النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: التراكيب العروضية في القرآن

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954

    التراكيب العروضية في القرآن

    وصلني هذا الموضوع في إيميل من أخي وأستاذي سليمان أبو ستة مشكورا.

    أنشره كما وصل مع ملاحظة خلل في بعض المواقع لعله راجع إلى اختلاف خط آيات الذكر الحكيم.

    وجدت الموضوع لاحقا على الرابط :

    http://mogasaqr.com/wp-content/uploa...9%85%D9%90.pdf


    التَّرَاْكِيْبُ الْعَرُوْضِيَّةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيْمِ[1]
    سجلتها وفرغتها وضبطتها
    نهاد مجدي
    gaheza584@yahoo.com
    تمهيدية الماجستير بقسم النحو والصرف والعروض
    من كلية دار العلوم ، بجامعة القاهرة



    بسم الله ، وبه المستعان !
    هذه محاضرة عنوانها "نظام الإيقاع في القرآن الكريم" كانت يوم الثلاثاء 5/4/2011م في مدرج 13 بكلية دار العلوم من جامعة القاهرة .
    هذه المحاضرة في ضمن مادة (قاعة بحث1) المقررة على طلاب السنة الأولى بدبلوم الدراسات اللغوية بكلية دار العلوم من جامعة القاهرة .
    دعا إليها ، وأعد لها ، وأدارها الأستاذ الدكتور محمد جمال صقر ، أستاذ المادة .
    سلام عليكم ، طبتم مساء يا أبناء ، ويا إخوان ، وطاب مسعاكم إلينا ، بسم الله -سبحانه ، وتعالى!- وبحمده ، وصلاة على رسوله وسلاما ، ورضوانا على صحابته وتابعيهم، حتى نلقاهم !

    هذا هو المستوى الأول من مقرر قاعة بحث الذي نتحرك فيه معا خطوة خطوة ، في سبيل وعي منهج البحث العلمي الذي ادعينا فيه أنه لا يمكن فيه أن نتعلم إلا ما يصح في تقاليد البحث العلمي ، فأما مايُدهش ويَروع فلا مقياس له ، وقد اتفقنا على أن منهج البحث العلمي الصحيح لا الرائع أصول وفروع وعلامات محسوبة ، تكون بالتقليد ، وتُستوعب بالتعلم ، وأحسسنا أن شَرْحنا لكل خطوة يحتاج إلى تطبيق ، إلى بحث نلتقي عليه ، نتحرك فيه خطوة خطوة ، وُفقنا معا ، أخفقنا معا ، أنجزنا معا ، كَسِلنا ، نَشِطنا ، نعمل هذا معا ، نعيش معا ، ونظل معا .

    وقد كنت أعرف أن المسألة التي تُختار للبحث ينبغي أن تُتصف بالجِدَّة أو النقص ؛ أن تكون جديدة لم تبحث من قبل ، أو أن تكون ناقصة البحث ؛ بحثت ، ولم يتم بحثها .

    ولا أنكر أن ميلي إلى بعض علوم العربية وآدابها هو الذي أغراني بأن أحدد لكم ، وأفرض عليكم مسألة استثارتكم ، واستفزت بعضكم ، وقلقوا لها حتى خف قلقهم ، ولم يستقروا لها على حال بعد ، وهي مسألة "التراكيب العروضية بين القرآن الكريم والحديث الشريف" ، بل قد زدنا العنوان فأضفنا "جمع وتحقيق ودراسة" مما زادكم عجبا .

    وتوالت الأيام والمحاضرات ولا تزدادون لها إلا قلقا وحيرة ، منكم من يمر على القرآن الكريم يتخطف الأمثلة ، يمر على الحديث ينسى بالحديث القرآن ، بالقرآن الحديث ، لا يدري ما يفعل .

    حتى فاجأنا الأستاذ محمود في لقاء سابق بأنه في خلال حديثه لأستاذه أخينا العزيز الدكتور خالد حسان - استدل على وجود أستاذ متخصص بهذه المسألة بجامعة عين شمس سلخ فيها عمرا مديدا ، وهو الدكتور سالم عياد - بارك الله فيه ، وأحسن إليه ! - فوجدنا هذا فتحا من الفتوح ، معقول ! هذا موجود في الدنيا ! فأعطاني الأستاذ محمود رقمه ، ولم يكن يظن أن الذي يحدث الآن سيحدث .

    في المساء كلمت الدكتور سالم ، وقلت له : أقل ما يمكننا أن نقدمه لك أن ندعوك إلى أن تحاضر أنت المحاضرة ، ولاسيما أنك لم تطبع عملك هذا بحيث يكون مستندا ملموسا يرجع إليه ، فلكي ينسب الفضل إلى أهله ، ومن بركة العلم نسبته إلى أهله ، ونحن أمة النسبة، أمة السند ، نسند الأشياء إلى أصحابها ، وهذه مشكلة عالمية ؛ فالذين كتبوا في التفكير العلمي كشفوا لنا أن الأمم الآن تتنازع العلوم ؛ كل أمة تدعي لنفسها أنها التي اخترعت ، والتي فعلت : الروس يقولون مخترع هذا روسي ، والألمان مخترعه ألماني ، والإنجليز مخترعه إنجليزي ، وتاهت الأسانيد ! ونحن نفتخر بأن من بركة العلم نسبته إلى أهله .

    لم يكن في الإمكان أفضل من أن نفعل الذي نفعله اليوم لكي نسند الفضل إلى أهله ، فدعونا الدكتور سالم ، وهذا عبء في الحقيقة ، نحن كلفناه عبئا ، ولكنه لأنه من أهل العلم يعرف تقاليد طلب العلم ، وتقاليد تعليمه ، وتقاليد ترويجه بين الناس ، وأن هذا من أفضل ما يكون ، خيركم من تعلم العلم وعلمه من تعلم القرآن وعلمه ، والقرآن نص أصل في هذه المسألة ، فقبل ، وتفضل علينا بسماحته ، بل حضر اليوم بهداياه من الكتب ، وتفاصيل بحثه ، بل قد أحضر لنا نسخته من مصحفه التي خطط عليها من سنين طويلة معلوماته !

    الدكتور سالم عياد خريج آداب عين شمس سنة ثلاث وستين ، حصل على الماجستير في "أشعار النساء للمرزباني" سنة ثلاث وسبعين من آداب عين شمس ، وحصل على الدكتوراه في "أشعار النساء في العصر الإسلامي" من كليتنا هذه دار العلوم سنة اثنتين وثمانين، عمل بآداب بنها إلى سنة تسعين ، ثم بتربية عين شمس إلى الآن . له كتب كثيرة ، أهداني منها مثلا ما هو نص في مجالنا على وجه العموم ، هذا "فن الرجز في عصر بني أمية ، دراسة تاريخية موضوعية نقدية" ، وأنتم تجدون الرجز ظاهر النغم في الآيات المكية مثلا، هذا كتاب في "الأدب الجاهلي ونصوصه" ، هذا كتاب "الشعر في صدر الإسلام" ، وله كتب صريحة في العروض "البنية الإيقاعية في قراءة الشعر العربي" ، بل أخرج ديوان فضل جارية المتوكل المشهورة ، وله كتاب في "الأدب الأموي ونصوصه" ، وله كتاب في "موسيقى الشعر العربي والعروض التعليمي" . له إسهامات صريحة في هذا ، فهو أهل لأن يحاضر هذه المحاضرة ، ولأن يستمع إليه ، وأنا وأنتم سنستمع ، وسنعتمد كلامه هذا أصلا في المقرر يرجع إليه ، يعني كل ما سيقوله الدكتور سالم الآن أصل في مقررنا يعتمد عليه ، ويرجع إليه، ويختبر فيه ، يعني سنعود إليه لنؤسس بحثنا عليه ، وسنعود إليه في اختباراتنا لنسأل فيه.

    هذا اللقاء - إن شاء الله – يسجل ، وينزل أو كما تقولون يرفع على النت ، ثم يفرغ ، ويطبع ، يعني بكل وسيلة سنروجه ، وقد طلبت هذه المحاضرة منا من أكثر من جهة ، طلبت من إخواننا من أكثر من جهة لخطورتها .

    فهذه المحاضرة "التراكيب العروضية بين القرآن الكريم والحديث الشريف" التي استثارتكم هذه محاضرة مهمة ، تأتي أهميتها من أصل نزول الوحي ، منذ نزل الوحي حينما اختلف العرب في القرآن الكريم هذا شعر هذا ، هذا كأنه شعر هذا ، هذا كأنه شاعر ، يصفون الرسول - عليه الصلاة والسلام ! - بأنه شاعر ، ويحكمون على القرآن بأنه شعر ، وقد نفى ربنا – سبحانه ! - عن القرآن أنه شعر ، وعن الرسول أنه شاعر ، لكنْ هذا لم يلغ أصل الفكرة ، ما الذي جعل العرب تفكر أصلا في أن يكون هذا شعرا ، وفي أن يكون هذا شاعرا؟ ما التلاقي الذي جعلهم يفكرون في هذا ؟ لا بد من وجود تلاق ما ، فأصل مسألتنا أصل عويص ، وأصل مثير ، ولا يكفي فيه أن تأخذه على العموم ، وترتاح ؛ فهناك ناس يعملون في هذا ، ويروجون لأفكارهم ، شئت أم أبيت ، وقد ادعيت لكم دعوى لا أملك لها دليلا أن الصهاينة الآن ربما كانوا قد بحثوا المسألة ، وأسسوا فيها أصولا ، وأصلوا أصولا وفرعوا فروعا ، وهم يُدرِّسونها الآن في جامعاتهم ونحن نتحرج من أن نبحث المسألة ! لا ، هذه أمور لا يكفي فيها أن نعرض عنها ، لا يجوز ، ينبغي أن يَنتدِب لها المجاهدون من الباحثين، ومنهم الدكتور سالم . كل هذا من أجل وضع المسألة في موضعها الصحيح لكي تحسنوا الفهم عن أستاذنا الدكتور سالم .

    يسرنا أن نقدم لكم أستاذنا ، وقد اجتهد لكم اجتهادا فوق ما كنت أتخيل ؛ يعني أنا كنت أظن أنه سيعلق نقطا يتكلم فيها ، فإذا هو قد نظم لكم محاضرة كاملة ، بل جاء بكل ما جمعه من أوراق على مدار السنين لكي لا يفتقد الشيء إذا أراد مثالا ، فكل الصيد في جوف الفرا ، تعرفون هذا المثل القديم ؟ كل الصيد في جوف الفرا !
    فلتتفضل أستاذنا الكريم ،

    بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد ،

    فلا أستطيع أن أقدم الثناء والشكر لأخي الكريم الأستاذ الدكتور محمد جمال صقر على هذه التقدمة الضافية التي ألبسني فيها ثوبا فضفاضا لا أسمو إليه أو لا أتطلع إليه !

    أما عن دار العلوم فاسمحوا لي أن أخرج جانبا من المخزون النفسي في علاقتي بها ، كنت وأنا صبي صغير أتمنى أن أكون طالبا في هذه الدار العريقة الأصيلة قلعة العلم والأدب واللغة والإسلام التي خرجت أساطين في علوم العربية في كل أرجاء الدنيا بعد الأزهر الشريف ، لكن لم يشأ الله ليَ ذلك ، فكانت آداب عين شمس قسم اللغة العربية ، وعشت فيها أتلظى ، كما يقولون ، وأتحرق شوقا إلى دار العلوم حتى إذا كانت ، ولكن الله – سبحانه ، وتعالى! - أطفأ شيئا من غُلَّتي هذه ؛ فقد هيأ لنا الله أن يدرس لنا كثير أو لفيف من أساتذة دار العلوم الأجلاء ، أذكر أن أستاذي الكريم الأستاذ الدكتور محمد مهدي علام درس لي هذه المادة التي يدرسها أخي الكريم الآن (قاعة البحث) سنين عددا ، وهو أستاذ الأجيال كلها ، هذا درعمي ، كما درس لي الأدب المقارن سيده ومنشؤه وصاحبه الأول الأستاذ الدكتور المرحوم محمد غنيمي هلال(1) ، كما درس لي النحو العربي شيخ نحاة مصر وهو الأستاذ المرحوم عبد الحميد حسن ابن هذه الدار وشيخها أيضا ، كما درس لي علم البلاغة القديمة البلاغة العربية في مباحثها الثلاثة البيان والمعاني والبديع المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أحمد بدوي وكيل هذه الدار في الستينيات ، أعتقد هذا ، كما صاحبت عالما حبرا من علمائها طيلة عمري، منذ سنة اثنتين وستين إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى - يرحمه الله ! - الأستاذ العلامة المحقق الكبير العالم الفاضل الأستاذ الدكتور رمضان عبد التواب - رحمه الله ! - فقد كان مشرفي الأول ، وعضوا في لجنة المناقشة الثاني .

    هذا عن دار العلوم ، فحينما أجيء اليوم بدعوة كريمة من أخي الكريم لكي أتحدث بين بعض أبنائها - أكون كما قال المثل العربي القديم كحامل التمر إلى هجر أو كجالب التمر إلى هجر ، فأنتم أصل الخير والعلم والتمر والبركة كلها ؛ فسامحوني إذا تطاولت ، وتحدثت معكم عن موضوع يملأ علي نفسي ، وهذا ما دفعني إلى المجيء اليوم.

    الأستاذ الدكتور محمد جمال صقر اقترح "التراكيب العروضية في القرآن الكريم والحديث الشريف" ؛ فقلت في التو واللحظة لا ، لا أقوى على هذا ! الموضوع التراكيب العروضية في القرآن الكريم وحسب ، لأن الحديث الشريف كما تعلمون له وضعه العلمي الخاص ؛ فهو يُروى روايات متعددة ، وقديما قالوا عن الشعر (وما آفة الأشعار إلا رواتها) ، والحديث النبوي الشريف قد يروى بالمعنى ، فلا تكون الدراسة العروضية فيه دراسة متأصلة، لكن القرآن الكريم كتاب الله – تعالى !- لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وإن كان بحرا لا سواحل له ، لكن نستطيع أن نقف أمامه خاشعين خاضعين ، ونقرأ ، ونتفهم، وروايته واحدة ، ليس فيها عوج ولا أمت ، كما أني أقترح أيضا حذف كلمة العروض ، لأنها حساسة مرتبطة بالشعر العربي ، فأخاف أن يأكله الذئب ! أخاف من كلمة العروض والقرآن الكريم ، الموضوع في غاية الحساسية ، وكثير من الناس يرفضون الحديث فيه أصلا ؛ فأقترح أن يكون "نظام الإيقاع في القرآن الكريم" ، يعني نبتعد كثيرا عن كلمة عروض وشعر، حتى لا نعتدي على مشاعر أحد أو لا نقترب من مشاعر أحد .

    الموضوع إذن "نظام الإيقاع في القرآن الكريم" ، وسأستعرض معكم سريعا مسألة الإيقاع هذه من مبتداها في علم العروض حتى نصل إلى كتاب الله – تعالى ! - .

    تعلمون طبعا جميعا درستم عروضا أو علم العروض ، وتعرفون ، يسامحني أخي إذا قلت كلاما من نافلة القول سريعا .

    مم تتكون الأوزان العروضية؟
    تقوم على لقاء الساكن بالمتحرك - كما تعلمون - حرف متحرك ثم يليه ساكن ، وطبعا المتحرك ثقيل والساكن أخف ، لقاء الأضداد كما يقولون .

    تنتظم هذه الفكرة من أوليات المقاطع الصوتية ، أعني الأسباب والأوتاد والفواصل ، الأسباب - كما تعلمون - نوعان : سبب خفيف وسبب ثقيل ، الخفيف متحرك فساكن ، عسكه الثقيل متحرك فمتحرك ، أيضا الوتد المجموع متحركان فساكن ، الوتد المفروق متحرك فساكن فمتحرك ، الفاصلة الصغرى ثلاث متحركات فساكن ، الكبرى أربع متحركات فساكن، وبالمناسبة أربع متحركات فساكن لا تجتمع إلا في تفعيلة (مُسْتَفْعِلُنْ) تفعيلة الرجز الذي وضعتُ فيه كتابا ، لاتوجد - وحَضْرَتُكَ سيِّدُ العارِفين(2) - لا توجد (مُتَعِلُنْ) إلا في تفعيلة (مستفعلن) . من هذه الأسباب المتضادة والأوتاد والفواصل تتكون التفاعيل الستة، وهنا يبدو التضاد والعكس واضحا ؛ (فاعِلُن) عكس (فَعولُنْ) كلتاهما خماسية ، لكن كلا منهما عكس الأخرى ، الاثنتان خماسيتان ، الأولى سبب خفيف ثم وتد مجموع ، الثانية العكس وتد مجموع ثم سبب خفيف ، (مُتَفاعِلُنْ) تفعيلة الكامل فاصلة صغرى ثم وتد مجموع ، عكسها (مُفاعَلَتُنْ) تفعيلة الوافر وتد مجموع ثم فاصلة صغرى ، (مستفعلن) الرجز سببان خفيفان ثم وتد مجموع، عكسها (مَفاعيلُنْ) وتد مجموع ثم سببان خفيفان ، (فاعِلاتُنْ) تفعيلة الخفيف والمديد والرمل سببان خفيفان يقع بينهما وتد مجموع عكس (مَفْعولاتُ) تفعيلة المجتث والمنسرح والأوزان المخيفة هذه (3) .

    من هذه التفاعيل الثمانية تتكون الأبحر الخليلية الستة عشر ، فمنها ما هو صاف يعني تفعيلة واحدة متكررة عدة مرات ، أربعة ، أو ستة ، أو ثمانية ، مثل الكامل والرجز والوافر والهزج والمتدارَك والمتقارب ، سيقول لي أحدكم : الوافر مفاعلتن مفاعلتن فعولن ، تقول عنه إنه صافٍ ؟ أقول لك : نعم ، أصله كان مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن ، وهذا أصل في الدائرة العروضية ، ثم دخل التفعيلة الثالثة والسادسة القطف ، فصارت العروض (4). الأنواع الأخرى التراكيب المزدوجة أو المركبة مثل ماذا ؟ الطويل والبسيط والخفيف والمديد والسريع والمنسرح والمقتضب والمجتث والمضارع(5) .

    هذا هو ملخص الأدوات التي سندخل بها على القرآن الكريم كتاب الله ، لنرى مدى موسيقية هذا النص ، وما يحتويه من إيقاعات تندرج تحت هذا النظام .

    إذا ما دخلنا بهذا الرصيد الضخم إلى كتاب الله – تعالى! - القرآن الكريم سنجد أمامنا سدا منيعا ، انتبهوا(6)، حتى لا نُتَّهَمَ بشيء ، نحن نعرف الله ، تعالى! ، وعلى قدر يعلمه الله فينا - سنجد سدا منيعا أمامنا من النصوص القرآنية التي تنأى به بالقرآن أو بها بالآيات القرآنية عن فن الشعر .

    إذن انتبهوا ، سَلَفَ أن القرآن مهما استخرجنا منه من تراكيب و إيقاعات موسيقية تتفق وإيقاعات الشعر ، القرآن ليس شعرا . لم ؟ لأنه ليس كل من قال بيتا أو شطرا قال شعرا، عندنا القصيدة لا تقل عن سبعة أبيات ، هذا الكلام غير موجود في القرآن الكريم ولا في أي كتاب سماوي مثلا ، ولا تكاد تجد بيتا كاملا ، نحن نجهد أنفسنا لنكون بيتا(7) ، ويَفسُد الإيقاع بإرادة الله – سبحانه ، وتعالى!- لأن الله يريد أن يقول لنا سلفا قبل أن نبدأ الحديث لو كنت أردت أن أنزل القرآن شعرا لفعلت ، ولكن لم تسبق مشيئتي ذلك ، لا ، أنا لا أريده شعرا، ولا نثرا فنيا ، قديما تعلمون أن طه حسين كان يقول لنا : البيان ثلاثة أنواع : شعر ، ونثر فني ، وقرآن كريم ، فالقرآن الكريم متفرد بجلاله وكماله عن الفنين الآخرين .

    ماذا يضيرنا لو بحثنا في القرآن الكريم عن بعض إيقاعات الشعر ، لنثبت شيئا مهما ، وهو أن القرآن الكريم الذي احتوى علوم العربية بل هو أصل علوم العربية كما يقول العلماء، ولم يحتو علوم العربية فقط ، وإنما هو أصل العلوم العربية نحوا وصرفا وبلاغة وأدبا ، وكل علوم العربية ، فلم لا يحتوي العروض ، أو لم لا يشير ولو من بعيد إلى علم العروض ؟ أليس هذا إعجازا بيانيا يتجلى في القرآن الكريم ، يضاف إلى الإعجازات الأخرى ؟

    أحد الطلاب : بلى .
    أ.د.سالم عياد : الحمد لله ، اتفقنا .

    إذا ما دخلنا بهذا الرصيد إلى القرآن سنجد سدا منيعا من النصوص القرآنية التي تنأى به عن الشعر ، مع أنه فن العربية الأول ! رغم مكانة الشعر كما يعده العلماء فن العربية الأول ، والقرآن كرم هذه اللغة فنزل بها - إلا أن القرآن يرفض في آيات كثيرة ادعاء الكفار له بأنه شعر .

    نستعرض بسرعة ما قاله القرآن الكريم عن فن الشعر ، ذكرت كلمة الشعر والشعراء في القرآن الكريم ست مرات :

    1 في سورة الشعراء كما تعلمون قوله – تعالى! - : بسم الله الرحمن الرحيم چ ﮥ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ï®° ï®± ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ï¯ک ﯙ ï¯ڑ ﯛ ﯜ ï¯‌ ï¯‍ ï¯ں ï¯* ï¯، ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ï¯ھ ﯫ ﯬ ï¯* ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ï¯؛ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ چ الشعراء: 221 – 227 صدق الله العظيم .

