المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د.أحمد سالم
الدرس الثالث ( مظاهر تطور علم العروض ),
(التفاعيل وكيف تفرض وجودها وحدودها ولغتها )
يقول الدكتور / عبد العزيز نبوي في كتابه موسوعة موسيقي الشعر عبر العصور والفنون صـ 678 و 679 :
ومصطلح العلة من المستحدثات القديمة , إذ لا نجد له ذكر في كتاب العروض للأخفش ( 215 هـ / 730 م ) فكل تغيير عنده زحاف , ومن أقواله في الرمل : " فإنما أجازوا الزحاف في فاعلن وفاعلان وأصلهما فاعلاتن , كما كان في المديد ؛ لأن الرمل شعر كثير تستعمله العرب ".
ولا نجد له ذكر في عروض الورقة للجوهري ( 393 هـ / 1103 م ) فكل تغيير زحاف , يقول " وأما الزحاف فهو كل تغيير يلحق الجزء من الأجزاء السبعة زيادة أو نقصان , أو تسكين , أو تقديم حرف , أو تأخير ولا يكاد يسلم منه شعر " ,
(لاحظ إضافة الجوهري لمعنى التقديم والتأخير لتخدم فكرته حول تحول الوتد المجموع إلى وتد مفروق)
ويقول في الطويل : " زحاف الطويل خمسة : القبض , الثلم , الثرم , الكف , الحذف "
ويذكر الدكتور عبد العزيز أن الخطيب البريزي ( 502 هـ / 1108 م ) لم يرد لديه أيضا مصطلح العلة وكل تغيير عنده زحاف .
ويقول : وما أن نصل إلى العيون الغامزة للدماميني ( 827 هـ / 1424 م ) حتى نجد مصطلحات : الزحاف , والعلة , والعلة الجارية مجرى الزحاف , والزحاف الذي يجري مجرى العلة , قال : " التغيير الذي يلحق أجزاء التفاعيل على نوعين , نوع يسمى بالزحاف , ونوع يسمى بالعلة , وبعض العروضيين يزيد نوعا آخر وهو العلة الجارية مجرى الزحاف , وعندي أن ثم قسما رابعا وهو زحاف يجري مجرى العلة , ألا ترى أن القبض مثلا نوع من الزحافات ويدخل في عروض الطويل على وجه اللزوم , فهو زحاف من حيث تغيير لحق ثاني السبب , وجرى مجرى العلة من حيث لزومه "
ويتضح من النص السابق أن الدماميني هو أول من أطلق مصطلح العلة (الزحاف الجاري مجرى العلة ) وأن مصطلحي العلة والعلة الجارية مجرى الزحاف قد انتهيا إليه من سابقيه , وإن كنا نجد في كلام الدماميني ما يرد مصطلح العلة إلى الخليل قال : " وقد ذهب ابن السقاط وجماعة من العروضيين إلى أن التشعيث من قبيل الزحاف , ولهذا لم يلزم ضروب القصيدة كلها , وظاهر كلام الخليل أنه من قبيل العلل لذكره إياها مع أسمائها , ووجهه أنه مختص بالوتد , وذلك شأن العلة , والحذاق على أنه علة جارية مجرى الزحاف "
قلت لو كان الخليل استعمل مصطلح العلة , لتواتر ذكر المصطلح في كتب العروض الأولى عند : الأخفش , والصاحب بن عباد , والجوهري , ثم الخطيب التبريزي مثلا . انتهى الاقتباس من د. عبد العزيز .
وأنا أضيف إلى ما سبق أن الأخفش في كتاب العروض لم يذكر أي من أسماء الزحافات البسيطة أو المركبة , ولم يذكر أيضا أيا من أسماء العلل البسيطة أو المركبة , فلم يرد أي من ألفاظ ( الخبن , القبض , الطي , العقل , العصب , التزييل , الترفيل , .............الخ . لكنه استعمل ( الحذف أو الإسقاط ) مقرونا بالحرف الذي يقابله في التفعيلة وكذلك استعمل التسكين لحركة السبب الثقيل .
ونحن بين احتمالين لا ثالث لهما :
الاحتمال الأول : أن ما ذكره الدكتور عبد العزيز صوابا : وبذلك فإن العروضيين استحدثوا واستعملوا ما لم يستعمله الخليل من المصطلحات , ودمجوها في علم العروض كإضافات ,
وبذلك فإن مصطلح الزحاف الذي أطلقه الخليل على التغييرات قد تم تخصيصه لبعضها واستحدث للبعض الآخر مصطلح العلة , ثم تخصيص قسم إضافي من كل منها (الزحافات الجارية مجرى العلة) و(العلة الجارية مجرى الزحاف) وهو ما ينطبق أيضا على أسماء الزحافات والعلل البسيطة والمركبة , وكذلك ابتكارهم أسماء لكل نوع من الزحافات أو العلل المفردة أو المركبة .
