسميه مجازاً "الإعلام الرسمي". فشعرهم كان يتداول عند الفقهاء مثلاً وعند الأمراء أيضاً ويكفيك أن أبا نواس كان شاعر أحد الخلفاء وهو الأمين (لعلم هدارة كان هذا الخليفة يمثل الاتجاه العربي بخلاف المأمون الذي كان يزري على أبي نواس ويمثل التحالف مع الموالي الفرس)!
الآن الحال كما وصفت يتعامل بالمجون في الدوائر الشخصية وعلى مستوى الشارع ولكنه مرفوض ومنبوذ رسمياً، ولا أعتقد أن هناك جريدة أو إذاعة يمكن لها مثلاً أن تنشر شعراً ماجناً نواسياً جاء به أحد المعاصرين.
وهذا تفريق دقيق لن يخفى على فطنة الأستاذة وتمييزها الحاد!

08-07-2005, 11:08 AM
السلام عليكم

أستاذ محمد ما كنت أود التعليق على قولك : "إن المجتمع الإسلامي القديم كان قوياً واثقاً من نفسه لذلك كان أميل إلى التسامح مع ظواهر المجون" ولكنني أجد نفسي مدفوعة لذلك الآن بعد أن قرأت تعقيبك الأخير , وأقول:

لم يدخل بشار الإعلام الرسمي لأن مجتمعه كان يقبل منه ذلك, بل لأن القائمين على هذا الإعلام الرسمي كانوا يقبلونه, ومجالس السمر واللهو التي كانت تقام في زمنه كان مركزها الأساسي هو قصور الخلفاء والولاة الذين بيدهم أمر الأمة, وكنا نرى الخليفة أو الوالي يقرّب شاعراً ويبعد آخر حسب مزاجه الخاص ولاعتبارات مصلحية شخصية وليس لاعتبارات أخلاقية إلا فيما ندر .

بالإضافة إلى أن مسألة قبول المجون أو عدمه لا علاقة لها بثقة المجتمع من نفسه أو عدمها لأن المجون لم يختفي في أي عصر من العصور, وكان انتشاره بين الناس دليل على ذلك, وأنت تعرف أن لكل عصر شاعره أو شعراءه الذين اشتهروا بالمجون .

تبقى ملاحظة أخيرة وهي أن بشار شاعر فحل وأعتقد أن شهرته لم تكن بسبب مجونه فقط بل إن كثيراً من المتذوقين للشعر عدّه من أشعر الشعراء , وكان هو يعرف قدر نفسه فقد كان يقول : لي اثنا عشر ألف بيت عينٍ؛ فقيل له: هذا مالم يكن يدعيه أحد قط سواك؛ فقال: لي اثنتا عشرة ألف قصيدة، لعنها الله ولعن قائلها إن لم يكن في كل واحدة منها بيت عين.

وأختم كلامي بقول بشار مفتخراً بشعره:

وشعر كنور الروض لاءمت بينه ............. بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا

08-07-2005, 12:45 PM
وأنا يا أستاذتي الجليلة ما كنت أود أن تؤخري ردك القيم على ما بدا للفقير من رأي!
ولكني لا زلت على ما قلت، ولم أقله عبثاً إذ كان موضوع تأمل طويل. ولأضرب لك أـمثلة قد توضح ما أقول وفي هذا الرد إليك واحداً:
لعلك تعلمين أن ألف ليلة وليلة حافلة بالمشاهد الفاضحة والألفاظ التي لا نقبلها الآن في كتاب وليس أحد مستعد أن يضع اسمه عليه.
هذه "الألف ليلة وليلة" لم يخطر على بال أحد من أجدادنا تحريمها حتى جاء العصر الحديث فمنعها الأزهر!
لذلك أدعو إلى التأمل قليلاً في هذا التغير الذي حصل، هذا تغير "رسمي" ولم يكن فيما مضى هكذا.
مع خالص التقدير..ولعل لي مرة أخرى عودة إلى هذا الموضوع.

