المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دفاعاً عن الشعر أو: أزمة الشعر الحديث- نقد ذاتي!



08-06-2005, 08:56 AM
المقال القصير التالي كتبه هذا اليوم إسكندر حبش، وهو عن أزمة شعر الحداثة (الذي يسمى عند القوم مصادرةً "الشعر"!) وهو مأخوذ من جريدة السفير.


دفاعاً عن الشعر
إسكندر حبش




ألم يحن الوقت فعلا، لكي نعيد تساؤلاتنا حول ما يكتب اليوم من شعر جديد، أم على الأمور أن تمر سريعا مثلما مرّت الكثير من الأمور الأخرى، ما أوجد بلبلة لم نعرف كيفية الخروج منها لتبقى معلقة في اشكالياتها المتعددة؟
فكرة تعود لتخطر في بالي، بعد <<الإيميل>> الذي قرأته صباح اليوم، عند عودتي من السفر، وهو من الصديق الشاعر شوقي مسلماني، المقيم في استراليا منذ فترة طويلة. رسالة فيها بعض العتب، على <<إشكالي>> الذي كتبته الأسبوع الماضي بعنوان <<ديوان الأقلية>> وتحدثت فيه عبر انطباع سريع عن الأمسيات الشعرية التي شهدها مهرجان جرش في الأردن، إذ تساءلت فيه عن هذه العلاقة الملتبسة اليوم بين الشعر وجمهوره الذي يبدو أنه من <<أكثر المخلوقات احتفاء به>>.
يقول الشاعر شوقي مسلماني في رسالته: <<إن الشعر المعاصر قد خرج من قمقم ما يطلبه المستمعون إلى الأبد... الشعر اليوم يقرأ لا يتلى... ولا أجد جدوى من هذا الندب... وممن؟ من شعراء القصيدة الجديدة أنفسهم!>>.
أولا، لا أعرف إن كانت كلمتي قد فُهمت بهذا القدر من <<الندب>> وأرجو أن لا تفهم كلمتي هذه بأنها هجوم ما على الصديق الشاعر، بل هي مجرد خاطرة أوحتها لي رسالته إذ لم أرغب إلا في الإشارة إلى هذه المشكلة الفعلية التي تعترض كل من يقرأ اليوم شعره أمام جمهور، لأن ثمة اغترابا حقيقيا، واقعيا، علينا أن لا نخفيه بشتى الحجج، وبخاصة من الشعراء الجدد. لماذا إذا أردنا أن نتساءل عن المتلقي سندخل دوما في مقولة ما يطلبه المستمعون؟ لا أحد يقول إن علينا أن نكتب قصائد وفق ذائقة الذي أمامنا، بالتأكيد القضية ليست هنا، ولا أحد يقصد ذلك. لكن هل تساءلنا حقا عمّا نكتبه؟
علينا الاعتراف، وبدون خوف، أن جزءا لا بأس به، مما يكتب اليوم يتخفى باسم الشعر ولا يزيد عن كونه هذرا مجانيا. بالطبع هناك أعمال جميلة، وقد تكون <<صعبة>> على هذا المتلقي، ولا أقصدها بطبيعة الحال. بمعنى آخر، لا أخفي أيضا، أن هناك مشكلة في الجمهور الذي لم يواكب تطور القصيدة الحديثة، وبقي بعيدا عنها، غارقا في ما تعلمه في المدرسة من كلاسيكيات تداعب أذنه. كل هذا مفهوم، ولا أعترض عليه، بل أعيه بشكل كبير.
ولكن...؟ لماذا نحيل أخطاءنا على الغير ولا نريد أن نعترف بأننا قمنا بها؟ ولماذا أيضا على القصيدة الجديدة أن لا تتلى؟ لماذا هذا الانسحاب المسبق؟ لماذا عدم الرغبة في الدفاع عما نكتبه؟ إذا كان الشاعر نفسه لا يرغب في الدفاع عن قصيدته فمن غير المجدي إذاً أن يكتب في الأساس.
لا أعتقد أنه من المجدي أن نستمر اليوم في بعض هذه الادعاءات، والتفكير بالمشكلة جديا، لا يعني بتاتا أن لا نكتب ما نريد كتابته، لكن وقبل أي شيء، علينا أن نكتب وبالطريقة التي نريد لكن أن نكتب حقا، إذ هنا تبدو المشكلة برمتها.

08-06-2005, 08:21 PM
السلام عليكم

أنشد رجل قوماً شعراً فاستغربوه، فقال:والله ما هو بغريب، ولكنكم في الأدب غرباء.