    2 في سورة الأنبياء چ ﮃ ﮄ ï®… ﮆ ﮇ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک چ الأنبياء: 5

    3 في سورة الصافات بسم الله الرحمن الرحيم چ گ گ گ گ ï®– ï®— ï®ک ï®™ ï®ڑ ï®› ﮜ ï®‌ ں ں ï®* ï®، ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ہ ہ ہ ہ چ الصافات: 35 – 37

    4 في سورة الطور چ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ï¯؛ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ï¯؟ ï°€ ï°پ ï°‚ ï°ƒ ï°„ ï°… ï°† ï°‡ ï°ˆ ï°‰ ï°ٹ چ الطور: 29 – 31

    5 في سورة الحاقة چ ï*« ï*¬ ï** ï*® ï*¯ ï*° ï*± ï*² ï*³ï*´ ï*µ ï*¶ ï*· ï*¸ ï*¹ چ چچ چ ï*¾ ï*؟ ﮀ ï®پ ﮂ ﮃ ﮄ ï®… چ الحاقة: 40 – 43

    6 في يس چ ﯫ ﯬ ï¯* ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ï¯؛ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ï¯؟ ï°€ ï°پ چ يس: 69 – 70 صدق الله العظيم .

    نناقش هذه الآيات بسرعة سريعة ، إن هذه الآيات قد وردت في القرآن الكريم بلفظ (شاعر) أربع مرات ، للدلالة على المبدع الشاعر نفسه ، الذي ينشئ الشعر ، مثل الأستاذ الدكتور محمد جمال صقر شاعر ، فهو مبدع . وردت بنص الجمع (الشعراء) مرة واحدة في سورة الشعراء ، كما وردت كلمة (الشعر) وهو اسم لنتاج الشاعر مرة واحدة في يس ، كما نلاحظ أن ورود كلمة (الشعر) و(الشاعر) يجمع بينهما اتهام المشركين للرسول - صلى الله عليه ، وسلم! - بعدم الرسالة ونفيها عنه ، والآيات تَرُدُّ على ذلك بنفي من الله لمقالة المشركين ؛ تثبيتا للرسول - صلى الله عليه ، وسلم !- وللرسالة ، وتصديقا له فيما بلغ عن ربه ، كما نفى الله عن رسوله الكهانة والجنون والسحر والشعر ، وأثبت له النبوة والوحي والرسالة چﮤ ﮥ ہ ہ ہ ہ چ الصافات: 37.

    أما الآيات الأخيرة في سورة الشعراء ، وهي أشهر ما يردده المتشددون برفض الإسلام للشعر أو المتشدقون برفض الإسلام للشعر ، وهي قوله- تعالى!-چ ï¯ک ﯙ ï¯ڑ ﯛچ الشعراء: 224، والحقيقة أن هذه الآيات تتناول قضية نقدية كيف ؟ حول فنية الشعر ، فهي مكونة من خمس نقاط ، انتبهوا إليها جدا ، فهي مهمة جدا(8) .

    الأولى : ما كان شائعا وقتها عن مسألة استيحاء الشعر من الشياطين ، حتى إن كل شاعر فحل في الجاهلية اعتقد أن له شيطانا يوحي إليه شعره ، وهذه فرية وأكذوبة كما تعلمون ، فأكثر الشعراء في هذه الطائفة كاذبون .

    الثانية: من اتبع الشعراء وصدَّقهم فيما يذهبون إليه من خيالات وأكاذيب فهو طاغ واهم .

    الثالثة : أن الشعراء يَهيمون على وجوههم في الأودية ، كانوا كذلك قديما يتخيلون ، ويصورون ما يعتقدون شعرا ؛ قيل إنهم وجدوا مجنون ليلى ميتا بين جبلين هائما على وجهه في الصحاري چ ï¯ک ﯙ ï¯ڑ ﯛ ﯜ ï¯‌ ï¯‍ ï¯ں ï¯* ï¯، ﯢ ﯣ چ الشعراء: 224- 225 صدق الله العظيم .

    الرابعة : أنهم يقولون ما لا يفعلون ، وهذه هي الخطورة(9) ، كيف ؟ يعني هنا مسألة الكذب الفني لا الكذب الأخلاقي في رأي النقاد ؛ ألم يقل النقاد إن أعذب الشعر أكذبه ! چ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ چ الشعراء: 226

    الخامسة : استثناء الفئة المؤمنة الملتزمة ، وأولهم شعراء الرسول - صلى الله عليه ، وسلم!- الثلاثة : حسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ، ومما يؤيد ذلك ما ورد في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني - كما تعلمون - أنه لما نزلت هذه الآية جاء حسان بن ثابت وصاحباه إلى النبي - صلى الله عليه ، وسلم !- وهم يبكون ، قالوا : يا رسول الله ، قد علم الله حين أنزل هذه الآية أننا شعراء !(10) فقال النبي - صلى الله عليه ، وسلم !- : "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" ، ثم قال : أنتم ، "وذكروا الله كثيرا" ، أنتم ، "وانتقموا من بعد ما ظلموا" ، أنتم ، ثم قال لهم : انتصروا ، ولا تقولوا إلا حقا ، ولا تذكروا الآباء والأمهات ، يعني تحروا الحق في مدائحكم ؛ فلا تسبوا الأمهات ولا الآباء في أهاجيكم ، يعني ولا تنابزوا بالألقاب .

    أما الآية الأخيرة التي وردت في سورة يس چ ﯫ ﯬ ï¯* ﯮ ﯯ ﯰ چ يس: 69 أي ما علمه ربه فن الشعر ، هذا يجمع عليه المفسرون ، وما ينبغي لمحمد - صلى الله عليه، وسلم !- أن يكون شاعرا ، أو معنى آخر مختلف ، اسمحوا لي أن أعلنه : ما علمناه ما ينبغي للشعر من أدوات فنية ليقول شعرا ، الشاعر يلزمه أن يمتلك أدوات الفن الشعري ، فربنا – سبحانه ، وتعالى ! – قال : إن النبي ليس شاعرا ، وما علمناه أيضا فن الشعر ، وما أعطيناه فنية الشعر ، وما وهبناه صنعة الشعر، فصنعة الشعر فن ، صنعة الشعر نحت القوافي ، ورصفها ، وجنوح التصوير ، وغيرها ، وإن كان النبي - صلى الله عليه ، وسلم!- قد أوتي مجامع الكلم ليس معنى هذا أنه .. ، أستغفر الله العظيم ، لا ! أفصح الناس ، وأعلم الناس باللغة ، لكنه لم يهيئه الله لفن الشعر، نفى عنه وعن كتابه فنية الشعر(11) .

    خلاصة القول أن القرآن الكريم كله لم يحظر قول الشعر ، أو لم يحرم قرضه ، هل فيما عرضناه الآن من الآيات الستة أو المواضع الستة شيء يقول إياكم أن تقولوا شعرا ، كما حرم شرب الخمر ، أو حرم كل المحرمات صراحة في القرآن الكريم ؟ لم يقل ذلك ، إن القرآن لم يحظر قول الشعر ، ولم يحرم قرضه ، مادام الشعر ملتزما بقواعد الإسلام ومنهجه، بل إنه يحفل بالجيد منه ، ويقبله ، ويحترمه ، وللنبي - صلى الله عليه ، وسلم !- مواقف تحتاج إلى محاضرة مستقلة ، مواقف من الشعر ، وللصحابة أيضا مواقف من الشعر تحتاج إلى محاضرة أخرى ، فلا غرو إذن أن نعرض ما نعرفه من إيقاعات شعرية أو إيقاع الشعر العربي على القرآن الكريم ، فإذا كان القرآن الكريم يعد أصلا لكل علوم العربية والإسلام من نحو وصرف وبلاغة وأدب وغير ذلك فلم لا يحتوي علم العروض ، مادامت مقاصد النصوص القرآنية لا تتعارض مع ذلك ، ولا ترفضه !

    ولعل أقدم من تعرض لهذه القضية من علمائنا القدامى هو أبو بكر بن محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر الباقلاني ، الذي عاش ما بين 338 و404 هجرية ، 950 و1013 ميلادية ، أحد علماء القرن الرابع الهجري المشهورين في كتابه المشهور "إعجاز القرآن" في فصل (نفي الشعر عن القرآن) ماذا قال الباقلاني ؟ قال : [فإن زعم زاعم أنه وجد في القرآن شعرا كثيرا ، فمن ذلك ما يزعمون أنه بيت تام ، أو أبيات تامة ، ومنه ما يزعمون أنه مصراع] يعني شطر ، المصراع شطر البيت [كقول القائل :
    قد قلتُ لما حاولوا سَلْوتي هيهاتَ هيهاتَ لما توعَدونْ] .
    مصراع ! شطر ! في سورة المؤمنون .
    أيضا [(وجفان كالجواب وقدور راسيات)] رمل ، من مجزوء الرمل ، فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن(12) ، طبعا (جفان كالجواب) تعرفون (جفان) جمع (جفنة) وهي القدر الكبير، (كالجواب) مثل الحوض الكبير الممتلئ ماء(13) ، وقدور ثابتة راسية على المواقد لثقلها وكبرها، هذا معنى چ ﯩ ï¯ھ ﯫ ﯬ چ سبأ: 13. [وكقوله] – تعالى!- : [(من تزكى فإنما يتزكى لنفسه)]18 فاعلاتن متفعلن فعلاتن متفعلن ، سقطت الألف ، خبن ، من مجزوء الخفيف .

    [وكقوله] – تعالى! - انتبهوا معي هذا الكلام في إعجاز القرآن ! يقول – تعالى!- : (ومن يتق الله يجعل له (مخرجا) ويرزقه من حيث لا يحتسب) (14) .

    الفرق بيننا وبين الباقلاني أو الفرق بيننا وبين أي قارئ عاد أننا نستحضر في أذهاننا الأداء الشعري ، الشاعر حينما يلقي شعره ليس كأي إنسان عندما يقرأ شعر شاعر ، الشاعر حينما يلقي شعره ينغمه ، وهو الإيقاع ، وهو النبر ، هو الموسيقي ، هو نَظَمَ - بتعبير عامي- عبأ الكلمات في الموسيقى التي في ذهنه ، فالموسيقى مستحضرة في الذهن ، فحينما يلقي علينا قصيدته يلقيها بموسيقاها ، فهذا الشاعر الذي يتقن علم العروض، ويحفظ أوزان الشعر العربي إذا قرأ القرآن الكريم وهو مستحضر أنغام الشعر وإيقاع الشعر كله في ذهنه وهو يقرأ ألا يجد شيئا ؟ فهل هذا قبل كل اعتبار يعيب القرآن الكريم أم يُجَوِّدُه ، ويُحَسِّنُه ؟ بل أنا أزعم أن هذه المَوْسَقَةَ في القرآن الكريم تساعد الناشئ أو المسلم بعامة على الحفظ ، تيسر له قضية الحفظ ؛ فأنا أحفظ الشعر بسهولة جيدة حينما أجد دواعي الحفظ في الشعر هي هي موجودة في القرآن الكريم ، يسهل علي حفظ القرآن ، فلا غبار إطلاقا على القرآن حينما يحتوي على تفاعيل ، لا قصيدة ، ولا قطعة ، شطر ، مصراع ، جملة ، جزء . وسيقول الباقلاني الآن إنها ليست إلا مقطعات قصار ، لتبث موسيقى الشعر التي كان العرب يتقنونها ، ويحفلون بها، كما يحتفلون بميلاد الشاعر ، فحينما يجدون هذه الموسقة في القرآن الكريم يزداد تعلقهم به ، يحفظونه(15) .

    (ومن يتق الله يجعل له) ثم (مخرجا) في الوسط ثم (ويرزقه من حيث لا يحتسب) ، لو قطعنا (ومن يتق الله) ، لو موسقنا (ومن يتق الله يجعل له) ، نعم ؟

    أحد الطلاب : المتقارب .(16)

    ومَنْ يَتْْ/ تَقِ الّلا/ هَ يَجْعَلْ/ لَهُ فعولن/ فعولن/ فعولن/ فعو ، ويَرْزُقْ/ هُ مِنْ حَيْ/ ثُ لا يَحْ/ تَسِبْ فعولن/ فعولن/ فعولن/ فعو ، لكن جاءت (مخرجا) في الوسط ، خرجت البيت عن كونه شعرا؛ اختلف الوزن ، أو انكسر الوزن ، وهذه مشيئة الله – تعالى! – كان الله – سبحانه ، وتعالى! - في وسعه وهو خالق الكون ، وخالق الشعر ، وخالق الشعراء - كان بوسعه أن يصوغه صياغة أخرى ، لكن إرادة الله لئلا يعتقد أحد أن القرآن شعر . ومَنْ يَتْ/ تَقِ الّلا/ هَ يَجْعَلْ لَهُ/.. وَيَرْزُقْ/ هُ مِنْ حَيْ/ ثُ لا يَحْ/ تَسِبْ !

    وفي قوله – تعالى ! - : [(أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم)] ، (ذلك) كسرت الوزن ، تعرفون لو قال - سبحانه ، وتعالى ! - في غير القرآن : (أرأيت الذي يكذب بالدين فذاك الذي يدع اليتيم) لصارت ماذا ؟ فعلاتن متفعلن فعلاتن فعلاتن متفعلن فاعلاتن ، لولا الحرف – هناك في السابق كانت كلمة وهنا حرف - لولا هذا الحرف لاستقام الوزن ، لكن الله لم يشأ ذلك ؛ ليس شعرا(17) .

    وقد جاء على وزن بيت تام من الخفيف لولا أن إرادة الله – ذا كلامي - شاءت أن تزيد لاما بين ذا الإشارية وكاف الخطاب ، فلولاها لاستقام الوزن التام . وقد [ضَمَّن أبو نواس] - سامحه الله !- انظروا أبا نواس ، ماذا فعل! ضمن أبو نواس هذا [في شعره ففصَّل وقال] قال بيتين في ديوانه :
    [ وَقَرا مُعْلِنًا ليصدع قلبي والهوى يصدع الفؤاد السقيما .
    أرأيت الذي يكذب بالدين فذاك الذي يدع اليتيما .](18)

    انتبهوا ، فكرة أبي نواس هذه ستظل عبر الدهور إلى يومنا هذا ، وسأختم بها كلامي معكم؛ شخص عمل هذا العمل نفسه في القرآن كله ، من أوله لآخره ، شيخ ، لما يزل على قيد الحياة(19).

    فوجدوا من فكرة الباقلاني أن ما جاء في القرآن على وزن الشعر فهو بضع شَطَرات، كلام جميل ، أو جاء بيتا فهو من مجزوئه ، نعم ، وليس من تامه ، انتبهوا إلى النتيجة المهمة هذه ! ما جاء في القرآن الكريم من الشعر بضع شَطَرات ، وإذا جاء بيت فهو من المجزوء، مامعنى هذا ؟ يعني من الشطر ، مصراع ، والرجز كله مجزوء ، بعد أن قُصِّدَ بفترة طويلة ، كان قصيدا على منوال القصيدة ، انتقل إلى أن الشطر بيت ، فأصبحت القافية واحدة في كل الشطرات ، يعني أصبح الراجز مطالبا بضعف القوافي بعدما كان مطالبا بنصفها ، فأصبح العروض هو الضرب ، والضرب هو العروض(20) .

    إحدى الطالبات : هل يُعَدُّ هذا شعرا ، هذا البيت ؟

    أ.د. سالم عياد : لا ، لا يكون السؤال هكذا(21) ، لكنْ قولي :
    متى نعد النص شعرا؟

    النقاد اجتمعوا منذ زمن بعيد على أن تكون المقطعة لاتقل عن سبعة أبيات ، لكن شخصا – كما قال أحد العلماء – قال : من يشتري باذنجان ، مستفعلن فاعلان يكون قد قال شعرا ! شخص ينادي على باذنجان يكون قال شعرا ! أيكون شاعرا !(22)

    النبي- عليه الصلاة والسلام !- ارتجز مرتين ، ارتجز يعني قال بيتا من الرجز مرتين ، مثلا :
    أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .
    فهل يعد النبي- صلى الله عليه ، وسلم !- شاعرا مادام قال في حالة انفعال شديد ، وفي موقف حاسم تتراءى فيه المنايا ؟

    أحد الطلاب : لكنه لم يقصده .
    أ.د. سالم عياد : لم يقصده ، وحتى لو أنه قصده فليس شعرا ، ومن هنا كانت قضية نفي الشعر عن الرجز أيضا ، ليس عن القرآن فحسب ، لأن النبي قد ارتجز ، من الأسباب التي دعت العلماء إلى نفي الشاعرية عن الرجز لأن النبي قد ارتجز مرة أو مرتين فقالوا : لا ، الرجز كله ليس شعرا ، لا إله إلا الله ! (23)

    إحدى الطالبات : هو أحيانا كان يردد شعر بعض الشعراء ، فهل كان يغيره ؟
    أ.د. سالم عياد : نعم ، كان يتمثل ببعض الأبيات ، لكنه كان يكسرها عمدا ، عليه الصلاة والسلام ؛ حتى لا يقال إنه راوية للشعر أيضا ، فهو ليس شاعرا ، وليس راوية للشعر - صلى الله عليه ، وسلم !- .(24)

    ولكي نثبت صحة نظرية الباقلاني فإن أحد العروضيين ، وأعتقد أنه صفي الدين الحِلِّيّ ، عمل لنا مفاتيح للأبحر كما تُسَمّى ، نظم بيتا من الشعر ، ثم جاء في البيت التالي بتفاعيل البحر ، وفي الشطر الأخير آية من كتاب الله- تعالى !- على نفس الوزن ، وصدَّر البيت الأول باسم البحر ، حفظنا إياها أستاذنا - الله يرحمه !- الدكتور مهدي علام منذ أكثر من نصف قرن - رحمه الله!- ، أقرأها عليكم بسرعة ستة عشر بحرا(25) :

    1 أَطالَ عَذولي فيكَ كُفْرانَهُ الهوى(26) ...وآمنتَ يا ذا الظَّبْي فَأْنَسْ ولا تَنْفِرْ .
    فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ... "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفرْ" .
    في سورة الكهف چ ï*¾ ï*؟ ﮀ ï®پ ﮂ ﮃ ﮄ چ الكهف: 29 إلى آخره .


    2 إني بسطتُ يدي أدعو على فئةٍ .... لاموا عليكَ عسى تخلو أماكنُهمْ .
    مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن .... "فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنُهمْ" .
    الأحقاف .


    3 يا مديدَ الهجرِ هل من تلاقٍ .... فيهِ آياتُ الشفا للسقيمِِ .(27)
    فاعلاتن فاعلن فاعلاتن ..... "تلك آياتُ الكتابِ الحكيمِِ" .
    في لقمان .


    4 خفَّ حَمْلُ الهوى علينا ولكنْ ..... ثقلتْهُ عواذلٌ تترنمْ .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    السودان
    المشاركات
    1,795
    لستُ اريد شئ سوى قول استاذي

    انك استخدمت الرقمي من قبل وفي الدورة الاولى لتوضيح هذه المحاضرة
    الجميع يستحي من كلمة اثبات
    هذا الدكتور قضى زمن طويل ليبرهن انه ليس بشعراً
    وانت علمتنا اياه في جزء من دورة ( ساتلقى الاعتراضات ولكن اقول كلمة واحدة يوجد فرق بين الايمان بالغيبيات والايمان

    بارك الله فيك استاذي وعسى ان يسخرك المولى عز وجل لخدمة قرآنه وان يجعل القرآن شافعاً لك يوم الدين

    بوركت وعلمك وجزاك الله كل خير واحسان

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954
    شكرا لك أخي وأستاذي أحمد

    أغلب الموضوع لم ينشر يحتاج تنسيقا لأنه وصلني على pdf سأرسله لك إذا استطعت المساعدة لنشره في هذا الرابط والله يرعاك.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    السودان
    المشاركات
    1,795
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خشان خشان مشاهدة المشاركة
    شكرا لك أخي وأستاذي أحمد

    أغلب الموضوع لم ينشر يحتاج تنسيقا لأنه وصلني على pdf سأرسله لك إذا استطعت المساعدة لنشره في هذا الرابط والله يرعاك.

    على الرحب والسعة
    ولكن مع شرط
    ان تدعوا لنا معك

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    السودان
    المشاركات
    1,795
    1 في سورة الشعراء كما تعلمون قوله – تعالى! - : بسم الله الرحمن الرحيم
    هَلۡ أُنَبِّئُكُمۡ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَٰطِينُ ٢٢١ تَنَزَّلُ عَلَىٰ
    كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٖ ٢٢٢ يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ ٢٢٣
    وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ ٢٢٤ أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَادٖ
    يَهِيمُونَ ٢٢٥ وَأَنَّهُمۡ يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ ٢٢٦ إِلَّا ٱلَّذِينَ
    ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ
    بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ ٢٢٧

    الشعراء: ٢٢١ – ٢٢٧ صدق الله العظيم .