08-07-2005, 05:12 PM
من المألوف عندنا أن ننسب الاستقامة على مبادئ الدين للقدماء والخروج عليها للمعاصرين.
وهذا بحد ذاته ليس خطأ بالضرورة ولكنه لكثرة ما صار يعد بديهية صار من الواجب النظر إليه بروح نقدية.
يجب التمييز بدقة، في اعتقادي، بين أمرين مختلفين: بين الفرد والثقافة من منظور التدين.
لا شك أن الثقافة القديمة كانت إسلامية أصيلة لم تستلب لثقافة خارجية أقوى منها، ومن هنا فهي بهذا المعنى "ثقافة إسلامية أصيلة" على حين أن ثقافتنا الآن هي ثقافة مهجنة. يحكمها قانون الاستلاب لخارج ليس فقط "أقوى" بل هو أيضاً "أجمل" –وهذه القيمة الاستلابية ربما كانت مصيبة لا تقل في أهميتها عن ما دعاه الفقير في كتابات الصبا "الاستلاب التغلبي".
ولكن من جهة أخرى لو شئنا النظر إلى النص ومقاصده فإنني أحياناً أتجرأ –بيني وبين نفسي على الأقل- على القول: إننا الآن في بعض الجوانب أقرب إلى مقاصد الشريعة من أجدادنا العظام!
ولو شئت أن أضرب أمثلة لما وجدتها طبعا في ظاهرة "التسامح الرسمي مع المجون" التي لا زلت على رأيي فيها بخلاف رأي الأستاذة رغداء.
بل سأجدها في أماكن أخرى من نوع: مقصد الشريعة في بناء أسرة يسود الزوجين فيها المودة والرحمة!
وفي قضية لها علاقة بهذا الموضوع هي قضية مقصد الشريعة في الحد من ظاهرة الرق إلى أبعد حد ممكن مما يشير إلى تحريض ضمني في رأيي على اجتثاثها بمجرد توافر الشروط المطلوبة.
مع الأسف تداخلت الظاهرتان بشكل معاكس لمقاصد الشريعة، فأهمل دور الإسلام في تحرير الرق مع انتشار الترف في الدولتين الأموية والعباسية وانتشار ظاهرة الجواري، وعدم الاهتمام بمصادر الرقيق مع أن الشريعة تحظر استرقاق الأحرار وتحد من مصادر الرق.
وجاءت هذه الظاهرة بآثار كارثية على مقاصد شرعية مجمع عليها مثل استقرار العلاقة بين الزوجين وتبجيل الوالدين وبالذات الأم.
فصار الطفل المسلم لا يبجل أمه لأنها جارية!
بل لأن القوم كانوا مع الترف مزواجين مطلاقين فصار الأب يتزوج مراراً ويطلق مراراً مما انعكس طبعاً على الأم بدورها التي صارت تتزوج مراراً، ولعل لنا عبرة في قصص كتب التراث عن الرجال والنساء الذين تزوجوا مراراً وطلقوا مراراً!
بل هل تعلمون أن المقصد الشرعي في تزوج الشباب ممن يناسب سنهم لم يعد موجوداً، ووضع على الرف حض النبي الشاب على الزواج ببكر"ألا بكراً تلاعبك وتلاعبها؟"
ولتتأكد من ذلك يا قارئي اللبيب انظر مثلاً إلى تعريف الفقهاء للشغار"أن يزوج الرجل ابنته للرجل على أن يزوجه ابنته بلا مهر بينهما"!
والشغار محرم كما تعلمون طبعاً وإن كان عقد الشغار ليس باطلاً. بمعنى أن الزواج ينعقد، وإن صحح لاحقاً بتقرير مهر مناسب وفق العرف.
الشاهد أنه قال:إنهما يتزوجان ابنتي بعضهما، على حين ينصرف الذهن في زماننا عند الحديث عن الشغار إلى أن يتزوج كل من الشابين أخت الآخر.
وقد كنت أريد أن أسترسل إلى بعض السياسة والنظرية السياسية ولكني امتنعت لئلا "أقلبها" على طريقة أحد أصحابنا الأجلا:(

08-08-2005, 08:24 AM
السلام عليكم

أستاذ محمد أبعد الله الخلاف فيما بيننا , وجهة نظري تقول إن مجتمعنا صار يمنع مثل هذه الأشعار والكتابات بسبب التخبط الذي نعيشه على كافة المستويات وانتشار النفاق الإجتماعي بشكل واسع, فنحن نُحكم بتصورات خاطئة وفهم قاصر للدين وأحكامه حتى صار من المعتقد بين الناس أن الدين هو قيد وتحجر وتضيق عكس ما أراد الله تعالى ووصف نبيه صلى الله عليه وسلم .

