المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في مديح البداوة- عبد القادر الجزائري



08-08-2005, 06:34 AM
كانت هدية من أخ عزيز أهدى..قصيدة للأمير الفارس عبد القادر الجزائري في مدح البداوة.
فأحببت أن أعيد إهداءها لكم ولربما جاء تعليق بعد ذلك.
وإعادة إهداء هدية محظور إلا في هذا الميدان!
أم ماذا تقولون؟

عبد القادر الجزائري

يا عاذراً لامرئٍ قد هام في الحضر ......... وعاذلاً لمحبّ البدو والقفر
لا تذممنّ بيوتاً خفّ محملها ........... وتمدحنّ بيوت الطين والحجر
لو كنت تعلم ما في البدو تعذرني........... لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
أو كنتَ أصبحت في الصحراء مرتقياً ............. بساط رملٍ به الحصباء كالدرر
أو جلتَ في روضةٍ قد راق منظرها .......... بكل لونٍ جميل شيّق عطر
تستنشقنّ نسيماً طاب منتشقاً ........... يزيد في الروح لم يمرر على قذَر
أو كنت في صبح ليل هاج هاتنه ............ علوت في مرقبٍ أو جلت بالنظر
رأيت في كلّ وجهٍ من بسائطها ............ سرباً من الوحش يرعى أطيب الشجر
فيا لها وقفة لم تبق من حزن ........... في قلب مضنى ولا كدّا لذي ضجر
نباكرُ الصيد أحيانا فنبغته ............ فالصيد منّا مدى الأوقات في ذعر
فكم ظلمنا ظليما في نعامته ............. وإن يكن طائراً في الجو كالصقر
يوم الرحيل إذا شدّت هوادجنا ............. شقائق عمّها مزنٌ من المطر
فيها العذارى وفيها قد جعلن كوىً .......... مرقعاتٍ بأحداقٍ من الحور
تمشي الحداة لها من خلفها زجلٌ ........... أشهى من الناي والسنطير والوتر
ونحن فوقَ جياد الخيل نركضها .......... شليلها زينة الأكفال والخصر
نطارد الوحش والغزلان نلحقها ............ على البعاد وما تنجو من الضمر
نروح للحيّ ليلا بعدما نزلوا ........... منازلاً ما بها لطخٌ من الوضر
ترابها المسك بل أنقى وجاد بها ............. صوب الغمائم بالآصال والبكر
نلقى الخيام وقد صفّت بها فغدت ........... مثل السماء زهت بالأنجم الزهر
قال الألى قد مضوا قولا يصدّقه ............ نقلٌ وعقلٌ وما للحق من غير
الحسن يظهر في بيتين رونقه .......... بيتٌ من الشعرِ أو بيتٌ من الشعَر
أنعامنا إن أتت عند العشيّ تخل ............ أصواتها كدويّ الرعد بالسحر
سفائن البرّ بل أنجى لراكبها ............. سفائن البحر كم فيها من الخطر
لنا المهارى وما للريم سرعتها ......... بها وبالخيل نلنا كل مفتخر
فخيلنا دائما للحرب مسرجةٌ ............ من استغاث بنا بشّره بالظفر
نحن الملوك فلا تعدل بنا أحداً .......... وأيّ عيشٍ لمن قد بات في خفر
لا نحمل الضيم ممن جار نتركه ........... وأرضه وجيمع العزّ في السفر
وإن أساء علينا الجار عشرته ........... نبين عنه بلا ضرٍّ ولا ضرَر
نبيت نار القرى تبدو لطارقتنا .......... فيها المداواة من جوع ومن خصر
عدوّنا ما له ملجا ولا وزرٌ ............ وعندنا عاديات السبق والظفر
شرابها من حليبٍ ما يخالطه .......... ماء وليس حليب النوق كالبقر
أموال أعدائنا في كلّ آونة ............ نقضي بقسمتها بالعدل والقدر
ما في البداوة من عيب تذمّ به ........... إلّا المروءة والإحسان بالبدرِ
وصحّة الجسم فيها غير خافيةٍ ........... والعيب والداء مقصورٌ على الحضَر
من لم يمت عندنا بالطعن عاش مدى فنحن أطول خلق اللَه في العمر

08-08-2005, 09:13 AM
السلام عليكم

ان هذي هدّية الفكر وافت ....................... وعَلَى قدرِ مغرمٍ اهداها
سلمت أستاذ محمد.

