الأسس النظرية لاشتقاق البحور في المنهج القياسي
================================
هذا المبحث بعتبر مبحثا إضافيا يهم المهتمين بالمنهج القياسي من المتخصصين والعروضيين ؛ ويمكن لعامة الدارسين الاطلاع عليه كنوع من زيادة المعلومات ؛ ولكنه ليس ضروريا لفهم ذات المنهج وإنما هو فقط يساعد على فهم طريقة وأسلوب تنظير المنهج.
نعلم أن التفعيلات الأساسية أو الأصلية في المنهج القياسي ثلاثة هي : تفعيلة الصدر وتفعيلة القلب وتفعيلة العجز ؛ كالآتي :
1- تفعيلة الصدر : 223 ويعبر عنها بلفظ : مفاعيلن
2- تفعيلة القلب : 232 ويعبر عنها بلفظ : فاعلاتن
3- تفعيلة العجز : 322 ويعبر عنها بلفظ : مستفعلن
والتفعيلات إذا وردت سالمة بنفس الصيغ الأصلية السابقة دون تغيير تسمى تفعيلة سالمة ؛ ويمكن اشتقاق كافة التفعيلات من هذه الصورة الأصلية السالمة بإجراء بعض التغييرات فتنتج منها كافة تفعيلات بحور الشعر.
ولنأخذ مثلا تفعيلة الصدر :
1- التفعيلة السالمة : 223 (مفاعيلن) سنرمز لها في هذا التنظير بالرمز : ص (ص بدون علامات تعني تفعيلة الصدر السالمة)
2- التفعيلة المثقلة (وتنشأ باستبدال سبب خفيف محدد بآخر ثقيل) : 23’2 (متفاعلن) وسنرمز لها بالرمز صَ (صَ عليها فتحة تعني تفعيلة الصدر المثقلة).
3- التفعيلة الثنائية ( وتنشأ بحذف أحد السببين) : 23 (فعولن) وسنرمز لها بالرمز صـ (صـ مستقيمة تعني تفعيلة الصدر الثنائية).
4- التفعيلة المفروقة (وتنشأ باستبدال الوتد المجموع بوتد مفروق) : 3’22 (فاع لاتن) وسنرمز لها بالرمز صُ (صُ عليها ضمة تعني تفعيلة الصدر المفروقة)
إذن أصبح عندنا أربع تفعيلات من منظومة الصدر هي : ص ، صَ ، صـ ، صُ ؛ وكذلك يتكون عندنا أربع تفعيلات من منظومة القلب وأربعة أخرى من منظومة العجز
وبذلك يصبح مجموع التفعيلات 4×3 = 12 (اثنى عشر) ؛ ولكن التفعيلات المعروفة في التقليدي هي عشرة فقط فكيف هذا ؟
نقول : هناك واحدة مكررة فتفعيلة القلب الثنائية (قـ = 32) هي نفسها تفعيلة العجز الثنائية (عـ = 32) وبذلك تكون التفعيلات أحد عشر فقط ومازالت المشكلة قائمة فالتفعيلات في التقليدي عشرة فقط فما هي التفعيلة الزائدة؟؟
نقول أن هناك تفعيلة مهملة تظهر في هذا التنظير وهي تفعيلة القلب المثقلة (قَ = 232’) أي فاعلاتنُ بتحريك النون أو فاعلاتك كما يسميها البعض ؛ وهي تفعيلة بحر المتوفر المهمل ، ونعلم أن التنظير يأتي بجميع البحور مستعملها ومهملها وكذلك يأتي بجميع التفعيلات مستعملها ومهملها ؛ وبذلك تحل إشكالية التفعيلة الحادية عشرة.
والنظرية الأساسية في العروض القياسي هي أن البحور تتشكل من تفعيلات منظومة واحدة فقط ، ولا يوجد بحر تختلط فيه تفعيلة منظومة ما بتفعيلة منظومة أخرى.
بمعنى أن البحر إما أن يكون صدرا كله أو قلبا كله أو عجزا كله وليس مسموحا باختلاطها معا.
وهذه القاعدة أساسية للغاية ؛ إذ سنكتشف أن جل المغالطات تحدث نتيجة أي تنظير جديد يخالف هذه القاعدة كما في نهج مستجير ؛ فقد خالف مستجير هذه النظرية بخلط تفعيلات منظومات مختلفة في البحر الواحد فنشأ عن ذلك تساؤلات مستعصية لا تجد لها إجابة شافية فضلا عن أن كثير من تلك البحور فيها مخالفات صارخة لمنهج الخليل ، بل وتسبب ذلك في نشأة أحكام للتفعيلات مخالفة أيضا لمنهج الخليل وليس المجال الآن يسمح بمناقشتها.