طبعاً هذه المقولة تنطبق على كثير ممن يقرؤون الأدب اليوم, فكثير منهم غرباء في الأدب , لكنها تنطبق أيضاً وربما بدرجة أكبر على من يكتبون هذا الأدب, نرى الشاعر من هؤلاء, أو ممن يُطلق عليه لقب شاعر منحة أو تحبباً, نراه يختار ألفاظاً هي أبعد ما تكون عن الأدب ثم يسمي ما يقوله أدباً وشعراً, حتى صار في المفهوم الشائع بين الناس أن كل غريب غير مفهوم دليل على عبقرية كاتبه, ودائماً تراهم يستشهدون بالحادثة التي رويت عن أبي تمام حين قال له أحدهم : يا أبا تمام، لم لا تقول من الشعر ما يفهم؟ فقال له: وأنت لم لا تفهم من الشعر ما يقال؟
ويظنون أنفسهم قد أفحموا السائل أو المعترض على ترهاتهم .

دائماً أسأل نفسي عندما أقرأ مثل هذه الأشعار , لماذا يكتب الشاعر قصيدته أيكتبها لنفسه فقط أم أنه يريد منها وسيلة للتعبير عن ذاته أمام الناس؟
فإذا أرادها تعبيراً عن ذاته أليس من المفروض أن يستخدم ألفاظاً ومفردات وصور وتشابيه توصل ما يريد قوله ؟
ليس معنى هذا أن يكتب الشاعر ما يطلبه المستمعون ولكن يجب عليه أن يكتب ما يفهمه القراء, وما أجمل أن يملك الشاعر من أدوات التعبير ما يحقق قول المتنبي :
أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي.................. وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ
أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها .................. وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ

فالشاعر الحقيقي هو الذي يستطيع أن يعبر عن نفسه وعن فكره وتصوره للأمور والأحداث والمشاهد بطريقة تصل للقارئ وتثير في نفسه النظر والتأمل والخيال, بدل أن تثير في نفسه الغثيان.

08-07-2005, 08:32 AM
ومن قديم ذكرياتي الدمشقية أن شويعراً مدعياً ادعى أنه معجب بوالت وايتمان-الشاعر الأمريكي صاحب ديوان "أوراق العشب"- وحينما ضقت بادعاءاته وتبجحاته(وهي تنم عن خلل في الرؤية الأخلاقية للناس والعالم ولا تنم عن خلل في الذائقة الأدبية وحسب) قررت أن أعمل به"مقلباً": وفي محفل ضم مستمعين ومستمعات قلت له: يا فلان، كونك شاعراً وناقداً أحببت أن أطلعك على قصيدتين كتبهما "واحد صاحبنا" وأريد أن تبدي بهما رأيك الصريح لأقول له إن كان من المفيد أن يتابع مشوار الشعر أم من الخير له أن ينصرف إلى شيء آخر ويترك الشعر لأهله!
فنفخ نفسه وقال: هات!
فأعطيته نصاً "حديثاً" كتبته بنفسي ونصاً آخر نقلته من ديوان أوراق العشب لوالت وايتمان!
فبدأ لسوء حظه بوالت وايتمان فقال: ما هذا؟أهذا شعر أم فلسفة؟
فقلت له: لم يعجبك؟
فقال: لا!
وبعد أن رأى أنه كان قاسياً أكثر من اللازم مع "صاحبنا" أثنى على النص الثاني قائلاً "فيه شعر".
قلت له: هذه لوايتمان وهذه لي!
فامتقع وتضايق وقال لي: هذه نسميها عندنا "فاول"!.

08-09-2005, 09:20 AM
لا أخفي أيضا، أن هناك مشكلة في الجمهور الذي لم يواكب تطور القصيدة الحديثة، وبقي بعيدا عنها، غارقا في ما تعلمه في المدرسة من كلاسيكيات تداعب أذنه

إذن فالقصيدة الحديثة أصل والجمهور ( ليس الأمي بل من غرق في فهم الشعر العربي) ملحق بهذا الأصل موجود لأجله عليه أن يكيف نفسه ليتناسب وإياه.

ذكرتني هذه الفقرة بنكتتين :

1- نكتة رأيتها بنفسي :
أحدهم أرسل رسالة لصديقه كتب عليها عنوانه كالتالي : ( الجامعة الأميركية في بيروت – قرب مطعم فيصل )

2- بهذه النكتة:" رئيس جمهورية في أميركا الجنوبية حكم طويلا، ثم لمّح إلى احتمال التغيير، ففرح شعبه بذلك ظنا منه أنه سيغادر ليتيح الفرصة لشعبه في اختيار حاكمه، فتوجه الشعب إليه في جموع كثيرة ليحييه ويودعه، فسأل :" ماذا هناك؟ " فقالوا له :" الشعب جاء ليودعك "
فسأل : "وإلى أين سيغادر الشعب ؟ "