ومسألة تقبل المجتمع للمجون من عدمه ناقشها أسلافنا كما نناقشها اليوم واعترض بعضهم على انتشار أشعار المجون بل طالبوا بمنعها ومنع قائليها ولكن وُجد بينهم من ناقش وبيّن بالحجة أن الصحابة كان يُنشدون مثل هذه الأشعار في المسجد وأنقل لك هنا من كتاب جمع الجواهر للقيرواني نصاً يعبر عن هذا الذي ذكرته وليعذرني القارئ لأنني سأورد النص كما هو دون حذف أو تعديل رغم ورود أبيات ماجنة فيه :

" ها هنا مساجلة جرت بين أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري وأبي العباس عبد الله بن المعتز، لها في هذا الموضع موقع وهي طويلة اختصرت منها موضع الحاجة:
كتب ابن الأنباري إليه: جرى في مجلس الأمير ذكر الحسن بن هانىء والشعر الذي قاله في المجون وأنشده وهو يؤم قوماً في صلاة؛ وهو إن لكل ساقطة لاقطة، وإن لكلام القوم رواة، وكل مقول محمول. فكان حق شعر هذا الخليع ألا يتلقاه الناس بألسنتهم؛ ولا يدونونه في كتبهم، ولا يحمله متقدمهم إلى متأخرهم؛ لأن ذوي الأقدار والأسنان يجلون عن روايته، والأحداث يغشون بحفظه، ولا ينشد في المساجد، ولا يتحمل بذكره في المشاهد؛ فإن صنع فيه غناء كان أعظم لبليته؛ لأنه إنما يظهر في غلبة سلطان الهوى، فيهيج الدواعي الدنيئة، ويقوي الخواطر الرديئة؛ والإنسان ضعيف يتنازعه على ضعفه سلطان القوى؛ ونفسه الأمارة بالسوء، والنفس في انصبابها إلى لذاتها بمنزلة كوة منحدرة من رأس رابية إلى قرار فيه نار، إن لم تحبس بزواجر الدين والحياء أداها انحدارها إلى ما فيه هلكتها.
والحسن بن هانىء ومن سلك سبيله من الشعر الذي ذكرناه شطار كشفوا للناس عوارهم، وهتكوا عندهم أسرارهم، وأبدوا لهم مساويهم ومخازيهم، وحسنوا ركوب القبائح.
فعلى كل متدين أن يذم أخبارهم وأفعالهم، وعلى كل متصور أن يستقبح ما استحسنوه، ويتنزه من فعله وحكايته. وقول هذا الخليع: ترك ركوب المعاصي إزراء بعفو الله تعالى حض على المعاصي أن يتقرب إلى الله عز وجل بها تعظيماً للعفو، وكفى بهذا مجوناً وخلعاً داعياً إلى التهمة لقائله في عظم الدين، وأحسن من هذا وأوضح قول أبي العتاهية:
يخاف معاصيه من يتوب .............. فكيف ترى حال من لا يتوب
جواب ابن المعتز
فأجابه ابن المعتز: لم يقل أبو نواس ترك المعاصي إزراء بعفو الله تعالى، وإنما حكى ذلك عن متكلم غيره، والبيت الذي أنشد له بحضرتنا:
لا تحظر العفو إن كنت امرأً حرجاً .............. فإن حظركه بالدين إزراء
وهذا بيت يجوز للناس جميعاً استحسانه والتمثل به، ولم يؤسس الشعر بانيه على أن يكون المبرز في ميدانه من اقتصر على الصدق ولم يغو بصبوة، ولم يرخص في هفوة، ولم ينطق بكذبة، ولم يغرق في ذم، ولم يتجاوز في مدح، ولم يزور الباطل ويكسبه معارض الحق؛ ولو سلك بالشعر هذا المسلك لكان صاحب لوائه من المتقدمين أمية ابن أبي الصلت الثقفي، وعدي بن زيد العبادي؛ إذ كانا أكثر تذكيراً وتحذيراً ومواعظ في أشعارهما من امرىء
القيس والنابغة. فقد قال امرؤ القيس:
سموت إليها بعدما نام أهلها ............. سموّ حباب الماء حالاً على حال
فأصبحت معشوقاً وأصبح بعلها ............ عليه القتام سيّىء الظنّ والبال
يغطّ غطيط البكر شدّ خناقه ............... ليقتلني والمرء ليس بقتّال
وقال النابغة:
وإذا لمست لمست أجثم رابياً ........... متحيّزاً بمكانه ملء اليد
وإذا طعنت طعنت في مستهدفٍ ............. رابي المجسّة بالعبير مقرمد
وهل يتناشد الناس أشعار امرىء القيس والأعشى والفرزدق وعمر بن أبي ربيعة وبشار وأبي نواس على تعيهرهم، ومهاجاة جرير والفرزدق إلا على ملأ الناس وفي حلق المساجد ؟ وهل يروي ذلك إلا العلماء الموثوق بصدقهم. وقد نفى حسان بن ثابت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليه في هجائه حيث يقول:
وأنت ربيط نيط في آل هاشمٍ ............... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
وقد زعم بعض الرواة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحارث: أنت من خير أهلي. وما نهى النبي صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح من الخلفاء المهديين بعده عن إنشاد شعر عاهر ولا فاجر.
ولقد أنشد سعيد بن المسيب وغيره من نظرائه تهاجي جرير وعمر بن لجأ فجعل يقول: أكله أكله. يعني أكله جرير ولم ينكر شيئاً مما سمعه" اهـ .