    2 في سورة الأنبياء
    بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۢ بَلِ
    ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٞ فَلۡيَأۡتِنَا بِ‍َٔايَةٖ كَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ
    ٥ الأنبياء: ٥



    اجل يمكنني التحويل استاذي
    هو متعب بعض الشئ والمشكلة في الخط العثماني

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954
    نقلا عن :

    http://www.mediafire.com/?xreo194ac9kcle9

    الجزء الأول :


    التَّرَاْكِيْبُ الْعَرُوْضِيَّةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيْمِ
    سجلتها وفرغتها وضبطتها
    نهاد مجدي
    gaheza584@yahoo.com
    تمهيدية الماجستير بقسم النحو والصرف والعروض
    من كلية دار العلوم ، بجامعة القاهرة
    بسم الله ، وبه المستعان !
    هذه محاضرة عنوانها "نظام الإيقاع في القرآن الكريم" كانت يوم الثلاثاء 5/4/2011م في مدرج 13 بكلية دار العلوم من جامعة القاهرة .
    هذه المحاضرة في ضمن مادة (قاعة بحث1) المقررة على طلاب السنة الأولى بدبلوم الدراسات اللغوية بكلية دار العلوم من جامعة القاهرة .
    دعا إليها ، وأعد لها ، وأدارها الأستاذ الدكتور محمد جمال صقر ، أستاذ المادة .
    سلام عليكم ، طبتم مساء يا أبناء ، ويا إخوان ، وطاب مسعاكم إلينا ، بسم الله -سبحانه ، وتعالى!- وبحمده ، وصلاة على رسوله وسلاما ، ورضوانا على صحابته وتابعيهم، حتى نلقاهم !

    هذا هو المستوى الأول من مقرر قاعة بحث الذي نتحرك فيه معا خطوة خطوة ، في سبيل وعي منهج البحث العلمي الذي ادعينا فيه أنه لا يمكن فيه أن نتعلم إلا ما يصح في تقاليد البحث العلمي ، فأما مايُدهش ويَروع فلا مقياس له ، وقد اتفقنا على أن منهج البحث العلمي الصحيح لا الرائع أصول وفروع وعلامات محسوبة ، تكون بالتقليد ، وتُستوعب بالتعلم ، وأحسسنا أن شَرْحنا لكل خطوة يحتاج إلى تطبيق ، إلى بحث نلتقي عليه ، نتحرك فيه خطوة خطوة ، وُفقنا معا ، أخفقنا معا ، أنجزنا معا ، كَسِلنا ، نَشِطنا ، نعمل هذا معا ، نعيش معا ، ونظل معا .

    وقد كنت أعرف أن المسألة التي تُختار للبحث ينبغي أن تُتصف بالجِدَّة أو النقص ؛ أن تكون جديدة لم تبحث من قبل ، أو أن تكون ناقصة البحث ؛ بحثت ، ولم يتم بحثها .

    ولا أنكر أن ميلي إلى بعض علوم العربية وآدابها هو الذي أغراني بأن أحدد لكم ، وأفرض عليكم مسألة استثارتكم ، واستفزت بعضكم ، وقلقوا لها حتى خف قلقهم ، ولم يستقروا لها على حال بعد ، وهي مسألة "التراكيب العروضية بين القرآن الكريم والحديث الشريف" ، بل قد زدنا العنوان فأضفنا "جمع وتحقيق ودراسة" مما زادكم عجبا .

    وتوالت الأيام والمحاضرات ولا تزدادون لها إلا قلقا وحيرة ، منكم من يمر على القرآن الكريم يتخطف الأمثلة ، يمر على الحديث ينسى بالحديث القرآن ، بالقرآن الحديث ، لا يدري ما يفعل .

    حتى فاجأنا الأستاذ محمود في لقاء سابق بأنه في خلال حديثه لأستاذه أخينا العزيز الدكتور خالد حسان - استدل على وجود أستاذ متخصص بهذه المسألة بجامعة عين شمس سلخ فيها عمرا مديدا ، وهو الدكتور سالم عياد - بارك الله فيه ، وأحسن إليه ! - فوجدنا هذا فتحا من الفتوح ، معقول ! هذا موجود في الدنيا ! فأعطاني الأستاذ محمود رقمه ، ولم يكن يظن أن الذي يحدث الآن سيحدث .

    في المساء كلمت الدكتور سالم ، وقلت له : أقل ما يمكننا أن نقدمه لك أن ندعوك إلى أن تحاضر أنت المحاضرة ، ولاسيما أنك لم تطبع عملك هذا بحيث يكون مستندا ملموسا يرجع إليه ، فلكي ينسب الفضل إلى أهله ، ومن بركة العلم نسبته إلى أهله ، ونحن أمة النسبة، أمة السند ، نسند الأشياء إلى أصحابها ، وهذه مشكلة عالمية ؛ فالذين كتبوا في التفكير العلمي كشفوا لنا أن الأمم الآن تتنازع العلوم ؛ كل أمة تدعي لنفسها أنها التي اخترعت ، والتي فعلت : الروس يقولون مخترع هذا روسي ، والألمان مخترعه ألماني ، والإنجليز مخترعه إنجليزي ، وتاهت الأسانيد ! ونحن نفتخر بأن من بركة العلم نسبته إلى أهله .

    لم يكن في الإمكان أفضل من أن نفعل الذي نفعله اليوم لكي نسند الفضل إلى أهله ، فدعونا الدكتور سالم ، وهذا عبء في الحقيقة ، نحن كلفناه عبئا ، ولكنه لأنه من أهل العلم يعرف تقاليد طلب العلم ، وتقاليد تعليمه ، وتقاليد ترويجه بين الناس ، وأن هذا من أفضل ما يكون ، خيركم من تعلم العلم وعلمه من تعلم القرآن وعلمه ، والقرآن نص أصل في هذه المسألة ، فقبل ، وتفضل علينا بسماحته ، بل حضر اليوم بهداياه من الكتب ، وتفاصيل بحثه ، بل قد أحضر لنا نسخته من مصحفه التي خطط عليها من سنين طويلة معلوماته !

    الدكتور سالم عياد خريج آداب عين شمس سنة ثلاث وستين ، حصل على الماجستير في "أشعار النساء للمرزباني" سنة ثلاث وسبعين من آداب عين شمس ، وحصل على الدكتوراه في "أشعار النساء في العصر الإسلامي" من كليتنا هذه دار العلوم سنة اثنتين وثمانين، عمل بآداب بنها إلى سنة تسعين ، ثم بتربية عين شمس إلى الآن . له كتب كثيرة ، أهداني منها مثلا ما هو نص في مجالنا على وجه العموم ، هذا "فن الرجز في عصر بني أمية ، دراسة تاريخية موضوعية نقدية" ، وأنتم تجدون الرجز ظاهر النغم في الآيات المكية مثلا، هذا كتاب في "الأدب الجاهلي ونصوصه" ، هذا كتاب "الشعر في صدر الإسلام" ، وله كتب صريحة في العروض "البنية الإيقاعية في قراءة الشعر العربي" ، بل أخرج ديوان فضل جارية المتوكل المشهورة ، وله كتاب في "الأدب الأموي ونصوصه" ، وله كتاب في "موسيقى الشعر العربي والعروض التعليمي" . له إسهامات صريحة في هذا ، فهو أهل لأن يحاضر هذه المحاضرة ، ولأن يستمع إليه ، وأنا وأنتم سنستمع ، وسنعتمد كلامه هذا أصلا في المقرر يرجع إليه ، يعني كل ما سيقوله الدكتور سالم الآن أصل في مقررنا يعتمد عليه ، ويرجع إليه، ويختبر فيه ، يعني سنعود إليه لنؤسس بحثنا عليه ، وسنعود إليه في اختباراتنا لنسأل فيه.

    هذا اللقاء - إن شاء الله – يسجل ، وينزل أو كما تقولون يرفع على النت ، ثم يفرغ ، ويطبع ، يعني بكل وسيلة سنروجه ، وقد طلبت هذه المحاضرة منا من أكثر من جهة ، طلبت من إخواننا من أكثر من جهة لخطورتها .

    فهذه المحاضرة "التراكيب العروضية بين القرآن الكريم والحديث الشريف" التي استثارتكم هذه محاضرة مهمة ، تأتي أهميتها من أصل نزول الوحي ، منذ نزل الوحي حينما اختلف العرب في القرآن الكريم هذا شعر هذا ، هذا كأنه شعر هذا ، هذا كأنه شاعر ، يصفون الرسول - عليه الصلاة والسلام ! - بأنه شاعر ، ويحكمون على القرآن بأنه شعر ، وقد نفى ربنا – سبحانه ! - عن القرآن أنه شعر ، وعن الرسول أنه شاعر ، لكنْ هذا لم يلغ أصل الفكرة ، ما الذي جعل العرب تفكر أصلا في أن يكون هذا شعرا ، وفي أن يكون هذا شاعرا؟ ما التلاقي الذي جعلهم يفكرون في هذا ؟ لا بد من وجود تلاق ما ، فأصل مسألتنا أصل عويص ، وأصل مثير ، ولا يكفي فيه أن تأخذه على العموم ، وترتاح ؛ فهناك ناس يعملون في هذا ، ويروجون لأفكارهم ، شئت أم أبيت ، وقد ادعيت لكم دعوى لا أملك لها دليلا أن الصهاينة الآن ربما كانوا قد بحثوا المسألة ، وأسسوا فيها أصولا ، وأصلوا أصولا وفرعوا فروعا ، وهم يُدرِّسونها الآن في جامعاتهم ونحن نتحرج من أن نبحث المسألة ! لا ، هذه أمور لا يكفي فيها أن نعرض عنها ، لا يجوز ، ينبغي أن يَنتدِب لها المجاهدون من الباحثين، ومنهم الدكتور سالم . كل هذا من أجل وضع المسألة في موضعها الصحيح لكي تحسنوا الفهم عن أستاذنا الدكتور سالم .

    يسرنا أن نقدم لكم أستاذنا ، وقد اجتهد لكم اجتهادا فوق ما كنت أتخيل ؛ يعني أنا كنت أظن أنه سيعلق نقطا يتكلم فيها ، فإذا هو قد نظم لكم محاضرة كاملة ، بل جاء بكل ما جمعه من أوراق على مدار السنين لكي لا يفتقد الشيء إذا أراد مثالا ، فكل الصيد في جوف الفرا ، تعرفون هذا المثل القديم ؟ كل الصيد في جوف الفرا !
    فلتتفضل أستاذنا الكريم ،

    بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد ،

    فلا أستطيع أن أقدم الثناء والشكر لأخي الكريم الأستاذ الدكتور محمد جمال صقر على هذه التقدمة الضافية التي ألبسني فيها ثوبا فضفاضا لا أسمو إليه أو لا أتطلع إليه !

    أما عن دار العلوم فاسمحوا لي أن أخرج جانبا من المخزون النفسي في علاقتي بها ، كنت وأنا صبي صغير أتمنى أن أكون طالبا في هذه الدار العريقة الأصيلة قلعة العلم والأدب واللغة والإسلام التي خرجت أساطين في علوم العربية في كل أرجاء الدنيا بعد الأزهر الشريف ، لكن لم يشأ الله ليَ ذلك ، فكانت آداب عين شمس قسم اللغة العربية ، وعشت فيها أتلظى ، كما يقولون ، وأتحرق شوقا إلى دار العلوم حتى إذا كانت ، ولكن الله – سبحانه ، وتعالى! - أطفأ شيئا من غُلَّتي هذه ؛ فقد هيأ لنا الله أن يدرس لنا كثير أو لفيف من أساتذة دار العلوم الأجلاء ، أذكر أن أستاذي الكريم الأستاذ الدكتور محمد مهدي علام درس لي هذه المادة التي يدرسها أخي الكريم الآن (قاعة البحث) سنين عددا ، وهو أستاذ الأجيال كلها ، هذا درعمي ، كما درس لي الأدب المقارن سيده ومنشؤه وصاحبه الأول الأستاذ الدكتور المرحوم محمد غنيمي هلال(1) ، كما درس لي النحو العربي شيخ نحاة مصر وهو الأستاذ المرحوم عبد الحميد حسن ابن هذه الدار وشيخها أيضا ، كما درس لي علم البلاغة القديمة البلاغة العربية في مباحثها الثلاثة البيان والمعاني والبديع المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أحمد بدوي وكيل هذه الدار في الستينيات ، أعتقد هذا ، كما صاحبت عالما حبرا من علمائها طيلة عمري، منذ سنة اثنتين وستين إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى - يرحمه الله ! - الأستاذ العلامة المحقق الكبير العالم الفاضل الأستاذ الدكتور رمضان عبد التواب - رحمه الله ! - فقد كان مشرفي الأول ، وعضوا في لجنة المناقشة الثاني .

    هذا عن دار العلوم ، فحينما أجيء اليوم بدعوة كريمة من أخي الكريم لكي أتحدث بين بعض أبنائها - أكون كما قال المثل العربي القديم كحامل التمر إلى هجر أو كجالب التمر إلى هجر ، فأنتم أصل الخير والعلم والتمر والبركة كلها ؛ فسامحوني إذا تطاولت ، وتحدثت معكم عن موضوع يملأ علي نفسي ، وهذا ما دفعني إلى المجيء اليوم.

    الأستاذ الدكتور محمد جمال صقر اقترح "التراكيب العروضية في القرآن الكريم والحديث الشريف" ؛ فقلت في التو واللحظة لا ، لا أقوى على هذا ! الموضوع التراكيب العروضية في القرآن الكريم وحسب ، لأن الحديث الشريف كما تعلمون له وضعه العلمي الخاص ؛ فهو يُروى روايات متعددة ، وقديما قالوا عن الشعر (وما آفة الأشعار إلا رواتها) ، والحديث النبوي الشريف قد يروى بالمعنى ، فلا تكون الدراسة العروضية فيه دراسة متأصلة، لكن القرآن الكريم كتاب الله – تعالى !- لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وإن كان بحرا لا سواحل له ، لكن نستطيع أن نقف أمامه خاشعين خاضعين ، ونقرأ ، ونتفهم، وروايته واحدة ، ليس فيها عوج ولا أمت ، كما أني أقترح أيضا حذف كلمة العروض ، لأنها حساسة مرتبطة بالشعر العربي ، فأخاف أن يأكله الذئب ! أخاف من كلمة العروض والقرآن الكريم ، الموضوع في غاية الحساسية ، وكثير من الناس يرفضون الحديث فيه أصلا ؛ فأقترح أن يكون "نظام الإيقاع في القرآن الكريم" ، يعني نبتعد كثيرا عن كلمة عروض وشعر، حتى لا نعتدي على مشاعر أحد أو لا نقترب من مشاعر أحد .

    الموضوع إذن "نظام الإيقاع في القرآن الكريم" ، وسأستعرض معكم سريعا مسألة الإيقاع هذه من مبتداها في علم العروض حتى نصل إلى كتاب الله – تعالى ! - .

    تعلمون طبعا جميعا درستم عروضا أو علم العروض ، وتعرفون ، يسامحني أخي إذا قلت كلاما من نافلة القول سريعا .

    مم تتكون الأوزان العروضية؟
    تقوم على لقاء الساكن بالمتحرك - كما تعلمون - حرف متحرك ثم يليه ساكن ، وطبعا المتحرك ثقيل والساكن أخف ، لقاء الأضداد كما يقولون .

    تنتظم هذه الفكرة من أوليات المقاطع الصوتية ، أعني الأسباب والأوتاد والفواصل ، الأسباب - كما تعلمون - نوعان : سبب خفيف وسبب ثقيل ، الخفيف متحرك فساكن ، عسكه الثقيل متحرك فمتحرك ، أيضا الوتد المجموع متحركان فساكن ، الوتد المفروق متحرك فساكن فمتحرك ، الفاصلة الصغرى ثلاث متحركات فساكن ، الكبرى أربع متحركات فساكن، وبالمناسبة أربع متحركات فساكن لا تجتمع إلا في تفعيلة (مُسْتَفْعِلُنْ) تفعيلة الرجز الذي وضعتُ فيه كتابا ، لاتوجد - وحَضْرَتُكَ سيِّدُ العارِفين(2) - لا توجد (مُتَعِلُنْ) إلا في تفعيلة (مستفعلن) . من هذه الأسباب المتضادة والأوتاد والفواصل تتكون التفاعيل الستة، وهنا يبدو التضاد والعكس واضحا ؛ (فاعِلُن) عكس (فَعولُنْ) كلتاهما خماسية ، لكن كلا منهما عكس الأخرى ، الاثنتان خماسيتان ، الأولى سبب خفيف ثم وتد مجموع ، الثانية العكس وتد مجموع ثم سبب خفيف ، (مُتَفاعِلُنْ) تفعيلة الكامل فاصلة صغرى ثم وتد مجموع ، عكسها (مُفاعَلَتُنْ) تفعيلة الوافر وتد مجموع ثم فاصلة صغرى ، (مستفعلن) الرجز سببان خفيفان ثم وتد مجموع، عكسها (مَفاعيلُنْ) وتد مجموع ثم سببان خفيفان ، (فاعِلاتُنْ) تفعيلة الخفيف والمديد والرمل سببان خفيفان يقع بينهما وتد مجموع عكس (مَفْعولاتُ) تفعيلة المجتث والمنسرح والأوزان المخيفة هذه (3) .

    من هذه التفاعيل الثمانية تتكون الأبحر الخليلية الستة عشر ، فمنها ما هو صاف يعني تفعيلة واحدة متكررة عدة مرات ، أربعة ، أو ستة ، أو ثمانية ، مثل الكامل والرجز والوافر والهزج والمتدارَك والمتقارب ، سيقول لي أحدكم : الوافر مفاعلتن مفاعلتن فعولن ، تقول عنه إنه صافٍ ؟ أقول لك : نعم ، أصله كان مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن ، وهذا أصل في الدائرة العروضية ، ثم دخل التفعيلة الثالثة والسادسة القطف ، فصارت العروض (4). الأنواع الأخرى التراكيب المزدوجة أو المركبة مثل ماذا ؟ الطويل والبسيط والخفيف والمديد والسريع والمنسرح والمقتضب والمجتث والمضارع(5) .

    هذا هو ملخص الأدوات التي سندخل بها على القرآن الكريم كتاب الله ، لنرى مدى موسيقية هذا النص ، وما يحتويه من إيقاعات تندرج تحت هذا النظام .

    إذا ما دخلنا بهذا الرصيد الضخم إلى كتاب الله – تعالى! - القرآن الكريم سنجد أمامنا سدا منيعا ، انتبهوا(6)، حتى لا نُتَّهَمَ بشيء ، نحن نعرف الله ، تعالى! ، وعلى قدر يعلمه الله فينا - سنجد سدا منيعا أمامنا من النصوص القرآنية التي تنأى به بالقرآن أو بها بالآيات القرآنية عن فن الشعر .

    إذن انتبهوا ، سَلَفَ أن القرآن مهما استخرجنا منه من تراكيب و إيقاعات موسيقية تتفق وإيقاعات الشعر ، القرآن ليس شعرا . لم ؟ لأنه ليس كل من قال بيتا أو شطرا قال شعرا، عندنا القصيدة لا تقل عن سبعة أبيات ، هذا الكلام غير موجود في القرآن الكريم ولا في أي كتاب سماوي مثلا ، ولا تكاد تجد بيتا كاملا ، نحن نجهد أنفسنا لنكون بيتا(7) ، ويَفسُد الإيقاع بإرادة الله – سبحانه ، وتعالى!- لأن الله يريد أن يقول لنا سلفا قبل أن نبدأ الحديث لو كنت أردت أن أنزل القرآن شعرا لفعلت ، ولكن لم تسبق مشيئتي ذلك ، لا ، أنا لا أريده شعرا، ولا نثرا فنيا ، قديما تعلمون أن طه حسين كان يقول لنا : البيان ثلاثة أنواع : شعر ، ونثر فني ، وقرآن كريم ، فالقرآن الكريم متفرد بجلاله وكماله عن الفنين الآخرين .

    ماذا يضيرنا لو بحثنا في القرآن الكريم عن بعض إيقاعات الشعر ، لنثبت شيئا مهما ، وهو أن القرآن الكريم الذي احتوى علوم العربية بل هو أصل علوم العربية كما يقول العلماء، ولم يحتو علوم العربية فقط ، وإنما هو أصل العلوم العربية نحوا وصرفا وبلاغة وأدبا ، وكل علوم العربية ، فلم لا يحتوي العروض ، أو لم لا يشير ولو من بعيد إلى علم العروض ؟ أليس هذا إعجازا بيانيا يتجلى في القرآن الكريم ، يضاف إلى الإعجازات الأخرى ؟

    أحد الطلاب : بلى .
    أ.د.سالم عياد : الحمد لله ، اتفقنا .

    إذا ما دخلنا بهذا الرصيد إلى القرآن سنجد سدا منيعا من النصوص القرآنية التي تنأى به عن الشعر ، مع أنه فن العربية الأول ! رغم مكانة الشعر كما يعده العلماء فن العربية الأول ، والقرآن كرم هذه اللغة فنزل بها - إلا أن القرآن يرفض في آيات كثيرة ادعاء الكفار له بأنه شعر .

    نستعرض بسرعة ما قاله القرآن الكريم عن فن الشعر ، ذكرت كلمة الشعر والشعراء في القرآن الكريم ست مرات :

    1 في سورة الشعراء كما تعلمون قوله – تعالى ! - : بسم الله الرحمن الرحيم
    هَلۡ أُنَبِّئُكُمۡ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَٰطِينُ تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيم يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَاد يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمۡ يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ الشعراء: 221 – 227 صدق الله العظيم .

    2 في سورة الأنبياء بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۢ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِر فَلۡيَأۡتِنَا بِ‍َٔايَة كَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ الأنبياء: 5

    3 في سورة الصافات بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّهُمۡ كَانُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ يَسۡتَكۡبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوٓاْ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٖ مَّجۡنُونِۢ بَلۡ جَآءَ بِٱلۡحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ الصافات : 35 – 37

    4 في سورة الطور فَذَكِّرۡ فَمَآ أَنتَ بِنِعۡمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِن وَلَا مَجۡنُونٍ أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِر نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ قُلۡ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُتَرَبِّصِينَ الطور: 29 – 31

    5 في سورة الحاقة إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُول كَرِيم وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَاعِرۚ قَلِيلا مَّا تُؤۡمِنُونَ وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنۚ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِيل مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ الحاقة : 40 – 43

    6 في يس وَمَا عَلَّمۡنَٰهُ ٱلشِّعۡرَ وَمَا يَنۢبَغِي لَهُۥٓۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡر وَقُرۡءَان مُّبِين لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّا وَيَحِقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يس: 69 – 70 صدق الله العظيم .