08-10-2005, 06:56 PM
السلام عليكم

أحببت أن أضيف قصيدة المتنبي الجميلة والتي فيها بيته المشهور
حسن الحضارة مجلوب بتطرية.............وفي البداوة حسن غير مجلوب

يقول :

من الجآذرُ في زيِّ الأعاريب .............. حمرُ الحُلى والمطايا والجلابيبِ
إن كنتَ تسألُ شكَّاً عن معارفها ............... فمن بلاكَ بتسهيدٍ وتعذيبِ
لا تُجزني بضنىً بي بعدها بقرٌ ............ تجزي دموعي مسكوباً بمسكوبِ
سوائرٌ ربَّما سارت هوادجُها ............. منيعةً بين مطعونٍ ومضروبِ
وربَّما وخدت أيدي المطيِّ بها ............. على نجيعٍ من الفرسانِ مصبوبِ
كم زورةٍ لك في الأعراب خافيةِ .............. أدهى وقد رقدوا من زورةِ الذِّيبِ
أزورهم وسوادُ اللَّيل يشفع لي ................. وأنثني وبياضُ الصُّبح يغري بي
قد وافقوا الوحشَ في سكنى مراتعها ................. وخالفوها بتقويضٍ وتطنيبِ
فؤاد كل محب في بيوتهم .................... ومال كل أخيذ المال محروب
ما أوجهُ الحضرِ المستحسناتِ بهِ ................ كأوجهِ البدويَّاتِ الرَّعابيبِ
حسنُ الحضارةِ مجلوبٌ بتطريةٍ ............... وفي البداوةِ حسنٌ غيرُ مجلوبِ
أين المعيزُ من الآرامِ ناظرةً ................. وغير ناظرةٍ في الحُسنِ والطِّيبِ
أفدي ظباءَ فلاةٍ ما عرفنَ بها ................ مضغ الكلام ولا صبغَ الحواجيبِ
ولا برزن من الحمَّام مائلةً ............... أوراكهنَّ صقيلات العراقيبِ
ومن هوى كل من ليست مموهة ............. تركت لون مشيبي غير مخضوب
ومن هوى الصدق في قولي وعادته ............. رغبت عن شعر في الوجه مكذوب
لَيتَ الحَوادِثَ باعَتني الَّذي أَخَذَت ........... مِنّي بِحِلمي الَّذي أَعطَت وَتَجريبي
فَما الحَداثَةُ مِن حِلمٍ بِمانِعَةٍ ................... قَد يوجَدُ الحِلمُ في الشُبّانِ وَالشيبِ

وهي قصيدة طويلة اكتفيت منها بهذا القدر الجميل

08-10-2005, 07:13 PM
حسنُ الحضارةِ مجلوبٌ بتطريةٍ ............... وفي البداوةِ حسنٌ غيرُ مجلوبِ

كنت أقول سابقاً إن الشاعر قال هذا وهو في مزاج شبيه بالمزاج التأصيلي الذي دعوت إليه طويلاً.
ومن أوائل التأصيليين المكافحين ضد استلاب المدينة ميسون التي قالت:
لبيت تخفق الأرواح فيه..أحب إلي من قصر منيف
ولبس عباءة وتقر عيني..أحب إلي من لبس الشفوف!

