نظرا لما رأيته من أهمية هذا الموضوع لأستاذي د. عمر خلوف المنشور على الرابط:
https://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=50521
ولما لحقه من تشويه الحروف الانجليزية الناجم عن تعطل تنسيق الأبيات. فقد رأيت إعادة نشره بعد حذف تلك الحروف. واتبعت ذلك بملخص وببعض التعليق.
البحر السريع
بحر يتدفق عذوبةً وسلاسة، يقال: إنه سمي بذلك لسرعة النطق به.
وهو أشبه البحور بالرجز، على الرغم من افتراقه عنه، وطالما ارتجز الشعراء به، ومع ذلك وصفه القرطاجني بالكزازة، أي الانقباض واليبس! كما وصمه د.إبراهيم أنيس باضطراب الموسيقى! وادّعى قلة النظم عليه قديماً وحديثاً!، بل تنبأ -ظلماً- بانقراضه مع الزمن!!
وهي جميعها ادّعاءات باطلة، يدحضها ما تذخر به دواوين الشعر العربي قديماً وحديثاً من المنظوم عليه، وربما كان أكثر استخداماً لدى الشعراء من الرجز.
يقوم إيقاعه الجميل على تناغم الوحدتين الوزنيتين (مستفعلن) مكررة، و(فاعلن) التي تُميز البحر عن الرجز.
وله في العروض الخليلي ستة قوالب مستعملة بكثرة:
1- مستفعلن مستفعلن فاعلاتن=مستفعلن مستفعلن فاعلاتن
قالب مستحدَثٌ، وجدتُ له عدداً من الشواهد الحقيقية، وقد استغرب د.أمين سالم ورود هذا الضرب في بيتيين لابن المعتز.
ويذكر هنا أن هذا الوزن هو وزن (المسحوب) النبطي "وهو لحنٌ محبب للمغنين، كما [أنه من] أكثر البحور رواجاً لدى شعراء النبط".
يقول شوقي بغدادي:
أنا على المقعدِ ثاوٍ قريرُ=وشَمسُ (نُوفَمْبَرَ) دِفْءٌ ونورُ
والمسرحُ الكبيرُ وَجْهٌ مَهيبٌ=قُبالَتي، يشيعُ فيه السرورُ
إلى يميني طفلةٌ في فِراءٍ=تركضُ حولَ بِرْكةٍ، تستديرُ
كأنّها فيهِ طابةٌ دَحرَجوها=شيءٌ على الأرضِ كبيرٌ صغيرُ
وبعضُ أترابٍ لها في مِراحٍ=كأنهم أرانبٌ أو طيورُ
ولا يفوتني هنا أن أقول: إن الوقوف على أواخر أبيات هذا الضرب بإسكان أواخرها سيعمل على استخراج القالب التجديدي الثاني، بضربه (فاعلان) بدل (فاعلاتن).
كما يجوز هنا إيراد الضرب (فاعلن) ليكون شكلاً تجديدياً ثالثاً
ولكنني لم أحظ بمثال لهذين الضربين بعد، فلم أدرجهما هنا.
2- مستفعلن مستفعلن فاعلن=مستفعلن مستفعلن فاعلاتن
وهو قالب مستحدَثٌ نادر، يظهر لي أنه أصل البحر السريع.
له من الشواهد الحقيقية قول ابن المعتز:
يا ليلتي بالكَرْخِ هلْ مِنْ مَزيدِ=إنْ لم تدومي هكذا لي فعُودي
لا أستطيلُ الليلَ منْ بعدِها=يا حبذا الليلُ وطولُ السُّهودِ
ما زالَ يسقينِيَ منْ كَفِّهِ=بدْرٌ منيرٌ طالِعٌ بالسعودِ
حتى تَوَفَّى السُّكْرُ عقلي وألـْ=ـقاني نُعاسٌ بين نايٍ وعودِ
3- مستفعلن مستفعلن فاعلن=مستفعلن مستفعلن فعْلانْ
قالبٌ مستحدثٌ، صدره للسريع، وعجزه للرجز (فعْلانْ=مفعولْ)، شقّقوه بتذييل الضرب (فعْلن) بحرف ساكن بعده، وقد وجدتُ له عدداً من الشواهد الحديثة.