    نناقش هذه الآيات بسرعة سريعة ، إن هذه الآيات قد وردت في القرآن الكريم بلفظ (شاعر) أربع مرات ، للدلالة على المبدع الشاعر نفسه ، الذي ينشئ الشعر ، مثل الأستاذ الدكتور محمد جمال صقر شاعر ، فهو مبدع . وردت بنص الجمع (الشعراء) مرة واحدة في سورة الشعراء ، كما وردت كلمة (الشعر) وهو اسم لنتاج الشاعر مرة واحدة في يس ، كما نلاحظ أن ورود كلمة (الشعر) و(الشاعر) يجمع بينهما اتهام المشركين للرسول - صلى الله عليه ، وسلم! - بعدم الرسالة ونفيها عنه ، والآيات تَرُدُّ على ذلك بنفي من الله لمقالة المشركين ؛ تثبيتا للرسول - صلى الله عليه ، وسلم !- وللرسالة ، وتصديقا له فيما بلغ عن ربه ، كما نفى الله عن رسوله الكهانة والجنون والسحر والشعر ، وأثبت له النبوة والوحي والرسالة بَلۡ جَآءَ بِٱلۡحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ الصافات: 37.

    أما الآيات الأخيرة في سورة الشعراء ، وهي أشهر ما يردده المتشددون برفض الإسلام للشعر أو المتشدقون برفض الإسلام للشعر ، وهي قوله- تعالى!- وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ الشعراء: 224، والحقيقة أن هذه الآيات تتناول قضية نقدية كيف ؟ حول فنية الشعر ، فهي مكونة من خمس نقاط ، انتبهوا إليها جدا ، فهي مهمة جدا(8) .

    الأولى : ما كان شائعا وقتها عن مسألة استيحاء الشعر من الشياطين ، حتى إن كل شاعر فحل في الجاهلية اعتقد أن له شيطانا يوحي إليه شعره ، وهذه فرية وأكذوبة كما تعلمون ، فأكثر الشعراء في هذه الطائفة كاذبون .

    الثانية: من اتبع الشعراء وصدَّقهم فيما يذهبون إليه من خيالات وأكاذيب فهو طاغ واهم .

    الثالثة : أن الشعراء يَهيمون على وجوههم في الأودية ، كانوا كذلك قديما يتخيلون ، ويصورون ما يعتقدون شعرا ؛ قيل إنهم وجدوا مجنون ليلى ميتا بين جبلين هائما على وجهه في الصحاري وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَاد يَهِيمُونَ
    الشعراء: 224- 225 صدق الله العظيم .

    الرابعة : أنهم يقولون ما لا يفعلون ، وهذه هي الخطورة(9) ، كيف ؟ يعني هنا مسألة الكذب الفني لا الكذب الأخلاقي في رأي النقاد ؛ ألم يقل النقاد إن أعذب الشعر أكذبه !
    يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ الشعراء: 226

    الخامسة : استثناء الفئة المؤمنة الملتزمة ، وأولهم شعراء الرسول - صلى الله عليه ، وسلم!- الثلاثة : حسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ، ومما يؤيد ذلك ما ورد في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني - كما تعلمون - أنه لما نزلت هذه الآية جاء حسان بن ثابت وصاحباه إلى النبي - صلى الله عليه ، وسلم !- وهم يبكون ، قالوا : يا رسول الله ، قد علم الله حين أنزل هذه الآية أننا شعراء !(10) فقال النبي - صلى الله عليه ، وسلم !- : "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" ، ثم قال : أنتم ، "وذكروا الله كثيرا" ، أنتم ، "وانتقموا من بعد ما ظلموا" ، أنتم ، ثم قال لهم : انتصروا ، ولا تقولوا إلا حقا ، ولا تذكروا الآباء والأمهات ، يعني تحروا الحق في مدائحكم ؛ فلا تسبوا الأمهات ولا الآباء في أهاجيكم ، يعني ولا تنابزوا بالألقاب .

    أما الآية الأخيرة التي وردت في سورة يس وَمَا عَلَّمۡنَٰهُ ٱلشِّعۡرَ وَمَا يَنۢبَغِي لَهُۥٓۚ
    يس: 69 أي ما علمه ربه فن الشعر ، هذا يجمع عليه المفسرون ، وما ينبغي لمحمد - صلى الله عليه، وسلم !- أن يكون شاعرا ، أو معنى آخر مختلف ، اسمحوا لي أن أعلنه : ما علمناه ما ينبغي للشعر من أدوات فنية ليقول شعرا ، الشاعر يلزمه أن يمتلك أدوات الفن الشعري ، فربنا – سبحانه ، وتعالى ! – قال : إن النبي ليس شاعرا ، وما علمناه أيضا فن الشعر ، وما أعطيناه فنية الشعر ، وما وهبناه صنعة الشعر، فصنعة الشعر فن ، صنعة الشعر نحت القوافي ، ورصفها ، وجنوح التصوير ، وغيرها ، وإن كان النبي - صلى الله عليه ، وسلم!- قد أوتي مجامع الكلم ليس معنى هذا أنه .. ، أستغفر الله العظيم ، لا ! أفصح الناس ، وأعلم الناس باللغة ، لكنه لم يهيئه الله لفن الشعر، نفى عنه وعن كتابه فنية الشعر(11) .

    خلاصة القول أن القرآن الكريم كله لم يحظر قول الشعر ، أو لم يحرم قرضه ، هل فيما عرضناه الآن من الآيات الستة أو المواضع الستة شيء يقول إياكم أن تقولوا شعرا ، كما حرم شرب الخمر ، أو حرم كل المحرمات صراحة في القرآن الكريم ؟ لم يقل ذلك ، إن القرآن لم يحظر قول الشعر ، ولم يحرم قرضه ، مادام الشعر ملتزما بقواعد الإسلام ومنهجه، بل إنه يحفل بالجيد منه ، ويقبله ، ويحترمه ، وللنبي - صلى الله عليه ، وسلم !- مواقف تحتاج إلى محاضرة مستقلة ، مواقف من الشعر ، وللصحابة أيضا مواقف من الشعر تحتاج إلى محاضرة أخرى ، فلا غرو إذن أن نعرض ما نعرفه من إيقاعات شعرية أو إيقاع الشعر العربي على القرآن الكريم ، فإذا كان القرآن الكريم يعد أصلا لكل علوم العربية والإسلام من نحو وصرف وبلاغة وأدب وغير ذلك فلم لا يحتوي علم العروض ، مادامت مقاصد النصوص القرآنية لا تتعارض مع ذلك ، ولا ترفضه !

    ولعل أقدم من تعرض لهذه القضية من علمائنا القدامى هو أبو بكر بن محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر الباقلاني ، الذي عاش ما بين 338 و404 هجرية ، 950 و1013 ميلادية ، أحد علماء القرن الرابع الهجري المشهورين في كتابه المشهور "إعجاز القرآن" في فصل (نفي الشعر عن القرآن) ماذا قال الباقلاني ؟ قال : [فإن زعم زاعم أنه وجد في القرآن شعرا كثيرا ، فمن ذلك ما يزعمون أنه بيت تام ، أو أبيات تامة ، ومنه ما يزعمون أنه مصراع] يعني شطر ، المصراع شطر البيت [كقول القائل :
    قد قلتُ لما حاولوا سَلْوتي هيهاتَ هيهاتَ لما توعَدونْ] .
    مصراع ! شطر ! في سورة المؤمنون .
    أيضا [(وجفان كالجواب وقدور راسيات)] رمل ، من مجزوء الرمل ، فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن(12) ، طبعا (جفان كالجواب) تعرفون (جفان) جمع (جفنة) وهي القدر الكبير، (كالجواب) مثل الحوض الكبير الممتلئ ماء(13) ، وقدور ثابتة راسية على المواقد لثقلها وكبرها، هذا معنى وَجِفَان كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُور رَّاسِيَٰتٍۚ سبأ: 13. [وكقوله] – تعالى!- [(من تزكى فإنما يتزكى لنفسه)] فاطر: 18 فاعلاتن متفعلن فعلاتن متفعلن ، سقطت الألف ، خبن ، من مجزوء الخفيف .

    [وكقوله] – تعالى! - انتبهوا معي هذا الكلام في إعجاز القرآن ! يقول – تعالى!- : (ومن يتق الله يجعل له (مخرجا) ويرزقه من حيث لا يحتسب) (14) .

    الفرق بيننا وبين الباقلاني أو الفرق بيننا وبين أي قارئ عاد أننا نستحضر في أذهاننا الأداء الشعري ، الشاعر حينما يلقي شعره ليس كأي إنسان عندما يقرأ شعر شاعر ، الشاعر حينما يلقي شعره ينغمه ، وهو الإيقاع ، وهو النبر ، هو الموسيقي ، هو نَظَمَ - بتعبير عامي- عبأ الكلمات في الموسيقى التي في ذهنه ، فالموسيقى مستحضرة في الذهن ، فحينما يلقي علينا قصيدته يلقيها بموسيقاها ، فهذا الشاعر الذي يتقن علم العروض، ويحفظ أوزان الشعر العربي إذا قرأ القرآن الكريم وهو مستحضر أنغام الشعر وإيقاع الشعر كله في ذهنه وهو يقرأ ألا يجد شيئا ؟ فهل هذا قبل كل اعتبار يعيب القرآن الكريم أم يُجَوِّدُه ، ويُحَسِّنُه ؟ بل أنا أزعم أن هذه المَوْسَقَةَ في القرآن الكريم تساعد الناشئ أو المسلم بعامة على الحفظ ، تيسر له قضية الحفظ ؛ فأنا أحفظ الشعر بسهولة جيدة حينما أجد دواعي الحفظ في الشعر هي هي موجودة في القرآن الكريم ، يسهل علي حفظ القرآن ، فلا غبار إطلاقا على القرآن حينما يحتوي على تفاعيل ، لا قصيدة ، ولا قطعة ، شطر ، مصراع ، جملة ، جزء . وسيقول الباقلاني الآن إنها ليست إلا مقطعات قصار ، لتبث موسيقى الشعر التي كان العرب يتقنونها ، ويحفلون بها، كما يحتفلون بميلاد الشاعر ، فحينما يجدون هذه الموسقة في القرآن الكريم يزداد تعلقهم به ، يحفظونه(15) .

    (ومن يتق الله يجعل له) ثم (مخرجا) في الوسط ثم (ويرزقه من حيث لا يحتسب) ، لو قطعنا (ومن يتق الله) ، لو موسقنا (ومن يتق الله يجعل له) ، نعم ؟

    أحد الطلاب : المتقارب .(16)

    ومَنْ يَتْْ/ تَقِ الّلا/ هَ يَجْعَلْ/ لَهُ فعولن/ فعولن/ فعولن/ فعو ، ويَرْزُقْ/ هُ مِنْ حَيْ/ ثُ لا يَحْ/ تَسِبْ فعولن/ فعولن/ فعولن/ فعو ، لكن جاءت (مخرجا) في الوسط ، خرجت البيت عن كونه شعرا؛ اختلف الوزن ، أو انكسر الوزن ، وهذه مشيئة الله – تعالى! – كان الله – سبحانه ، وتعالى! - في وسعه وهو خالق الكون ، وخالق الشعر ، وخالق الشعراء - كان بوسعه أن يصوغه صياغة أخرى ، لكن إرادة الله لئلا يعتقد أحد أن القرآن شعر . ومَنْ يَتْ/ تَقِ الّلا/ هَ يَجْعَلْ لَهُ/.. وَيَرْزُقْ/ هُ مِنْ حَيْ/ ثُ لا يَحْ/ تَسِبْ !

    وفي قوله – تعالى ! - : [(أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم)]، (ذلك) كسرت الوزن ، تعرفون لو قال - سبحانه ، وتعالى ! - في غير القرآن : (أرأيت الذي يكذب بالدين فذاك الذي يدع اليتيم) لصارت ماذا ؟ فعلاتن متفعلن فعلاتن فعلاتن متفعلن فاعلاتن ، لولا الحرف – هناك في السابق كانت كلمة وهنا حرف - لولا هذا الحرف لاستقام الوزن ، لكن الله لم يشأ ذلك ؛ ليس شعرا(17) .

    وقد جاء على وزن بيت تام من الخفيف لولا أن إرادة الله – ذا كلامي - شاءت أن تزيد لاما بين ذا الإشارية وكاف الخطاب ، فلولاها لاستقام الوزن التام . وقد [ضَمَّن أبو نواس] - سامحه الله !- انظروا أبا نواس ، ماذا فعل! ضمن أبو نواس هذا [في شعره ففصَّل وقال] قال بيتين في ديوانه :
    [ وَقَرا مُعْلِنًا ليصدع قلبي والهوى يصدع الفؤاد السقيما .
    أرأيت الذي يكذب بالدين فذاك الذي يدع اليتيما .](18)

    انتبهوا ، فكرة أبي نواس هذه ستظل عبر الدهور إلى يومنا هذا ، وسأختم بها كلامي معكم؛ شخص عمل هذا العمل نفسه في القرآن كله ، من أوله لآخره ، شيخ ، لما يزل على قيد الحياة(19).

    فوجدوا من فكرة الباقلاني أن ما جاء في القرآن على وزن الشعر فهو بضع شَطَرات، كلام جميل ، أو جاء بيتا فهو من مجزوئه ، نعم ، وليس من تامه ، انتبهوا إلى النتيجة المهمة هذه ! ما جاء في القرآن الكريم من الشعر بضع شَطَرات ، وإذا جاء بيت فهو من المجزوء، مامعنى هذا ؟ يعني من الشطر ، مصراع ، والرجز كله مجزوء ، بعد أن قُصِّدَ بفترة طويلة ، كان قصيدا على منوال القصيدة ، انتقل إلى أن الشطر بيت ، فأصبحت القافية واحدة في كل الشطرات ، يعني أصبح الراجز مطالبا بضعف القوافي بعدما كان مطالبا بنصفها ، فأصبح العروض هو الضرب ، والضرب هو العروض(20) .

    إحدى الطالبات : هل يُعَدُّ هذا شعرا ، هذا البيت ؟

    أ.د. سالم عياد : لا ، لا يكون السؤال هكذا(21) ، لكنْ قولي :
    متى نعد النص شعرا؟

    النقاد اجتمعوا منذ زمن بعيد على أن تكون المقطعة لاتقل عن سبعة أبيات ، لكن شخصا – كما قال أحد العلماء – قال : من يشتري باذنجان ، مستفعلن فاعلان يكون قد قال شعرا ! شخص ينادي على باذنجان يكون قال شعرا ! أيكون شاعرا !(22)

    النبي- عليه الصلاة والسلام !- ارتجز مرتين ، ارتجز يعني قال بيتا من الرجز مرتين ، مثلا :
    أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .
    فهل يعد النبي- صلى الله عليه ، وسلم !- شاعرا مادام قال في حالة انفعال شديد ، وفي موقف حاسم تتراءى فيه المنايا ؟

    أحد الطلاب : لكنه لم يقصده .
    أ.د. سالم عياد : لم يقصده ، وحتى لو أنه قصده فليس شعرا ، ومن هنا كانت قضية نفي الشعر عن الرجز أيضا ، ليس عن القرآن فحسب ، لأن النبي قد ارتجز ، من الأسباب التي دعت العلماء إلى نفي الشاعرية عن الرجز لأن النبي قد ارتجز مرة أو مرتين فقالوا : لا ، الرجز كله ليس شعرا ، لا إله إلا الله ! (23)

    إحدى الطالبات : هو أحيانا كان يردد شعر بعض الشعراء ، فهل كان يغيره ؟
    أ.د. سالم عياد : نعم ، كان يتمثل ببعض الأبيات ، لكنه كان يكسرها عمدا ، عليه الصلاة والسلام ؛ حتى لا يقال إنه راوية للشعر أيضا ، فهو ليس شاعرا ، وليس راوية للشعر - صلى الله عليه ، وسلم !- .(24)

    ولكي نثبت صحة نظرية الباقلاني فإن أحد العروضيين ، وأعتقد أنه صفي الدين الحِلِّيّ ، عمل لنا مفاتيح للأبحر كما تُسَمّى ، نظم بيتا من الشعر ، ثم جاء في البيت التالي بتفاعيل البحر ، وفي الشطر الأخير آية من كتاب الله- تعالى !- على نفس الوزن ، وصدَّر البيت الأول باسم البحر ، حفظنا إياها أستاذنا - الله يرحمه !- الدكتور مهدي علام منذ أكثر من نصف قرن - رحمه الله!- ، أقرأها عليكم بسرعة ستة عشر بحرا(25) :

    1 أَطالَ عَذولي فيكَ كُفْرانَهُ الهوى(26) وآمنتَ يا ذا الظَّبْي فَأْنَسْ ولا تَنْفِرْ .
    فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفرْ" .
    في سورة الكهف إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ الكهف: 29 إلى آخره .


    2 إني بسطتُ يدي أدعو على فئةٍ لاموا عليكَ عسى تخلو أماكنُهمْ .
    مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن "فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنُهمْ" .
    الأحقاف .


    3 يا مديدَ الهجرِ هل من تلاقٍ فيهِ آياتُ الشفا للسقيمِِ .(27)
    فاعلاتن فاعلن فاعلاتن "تلك آياتُ الكتابِ الحكيمِِ" .
    في لقمان .


    4 خفَّ حَمْلُ الهوى علينا ولكنْ ثقلتْهُ عواذلٌ تترنمْ .
    فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن "ربنا اصرفْ عنا عذابَ جهنمْ" .
    في الفرقان .


    5 كَمُلَتْ صفاتُكَ يا رشا وأولو الهوى قد بايعوكَ وحظُّهمْ بكَ قدْ نما .
    متفاعلن متفاعلن متفاعلن "إنَّ الذينَ يُبايعونكَ إنَّما" .
    إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ الفتح: 10 في الفتح .


    6 يا راجزًا باللومِ في موسى الذي ألقى العصا قدْ أسكتتْ منْ قدْ بَغى .
    مستفعلن مستفعلن مستفعلن "اذهبْ إلى فرعونَ إنهُ طَغى" .(28)


    7 إنْ رَمَلْتُمْ نحوَ ظبيٍ نافرٍ فَاسْتَميلوهُ بِداعي أُنْسِهِ .
    فاعلاتن فاعلاتن فاعلن "ولقدْ راوَدْتُهُ عن نفسهِ" .
    يوسف .


    8 سارعْ إلى غزلانِ وادي الحمى وقلْ أيا غيدُ ارْحَموا صبكُمْ .
    مستفعلن مستفعلن فاعلن "يا أيها الناسُ اتَّقوا ربَّكُمْ" .
    في الحج وفي الإنسان .


    9 تنسرِحُ العينُ في خُديدِ رشًا رمى بسهمٍ وقالَ خُذْهُ بفي .
    مستفعلن مفعُلاتُ مستعلن "هو الذي أنزلَ السكينةَ في" .(29)


    10 لئن تَهْزَجْ بعشاقٍ فهم في عشقهِمْ تاهوا .
    مفاعيلن مفاعيلن "وقالوا حسبُنا الله"ُ .
    وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ آل عمران: 173 في آل عمران وفي التوبة .


    11 غرامي بالأحبةِ وَفَّرَتْهُ وشاةٌ في الأََزِِقََّّةِ راكزونَ .
    مفاعلتن مفاعلتن فعولن "إذا مروا بهم يتغامزونَ"َ .

    12 اقْتَضِبْ وشاةَ هوًى(30) في هواكَ جادَلَهُمْ .
    فاعلاتُ مُسْتَعِلُنْ "كلما أضاءَ لهُمْ" .
    مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ البقرة: 20


    12 اِجْتُثَّ مَنْ عابَ ثَغْرًا فيهِ الجُمانُ النَّظيمُ .
    مستفعلن فاعلاتن "وهْو الغفورُ الرحيمُ" .
    يونس .



    13 تَقارَبْ وهاتِ اسْقِني كأسَ ماءِ وباعِدْ وُشاتَكَ بُعْدَ السماءِ .
    فعولن فعولن فعولن فعولن "وإنْ يستغيثوا يُغاثوا بماء" .
    كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ الكهف: 29.


    14 إلى كمْ تُضارِعونا فتًى وجهُهُ مُنيرُ .
    مفاعيلن فاعلاتن "هوَ اللطيفُ الخبيرُ".

    آخر بحر هو المستدرك أو المتدارك الذي يدعي بعض العلماء أنه ليس من وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي ، ولكنَّه من وضع تلميذه ، فالحق أنه من وضع تلميذه سعيد بن مسعدة الأخفش الأصغر ، اسمه المتدارك ، استدركه تلميذه عليه .

    15 دارِكْ قلبي يلثم ثَغْرا في مَبْسَمِهِ نَظْمُ الجَوْهَرْ .
    فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن إنا أعطيناكَ الكوثرْ .
    سورة الكوثر .

    إنما مخلع البسيط لم ينسه صفي الدين الحلي(31) ، قال :

    16 خلَّعتَ قلبي بنارِ عشق تصلى به مهجتي الحرارهْ .
    مستفعلن فاعلن فعولن "وقودها الناس والحجارة" .
    في البقرة وفي التحريم .