08-10-2005, 10:16 PM
السلام عليكم

أستاذ محمد يبدو أن الأمير عبد القادر كان مستلباً , لأن أصله حضري فهو من القيطنة من قرى إيالة وهران بالجزائر وكذلك المتنبي من إحدى محلات الكوفة فهذين الشاعرين وقعا تحت تأثير جمال البداوة فاستلبتهم
أما ميسون فقد كانت بدوية تركت ديارها فحنت إليها وصارت ترى كل جميل فيها شأنها شأن بيرم التونسي الذي كتبتَ عنه مقالاً وذكرتَ فيه قوله عندما عاد للوطن :

واقول لكم بالصراحه ............. اللي ف بلادنا قليله
عشرين سنة في السياحه ............ بشوف مناظر جميله
ما شفت يا قلبي راحه ............. في دي السنين الطويله
إلا اما شفت البراقع .............. واللبده والجلابيه

08-11-2005, 07:20 PM
ربما كان المتنبي والأمير في حالة معاكسة للاستلاب.
على أن المتنبي كانت علاقته مع الأعاريب معقدة، وإذا تذكرنا علاقاته مع الأمراء من غير العرب، فلعله حن لصديقه القديم سيف الدولة ولا تنس الأستاذة رغداء أن قصيدة المتنبي في مدح كافور.
وفيها حنين قديم لماضيه، وتعصبه للعرب على الأعاجم معروف منذ الطفولة:
وإنما الناس بالملوك وما..تفلح عرب ملوكها عجم

وفي القصيدة التي هي (رسمياً!) في مدح كافور:
ليت الحوادث باعتني الذي أخذت..مني بحلمي الذي أعطت وتجريبي

فهي في الحنين.
وقد زعم الأستاذ محمود شاكر رحمه الله أن المتنبي كان يحب خولة أخت سيف الدولة.
والله أعلم.

08-11-2005, 10:24 PM
السلام عليكم

أستاذ محمد إليك المزيد في مدح البداوة , يقول أحمد تقي الدين ـ وهو شاعر من شعراء العصر الحديث , يعني تأصلي حسب نظريتك ـ :

تعالَيْ إلى القفر نسكن معاً ................ طَليقَيْ عِنانٍ على اليرمع
فإنَّ الخيام بصدر القِفار................... أعزُّ من المَعقِل الأَمنَع
وإنَّ البِداوةَ أصل الحياة .............. فعودي إلى الأصل لا تَطمَعي
وإنَّ البِداوة ثوب العَفاف .................. فثوبَك يا هندُ لا تخلعي
ويا بنتَ أُمي أَميطي اللثام ................ فأنتِ من الصَّون في بُرقُع

وهذا صالح السويسي القيرواني ـ وهو أيضاً من شعراء العصر الحديث ـ يقول :

قَوِّض رِحالَك عَن أَرضٍ تُضامُ بِها ............... فَالضَيمُ إِن دامَ نَفسُ الحُرِّ يَرديها
وَاِسكُن بُيوتاً إِذا راقَ المُقامُ بِها ............. فَاِمكُث وَإِلا خَفيف الحَمل يَطويها
فَفي البَداوةِ رَبّاتُ السُفورِ وَقَد ............... يُشرقن كَالشَمسِ لا غَيمٌ يُغَطِّيها
يَرتَعنَ في فلَواتٍ حُسنُ مَنظَرِها ............... خُضر النَبات بِأَزهارٍ يوشّيها
يَحمِلنَ جَرّاتِ ماءٍ يَنثنينَ بِها .................. مِثلَ الغُصونِ إِذا ما الرّيحُ تحنيها
يَلبَسنَ زُرقَ ثيابٍ كَالكَواكبِ في .............. ثَوبِ السَماءِ بِحُسنٍ فاقَ تَشبيها
فَاِنظُر إِلى الشَمسِ في وَقتِ الطُلوعِ لَها ............ ثَوبٌ مِنَ التّبر لَمّاعٍ يَحليها
يا ساكنَ البيدِ دُم لِلعَيشِ مُغتَبِطاً ............ وَكُن صَبوراً قَنوعاً بِالَّذي فيها
عَيشُ البَساطةِ نَفسي قَد تَميلُ لَهُ .................. وَكُلُّ بادِيَةٍ شِعري يُحيِّيها

08-12-2005, 06:01 AM
ولك فائق الشكر أستاذة رغداء على هذه الأشعار الجميلة التي تأتيننا بها.