يقول عبد الرحمن صدقي، من قصيدة طويلة:
يا ربّةَ الحسْنِ، هنا مَجْلاهْ=في دميةٍ تمَثّلَتْ مَعْناهْ
أودَعَها الفنانُ ما قد رأى=خيالُه الحالمُ في رُؤياهْ
حقّقَ للقومِ أساطيرَهمْ=في وصْفِ (فينوسَ) بما سَوّاهْ
كم عابدٍ علّقَ أنفاسَهُ=مُستلهِماً هذا اللمَى والفاهْ
وكم بمحرابِكِ من ساهِرٍ=ليلَتَهُ، يبكي على لَيلاهْ
4- مستفعلن مستفعلن فاعلن=مستفعلن مستفعلن مفعولن
قالبٌ مستحدثٌ كذلك، صدره للسريع، وعجزه للرجز كما هو واضح، شقّقوه بترفيل الضرب (فعْلن) بسبب خفيف بعده، وقد وجدتُ له عدداً من الشواهد الحديثة.
يقول إبراهيم العريض:
إنّ السماءَ مُظلِمٌ جَوُّها=كأنّما اكتسَتْ لها جلبابا
كأنما على القُرَى خيمةٌ=منَ الدّجَى مدّتْ لها أطنابا
وانظرْ إلى الطيورِ منْ ذعْرِها=تطيرُ في جُنْحِ الدّجَى أسرابا
ويقصِفُ الرعدُ بها صارِخاً=ويُومِضُ لبيرقُ بها خَلاّبا
وتنجلي الغيومُ عن جَوِّها=بهاطِلٍ تُرسِلُهُ تَسْكابا
5- مستفعلن مستفعلن فاعلن=مستفعلن مستفعلن فاعْ
قالبٌ مستحدثٌ كذلك، وضعته قياساً، بحذف النون من (فعْلن) وإسكان اللام قبلها، ثم وجدت له شاهده في قول محمد بن الأشعث، أو إسماعيل بن عمار الأسدي:
أيّةُ حالٍ يا ابنَ رامِينْ=حالُ المُحبّينَ المساكينْ
تركتَهمْ مَوتَى، وما مُوِّتوا=قد جُرِّعوا منكَ الأَمَرّينْ
وسِرْتَ في رَكْبٍ على طيّةٍ=ركْبَ تهامٍ ويَمانينِ
يا راعيَ الذَّوْدِ لقد رُعْتَنا=ويلَكَ منْ رَوْعِ المُحبينْ
فرّقتَ جَمْعاً لا يُرَى مثلهمْ=فَجَعْتهمْ بالرّبرَبِ العِينْ
6- مستفعلن مستفعلن فاعلن=مستفعلن مستفعلن فَعْ
قالبٌ مستحدثٌ، ذكره ابن القطاع، والشنتريني، ومثّلا له بقوله:
قَومٌ بعُسفانَ عَهِدْناهُمُ=سَقاهُمُ اللهُ على نَوْ
نَوءُ السّماكَينِ، فرَوّاهُمُ=بَرْقٌ يُرَى إيماضُهُ ضَوْ
7- مستفعلن مستفعلن فعْلن=مستفعلن مستفعلن فاعلانْ
واضح أن صدر هذا القالب للرجز، وعجزه للسريع. وأكثر ما يصلح للموشحات، وكثر استخدامه مقلوباً، كما في قول فاروق شوشة:
عيناكِ يا فيروزتي معبَدايْ=قرأتُ في عُمقِهِما عُمْري
وقصّةً أفرَغْتُ فيها أَسايْ=ينثالُ في غَورَيهما.. يجري
يا طائري ضَلّتْ طويلاً خُطايْ=واقتادني الماضي إلى الأسْرِ
إنْ ألتفِتْ تلفحْ جبيني رُؤايْ=منقوشةً في ذلك الصخرِ
عيناكِ لم تَعبرْهما مقلتايْ=إلاّ وضَجَّ الوهْمُ في فكْري
المشطورات:
بغض النظر عن القالبين المشطورين السابقين، واللذين أعدناهما إلى حظيرة الرجز، وهي أحق بهما، فنحن نورد للبحر السريع عدداً من قوالبه الحقيقية المشطورة مع أمثلتها.
1- مستفعلن مستفعلن فاعلاتنْ
يقول أحمد عنبر:
على رُباها من قديم الزمانِ
أصْلُ المُروءات الكرامِ الحسانِ
ودْيانُها تَموجُ بالأقْحُوانِ
وبِيدُها تُنْبِتُ خيلَ الطّعانِ
2- مستفعلن مستفعلن فاعلانْ
كتب عليه عدد من القدماء والمحدثين. ولكن الغريب أن يزنه د.حسن الكبير على: (مستفعلن مستفعلن مفعُلاتْ)، متوهماً أنه من الأوزان الجديدة التي اخترعها المهجريون، ومعتبراً أنها مشتقّة من المنسرح، ومُخَطِّئاً مَنْ نسبَها إلى السريع، قائلاً: "وأرى أن أجزاء السريع المكونة من: (فاعلاتن فاعلاتن فاعلن) مرتين!، لا صِلةَ بينها وبين هذا الوزن الذي لم ترد فيه إحدى هذه التفاعيل صحيحة، أو حتّى بعد إدخال بعض العلل عليها!! وواضح أنه يخلط بين الرمل والسريع!!
يقول ابن قلاقس:
أبَعْدَ شَيبي لِشَبابي إيابْ؟
هيهات لا يرجعُ شَرْخُ الشبابْ
وظَبيةٍ مثل ظِباءِ الشِّعابْ
رقيقةِ الخدَّينِ مثل الشرابْ
في ثغرها الشّهْدُ لَعَمْري مُذابْ
طوبَى لِمَنْ يرشُفُ ذاكَ الرضابْ
3- مستفعلن مستفعلن فاعلن
مثاله ما أورد ابن قتيبة في عيون الأخبار من قول الشاعر:
ما ضاقتِ الأرضُ على راغِبِ
يطَّلِبُ الرّزْقَ ولا هارِبِ
بل ضاقتِ الأرضُ على طالِبِ
أصبحَ يشكو جفْوَةَ الحاجِبِ
إنتهى النقل.
************************************
هذا تلخيص لما تفضل به أستاذي د. عمر خلوف على الرابط:
https://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=50521
حول الأوزان المستحدثة المشتقة من بحر السريع
************************************
تعليق
الصورة 7 حيث ينتهي الصدر بالسببين 22 لا تكون – باستثناء مجزوء الوافر والهزج - إلا في حال التصريع المزدوج. كما هو مفصل على الرابط:
https://sites.google.com/site/alaroo...me/22-sadr-end
والصورة 7.1 علة تشبه التذييل ولا تظهر في آخر الصدر وهي علامة من علامات القافية وهي بالتالي لا تظهر في آخر الصدر إلا في حالة التذييل المزدوج، كما هو مفصل على الرابط:
https://www.blogger.com/blogger.g?bl...0;src=postname
وقد جاء الشاهدان اللذان أوردهما أستاذنا مصداقا لذلك.
**
4- مستفعلن مستفعلن فعِلن=مستفعلن مستفعلن فعِلن
هو قالب خليلي جاهلي، كان محلاًّ للكثير من الجدل بين العلماء، ذلك أن معظم قصائده القديمة الأولى خلطت بين الضربين (فعِلن) و(فعْلن)، بل ربما خلطت معهما الضرب (فاعلن) أيضاً، والغريب أيضاً أن تكون معظم قصائده الجاهلية (مقيدة الروي)!
بينما أجاز الأخفش الجمعَ بينهما مشروطاً، فقال في باب ما يجوز من الساكن مع المتحرك في ضرب واحد: "فمِنْ ذلك (فعْلن) في السريع، يجوز مع (فعِلن) إذا كان مقيّداً، ولا يجوز في الإطلاق".
وقد قام الشنتريني بالفصل بين الضربين (فعِلن) و(فعْلن)، قائلاً: " بل كلّ واحدٍ منهما ضربٌ على حاله، ولا يصحّ الجمع بينهما" .
ونحن نرى الفصل بين الضربين، مع الإشارة إلى الخلط بينهما في بعض القصائد الجاهلية القديمة، خاصة في القافية المقيدة، غير المردوفة ولا المؤسسة.
وقد قرأت هذا المضمون لأستاذي سليمان أبو ستة. ولعل هذا مما تتسامح بقبوله الأذن في أي بحر وجد . فليت أستاذنا سليمان يعيد نشر ذلك لتوثيقه في هذا الرابط.
المفضلات