    وفي غير هذه المتون العروضية نقف قدام القرآن الكريم خاشعين نستخرج منه أمثلة ، لا نستطيع طبعا أن نخرج كل النصوص القرآنية التي تخضع لهذه الأوزان ، أو- أستغفر الله في التعبير !- الأوزان أو الإيقاعات التي تتواءم مع آيات القرآن الكريم ، فالقرآن أصل ، والإيقاعات فرع ، وأنا من سنين منذ أن كنت في مثل سنكم وأنا معني بهذا الموضوع ، لأني كنت قديما أقول شعرا ، فكنت حافظا أوزان – ومازلت ، والحمد لله - حافظا أوزان الشعر العربي الستة عشر ؛ فعندما أقرأ القرآن أضع – وربنا يسامحني – تحت الجملة أو التركيب العروضي كما قال أستاذكم خطا ، فتجد مصحفي كله مخططا من أول البقرة إلى آخر الناس ، كل صفحة فيها ثلاثة خطوط أو أربعة ، ومرة بالأحمر ، ومرة بالأزرق ، وقد أحضرته معي(32) .

    أ.د. محمد جمال صقر : هذه هي البقرة التي تزعمون أن لا شيء فيها !
    أ.د. سالم عياد : البقرة مليئة .
    أ.د. محمد جمال صقر : يقولون إنهم لا يجدون فيها شيئا !
    أ.د. سالم عياد : لا !(33)

    لنر سريعا لكي لا نضيع وقتكم .(34)

    في الوافر مثلا ، وهو من أشهر الأبحر المنتشرة في القرآن ، اسمعوا مني سريعا أمثلة لا نستطيع أن نحصيها طبعا ، حتى في الآية التي فيها نفي الشعر عن القرآن(35) :
    • أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَاد الشعراء: 225 ، مفاعلتن مفاعلتن فعولن .
    حتى في الآية التي تنفي الشعر عن القرآن فيها ، سبحان الله !

    إحدى الطالبات : حتى عبارة (والشعراء يتبعهم الغاوون) .
    أ.د. سالم عياد : نعم ، حتى هذه الآية فيها كلام ، فيها موسيقية .

    • أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَاد الشعراء: 225
    • وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ البقرة: 68 .
    • إِلَىٰٓ أَجَل مُّسَمّى فَٱكۡتُبُوهُۚ البقرة: 282 .
    • فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ البقرة: 16 ، وقف عند (كا) فقط ؛ اكتملت التفعيلة .(36)
    • وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخۡزِي ٱلۡكَٰفِرِينَ التوبة: 2 .
    • وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آل عمران: 142 ،(الذين جاهدوا) ، وقف عند (الذين) .
    • وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ التوبة: 32 (نوره ولو كره الكافرون) .
    • وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ التوبة: 78

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954
    الجزء الثاني



    وفي التوبة أيضا جاء جزء من آية على وزن الوافر التام ، انتبهوا ، لكي لا أكون مخطئا الوافر ليس تاما ، الوافر يعد مجزوءا كما قلت الآن ، الأصل أن لدينا من النصوص الشعرية القديمة ما جاء على وزن مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن أصل دائرته العروضية ، فعندما يدخل القطف في تفعيلتي العروض والضرب تُحَوَّل (مفاعلتن) إلى (فعولن) ، يعد إذن مجزوءا وليس تاما ، وصدق الباقلاني ، وصدق كل المخلصين لله ولرسوله وللقرآن الكريم وللمؤمنين.
    انتبهوا ، فهناك فروق ، في سورة التوبة :
    قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ التوبة: 14 انتبهوا معي ! كيف يقرأ القارئ هذه الآية
    وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡم مُّؤۡمِنِينَ التوبة: 14، كيف أقرأها أنا ؟ (ويخزهمو/ وينصركم/ عليهم) بإشباع الميم وهذا جائز في الشعر العربي ، كل شعرنا العربي هكذا ، (ويخزهمو/ وينصركم/ عليهم/ ويشف صدو/ر قوم مؤ/منينا) .
    فهذا ليس بيتا ، لم ؟ لأنه من الوافر ، و الوافر لو تم تمامه لا يعد بيتا .(37)
    • أُوْلَٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ هود: 20
    • وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ إبراهيم: 28 .(38)
    • وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ البقرة: 214
    • وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ الرحمن: 27
    • بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي الرحمن: 41
    • كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ البقرة: 75
    • أُوْلَٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ هود: 20
    • فَأُوْلَٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ الشورى: 41 (39)

    هناك بيت يعجبني ، ويخوفني كذلك ، ولا أستطيع أن أقوله :
    فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ البقرة: 38 ، نقرأها مرات ومرات ، مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن ، والوافر مفاعلتن مفاعلتن فعولن ، كأنه حذف من الوافر تفعيلتيه الأوليين ، من الشطر الأول تفعيلة ومن الشطر الثاني تفعيلة ، هذا في المجتث نراها الآن .(40)
    • تَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ النمل: 63

    إذن لكي يستقيم الوزن قد يزيد الله في النص القرآني حرفا ، وقد يحذف – سبحانه ، وتعالى!- حرفا ، طبعا عمدا ، ليس هناك شيء في القرآن سهوا ، أستغفر الله ألف مرة ، كل ما جاء في القرآن وفي غير القرآن عن الله – تعالى!- عمد وكان بوسع الله – سبحانه ، وتعالى !- أن يحذف ما شاء ، وأن يضيف ما يشاء ، لكن بما أنه عمد إلى زيادة حرف قصد أن لا يكون بيتا تاما ، أو أنقص حرفا ، أو زاد حرفا ، أو أنقص كلمة ، أو زاد كلمة ، قاصدا أن يقرأ المسلم النص فيشعر بموسيقية يطرب لها ولا يعرف لها مصدرا إلا الشعراء .

    أما إذا انتقلنا إلى وزن الرجز – هذا بعد الوافر بسرعة - نجده أكثر انتشارا في القرآن الكريم من غيره ، حتى لفت ذلك نظر أحد العلماء الأجلاء تصوروا من يكون ؟ هو فضيلة الشيخ محمود محمد خطاب السبكي ، شيخ الجمعية الشرعية الأول ، لفت نظره هذا ، فراح يتتبع إيقاعات الرجز في كتاب الله – تعالى !- ، وأنا تعرضت لهذا وأنا أكتب كتابي عن الرجز ، سبحان الله! له كتاب رائع جدا اسمه "المقامات العلية" ، فجمع فيه سبعا وأربعين آية جاءت على هذا الوزن ، وقد راجعت ذلك على فضيلته ، لا أخفي عليكم ، فوجدته صدقا وحقا، لكن أنا لو أني الذي بدأت كنت أخرجت عشرين أو ثلاثين ، لكنه أخرج سبعة وأربعين، ويمكن أن يخرج أحدكم أكثر ، الله أعلم ، لأن المسألة تحتاج لفيفا من الشعراء أو من المهتمين بالموضوع ، لفيف من الشعراء يضعون الفكرة في أذهانهم ، ويقرؤون أداء شعريا ، وأنتم تعرفون الفرق بين الأداء الشعري والأداء القرآني .
    انظروا هذه الأمثلة السريعة(41) :

    • يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إبراهيم: 27
    • حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ النساء: 140 ، في النساء والأنعام .
    • تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن البقرة: 256
    • فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا القدر: 1 - ، مستفعلن مستفعلن مستفعلن .
    • يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُمۡۖ الأعراف: 110
    • وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ الكهف: 58
    • لِّكُلِّ أُمَّة جَعَلۡنَا مَنسَكًا الحج: 67
    • يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ آل عمران: 200
    • إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ الأنفال: 38

    كثير جدا ، سبعة وأربعين ، وتفعيلة مستفعلن يا أولادي ، معروف انتشار فن الرجز في العصور الأدبية القديمة ، وهذا قلته في كتابي ، فهو أصل الشعر ومبتداه ؛ أولا كان الشعر سجع كهان ، ثم رجز ، ثم تطور ، فأصبح شعرا ، هذا الكلام في كتابي بالتفصيل(42) .

    تفعيلة (مستفعلن) سببين خفيفين ووتد مجموع ، ما سر انتشارها في الشعر وفي القرآن كله ؟ لأن تفعيلة (مستفعلن) التي يبنى عليها وزن الرجز اشتركت في التشكيل الموسيقي لسبعة أبحر ، مثل البسيط والسريع والخفيف والمنسرح والمقتَضَب والمُجْتَث والكامل . الكامل! الكامل (متفاعلن) ، إذا أُضمِر يعني دخله زحاف الإضمار تسكين الحرف الثاني (متَفاعِلُن) تصبح (مُتْفاعِلُن)- فتساوي (مُسْتَفْعِلُن) ، وانتبهوا ، ظاهرة موسيقية في قراءة الشعر بعامة أتحدى لو أن شاعرا كتب قصيدة في بحر الكامل فلم يُضْمِرْ فيها ، بل يمكن – أستغفر الله إن قلت – في كل بيت ، بل أستغفر الله إن قلت في كل بيت أكثر من تفعيلة ، ولا يُثبت أن هذا البيت أو أن هذه القصيدة من الكامل إلا ورود (متَفاعِلُن) مرة واحدة ، يعني ورود فاصلة صغرى مرة واحدة ثلاث متحركات فساكن فمتحرك فساكن ، لم ؟ لأنه في البيت يجوز تسكين المتحرك ، ولا يجوز تحريك الساكن ، نحن اتفقنا أن الحركة ثقيلة والسكون خفيف، فكلما أراد الشاعر أن يخفف زاد النص جمالا في الجرس ، في الموسيقى ، في الإيقاع في الأذن ، فهو يسكِّن دائما، يُضْمِر ، يسكن المتحرك ولا يحرك الساكن ؛ لو حرك الساكن لانكسر الوزن ، لأجل ذلك لا توجد قصيدة – أعتقد – قصيدة كاملة من الكامل تخلو من الإضمار ، بل يمكن في كل بيت ، والشاعر لا يقصد ، وإنما يأتي الإضمار عفويا .(43)

    أما إذا انتقلنا من الرجز إلى الكامل فهو أقل انتشارا من سابقيه ، من الوافر ومن الرجز ، لا يوجد منه إلا ثلاث أو أربع شَطَرات ، أو هكذا ما أعرفه ، لوقرأتم أنتم بتأنٍّ ربما تستخرجون نصوصا أخرى .

    • وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيا وَنَصِيرا الفرقان: 31
    • فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ الحاقة: 5 (44)
    • إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا الفتح: 10
    • وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰط مُّسۡتَقِيمٍ البقرة: 213

    نقول عنه مجزوء ، تعرفون أن التام ست تفعيلات ، إذا بني على أربع صار مجزوءا ، وعلى ثلاث صار مشطورا ، وعلى اثنتين صار منهوكا(45) .
    مما بُني على اثنتين :
    • فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَكۡرَمَنِ الفجر: 15 ، متَفاعلن متْفاعلن .
    • وَلَهُم مَّقَٰمِعُ مِنۡ حَدِيد الحج: 21 ، مُتَفاعِلُن مُتَفاعِلُن أو مُتَفاعِلاتُنْ وهذا تَرْفيل ، الترفيل زيادة حرفين .

    • مُصَدِّقا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ آل عمران: 3 ، هذه قراءة القارئ العادي ، أما القارئ الشاعر فيقرأ : مصدقا لما بين يدي/ هِ وَأَنْزَلَ التَّوراةَ والإنْجيلَ ، متفاعلن متْفاعلن متْفاعلن ، ثلاث تفعيلات ، الأولى فيهن متفاعلن ، والاثنتين الأخريين فيهما إضمار.(46)
    • وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ آل عمران: 140 ، لام التعليل وليست لام الأمر ، لتعطيني فاصلة صغرى ، لو (وَلْيَعْلَمَ) لصارت من الرجز .
    الاثنتين :
    • وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ النحل: 14
    • وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهاۖ البقرة: 25
    • يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ البقرة: 225 ، اثنتين أيضا .

    لو انتقلنا إلى الأبحر الطويلة مثل المتقارب ذو التفاعيل الثمانية الصافية ، ولكنه لم يرد في القرآن إلا مصراعا ، أربع تفعيلات على الأكثر .

    • وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ البقرة: 83 ، في البقرة 83 و43 و 110 ، وفي الحج 88 .(47)
    • فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ آل عمران: 106 ، في آل عمران(48) .

    وما يكون مصراعا ورد كثيرا ، مصراع يعني شطرا :
    • وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ الرعد: 15 ، يقف عند واو السماوات ، لكي تكمل التفعيلة .
    • وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ البقرة: 3 ، في البقرة .(49)

    وقد يرد على هيئة بيت تام ، لولا أن لفظ الجلالة في وسطه قد أخرجه من هذا الوزن، وهو قوله تعالى ، انتبهوا ، المسألة فصل وعمد من المولى – عز ، وجل! - ، انتبهوا، كيف سيستقيم ! لذلك نريد شاعرا يقرأ النص ، انظروا معي :

    • (وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء قَدِيرٌ) فسد الشطر الثاني تعرفون لو أن لفظ الجلالة هذا استبدل - أستغفر الله - في غير القرآن الكريم بضميره : (ولله يسجد من في السماوات والأرض و(هو) على كل شيء قدير) - لاستقام الوزن ، فلو ناب عن لفظ الجلالة ضميره (هو) لاستقام الإيقاع ، ولكن لم يشأ الله ذلك– سبحانه ، وتعالى !- .(50)

    من الأوزان الصاخبة أيضا وزن السريع ، فلا يرد في القرآن إلا على وزن مصراع واحد ، مثل قوله : يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ البقرة: 21 . لو قرأناها قراءة القرآن : بسم الله الرحمن الرحيم يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ البقرة: 21 لن يخطر على بال أي قارئ للقرآن أن فيها موسقة شعرية إطلاقا ، إنما لو قرأتها بميزان الشعر العربي : يا أيها النْ/ناسُ اعْبدوا/ ربكمُ.

    وعلى وزنها أيضا : يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ النساء: 1 ، ومثل ذلك في النساء والمؤمنون ، ولم أقف هنا كثيرا ، لأجل الوقت فقط .(51)

    من الأوزان الصافية المنتشرة في الشعر الهزج لأنه وزن ، أستغفر الله إن قلت وزن راقص ، مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن ، يصلح للأناشيد و الغزل ، فقد وافقت بعض الآيات القرآنية هذا الإيقاع مشطورا ، يعني تفعيلتين اثنتين فقط مثل :
    • يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ البقرة: 284 ، مفاعيلن مفاعيلن .
    قد يرد مرة على أربع تفعيلات ، أيضا قضية كسر الوزن ، بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنۗ البقرة: 229 ، أليس كذلك ؟ تصوروا فإمساكٌ/ بمعروفٍ/ وتسريحٌ/ بإحسان. لكن فسد المعنى كذلك – أستغفر الله العظيم - لأن (أو) غير (و) ؛ (أو) للتخيير ، والأخرى للعطف ، يعني أريد أن أقول لكم فقط إن الله – سبحانه ، وتعالى!- هو الذي يعمد إلى كسر الوزن ، يعمد عمدا إلى كسر الوزن ، لئلا يكون القرآن شعرا ، لكن به موسقة الشعر ، وأنغام الشعر ، وتفاعيل الشعر ، وإيقاعات الشعر .(52)

    وعلى نفس المنوال يجري وزن المتدارك ، وهو صاف أيضا ، مبني على فاعلن ، كان أصل المتدارك فاعِلُن فاعلن فاعلن فاعلن ، ماذا حدث فيه ؟ سقطت الألف ، فصار فَعِلن، ماذا نقول عنه ؟ نعم خبن ، أو يدخله قطع يُحَوِّل الوتد الأخير إلى سبب خفيف ، أو سببين خفيفين ، وقد يختلطان معا فعِلن فعْلن ، فمما يوافقه في القرآن مصراع فقط ، يعني ليس بيتا كاملا ، هو : وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم البقرة: 220 ، فعْلن فعْلن فعِلن فعِلن.(53)
    ومما يُبنى على ست :
    • ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ آل عمران: 90 ، إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ آل عمران: 90
    انظروا : ثُمَّ از/دادوا/كُفرًا/لنْ تُقْ/بَلَ تَوْ/بَتُهُمْ ، كلها إما فَعِلُن أو فَعْلُن.
    وما يبنى على ست تفعيلات يعد حدا أقصى ، في مثل قوله – تعالى !- :
    • وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ آل عمران: 140 ، ستة ، فعْلن فعْلن فعِلن فعِلن فعْلن فعْلن ، ومثله :
    • وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ البقرة: 284 ، فعْلن فعْلن فعْلن فعِلن فعْلن فعْلن.(54) ، هذه الأوزان الصافية .

    أما الأوزان المزدوجة فأكثرها انتشارا في الشعر هو الطويل ، كلنا نعرف ذلك، معلومة معروفة عند كل المتأدبين ، لكنَّ القلة والندرة حظه في القرآن ، ما هذا ! هو أكثر أوزان الشعر العربي انتشارا ، الطويل ، لكن في القرآن سبحان الله ! لكي تثبت صحة نظرية الباقلاني من ألف عام ، ما ورد في القرآن بضع شطرات ، فعندما نأتي إلى الأوزان الطويلة الكبيرة الصاخبة الضخمة التي انتشرت ، وحفل بها الشعراء قديما من الجاهلية حتى اليوم - نجد القرآن الكريم يعرض عنها ، سبحانه ، تعالى !، لكنَّ حظه في القرآن القلة والندرة ، أو ربما – أنا أقول عن نفسي - لم يفتح الله علينا إلا بقوله– تعالى !- على وزن مصراع واحد وهو فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ الكهف: 29 ، لم يفتح الله علينا إلا بهذا ، ربما لو قرأنا القرآن مرة أخرى أو مرات لفتح الله علينا بغيره .

    وكذلك البسيط ، فلم أعثر إلا على قوله – تعالى! – الذي وجده الحِلِّيّ : فَأَصۡبَحُواْ لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَٰكِنُهُمۡۚ الأحقاف: 25 ، في الأحقاف ، وكذلك قوله – تعالى! - : وَزَادَهُۥ بَسۡطَة فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ البقرة: 247.
    وربما ورد شيء على وزن منهوكه ، يعني تفعيلتين اثنتين مستفعلن فاعلن ، أو من الطويل فعولن مفاعيلن ، ربما ، ولم ألتفت إليه ، جل من لا يسهو ، يعني ما بني على تفعيلتين اثنتين، ولكن حتى الآن لم أعثر عليه ولا على منهوك سابقه الطويل ، إن جازت هذه التسمية ، لأننا لا نقول البسيط والطويل منهوك ، وإن جازت هذه التسمية ، لكن ربما توجد في القرآن أو لا توجد .

    أما مخلع البسيط فقد ورد في القرآن منه أو على وزنه أو على إيقاعه أمثلة أعتقد أنها ثلاثة :
    • وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ البقرة: 24 ، التي اكتشفها الحِلّيّ .
    • وكذلك قول الله – تعالى! - : أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ البقرة: 87 ، مستفعلن فاعلن فعولن(55) .
    • يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا مريم: 23 ، مستفعلن فاعلن فعولن .

    أما الخفيف وهو من البحور المزدوجة والمنتشرة في الشعر العربي ، فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ، خطير ، فقد ورد في القرآن ما يوافق وزنه منهوكا أو مشطورا ، فالمنهوك ما بني على تفعيلتين مثل قوله – تعالى! - : وَٱتَّقُواْ يَوۡما تُرۡجَعُونَ البقرة: 281 ، مستفعلن مستفعلن ، وهنا يوجد سبب خفيف في الآخر في مستفعلن ومتفاعلن ، الرجز والكامل يجوز فيه زيادة حرف في الآخر أو حرفين التذييل والتسبيغ والترفيل ، وقد يرد مصراعا أي شطر مثل :
    • وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ النساء: 44 ، فعلاتن متفعلن فاعلاتن .
    إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ القصص: 76 ، فاعلاتن متفعلن فاعلاتن وقد يوافق الوزن التام ، مثل قوله – تعالى! - : وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَة مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ آل عمران: 133 – 134، أرأيتم بكم آية مررنا ! وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَة مِّن رَّبِّكُمۡ آل عمران: 133 ، هذه خارج الميزان أما أول الكلام الموزون فهو: (جنة/عرضها الس/سماوا/ت والأر/ض أعدتْ/ للمتقي/نَ الذين) . فما هذا ؟ بيت كامل تام ؛ فاعلاتن متفعلن فاعلاتن فعلاتن مستفعلن فاعلاتن(56) .
    وأما الرباعية فقد اكتشفها الباقلاني حين قال : وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ فاطر: 18 ، سبقنا بألف سنة(57) .