(الصمصام)
08-08-2005, 12:01 PM
وأنا أيضا كنت أود التعليق على (( "إن المجتمع الإسلامي القديم كان قوياً واثقاً من نفسه لذلك كان أميل إلى التسامح مع ظواهر المجون" ))

وأوافق الأستاذة رغداء في قولها
(( لم يدخل بشار الإعلام الرسمي لأن مجتمعه كان يقبل منه ذلك, بل لأن القائمين على هذا الإعلام الرسمي كانوا يقبلونه, ومجالس السمر واللهو التي كانت تقام في زمنه كان مركزها الأساسي هو قصور الخلفاء والولاة الذين بيدهم أمر الأمة, وكنا نرى الخليفة أو الوالي يقرّب شاعراً ويبعد آخر حسب مزاجه الخاص ولاعتبارات مصلحية شخصية وليس لاعتبارات أخلاقية إلا فيما ندر .))

فالشعراء هم صفوة المجتمع والشعر لم يفقد مكانته بعد وهم يمتلكون القوة بدعم الأمراء وكبار رجال الدولة لهم

وهو سبب من أسباب عديدة وكما أرى فالموضوع واسع

قد يكون لظهور وسائل الإعلام الحديثة من صحف ومجلات ومطابع في العصر الحديث دور في ذلك حيث أصبحت سهلة ميسرة وتدخل كل بيت أما في العصور السابقة فكانت القصيدة تحفظ عن طريق الرواة وتنتشر
بين محبي الشعر بالحفظ فانتشارها هنا نسبي ولا يعم كافة فئات المجتمع ولا تدخل كل بيت ثم من يملكون القدرة على شراء الصحف والكتب قلة أيضا وهم من أهل الثراء
إلى جانب الدعم الذي يتلقاه الشعراء كما ذكرت الأستاذ ة

كما لا أنكرقول أستاذنا أن للنفاق الإجتماعي والتخبط الذي نعيشه الآن دور في ذلك

إذن هي أسباب مجتمعة ساهمت في ذلك وما ذكر سوى بعض أسبابه

ولا شك في قول أستاذنا محمد بتداخل مقاصد الشريعة وانحرافها عن مقاصدها في أمور كثيرة ودور الترف في ذلك
في عهد الدولة الأموية والعباسية وأرى أستاذي تجنب دور الساسة في ذلك لكي لا يقلب الموضوع مع أن دورهم
كان أقوى وأشد تأثيرا من ظاهرة الترف الذي ساعد على هذا الإنحراف والتبديل