الاحتمال الثاني : هو عكس الاحتمال الأول أن الخليل قد ذكرها جميعا فذكر كل نوع منها وأن بعض العروضيين قد دمجها معا , واختصرها واستغنى ببعضها عن بعض .
ورغم أن ما ذكرته يعد من البديهيات فقد دفعني للاسترسال فيها الاعتراض المتكرر على استخدامي لبعض المصطلحات بالتوسيع في معناها , بدلا من استحداث الجديد وفي القديم ما يغني عنه , كاستخدامنا للترفيل بمعنى زيادة سبب في نهاية التفعيلة مطلقا سواء انتهت بالوتد أو بالسبب , وأن يقتصر استحداثنا للمصطلحات على ما لا بد منه ,
كما دفعني إليها أيضا المطالبة باستخدام تفاعيل جديدة غير التي استخدمها الخليل وأسماء جديدة للسبب والوتد , وهو ما لم يطالب به أحد من قبل في أي علم من العلوم , فكل العلوم تتطور وتتطور معها مصطلحاتها , ولم نر أحدا يطالب عالم رياضيات يطور نظرية معينة بألا يستخدم ما يشاء من الموروث العلمي للرياضيات بدأ من الأعداد وحتى أخر النظريات .
( فقط يكفي التنبيه على معنى المصطلح إن لم يكن واضحا من سياق الكلام )
**************************
(التفاعيل وكيف تفرض وجودها وحدودها ولغتها )
بعد تجريدنا للأوزان من حدود التفاعيل القديمة بغرض دراستها ومعرفة خصائصها الموسيقية , تبين لنا أن تتابع الحركات والسكون في الوزن يتشكل في أنماط موسيقية بينها حدود حقيقية بعضها ثابت وبعضها متغير , وثباتها وتغيرها يحكمه عدد من قوانين الإيقاع ؛ تلك الحدود تقاطع بعضها مع تقسيم الخليل للأوزان واختلف بعضها الآخر .
وفي ضوء ( قوانين الإيقاع الجديدة ) يمكن إعادة (ترسيم الحدود) بين أجزاء الوزن , وتقسيم التتابع إلى أجزاء وهذا يستلزم وضع أسماء جديدة لتلك الأجزاء , وهي ( مستفعلاتن و فاعلاتن لن )
وبالتأكيد سيتبع ذلك الحاجة إلى وصف التغييرات (الزحافات والعلل) التي تحدث فيها
يمكن استخدام المصطلحات القديمة مع تعميمها , أو استحداث مصطلحات جديدة لتلك التغييرات , كما يمكن وصف التغيير الحادث فيها دون ذكر مصطلح لها , كل الاختيارات لا فرق بينها فكلها أدوات تستخدم لنقل العلم , فقط يجب التنبيه على المعنى الجديد الذي سيشمله المصطلح القديم , ومن الفهارس الملحقة بكل كتاب يكون فهرس المصطلحات المستخدمة في الكتاب ليرجع إليها الدارس وقت الحاجة .
وقد رأينا أن استخدامنا للمصطلحات القديمة مع توسيع مضمونها هو الأفضل لنجنب علم العروض المزيد من المصطلحات التي اشتهر بكثرتها حتى أصبحت عبئا ثقيلا على كل دارس للعروض , ولا مانع لدينا إن تناول غيرنا شرح التغييرات بدون مصطلحات كما فعل الأخفش في كتابه , كما لا مانع لدينا أيضا لو استخدم غيرنا مصطلحا جديدا لها .
وهل يستحق الأمر هذا العناء ؟؟؟
نعم عندما تكون النتيجة هي التخلص من فكرة البحور المركبة وما جلبته على علم العروض من الخلافات , وكذلك التخلص من فكرة تكرار التفعيلة بأي عدد يراه العروضي وما نتج عنه مما يسمى شعر التفعيلة , وأيضا عندما تكون النتيجة فهم كل الظواهر العروضية ووضع قواعد لها ثم رسم الطريق للأوزان الغير ناضجة على مستوى الزحافات , نعم فإن الأمر يستحق كل هذا العناء , والذي سيقابله بالمثل التخلص من الكثير من الأفكار القديمة وبما يزيد على ما أضفناه من الجديد .
دمتم أساتذتي الكرام في خير وسعادة