    أما توأمه المديد ، وما توأمه ؟ ولدا من رحم واحدة ، الخفيف فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ، المديد فاعلاتن فاعلن فاعلاتن ، ما الفرق بينهما ؟ في التفعيلة الوسطى سبب خفيف واحد يحذف من (مستفعلن) فتصير (فاعلن) ، لذا سموه توأمه ، وعلى فكرة القارئ للشعر العربي يجد الخفيف منتشرا ، والمديد نادرا ، كأن أخاه الأكبر قد ابتلعه ، ابتلع المديد ، ليس عندنا إلا بضع قصائد من التراث قديما يَعْزِفُ الناس عنها ، فليس منتشرا لا في القديم ولا في الحديث، المديد هذا لم يرد إلا نادرا ، فلا فرق بينهما إلا التفعيلة الوسطى ، كذلك لم يرد وزنه في القرآن إلا نادرا ، مجزوءا يعني مصراع ، أو منهوكا يعني ما بني على اثنتين ، مثل قوله- تعالى! - : قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ الإخلاص: 1، تصوروا ، قل/هو اللا/هُو أحد ، فاعلاتن فاعلن ، صلب العقيدة !
    أحد الطلاب : لم أشبعنا ؟
    أ.د. سالم عياد : لم ! من أجل موسيقى الشعر .
    الطالب نفسه : لكن قبلها ساكن .
    أ.د. سالم عياد : قبل ماذا ؟ .
    الطالب نفسه : قبل الهاء ساكن .
    أ.د. سالم عياد : الهاء ضمير يا ابني .
    الطالب نفسه : هاء (الله) .
    أ.د. سالم عياد : أنا أخطأت في النحو ؟
    بعض الطلاب : يقصد الهاء من كلمة (الله) .
    أ.د. سالم عياد : نعم ، لأني محتاج إلى الإشباع ، لأملأ التفعيلة ، وهذا جائز في الشعر العربي(58) .

    طبعا أنتم عارفون : تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ لقمان: 2 ، في لقمان . ومثله :
    تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ الشعراء: 2 في الشعراء .

    أما المنسرح فهو وزن قليل نادر في الشعر، لأن - أستغفر الله إن قلت - به قلقا في إيقاعه ، المنسرح مستفعلن مفعولاتُ مستعلن ، التفعيلة الوحيدة التي تنتهي بمتحرك فتستوجب من الناظم أن يكون يقظا جدا ، وعلى فكرة لدينا ديوان نادر لا أدري كيف لم تعرفوه ديوان "لزوميات وقصائد أخرى" الذي هو للأستاذ الكبير الدكتور عبد اللطيف عبد الحليم أبو همام .
    أ.د. محمد جمال صقر : إنه أخرج بالإضافة إلى ذلك كتابا مستقلا اسمه من مقام المنسرح ، والذي سماه له أحمد عبد المعطي حجازي ، قال له سمه من مقام المنسرح ، فسماه ، إنه رجل منسرحي قديم !
    أ.د. سالم عياد : خطير ! كله منسرح ومقتضب ومجتث(59) .
    أ.د. محمد جمال صقر : وعلاقته بالمنسرح علاقة عضوية !

    ففي القرآن لا يرد إلا قليلا وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَة البقرة: 237 ، وقد فَرَضْ/مُتَفْعِلُنْ، تُمْ لَهُنَّ/فاعلاتُ ، فريضةً/متفعلن ، فهو نادر ، حتى في الشعر العربي قليل ، أأرجو أن أجده في القرآن الكريم ! هو لا يستقطب أنظار الشعراء أنفسهم .



    أما المقتضب وهو عكس المنسرح وإن كان ثنائيا ، فاعلاتن مستفعلن ، فهو قليل نادر في الشعر العربي أيضا ، وكذلك لا يكاد يرى وزنه في القرآن الكريم إلا لِماما ، مثل قوله – تعالى !- :
    • وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا البقرة: 286 ، فاعلاتن مستفعلن .
    • (إن الله كان على) ، وأقف ، (كل شيء قدير) .
    • ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ البقرة: 285 ، فاعلات مستعلن ، (مستعلن) يعني فيها طي ، سقط الرابع الساكن من (مستفعلن) ، (مستفعلن) – كما قلت - تفعيلة الرجز تقبل الزحافات والعلل بكثرة ، ولذلك فهي منتشرة – كما قلت - في سبعة أوزان ، والرجز وحده منتشر أيضا لأن التفعيلة طيعة ، تتحمل الزحافات والعلل : خبن ، وطي ، وخبل .

    إذن فالمقتضب من المنسرح بعد حذف تفعيلتيه الأوليين كما تعلمون من الشطرين، يعني المنسرح مستفعلن مفعولاتُ مستعلن ، الآخر المقتضب مفعولات مستعلن مفعولات مستعلن .

    أما المجتث وهو مجتث من الخفيف ، يعني منتزع منه بعد حذف ، أيضا ، تفعيلتيه الأوليين من الشطرين ، يعني مستفعلن فاعلاتن - فهو رغم ندرته في الشعر إلا أنه من العجب أن يشيع وزنه في القرآن كثيرا - هذه أوقفتني مذهولا ، ولي تعليق سأقوله سريعا ، أسأل الله أن نستوعبه - فقد ورد ثنائيا ورباعيا ، أي تاما كاملا ، كيف ؟(60)

    • حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ البقرة: 236 ، مستفعلن فاعلاتن
    • وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ البقرة: 223
    • لَا يَسۡتَطِيعُونَ ضَرۡبا البقرة: 273
    • وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ آل عمران: 8
    • ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ آل عمران: 181
    • يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ الكافرون: 1
    وغير ذلك كثير ، قد يكتمل ، فيصير أربعا ، مثل ماذا ؟(61)

    • إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيم الأحقاف: 21
    • وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡم مُّحِيط هود: 84
    • تُبَوِّئُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مَقَٰعِدَ لِلۡقِتَالِۗ آل عمران: 121 ، (مقاعد للقتال) انكسر الوزن ، لكن لو نوَّنّا، لو صرفنا الممنوع وُزن البيت ، وهذا جائز في الشعر لا في القرآن ، أقول مرة أخرى هذا جائز في الشعر لا في القرآن ، يعني - أستغفر الله !- في غير القرآن لو فيه (نبوئ المؤمنين مقاعدا للقتال) لاستقام الوزن ، معي ؟

    أما الرمل فهو فاعلاتن فاعلاتن فاعلن ، فلعله لم يرد وزن مصراعه هذا إلا في قوله– تعالى !- : وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ يوسف: 32 ، في يوسف ، التي اكتشفها الحِلِّيّ ، ولكنه لفت نظر الباقلاني منذ ألف عام ، فمثل عليه بقوله – تعالى !- : لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ آل عمران: 92 ، وقف عند واو الجماعة(62) ، في آل عمران ، وكذلك قوله – تعالى!-: وَجِفَان كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُور رَّاسِيَٰتٍۚ سبأ: 13 ، وتناولنا هذا ، وغير هذا وذاك فقد ورد ثنائيا مثل قوله – تعالى !- :
    • وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّ آل عمران: 146 ، فاعلاتن فاعلاتن .
    • وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي الزخرف: 51 ، فاعلاتن فاعلاتن .(63)
    • وَسَنَجۡزِي ٱلشَّٰكِرِينَ آل عمران: 145 ، فعلاتن فاعلاتن .

    أما المضارع - وهو الأخير- فلا سامحني الله إن أَنْحَيْتُ عليه باللائمة ، هو الذي ضارع الهزج ، سمي مضارَعا لأنه ضارع الهزج ، مفاعيلن ، فاعلاتن ، يشترط علماء العروض في مفاعيلن أنها تُخْتَم بمتحرك ، أو فاعلاتن الأخرى تختم بمتحرك ، فكيف لو لم تختما بمتحرك، وجاءتا تامتين ؟ مفاعيلن ، فاعلاتن ، ماذا نفعل ؟ أتدرون ماذا تكون ؟ تكون المجتث ، وما عكس المجتث ؟ مستفعلن فاعلاتن ، ولذلك اختلط بالمجتث كثيرا ، عندي كثير من الأمثلة للتفعيلتين التامتين ، فلعله كان مضارعا لكن الشاعر وهو ينظم لم ينتبه ، أو ربما أكون أنا مخطئا في الفهم ، فليس في القرآن الكريم مضارع ، أستغفر الله إن قلت ذلك ، ربما لو قرأتم أنتم لاستخرجتم شيئا مما غفلت عنه(64) ، مثل :
    • لَكُمۡ عَدُوّ مُّبِينٌ البقرة: 168.
    • لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ البقرة: 21 .


    إذن فالآيات القرآنية التي جاءت على وزن من أوزان الشعر العروضية كثيرة جدا ، ولكثرتها فقد تفوت على القارئ الذي يؤديها أداء قرآنيا خاضعا لعلم التجويد لا للإيقاع الشعري .

    توصيات سالم عياد :
    1- من يؤدي الأيات القرآنية أداء علم التجويد سيفوت عليه الانتباه للأوزان الشعرية ، ليس حراما !


    2- تحتاج إلى أكثر من قارئ ، ليستدرك كلٌّ ما فات الآخرين ، وقد لا يكون عجيبا إذا قرأ عالم أزهري القرآن الكريم بإتقان وبتأن ، فوقف على مئات الآيات التي تُكوِّن مصراعا من وزن ما ؛ رجل مازال حيا ، والديوان منشور ، فراح ينظمها في سلك قطعة شعرية من إنشائه ، يختم بالآية الكريمة التي نظم على وزنها قطعته الشعرية ، وهذا الأستاذ هو العالم الفاضل الدكتور محمود علي السمان عميد كلية اللغة العربية في إيتاي البارود في البحيرة ، أعتقد هذا ، خرج ديوانا كاملا من جزئين كبيرين ، توفر لديه من هذا العمل جزآن كبيران ، ماذا كان يعمل ؟ يضع الآية القرآنية الموزونة ، وينسج على منوالها قطعة ، أو مقطعة صغيرة أو كبيرة ، بيتين أو ثلاثة ، ما يفتح الله به عليه ، ويختم بهذه الآية ، أنا نقلت أمثلة من الكتاب، وللأسف الشديد الكتاب وقع في يدي منذ خمس عشرة سنة ، ولم يكن التصوير بالألكترون في هذه الحال منتشر ، ففرطت فيه ، وأنا نادم عليه ، ولم أجده حتى الآن ، فاسمعوا بعض الأمثلة التي كتبها(65) :

    - قدموا الشكر لرب أكرمِ فهْو من علمكم بالقلمِ .
    واقرأوا ما استعطمو باسم الذي "علم الإنسان ما لم يعلمِ" .

    - يا رسولَ اللهِ ما أعظمَ في الدارينِ أمركْ .
    يا حبيب الله هذا ربنا يرفع قدرك .
    "قد شرحنا لك صدركْ ووضعنا عنك وزركْ" .
    "الذي أنقض ظهركْ ورفعنا لك ذكركْ" .

    - يا أخي فلتترفقْ قبل أن يَصْدر حكمُ .
    ظن بالمسلم خيرا "إن بعض الظن إثمُ" .

    ديوان من جزئين كاملين للدكتور محمود علي السمان ، وهو شيخ أزهري .

    - إن عددنا نعمة الله فلن نستطيع الحصر كي نشكرهُ .
    لكنِِ الْإنسان ينسى ربه "قتل الإنسان ما أكفرهُ" .
    في سورة عبس وتولى .

    وقد قدم لهذا الديوان العالم والمحدث الكبير الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم - كلاهما حي يرزق - قدم لهذا الديوان بتقريظ رقيق جدا مما يشجع الناشئة على العمل الدؤوب على اكتشاف مزيد من كنوز القرآن الكريم كتاب الله – تعالى! - وأشكر لكم حسن استماعكم ، وشكرا، والسلام عليكم .

    أ.د. محمد جمال صقر :
    الله الله الله الله ! هذه ليلة مشهودة ؛ تجلت فيها أرواح القراء والشعراء ، يتنازعون أداء الآيات ؛ فأما القراء فيُجوِّدون ، ليثبتوا لك أن هذه هي الطريقة ، وأن القراءة سنة متبعة ، وأن هذا كلام ربنا ، يتميز من سائر الكلام بما ينبغي له من تجويد ، وأما الشعراء الذين تعودوا على طريقتهم في الأداء فيقرؤون بطريقتهم ، وينتبهون ، وينبهونك على إحساسهم الخاص .

    من أروع الأفكار التي قدمها أستاذنا هذه الفكرة التي تقول لك كأن القرآن الكريم الذي هو دستورنا وأصل الأصول لدينا لم يخل من تأصيل هذا الأصل كذلك مع الأصول الأخرى ، فكما أصل أصول الأصوات والصرف والنحو - هاهو أستاذنا يدلنا على أنه أصل أصول أنغام الشعر كذلك ، ولكنه في الوقت نفسه يعلمك أنه ليس بشعر ، فتفاجأ بكلمة في الوسط ، بحرف ، بكذا .

    ليلة فريدة ، لا تتيسر هذه ، لا تتيسر ، لا أظنها تتيسر ! وهذا الموضوع الذي طرحناه لم يعهده الناس في هذه الكلية ، وهو غير معهود على العموم ، ولم أسمع به حدث في أي مكان ؛ فلله الحمد على نعمته .

    تسمية أستاذنا للمسألة بأنها "نظام الإيقاع في القرآن الكريم" بدلا من "التراكيب العروضية في القرآن الكريم" تسمية موفقة جدا ، كلمة إيقاع ، يا جماعة ، كلمة عامة تشمل في داخلها العروض ، فبينهما عموم وخصوص ؛ كل عروض إيقاع ، وليس كل إيقاع عروضا ، فالعروض إيقاع خاص ، فكلمة إيقاع تشمل العروض ، وأستاذنا إذن عبر عن مسألة واشتمل عليها في عنوانه من غير أن يواجه الناس بكلمة عروض الشديدة التعلق بخصائص الشعر ، لكن أنا لي طريقتي ، أحببت أن نَتَهَدّى إليها سريعا ، وعنوان أستاذنا يشمل مع مسألتنا غيرها من المسائل ، هذا فرق كذلك ، نظام الإيقاع في القرآن الكريم يشمل مع مسألتنا غيرها من المسائل ؛ يعني مثلا مما أشاروا إليه أن السورة إذا تسمت بحرف كقاف وصاد وكذا - وهذا الذي دلنا عليه الباقلاني على ما أظن - غلب الحرف عليها ، حتى إنك لتجده في الآيات في الداخل غالبا على غيره بطريقة ما ، فهناك من الإيقاعات كذلك إيقاع توظيف الأصوات ، إيقاع توظيف الصيغ ، إيقاع توظيف التراكيب ، بعيدا عن العروض ، كل هذا داخل في الإيقاع ، فنظام الإيقاع في القرآن الكريم عالم ، بحر لا سواحل له ، كما قال أستاذنا .

    تلاحظون أن أستاذنا وقف في تمثيله على ما يؤدي الأشطار إحساسا منه بأقل مقدار من الكلام الموزون ، كنا نكلمه قبل المحاضرة في كلمة أبي نصر الفارابي في كتاب "الموسيقى الكبير" الذي دلنا فيها على ما نتفق عليه في الكلام الموزون ، الذي نتفق عليه دوما هو أقل مقدار يخيل لك الوزن ، فنلاحظ أن أستاذنا نبهنا على أن الأشطار أشيع في هذا مما يثبت أن الشطر أقل مقدار من الكلام الموزون في تمثيل الوزن ، ووقفك عليه ، لكن أنا كنت أتمنى ، وأريد من أستاذنا أن يَخُصَّ الفواصل بتعليق ، فنحن سنتكلم عن الفواصل عن فواصل القرآن ، أنا ألاحظ أن أستاذنا يتحرك فيها حرا من غير مشكلة ، يعني مثلا (المؤمنينا) ويشبع على رغم أن هذا ليس في القرآن ، فأستاذنا تحرك في الأمثلة حركة حرة ، أنا أريد أن يقول لنا في هذه كلمة لكي نعتمدها في البحث ، نحن نتحرج لأن إشباعك للنون في (المؤمنينا) ليس من القرآن ، فهذه إضافة ، أنت نفسك ، يا أستاذنا ، كنت تعلمنا كيف منعنا القرآن من أن نستمر بإضافة حرف ، بحذف حرف ، بكذا ، وها أنت ذا تضيف حرفا في (المؤمنينا) لكي تكمل البيت ، هذه لابد أن نحسمها .

    أ.د. سالم عياد : أستغفر الله ، هذا ليس جائزا في القرآن ؟
    أ.د. محمد جمال صقر : أنا لا أعرف هذا .
    أ.د. سالم عياد : لو أننا وصلنا ؟
    أ.د. محمد جمال صقر : لا الوصل غير الإشباع ، مثلا (الحمد لله رب العالمينَ الرحمن الرحيم)، لكن لا نقول (الحمد لله رب العالمينا) .
    أ.د. سالم عياد : لا ، أنا لم أقل هذا ، سأقول لكم ، الحركة وحدها كافية .
    أ.د. محمد جمال صقر : جميل ، إذن أستاذنا يا جماعة لا يشبع ، أستاذنا يقصدها من غير إشباع.
    أ.د. سالم عياد : أقصدها لكي أطمئنكم أن هذا الإِشباع يعطيني ساكنا ، وغير الإشباع يعطيني ساكنا أيضا ، أنا أريد حرفا ساكنا .
    أ.د. محمد جمال صقر :
    يعني يعطيني النغمة ، حتى (فاعلاتن) نفسها في الرمل ربما كانت (فاعلاتُ) واستقام الوزن، لامشكلة ، إذن أنا فهمت الآن فكرة أستاذنا ، بارك الله فيك ، يا أستاذنا!

    كما قلت لكم من أروع اللقطات انظروا إلى هذه الفكرة في كلام أستاذنا ، من أروع اللقطات ، أن الطويل الذي هو ملك البحور لا نكاد نجد له أمثلة كثيرة في القرآن ، ليستمر تمييز إيقاع القرآن من إيقاع الشعر ، جميل !

    في النهاية أوصى بتوصيات لنا لابد أن نراعيها :
    الأداء ، لأنك إذا أديت أداء قراء لن تصل إلى شيء ، وكان أستاذنا الدكتور عبد الصبور شاهين كان يعكس في بعض المحاضرات ، يعكس يتندر على حملة القرآن حين يؤدون الشعر، وبالله ، مازلت أذكره في المدرجات الكبيرة يُجَوِّد معلقة امرئ القيس :

    قفا نبْكِ منْ ذكرى حبيبٍ وَّمَنْزل .

    والدكتور عبد الصبور من حملة القرآن والمُحَكَّمين ، فكأنه يقول لك انتبه ، للشعر إنشاد، وللقرآن تجويد ، وللنثر خطابة ، ولكلٍّ من هذا طريقه ، فأستاذنا يقول لك إذا أردت أن تنتبه إلى هذه الأنغام فلابد من أن تؤدي القرآن أداء الشعر بطريقة ما ، أما أداؤه على الطريقة المعهودة فهذه كما ترى ، أستاذنا نفسه قرأ بعض الآيات بالطريقتين ؛ بطريقة (فمنْ شاء فليؤمن وَّمنْ شاء فليكفر) مستحيل أن تصل إلى الطويل ، مستحيل !

    كذلك أوصانا بالفريق ، وهذا الذي كنا نتمناه ، يا شيخ محمود ، في أول الفصل كنا نقسم القرآن على الشباب ، وفشلنا ، وانتهينا في النهاية إلى الاكتفاء بسورة البقرة التي زعموا أنها ليس فيها شيء(66) ، فجئتكم برأس الأمر وملاكه وذروة سنامه يدلكم على مئات المواضع في البقرة، إلا إذا جاءونا بأسئلة بني إسرائيل ، إلا إذا استشكلوا علينا بأسئلة بني إسرائيل ؛ ما هي ، إن البقر تشابه علينا ، فإذن حاجتنا إلى فريق حاجة مؤكدة .

    ثم من أطرف ما ختم به - وهو ختم على طريقة المحاضرين الكبار طبعا - قدم هذه الطرفة للدكتور السمان في النهاية ، هذا الكتاب مدهش هذا الكتاب ! تدرون ما الذي تذكرت ؟ تذكرت تخميس الشعر ، لدينا في الشعر شيء يسمى التخميس ، يعني يأتي إلى بيت مثلا:

    قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل .

    فيقدم بين يديه ثلاثة أشطار على طريقته ، كأنها حاشية بين يدي الملك ، هكذا كنا نشبهها ، حاشية بين يدي الملك ، ثم يأتي البيت ، فأستاذنا الدكتور السمان كأنه خمس الآيات ، فيقدم أربعة أشطر من عنده ، ليكون الخامس جزء الآية .

    أ.د. سالم عياد :
    وليس ملتزما بالأعداد ، كما قلت ، بما فتح الله عليه به ، بيتين ، ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، الله أعلم .

    أ.د. محمد جمال صقر :
    حتى هذا عندنا ، عندنا تثليث وتربيع وتخميس ، كل هذا يسمى عندنا شعر المشطرات ، شعر المشطرات يا جماعة المبني على هندسة الأشطر وكما يتفق ، طبعا هذا تجلى وتطور وتألق في الموشحات، وكل هذا لم ينجح كثيرا ، فوضع الدكتور السمان منه ديوانا كاملا بهذا الحجم يدل على عزم وهمة ، ويبدو أنه من أهل الله ، من أهل الإحساس الخاص بالآيات ، رأينا هذا في أهل الله الذين يحسون بالقرآن إحساسا خاصا ، فيزينون به الشعر .
    أ.د. سالم عياد :
    الجزآن شعر ديني .

    أ.د. محمد جمال صقر :
    رأيتم ! يعني فيه معاني الصوفية .

    أ.د. سالم عياد :
    لا فيه غزل ولا مدح ولا هجاء إلا المدح لسيدنا رسول الله وآل البيت .

    أ.د. محمد جمال صقر :
    يعني هذا متبع – يبدو - عند المتصوفة ، من كبار الصوفية الذين قرأت لهم أبو مسلم العماني، هذا مشهور ، وكتبت عنه(67) ، مثلا يكتب لك قصيدة في ألف وخمسمئة بيت ، كل بيت آخره لا إله إلا الله ، كل بيت ! آخره لا إله إلا الله ، هذا معروف عند الصوفية عند السالكين، أبو مسلم البهلاني ، ويقال العماني أبو مسلم ، هذا من عصر شوقي ، ليس بقديم ، هو من عصر شوقي ، وهو أكبر شعراء عُمان على الإطلاق ، وكان يتدفق بالشعر ، وعاش في زنجبار ، تعرفون زنجبار هذه التي كانت تملكها عمان ، وفتحتها ، وحكمتها ، وتنقل بينها وبين عمان ، ولعمان مدرسة في التصوف ، للعمانيين مدرسة في التصوف ، هذا من كبارها، فانظروا ، يبدو أن الدكتور السمان من هؤلاء كذلك .

