في مقدمة مداخلتي الأولى وعدْتُ بمداخلة رئيسة ثانية تجمع عدداً من القضايا التي نثرها أخي سليمان طي مشاركته الرائعة. وكان من بينها ما أثاره مرة ثانية حول الإيقاع الخببي، والذي يعتبره مركَّباً كلّه من أسباب ثقيلة صافية، وذلك بناءً على أن السبب الخفيف لا يُزاحَف إلاّ بسقوط ساكنه، وهو ما لا يقع في الخبب، وأما السبب الثقيل فزحافه إسكان ثانيه. إذاً ليس في الخبب ـ عند أبي ستة ـ سبب خفيف، وإنما هو سبب ثقيل مُضْمَر (أي مُسَكَّن الثاني).
وهو اعتبارٌ نظريّ مُبرَّر، له رصيد وافر من المصداقية والاحترام. إلاّ أنّ الواقع المقطعي للشعر ـ والشعر كلام قبل كل شيء ـ هو اشتمال الخبب على السببين الخفيف والثقيل جنباً إلى جنب. بل إن للسبب الخفيف سيادة واضحة على الثقيل في كل قصائد الخبب.
ونظراً إلى تكافؤ السببين إيقاعياً، ونظراً إلى أنه لا يُتَصَوَّر مجيء الشطر الخببي على أسباب ثقيلة فقط، بينما لا يمتنع مجيئه على أسباب كلها خفيفة، فإن القول باعتبار الأسباب الخفيفة أصلاً والثقيلة فرعاً أكثر وَجاهة، وأجدى في ضبط الإيقاع وحفظه، وذلك بحَمْلِهِ على التفعيلة (فعْلن) مكررةً أربع مرّات، عدداً يتلاءم إلى حدٍّ كبير مع البحور الخليلية. كما أننا نستطيع بوساطتها ضبط زحافات الخبب، ونتحكّم بأسماء التفاعيل المُزاحَفة عنها:
فعِلن ///ه : بتحريك الساكن الأول.
فاعِلُ /ه// : بتحريك الساكن الثاني.
فَعِلَتُ //// : بتحريك الساكنين معاً.

وهو ما اخترناه في تأصيلنا لبحر الخبب (انظر موقع العروض العربي)
* * *
والحقيقة أن بالإمكان الاستغناء عما في أبجديات العروض التقليدي من وجود للسبب الثقيل أو الوتد المفروق، اكتفاءً بالمقاطع الإيقاعية المنتهية بساكن، والتي لن تتعدى 3 مقاطع أساسية (اعتمدناها في كتابنا: فن التقطيع الشعري):
1- السبب : ( /ه )
2- الوتد : ( //ه )
3- الفاصلة : ( ///ه )
حيث الوتد هو عماد الإيقاع الخليلي، وهو مقطع ثابت غير قابل للزحاف (التغيير). بينما يُزاحف السبب بإمكانية سقوط ساكنه، والفاصلة بإمكانية سكون متحركها الثاني.
وأما في الإيقاع الخببي (وهو إيقاع شاذ عن إيقاعات الشعر العربي الخليلي جميعها) فزحافه الوحيد إمكانية تحريك ساكنه.
ومبررات ذلك حديث يطول، ولكن يكفي الإشارة هنا إلى ما سيؤول إليه العروض من تيسير، وفهم لكثير من خصائص الأوزان العربية.
د.عمر خلوف