والآن لنتأمل في المنهج القياسي قليلا ولنرمز لتفعيلات المنظومات برمز عام يشملها جميعا وليكن : ن (حيث ن هي رمز تفعيلة أي منظومة سالمة أي يمكن أن تكون : ن = ص أو ق أو ع)
وكذلك نَ هي التفعيلة المثقلة لأي منظومة أي يمكن أن تكون صَ أو قَ أو عَ
وكذلك نـ هي التفعيلة الثنائية لأي منظومة أي يمكن أن تكون صـ أو قـ أو عـ
وكذلك نُ هي رمز التفعيلة المفروقة لأي منظومة أي يمكن أن تكون صُ أو قُ أو عٌ
والآن لنرى بحور الشعر في التنظير القياسي :
علمنا أن التفعيلات يمكن أن تكون أربعة أنواع :
1- ن
2- نَ
3- نـ
4- نُ
ويمكن للبحور أن تنشأ كالآتي :
أولا - البحور ذوات التفعيلة الواحدة
====================
التفعيلات الثلاثة الأولى يمكن ان تتكرر فتشكل البحور ذوات التفعيلة الواحدة هكذا :
1- ن ن ن
2- نَ نَ نَ
3- نـ نـ نـ نـ
( نلاحظ أن التفعيلات في البحر الثالث أربع لأن مع التفعيلات الثنائية يتكون البحر من أربع تفعيلات)
وبالطبع فإن التفعيلات يجب أن تكون من منظومة واحدة في البحر الواحد.
وعند تطبيق ذلك على كافة المنظومات فسنجد أن بعض البحور مهملة أو مكررة
ثانيا - البحور الممتزجة
==============
ويمكن أن ينشأ بحران ممتزجان من التفعيلة الأولى والثالثة بشرط أن يكونا أيضا من منظومة واحدة وهذان البحران يكونان كالتالي :
أ- ن نـ ن نـ
ب- نـ ن نـ ن
وسنجد دائما أن أحدهما مستعمل والآخر إما مهمل أو مكرر ، كم سيتضح لمن يحاول تطبيق ذلك وسوف نتناوله فيما بعد بشيء من التفصيل.
ثالثا - البحور المفروقة (المشتبهة)
====================
والآن إلى التفعيلة الرابعة وهي المفروقة : نُ
فنجد أن هذه التفعيلة لا يتكون منها بحر بتكرارها مثل أخواتها، وإنما هي تحل مرة واحدة محل إحدى التفعيلات السالمة فينشأ عن ذلك ثلاث بحور في كل منظومة هكذا :
أ- نُ ن ن
ب- ن نُ ن
ج- ن ن نُ
وعند التطبيق على جميع المنظومات سينتج تسعة بحور ؛ وسنجد أن هذه البحور المفروقة بعضها مستعمل وبعضها مهمل.
وغني عن القول أن التفعيلات كلها يجب أن تكون من منظومة واحدة فلا يصح خلط الصدر بالقلب أو العجز أو خلط العجز بالقلب أو الصدر.
وعند تطبيق هذه لأسس سنجد أنها متفقة تماما مع منهج الخليل ولا تفارقه قيد شعرة ، وهذا مهم للغاية إذا علمنا أن الخليل وأهل زمانه يعبرون عن الذائقة العربية الأصيلة التي كانوا يمتلكونها ويعايشونها ، وليس من المحدثين والمعاصرين من يستطيع ادعاء أنه يمتلك تلك الذائقة أو يعايشها ، حيث هجنت هذه الذائقة ؛ وأصبحت الذائقة الأصيلة لا يمكن استسقائها إلا من مصادرها الأصلية الأولى.
أما مخالفة هذه الأسس فلا بد لها أن تأتي بمغالطات وتساؤلات مستعصية لا يوجد لها إجابة شافية.
ولنا عودة لتفصيل ذلك إن شاء الله.
ومن كان عنده تساؤلات عاجلة يمكن أن يطرحها لنجيبه عنها بمشيئة الله تعالى.
ثم لنا لقاء بعد ذلك حول الأسس النظرية للتغييرات كالزحافات والعللل والتغييرات المركبة.
وإلى لقاء آخر إن شاء الله
دمتم بخير
المفضلات