    الآن أنا أريد أن أسمع ، لكي لا أستولي على المحاضرة . تفضل أستاذ محمد كمال(68) .


    أ.محمد كمال (أحد الطلاب) :
    أشكر أستاذنا الدكتور محمد جمال على استضافته أستاذنا الدكتور سالم ، وأعتقد أن هذه المحاضرة كانت مغنية وممتعة ومفيدة في نفس الوقت ، ولم نشعر فيها بالوقت بصراحة ، لكن لي سؤال واحد ، أنا أعتقد ، وهذا رأيي ، ربما أكون مخطئا ، إذا قرأنا القرآن بالوزن العروضي أعتقد أننا بذلك أخرجناه عن كونه قرآنا ، وإذا قرأناه بترتيل وتجويد أخرجناه عن كونه شعرا .

    أ.د. سالم عياد :
    القارئ للقرآن الكريم المؤمن مهما تملكته الشاعرية ، وقرأ القرآن بأداء شعري لا يخرجه عن كونه قرآنا ، أنا بدأت كلامي بأن البيان العربي ثلاثة أنواع : شعر ، ونثر فني، وقرآن كريم ، ليس قرآنا فقط بل قرآن كريم ، فلا أعتقد أن القارئ للقرآن الكريم أو الذي يؤدي القراءة أداء شعريا أخرجه عن كونه قرآنا ، كيف ! هو قرآن قبل كل شيء ، لكنه يتميز بأنه جمع فنية الشعر وفنية النثر الفني معا ، فأنت تقرؤه بروح القارئ للنثر الفني وهو ليس نثرا فنيا ، أليس كذلك ؟ أليس قرآنا كريما متفردا ، نص متفرد من الذات العلية – سبحانه ، وتعالى! - فلا هو نثر فني ، ولا هو شعر ، اقرأه كما شئت ، لكن لا يخرج عن كونه قرآنا كريما ، والمسألة مسألة عقدية ، ليست مسألة ميول فحسب ، لا ، العقيدة هي التي تحكمني وتحكمك ، العقيدة ، وأنت تقرأ القرآن الكريم لِمَ تُدهَش حينما تقرأ نصا قرآنيا وتكتشف فيه أمرا ما ! ومن العلماء الدكتور زغلول النجار قرأ القرآن ، فاستوعبه ، فأخرج منه ما لم يخرجه أحد من علماء الكون ، هل هو أخرجه عن كونه قرآنا(69) !

    الطالب :
    لكن هذا استنباط ، الدكتور زغلول النجار هو يستنبط .

    أ.د. سالم عياد :
    طيب ، ما الذي أوحى إليه بهذا الاستنباط ؟

    أحد الطلاب :
    لكنه لم يتطرق إلى اللفظ القرآني .

    أ.د. سالم عياد :
    لا ، وقف عند اللفظ وقوفا جيدا .

    أ.د. محمد جمال صقر :
    على أية حال ، يا جماعة ، حتى الشعر نفسه أشاروا فيه إلى مذهبين من مذاهب أداء الشعر ، مذهب الفصحاء الذين لا يشعرون بالموسيقى ، ومذهب المغنين ، فأما الفصحاء فيعنيهم ضبط اللغة وإجادتها ، فإذا اختلف لديهم وضعان للكلمة بين زحاف يخرجها عن اللغة وتسليم اللغة آثروا الوضع ، وقد أشار إلى هذا ، مثلا ، المعري :

    أبيت على معاريَ فاخرات بهن مُلَوَّب كَدَمِ العِباط .

    قال فأما الفصحاء فيقولون : أبيت على معارٍ ، وأما المطربون المغنون فيقولون : أبيت على معاريَ ، كذلك القرآن ، أنت تؤدي ، أنت لاتَكْرُب نفسك ، أنت تؤدي ، فحيثما اتجهت نفسك اتجه الإيقاع ، وأحيانا يستقيم هل محمد رفعت مثلا - رضي الله عنه! - في أسلوبه الأدائي هذا يؤدي كما يؤدي سائر الناس ! أحيانا يتكون لديه أداء يثير موسيقى غير معهودة عند الناس ، ثم لماذا تنسى ما يسمى بالإعجاز ! الآية يختلف الناس فيها ، فهي تثبت نفسها ، تثبت خصوصيتها ، تثبت استقلالها عن الشعر باختلاف الناس الشديد فيها واختلاف الميول. رأيت !

    ثم من ؟ تفضل .

    أحد الطلاب :
    تخوفنا عندما سمعنا العنوان ، لكن بعد المحاضرة أنا أظن أن دراسة القرآن من جانب الإيقاع(70) فيه تدليل على إعجاز القرآن ، بدراسة القرآن من جهة الإيقاع نثبت نفي الشعرية عن القرآن .

    أ.د. سالم عياد :
    جانب آخر من جوانب الإعجاز البياني كما قلت .

    الطالب نفسه :
    وكنت أقرأ الآية أو الآيات التي تحدى الله – عز ، وجل ! - فيها الكفار بأن يأتوا بمثل القرآن ولم يستطيعوا ، ربما زاد فهمي لها الآن .

    أ.د. محمد جمال صقر :
    الله يكرمك ! صحيح ، عبد الرحمن .

    أ.د. سالم عياد :
    الله يبارك فيك ، تسلم يا ابني !

    عبد الرحمن (أحد الطلاب) :
    أولا أشكر أستاذي على هذه المحاضرة ، وأريد أن أقول إن ذكر القرآن الكريم للشعر والشعراء ليس فيه ذم بل هو تنزيه للشعر عن سائر فنون القول عند العرب .

    أ.د. محمد جمال صقر :
    تنزيه للشعر أم تمييز للشعر ؟

    الطالب نفسه :
    تمييز وتنزيه للشعر عن سائر فنون القول ، فلم يكن الشعر وحده هو الفن الموجود عند العرب، كانت الخطابة ، وغيرها .

    أ.د. سالم عياد :
    وقبل الشعر وقبل الخطابة سجع الكهان ، أول الفنون العربية .




  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954
    الجزء الثالث


    أ.د. محمد جمال صقر :
    نظرية أستاذنا الدكتور في هذا الكتاب أن الأمور صارت على هذا النحو : سجع كهان ، ثم رجز ، ثم شعر ، توالدت ، هذا شيء مثير ، اختلف الناس طوال السنين الماضية كيف نشأ الشعر؟ وحاروا ، وأنا لي كلام في هذا(71) ، لكن هذا لطيف جدا من أستاذنا ، بارك الله فيك !

    أ.د. محمد جمال صقر : سارة ، المذيعة !

    سارة (إحدى الطالبات) :
    بسم الله ، أولا أشكركم على حسن المحاضرة . الشيء الذي كان يؤرقني منذ سنتين أني فكرت في أمر قوله- تعالى! - : "بلسان عربي مبين" ، فقلت سبحان الله ، مادام القرآن أنزل بلسان عربي مبين فما مقومات اللغة العربية التي أنزل بها القرآن ؟ فاستوقفني قول الله- تعالى ! – "وإذا مروا بهم يتغامزون" ؛ فوزنته على الوافر ، فقلت إذن فمن ضمن مقومات اللغة العربية النظام الإيقاعي ، لكني تحاشيت أن أبحث هذه المسألة ، أنا الآن أقدم لكم الشكر وجزيل الشكر لأني أصبحت أكثر شجاعة لكي أخوض مثل هذا البحث ، ولكني أتساءل فقط هل لي مثلا أن أُوَثِّق هذا بكلام بعض الأدباء مثلا ؟ وأنا فعلت هذا ، واستخرجت ، عندما كنت أقرأ في كتب الأدباء ، وجدت بعض الجمل والمقتطعات التي تكون موزونة تماما ، وخرجت من هذا بنتيجة ، هي إذا كثر العروض في كلام فلان فهو فصيح متأدب .

    أ.د. سالم عياد :
    والله معنى جديد ! أشكرك يا ابنتي لأنك وضعت أيدينا على أمر كنا غافلين عنه ، هو أن الخطيب مثلا حينما يخطب أو المتحدث أو الكاتب حينما ينغم ما قال نستحسن منه ذلك ، فلم نستحسنه من الناس ولانقبله في القرآن الكريم ؟

    الطالبة نفسها :
    لكني وجدت أن المقارنة بالقرآن قياس مع الفارق ؛ فانصرفت عن هذا ، فهل في انصرافي هذا شيء ؟

    أ.د. سالم عياد : لا ليس فيه شيء .

    الطالبة نفسها :
    كيف أُقْدِمُ على توثيق الكلام العربي ومدى فصاحته بزيادة التراكيب العروضية فيه ؟

    أ.د. سالم عياد :
    التراكيب العروضية إذا وجدتِها في القرآن الكريم هي تزيدنا حبا فيه ، وتعلقا به ، وحفظا له، هذه هي الميزات في هذه المسألة فقط ، لكن القرآن أعلى قدرا من الأنغام الشعرية ، وأعلى قدرا من أي علم آخر ، فتأصيل هذه الموسقة بالقرآن الكريم يفيد الموسقة أكثر مما يفيد القرآن.

    يرفع أحد الحاضرين يده مستأذنا في الكلام(72) .



    أ.د. محمد جمال صقر :
    عرفنا بنفسك ، أنا حاسٌّ أنك من طلاب الشعر ، أأنت الذي كلمتني عبر الهاتف ؟ ما حكايتك؟ من أين أنت ؟

    الطالب : نعم أنا صحفي من جريدة الشروق ، كنت في إعلام .
    أ.د. محمد جمال صقر : لكني أحسست وأنت تسمع أستاذنا أنك معه ، أأنت خريج دار العلوم قبل إعلام أم ماذا ! ما شاء الله عليك(73) !

    الطالب : أنا شخصيا رأيي أن القرآن هو المادة الخام للإيقاع .

    أ.د. محمد جمال صقر : جميل !

    أ.د. سالم عياد :
    الله يبارك فيك ، كلام جميل جدا ! أنا أريد أن أقول جملة بما أنك ذكرتني ، ليس الإيقاع في القرآن الكريم ما يوافق الشعر العربي وحده ؛ إن هناك إيقاعا لا يتوافق مع الشعر العربي ، وأوزانا لا توجد في شعرنا العربي ، ولا نستطيع أن نصنفها تحت ميزان من الأوزان الستة عشر ، وانتبهوا ! يؤيد ذلك في الشعر أن هناك أوزانا تسمى الأوزان المهملة : المُنْسَرِد والمُمْتَدّ ، هذه الأوزان المهملة ربما تكون في القرآن الكريم ، لكننا لم نُعْنَ بها ، ولم نستطع حفظها كما حفظنا أوزان الشعر العربي ، وهذا يزيد القرآن أيضا فنية ، يعني هناك تفعيلات متوالية لا تخضع لموسيقى من أوزان الشعر أو من قوالب العروض ، وقد تتواءم تفعيلات متواترة وراء بعضها وفيه ما - أستغفر الله - إن قلت : ما يقال له المكرور أو المتكرر من باب التوكيد ، قد يكون موزونا لكن وزنا لا ينسجم مع أوزان الشعر العربي ، أليس هذا أيضا يعني لونا من الإعجاز أتى به القرآن الكريم زاد فيه على معرفة العرب بشعرهم وعلى فنهم الأول ، ولم يستطيعوا أن ينظموا على هذه الأوزان المهملة ، ولم يستطيعوا أن يستخرجوا هذه الموسقة كلها من القرآن الكريم ؟ ولا يستطيع أحد أن يفعل ذلك إلا إذا تَحَزَّبنا ، وتعصَّبنا، وكَوَّنّا فريق عمل كبير ، جماعة يشتغلون بموسيقى الشعر ، وجماعة يشتغلون بالأوزان المهملة ، الأوزان المهملة هذه تحتاج علماء بهم خصوصية .

    الطالب نفسه :
    أنا متفق مع حضرتِكَ تماما في المسمى "نظام الإيقاع في القرآن الكريم" ، فلم لا نحاول أن نبحث عن القانون الحاكم للإيقاع بشكل عام ؟ وأنا أرى أن هذا هو الأهم من أن نبحث في أمثلة من القانون الخاص بالشعر .

    أ.د. سالم عياد : نعم لأجل أن يشمل الشعر وغير الشعر .

    أ.د. محمد جمال صقر مستأذنا في الرد : تسمح لي يا أستاذنا ؟

    أ.د. سالم عياد : تفضل ، هذا كلام جميل !

    أ.د. محمد جمال صقر :
    مسألتنا كانت محددة بما استمعت إليه ، لكنْ فكرتك عامة ، الإيقاع معروف التكرار المتناوَب لحالتين متضادتين ، كالليل والنهار ، والصحو والنوم ، والجوع والشِّبع ، والكون كله قائم على إيقاع يدل على خالق واحد في الخلق ، لكن نحن حددنا عملنا تحديدا ، لماذا حددناه ؟ لالتباس بين القرآن والشعر فقط ، لكن طبعا كلامك صحيح .

    أ.د. سالم عياد :
    اسمح لي ، أكمل نقطة صغيرة ، سامحني ، إذا ما درسنا إيقاع الشعر العربي ، والشعر أخص ما يميزه الموسيقى ، أخص خصوصية للشعر ، فيقودنا هذا الدرس إلى دراسة الفاصلة في القرآن الكريم التي هي تعوضنا عن القافية في الشعر العربي ، والفاصلة أيضا نوع من الإيقاع، ولها درسها الخاص ، بل هي تاج شعر العربي كما يقولون ، وأستاذنا الدكتور كشك له كتاب في هذا العنوان .

    أ.د. محمد جمال صقر موضحا عنوان الكتاب : "القافية تاج الإيقاع الشعري" .

    أ.د. سالم عياد :
    نعم ، "القافية تاج الإيقاع الشعري" لو رأيتَه تُعنى ببقية الإيقاع ، هذا جزء ضئيل جدا من كثير، ما قلناه اليوم شيء يسير من كثير ، نذر يسير ، فربما لو درسنا موسيقى الأوزان تقودنا إلى دراسة الفاصلة ، والفاصلة درس أخطر – أعتقد - من الموسيقى .

    أ.د. محمد جمال صقر مطمئنا إلى اقتراب النهاية : الأستاذة أمل ، ثم أخونا ، ثم نمضي(74) .

    إحدى الطالبات (الأستاذة أمل) :
    المحاضرة جميلة جدا ، والشكر لأستاذينا ، هل سيأتي يوم كما نفخر بالإعجاز العلمي في القرآن والإعجاز الصرفي والإعجاز النحوي - هل سنفخر بقولنا إن القرآن الكريم يحتوي على إعجاز عروضي(75) ؟ أنا اتكلم عن العامة ، لا أتكلم عن دارسي اللغة العربية .

    أ.د. سالم عياد :
    أعتقد أن إدخال هذا الأمر في أذهان العامة شيء من الصعوبة بمكان ، إنما يكفي أن نقول هذا الذي يسمونه علم الخواص ، بل للخواص من العلماء ، وليس كل العلماء ، يعني ربما لا يقبل كلامنا هذا فريق من العلماء ، وإن كنت أشرت إلى بعض الذين يرفضونه .

    الطالبة نفسها : فإذا ألقيت عليهم أو إليهم محاضرة فسيتقبلون .

    أ.د. سالم عياد : من قال ، ويمكن أن يعتقلوني !

    أ.د. محمد جمال صقر : هي ، على أي حال ، فكرة جميلة الشيخ الشعراوي - الله يرحمه ! هو من غير في الناس الإحساس ببيان القرآن الكريم .

    أحد الطلاب(76) :
    الخليل بن أحمد واضع علم العروض هل استقاه من القرآن أم من الشعر ؟ وإن كان استقاه من القرآن فلم لم يشر إلى ذلك ؟



    أ.د. سالم عياد :
    لا ، معروف لدينا جميعا أن الخليل بن أحمد الفراهيدي ، إمام القرن الثاني الهجري استخرج علمه من استقراء الشعر العربي ، وليس من القرآن الكريم ، ولم يشر إلى ذلك البتة ، إنه وهو راجع من الحج ، وأنتم تعرفون القصة ، دعا الله وهو يطوف البيت أن يرزقه علما لم يسبق إليه ففي طريق عودته نزل يستريح بمنطقة العروض تلك السلسلة الجبلية ، وأخذ يطرق حتى قالت زوجته لقد جن ولكنه كان يستقرئ ويستعرض ما يحفظ من شعر العرب الأقدمين وكلما وصل إلى وزن من الأوزان سجله لم يُرْوَ إطلاقا أنه استخرج شيئا من هذا من القرآن الكريم وكان عالم لغة وكان شغله الشاغل الشعر العربي(77) .

    أ.د. محمد جمال صقر مطمئنا مرة أخرى إلى اقتراب النهاية والذهاب : أحمد آخر واحد !

    أحمد (أحد الطلاب) : هل هذا الكلام يتعارض مع قوله – تعالى! - : "ورتل القرآن ترتيلا" ؟

    أ.د. محمد جمال صقر : هو ترتيل القرآن فيه شرح ، قراءته على أجزائه القراءة سنة متبعة ، فتوارثنا تجزيأه على الأجزاء كما تعلم من القراءة ، لكنْ رتل اقرأه على مجموعات .

    أ.د. سالم عياد :
    أريد أن أقول كلمة أخيرة ، أتظن وأنت مؤمن(78) أن الله سبحانه وتعالى ألم يكن في وسعه أن يقول لنا إن القرآن خطر خطير ، لا يقرب أحدكم القرآن ، أو كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا عن اقتراف جرم الشعر وعلى فكرة بعض المتشددين يروي الحديث الذي يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا أو قيئا فيريه خير له من أن يمتلئ شعرا ويقفوا عند هذا وأنا أتعبني هذا الحديث كثيرا حتى وقع في يدي كتاب زاد المعاد للهيثمي فإذا بالحديث مبتور على منوال ولا تقربوا الصلاة .

    أحد الطلاب مصححا اسم كتاب الهيثمي السابق : مجمع الزوائد وليس زاد المعاد .

    أ.د. سالم عياد :
    نعم مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي ، ماذا فيه ؟ لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحا فيريه خير له من أن يمتلئ شعرا هجيت به وقفت عندها مذهولا قلت نعم صدق رسول الله فجاءت الجماعة المتشددة وقصت قوله عليه الصلاة والسلام (هُجيتُ به) ورموه وروجوا للناس الكلام مبتورا والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك فماذا أريد أن أقول ؟ كان في وسع النبي عليه الصلاة والسلام وهو إمام الخلق وحبيب الحق وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى كان بوسعه أن ينفرنا من الشعر صراحة وأن يقول كلاما ينهانا فيه عن اقتراف جريمة الشعر لكنه نفسه قال : إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا(79) .

    أ.د. محمد جمال صقر معلنا عن آخر سؤال : زينب آخر حاجة(80) .

    زينب (إحدى الطالبات) :ذكرتم ملحوظة وهي كثرة مستفعلن فاعلاتن وقلتم إنكم ستذكرون علة ذلك !



    أ.د. سالم عياد :
    أنا قلت علة ذلك اختلاط المضارَع بالمجتث والفرق بينهما ضئيل جدا هو أن المضارع يجب أن تختم إحدى التفعيلتين بحرف متحرك وهذا يفوت على الشعراء أو لا يدركه الشعراء ولو قطعتِ بعض الأبيات من المضارع مهما طالت وهي قليلة جدا في شعرنا العربي يمثل بها كل علماء العروض في كتبهم - ستجدينها فاعلاتُ مستفعلن ، أو فاعلاتن مستعلن ، لا تكتمل التفعيلتان معا ، وإذا اكتملتا كان المجتث .

    أ.د. محمد جمال صقر : بارك الله فيكم ، وأحسن إليكم ، وجمعنا على خير ، هذا شيء بديع ، جعله الله في موازين حسناتكم ، والسلام عليكم .


    ****************************************************

    الحواشي

    اختلطت العامية بالفصحى في هذه المحاضرة ، فرأيت وأنا أفرغها أن أخلص المتن للفصحى وأجعل العامية في الحواشي .

    (1) علق أستاذنا الكريم : الحبر الجليل !

    (2) قيلت بالعامية .

    (3) قيلت : لكن التنين عكس بعض (...) بتاعة المجتث والمنسرح والأوزان المخيفة دي .

    (4) (...) واحد يقول لي: الوافر مفاعلتن مفاعلتن فعولن تقول لي صافي ! أقول لك: أيوه، أصله كان مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن أصل في الدائرة العروضية (...)فبقت العروض .

    (5) قيلت : الأنواع التانية (...) زي إيه ؟

    (6) قيلت : خدوا بالكو ! (وستتكرر مرات أخرى) .

    (7) ليه؟ لأن ليس كل من قال بيتا أو شطرا يبقى قال شعرا(...)الكلام ده مش موجود ولا حتى بيت كامل، دا بنجهد أنفسنا على ما نكون بيت .

    (8) خدوا بالكو معايا قوي ، مهمة قوي !

    (9) قيلت : أهي دي بقى الخطورة .

    (10) قال ضيفنا الكريم موضحا : يعني إحنا كده !

    (11) (...)الشاعر لازم يمتلك أدوات الفن(...)وما علمناه كمان فن الشعر (...) يعني مش معنى كده ان هو ... أستغفر الله العظيم ، لا .

    (12) لما قرئت الآية أسرع بعض الطلاب ناسبا الإيقاع إلى بحره الرمل، فقال ضيفنا الكريم : أيوه كده عاوز الشعراء !

    (13) (كالجواب) يعني زي الحوض الكبير اللي ملان ماء.

    (14) خدوا بالكو معايا ده كلام الباقلاني في إعجاز القرآن (...) "ومن يتق الله يجعل له"، وبعدين يحط مخرجا بين قوسين، وبعدين"ويرزقه من حيث لا يحتسب.

    (15) (...)الشاعر حينما يلقي شعره غير أي إنسان يقرأ شعر شاعر(...)اللي هو الإيقاع ، اللي هو النبر(...)مش قصيدة ، مش قطعة(...)وهيقول الباقلاني دلوقتي انها ليست إلا مقطعات قصار .

    (16) علق أستاذنا الكريم فخورا : مع حضرتك !

    (17) (...)ذلك راحت كاسرة الوزن ، بالكو لو قال – سبحانه،وتعالى- في غير القرآن .

    (18) نص إعجاز القرآن للباقلاني (وكقوله – عز،وجل! – "أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم" ضمنه أبو نواس في شعره ، ففصله ، وقال : فذاك الذي ، وشعره) .

    (19) خدوا بالكو فكرة أبي نواس دي ستظل عبر الدهور إلى يومنا هذا، وهختم بيها الكلام بتاعي معاكم ، واحد عمل نفس الكلام ده في القرآن كله بقلى .

    (20) (...) والبيت كمان مجزوء (...) بعد أن قصد القصيد ، رؤبة والعجاج والكلام ده في الكتاب بتاعي هنا(...)يعني بقى الراجز مطالب بضعف القوافي بعد ما كان نص القوافي، بقى العروض هو الضرب والضرب هو العروض.

    (21) لا ، مش البيت شعر، ماتقوليش كده ، قولي متى نعد النص شعرا؟

    (22) (...)تبقى قصيدة ، تبقى شعر ! لكن واحد زي ما قال أحد العلماء بيقول من يشتري باذنجان مستفعلن فاعلان يبقى قال شعر ، واحد بينادي على بدنجان يبقى قال شعر ، هذا شاعر ، لا !
    فعلق أستاذنا بدعابته المعهودة الحاضرة : خضري !

    (23) (...) ولذلك من هنا قامت قضية نفي الشعر عن الرجز كمان ، مش القرآن بس (...) فقالوا لا الرجز كله ليس شعرا(...) مين قال كده؟هم .

    (24) لما خشي أستاذنا الكريم زيادة المقاطعات لكلام الضيف الكريم نبهنا على أدب من آداب المحاضرات قائلا : علقوا أسئلتكو لو ليكو أسئلة أو أفكاركم ، عشان ماتضيعش .

    (25) حفظها لنا أستاذنا الله يرجمه الدكتور مهدي علام(...)هاقراها عليكم بسرعة .

    (26) في هذه الأبيات حوار مستمر بيننا وبين ضيفناالكريم متكرر ، يسأل فيه عن اسم البحر فنجيب . مثل : أطال يبقى إيه؟طويل .

    (27) شوفوا انا بقراها ازاي ! "فيه آيات الشفا للسقيم" البنية الإيقاعية يعول عليها في قراءة الشعر العربي .

    (28) عقب على البيتين بقوله(...)غير قراءة العالم أو قراءة القارئ للقرآن الأداء الموسيقى مش في دماغه ، إنما هو يخضع النص القرآني لعلم التجويد ، ومالوش دعوة بعلم العروض ، فمايكتشفش حاجة .

    (29) "في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا" ، ثم عقب على البيتين بقوله : خدوا بالكو عمّال يقصقص ان شا الله يكون حرف .

    (30) مقتضب ، متعب قوي !

    (31) فيه كمان اسمه مخلع البسيط ، برضه مانسيهاش الراجل .

    (32) (...) وأنا من سنين منذ كنت في سنكو وانا معني بهذا الموضوع ، لأني كنت زمان وانا عيل صغير بقول شعر فكنت حافظ(...)فلما اقرا القرآن أحط ، وربنا يسامحني ، تحت الجملة أو التركيب(...)خط ، فتلاقي المصحف بتاعي مخطط . فكأن طالبا قال لضيفنا الكريم : ناخد المصحف أو ناخد البقرة ، فرد ضاحكا : لا ، تاخدوا إيه ! دانتو تاخدوني وماتاخدوش البقرة ! فقال أستاذنا الكريم مشاركا : إن البقر تشابه علينا ! ثم حاول أن يرينا بعض صفحات المصحف .

    (33) قال أستاذنا الكريم : أهي البقرة اللي بتقولوا مافيهاش حاجة ، فرد ضيفنا الكريم : لا ، ده البقرة مليئة ، فقال أستاذنا الكريم : بيقولوا مش لاقيين حاجة ! فرد ضيقنا الكريم :لا .

    (34) نشوف كده بسرعة سريعة عشان مانضيعش وقتكو .
    (35) اسمعوا مني سريعا أمثلة مانقدرش نحصيها طبعا ، حتى في الآية اللي فيها نفي الشعر عن القرآن .

    (36) قرأها ضيفنا الكريم(فما ربحت تجارتهم وما كا/نوا مهتدين) موضحا الوزن ، خد بالك أقف عند كا ، اكتملت التفعيلة ، خلاص .

    (37) (...) خدوا بالكو بقى عشان مااكونش مخطئ(...)أصل الدائرة العروضية بتاعته ، فلما يبقى يدخل القطف التفعيلة بتاعة العروض والضرب .

    (38) قرئت باطراح الواو من أولها .

    (39) قرئت باطراح الفاء منها ، ونبه على هذا.

    (40) طب فيه بيت عاجبني قوي ، ومخوفني ، ومش قادر اقوبه(...) الحكاية دي في المجتث ، هنشوفها دلوقتي .

    (41) (...)تصوروا مين قبلنا واحنا نايمين !(...)وانا اتعرضت لهذا وانا باعمل كتابي بتاع الرجز(...)لكن انا لو انا اللي كنت بدأت كنت طلعت عشرين تلاتين ، هو طلع سبعة واربعين ، يمكن واحد هنا يطلع اكتر الله أعلم ، لأن المسألة مش عايزة واحد عايزة لفيف من الشعراء(...)شوفوا بقى الأمثلة شريعا ، وهي هنا في الدفتر كاملة .

    (42) (...)وده اللي انا قايله في كتابي بالتفصيل(...)الأول كان الشعر سجع كهان ، وبعدين بقى رجز ، وبعدين تطور وبقى شعر ، الكلام ده في كتابي بالتفصيل .

    (43) (...) سر انتشارها في الشعر وفي القرآن كله ليه؟(...) البسيط مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن ، كل الأبحر اللي هقولها دلوقتي فيها التفعيلة دي (...) متَفاعلن ، متْفاعلن ، مستفعلن (...) وخدوا بالكو ظاهرة موسيقية بقى(...)احنا اتفقنا(...)عشان كده مفيش قصيدة (...)بتيجي كده عفوية .

    (44) قرئت باطراح الفاء من أولها .

    (45) (...) كم تفعيلة ؟واحد اتنين تلاتة أربعة ونص ، انتو عارفين (...) إذا بني على أربعة يبقى مجزوء ، على تلاتة يبقى مشطور ، على اتنين يبقى منهوك .

    (46) "هِ وأنزل التوراة والإنجيلا" عملت لنا متفاعلن متفاعلن متفاعلن تلات تفعيلات ، الأولى فيها متَفاعلن والتنين التانيين فيهم إضمار .

    (47) قرئت باطراح الواو من أولها .

    (48) قرئت بإشباع ميم (كنتم).

    (49) قرئت بإشباع ميم (رزقناهم) .

    (50) باظ الشطر التاني ، بالكو لو أن لفظ الجلالة ده استبدل بضميره .

    (51) قيلت : وما وقفتش هنا كتير عشان الوقت بس .

    (52) (...) القضية بتاعة كسر الوزن(...)مش كده ؟(...)بس فسد المعنى كمان(...)يعني عايز اقول لكم بس الله – سبحانه،وتعالى!- .

    (53) وعلى نفس المنوال(...)حصل فيه إيه(...)نقول عليه إيه؟ خبن(...) يعني مش بيت كامل(...). وقرأ الآية باطراح الواو من أولها .

    (54) قرئت الآية باطراح الواو من أولها .

    (55) قرئت الآية باطراح همزة الاستفهام من أولها . فسأل أحد الطلاب ضيفنا الكريم مستوضحا : هل حذفت من الأية همزة (أفكلما)؟ فأجاب : أنا حاذف الهمزة .

    (56) (...)شوفوا عدينا على كم آية ! "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم" خلاص دي بره الميزان ، أول الكلام الموزون بقى أوله إيه(...)طلعت إيه؟ كامل تام .

    (57) قرئت الآية باطراح الواو من أولها .

    (58) (...) توأمه يعني إيه(...)يفرقوا إيه؟ في التفعيلة الوسطى مستفعلن سبب خفيف واحد يحذف من مستفعلن تبقى فاعلن ، فعشان كده سموه توأمه .
    وحول الإشباع في الآية"قل هو الله أحد" دار هذا الحوار بين بعض الطلاب والضيف الكريم :
    الطالب : ليه الإشباع هنا؟
    أ.د. سالم : ليه ! عشان موسيقى الشعر .
    الطالب : بس قبلها ساكن .
    أ.د. سالم : قبل إيه؟
    الطالب : قبل الهاء ساكن .
    أ.د. سالم : دا الهاء ضمير ، يا ابني .
    الطالب : هاء الله .
    أ.د. سالم : أنا أخطأت في النحو؟
    بعض الطلاب : يقصد الهاء من كلمة (الله).
    أ.د. سالم : لأني محتاج إلى الإشباع ، عشان املأ التفعيلة ، وهذا جائز في الشعر العربي كله ، هذا في علم العروض ، مش اختراع من عندي .
    الطالب : ما انا عارف .
    أ.د. سالم :الله يبارك فيك !

    (59) (...) لأن أستغفر الله إن قلت لأن به قلقا(...) التفعيلة الوحيدة اللي بتنتهي بمتحرك ، فبتستوجب(...)احنا عندنا ديوان نادر مااعرفش انتو مش عارفينه ازاي ، اللي هو "لزوميات وقصائد أخرى" للأستاذ الكبير عبد اللطيف عبد الحليم .
    شارك أستاذنا الكريم معلقا بقوله : لا ده طلّع كتاب مستقل اسمه "من مقام المنسرح" ، واللي سماه له أحمد عبد المعطي حجازي ، قال له سميه من مقام المنسرح فسماه ، لا ده عندنا راجل منسرحي قديم !
    فقال ضيفنا الكريم : شيء خطير ! كله منسرح ومقتضب ومجتث .
    وأكمل أستاذنا تعليقه : وعلاقته بالمنسرح علاقة عضوية !

    (60) دي وقفتني مذهول ، بس لي تعليق هقوله دلوقتي بس يا رب نستوعبه(...)إزاي؟

    (61) (...) يبقى أربعة ، زي إيه؟

    (62) قرئت الآية "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبو" بالوقف على الواو لبيان الوزن .

    (63) قرئت الآية باطراح الواو من أولها .

    (64) (...)نعمل فيه إيه؟(...) التانية تختم بمتحرك ، واحدة من الاتنين ، طيب مااتختموش بمتحرك ، وجُم الاتنين تامين(...)نعمل فيها إيه؟ عارفين تبقى إيه؟تبقى مجتث ، عكس المجتث إيه؟مستفعلن فاعلاتن(...)عندي مولد تفعيلتين تامين ، فلعله كان مضارع بس الشاعر وهو ينظم ما خدش باله .
    (65) (...)الختام اهه ، خدوا بالكو قوي(...)فبادر أحد الطلاب قائلا : الدكتور محمود علي السمان(...)يعمل إيه؟ يحط الآية القرآنية قدامه الموزونة(...) الكتاب وقع في إيدي من 15 سنة ، وماكانش التصوير بالألكترون في الحال ده منتشر ، ففرطت فيه(...)ووصيت حد يجيبه لي مش لاقيه !

    (66) فقال ضيفنا الكريم رادّا هذا الزعم :لااااااااا .

    (67) "القافية الموحدة المقيدة وكلمتها في الشعر العماني" بحث لأستاذنا الكريم مطبوع في كتابه "سرب الوحش ، أبحاث نصية عروضية" .

    (68) صغت أنا الأسئلة بأقرب أسلوب اعتمادا على حضوري ، ذلك لصعوبة الاستماع إلى الأسئلة بسبب بعد الطلاب عن المسجل .

    (69) (...)مش قرآن بس ، ده قرآن كريم(...) مش كده، مش هو قرآن كريم(...) ماهيش مسألة ميول بس(...)طب ما العلماء بيقروه بقراءة العلماء زي الدكتور زغلول النجار .

    (70) فقال أستاذنا مبادرا مازحا : فرض على كل مسلم ومسلمة !

    (71) "هلهلة الشعر العربي القديم جزالة أو ركاكة" بحث لأستاذنا الكريم مطبوع في كتابه " إذا صح النص ، أبحاث نصية نحوية" .

    (72) فيأذن له ضيفنا الكريم ، وينبه أستاذنا الكريم : بس انجزوا عشان احنا خدنا الوقت .

    (73) لا أعرف اسم هذا الصحفي الضيف ، هذا نص الحوار بينه وبين أستاذنا الكريم :
    - أ.د. محمد جمال صقر : عرفنا بنفسك ، أنا حاسس انك من طلاب الشعر ، انت اللي كلمتني في التليفون؟ انت ايه حكايتك؟انت منين؟
    -الصحفي الشاب : أنا صحفي من الشروق ، وكنت في إعلام .(ذكر لسمه ،لكني لا أعرفه)
    -أ.د. محمد جمال صقر : بس انا حاسس حتى وانت بتسمع أستاذنا انك معاه ، انت ايه الحكاية ، انت خريج دار العلوم قبل إعلام وللا إيه؟ ما شاء الله عليك ! تفضل .

    (74) (...) الجماعة انت عارف الاعتصام والشغل ، انت عارف يا احمد ، هيعتقلونا النهار ده ، ما هيصدقوا يعتقلوني ، اعتقلوني ، اعتقلوني !

    (75) علق أستاذنا الكريم : أو إيقاعي ، جميل !

    (76) أذن له أستاذنا الكريم بقوله : انت مش مرتاح ، اتفضل !

    (77) (...) الراجل وهو راجع من الحج ، انتو عارفين القصة ، دعا الله(...)فوهو راجع بيستريح في الحتة دي اللي اسمها العروض السلسلة الجبلية ، وقعد يخبط ، فمراته قالت دا هو اتجنن ، وهو قاعد يستقرئ .

    (78) علق أستاذنا بدعابته الحاضرة دائما : يا مؤمن !

    (79) راحوا الجماعة الوحشين قاصين (هُجيتُ به) ، ورموها(...) يعني عاوز اوصل أقول ايه؟(...)ودي عايزة محاضرة لوحدها موقف النبي من الشعر ، ومحاضرة أخرى موقف الصحابة من الشعر .

    (80) زينب آخر حاجة ، زينب إكراما ليها بتيجي من المكتبة .

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    MI. U.S.A
    المشاركات
    3,553
    أعترف أنني مرت من هنا مرور الكرام . الموضوع هام جداً تصفحت وقرأت بعض ما جاء فيه. أغبطك أستاذنا خشان على الطاقة و القدرة الموسوعية لقراءة واستيعاب مواداً مطوّلة كهذه. لن نصل إلى هذا المكان أبداًنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954
    للــــــــــــــــــــــرفع

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954
    نشرت هذا التعليق في الفيس بك :
    " التراكيب العروضية في القرآن الكريم "
    عنوان محاضرة يشترك فيها الأستاذان
    د. محمد جمال صقر
    د. سالم عياد
    وهما قامتان أدبيتان سامقتان، ولا يشك أحد في ثقافتهما أصلتهما وإخلاصهما لدينهما وأمتهما
    الرجال يعرفون بالحق وليس الحق يعرف بالرجال.. لكن لا يعني هذا أن كل رجل قال شيئا لا يعجب القارئ فهول على باطل بالضرورة. لا بد من الفصل بين الموضوعي والذاتي.
    الهدف من نشر هذا الموضوع هو أن يعطي من يعارضون الفكرة اهتماما لدى معارضتهم لها وتناولها بموضوعية وعدم إلقاء الكلام والتهم جزافا.
    http://arood.com/vb/showthread.php?t=3773
    يقول د. محمد جمال صقر في الموضوع :" فهذه المحاضرة "التراكيب العروضية بين القرآن الكريم والحديث الشريف" التي استثارتكم هذه محاضرة مهمة ، تأتي أهميتها من أصل نزول الوحي ، منذ نزل الوحي حينما اختلف العرب في القرآن الكريم هذا شعر هذا ، هذا كأنه شعر هذا ، هذا كأنه شاعر ، يصفون الرسول - عليه الصلاة والسلام ! - بأنه شاعر ، ويحكمون على القرآن بأنه شعر ، وقد نفى ربنا – سبحانه ! - عن القرآن أنه شعر ، وعن الرسول أنه شاعر ، لكنْ هذا لم يلغ أصل الفكرة ، ما الذي جعل العرب تفكر أصلا في أن يكون هذا شعرا ، وفي أن يكون هذا شاعرا؟ ما التلاقي الذي جعلهم يفكرون في هذا ؟ لا بد من وجود تلاق ما ، فأصل مسألتنا أصل عويص ، وأصل مثير ، ولا يكفي فيه أن تأخذه على العموم ، وترتاح ؛ فهناك ناس يعملون في هذا ، ويروجون لأفكارهم ، شئت أم أبيت ، وقد ادعيت لكم دعوى لا أملك لها دليلا أن الصهاينة الآن ربما كانوا قد بحثوا المسألة ، وأسسوا فيها أصولا ، وأصلوا أصولا وفرعوا فروعا ، وهم يُدرِّسونها الآن في جامعاتهم ونحن نتحرج من أن نبحث المسألة ! لا ، هذه أمور لا يكفي فيها أن نعرض عنها ، لا يجوز ، ينبغي أن يَنتدِب لها المجاهدون من الباحثين، ومنهم الدكتور سالم . كل هذا من أجل وضع المسألة في موضعها الصحيح لكي تحسنوا الفهم عن أستاذنا الدكتور سالم ."

    ولي هنا تعليق:
    القرآن ليس شعرا وكذلك القرآن ليس نثرا ... " إنه قرآن كريم " صنفُ وحدِه. وما يعرض بينه وبين الشعر من جهة هو كالذي يعرض بينه وبين النثر من جهة أخرى ومرد ذلك إلى الخصائص العامة للغة العربية ومن تلك الخصائص أن الكلام العربي كله لا يخرج عن كونه متحركات وسواكن ومدود وبالتالي أسباب وأوتاد.
    بعض حسني النوايا يكادون في تنزيههم للقرآن الكريم يخرجونه عن العربية.
    القول بأن القرآن شعر هو كفر.. وإخراج القرآن عن خصائص العربية يطعن في معجزته، فليس من معنى لتحدي القرآن للعرب بأن يأتوا بمثله إن لم يكن هذا القرآن الكريم " عربيا مبينا " من جنس كلامهم وله ذات خصائصه، ومع ذلك يعجزهم بيانه ضمن سلسلة متصلة من صنوف الإعجاز التي أتمنى أن يسهم العروض الرقمي في كشف بعض منها يوما ما.
    قضيتنا ليست الموافقة على دعوى ما أو رفضها. بل القضية إعمال الفكر.
    ليتفق مع هذا القول من شاء وليرفضه من شاء. ولكن ليكن الأمر في الحالين إعمالا للفكر.
    إن معارضا لي يستعمل فكرة خير لي من مؤيد يصفق دون تفكير. فالأول يجعلني افكر وقد يدلني على خطئي فأصححه. أما الثاني فقد يشجعني على المضي في خطئي.
    من حرفوا كتب الله من الأمم السابقة حرموا التفكير لأنه يكشف تحريفهم . والحمد لله تعالى أن حفظ نص القرآن الكريم. والباقي معلوم.
    وهنا تكمن أهمية رسالة منهج الخليل بن أحمد في العروض كما يقدمها الرقمي وحده دون سواه. وفحواها أن الجزئيات على أهميتها لا ينبغي أن تطغى على المنهج. وتعطيل المنهج كفيل بالتمكين لاستعمال الجزئيات أداة لتحريف المنهج.
    وحسب القارئ أن يطلع على ردي على د. الكرباسي الذي جعل البحور 210 ودعاه اصحابه ( الخليل الثاني )
    https://sites.google.com/site/alaroo...e/zahrah-arood
    وجاء فيه :" وفي هذا الكتاب يتجلى الأثر المدمر لكثرة المعلومات في غياب المنهج. بل قل في كارثة ‏هيمنة منهج الحفظ على مفاتيح أبواب التفكير، الأمر الذي يقود صاحبه إلى استعمال تفاعيل الخليل منبتّة عن منهجه ليخرج بنتائج تحطم منهاج الخليل وتحطم معه في أشكالها الجديدة أوزان الشعر كما أبدعتها السليقة العربية السليمة التي لا يعدو عروض الخليل أن يكون تصويرا لها."

  12. #12
    {{د. ضياء الدين الجماس}} غير متواجد حالياً مُجاز في العروض الرقمي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2013
    المشاركات
    2,065
    الموضوع جميل شائق يجب التفقه به جيداً
    بارك الله بكم وجزاكم خيراً
    واتقوا الله ويعلمكم الله
    والله بكل شيء عليم

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط