http://www.mojtamai.com/books/compon...%D8%A8?start=3
9-العلاقة بين دلالة اللفظ ومقلوبه هل هي علاقة تضاد؟
ذهب أحد الباحثين في الدورة العالمية الخامسة (للسانيات)، وقد عقدت بدمشق في صيف عام (1980م و1399هـ )، إلى أنك إذا ترصدت اللفظ ومقلوبه عامة ألفيتهما على معنيين متضادين. والباحث هو الأستاذ محمد عنبر، وقد كتب في تقرير مذهبه هذا رسالة مطولة تقع في نحو ستمائة صفحة، وجعل عنوانها (الحرف العربي أو ديالكتيك الألفاظ).
وقد أهدى إلى مجمع اللغة العربية بدمشق نسخة منها وطالب بإعمال النظر فيها والإيعاز في طبعها. ولا أعلم أن المجمع قد فرق له رأي فيما جاء به الباحث، ولعله يفعل ذلك فيعلنه في عدد قادم من مجلته الفصلية.
أقول خلوت إلى الكتاب واستفضلت له شيئاً من وسعي فتصفحت بعض ما فيه وابتغيت معالمه وتلمست سره، فأكبرت جهد الأستاذ وأعظمت ما تكلف في تحقيق مطلبه من صعد، وتحمل في التماس الوسائل إليه من نصَب ورهق. وإذا كنت لم أمل إلى مذهبه أو أنزع إلى مقالته، فلا شكّ أنه أعدّ للأمر عدته وتذرع له بذرائعه وتآدى بأداته. وفي ذلك ما فيه من خدمة العربية. وإنما يستبين خصوص اللغة بكثرة البحث ويتكشف سرها ومكنونها بموالاة الدرس.
ولم يمنعني من متابعة المؤلف ومجاراته أنه قد جنح إلى مذهبه طريف تفرد به فلم ينح فيه نحو أحد من الباحثين فيسلك طريقته ويقفو أثره ويطأ مواضع قدمه، فقد يهدي جهد الباحث، فيما يطلب، إلى ما لم يسبق به حدس، ويقتاد إلى ما لم يسنح في فكر أو يخطر في بال. لكني تدبرت ما جاء به من أدلة، وروأت فيما ساق من حجج وبسط من شواهد، فألفيت فيها موضعاً للقول ومحلاً للنظر، فأردت أن أدلي في ذلك برأيي، استقصاء للبحث في باب يتسع فيه القول وتتشعب وجوهه.
-وطأ المؤلف بادئ الرأي لبحثه فذهب إلى أن في كل لفظ وجهين مجتمعين، فهو من حيث الصوت حركة طبيعية.. ومن حيث المعنى سمة إنسانية. ومن حيث أنه صوت ومعنى يجمع الطبيعة والإنسانية جميعاً (ص\5). وكلامه هذا سديد. وقد بسطت القول فيه، في مقال عقدته في المجلة حول نشوء اللغات عامة، ومذهب الأرسوزي فيه خاصة.
-وتحدث عن الثنائي والثلاثي في نشوء العربية وتناميها فقال: (فالثنائي هو الأصل في العربية، والخلية الأولى موطن التشابه الأول في الاحياء. أما الثلاثي فهو الذي يؤرخ وجه الإنسانية فيها. فالألفاظ الثلاثية تعبر عن السمة الإنسانية السوية التي جاءت في أحسن تقويم.. والثلاثي قائم على جهة الثنائي الأصل، ولم يخرج عليها. وقد اعتبره أهلها أصلاً لكل ما يقبل التصرف فيها \ 4). وكلام المؤلف فيه واضح، وقد طوينا على ذلك باباً من مقالنا السابق، في بسط هذا الموجز وتقريب بعيده.
-وأجرى المؤلف الكلام على المعنى الذي يعد (أصلاً) في المادة، فتتشعب عنه دلالاتها فقال: (ولعل الأصول الأولى في اللغات بمثابة العناصر الأولى في المادة، فكما أن من الممكن أن تتولد من هذه العناصر أصناف لا حد لها من التراكيب، فإن من الممكن أيضاً أن تتولد في اللفظ الواحد معان لا نهاية لها بطريق المجاز. وما المعاني الواردة في المعجمات تحت كل مادة من موادها إلا مجازات يمكن أن تزداد زيادة لا حدود لها)، وأردف: (والذي دعا إلى التقيد بما ورد من معان في كتب اللغة أن هذه المعاني جاءت موصولة الرحم بأصلها، وثيقة الصلة بأصلها الأول الذي صدرت عنه وبنيت عليه. وقد صدرت.. صدور الماء من الينبوع\ 14). قلت كلام المؤلف في هذا سديد، وهو متصل بما عقدناه في المجلة حول تدرج معاني الكلم، والاشتقاق.
-وقال المؤلف: (وإذا جاء عنهم أن الأصل في ذلك هو كذا، فإن هذا الأصل المنصوص عليه لا يعدو أن يكون من باب التقريب، ولإيضاح وجهة اللفظ أكثر مما هو من باب التحديد والتعيين\ 14). ورأي الأستاذ في هذا وجيه أصيل لا غبار عليه. ولكن كيف السبيل إلى (الكشف عن الأصل) في كل مادة؟
-التمس المؤلف إلى بغيته في ذلك وسيلة طريفة ومساغاً جديداً فقال: (والطريق إلى معرفة الأصل هو معرفة الأضداد\ 15). وهو لا يعني بالأضداد ما اتفقت وجهة الأئمة فيه أو غلب رأي جمهورهم أو أجمع، على الأخذ به، بل قصد شيئاً آخر فقال: (فهل هذه الأضداد هي الأضداد المعروفة والموجودة في كتب اللغة والتي هي في مثل قولهم: العلم ضد الجهل، والشك ضد اليقين، والظلام ضد النور)، وأردف: (ان هذه الأضداد ليست هي الأضداد المقصودة هنا وهي ليست بالأضداد القائمة في الألفاظ ذاتها، ويمكن أن يقال عنها انها أضداد تقليدية. وقد يعجب القارئ من هذا الكلام. فالموضوع ليس إنكار التضاد القائم بينها، لأن ما نحن بصدده إنما هو الأضداد المتقابلة التي تؤلف السداة واللحمة في نسيج هذا الوجود القائم. والأضداد المتعارف عليها ليست كذلك\ 85 و16). فهو قد تذرع إلى ضبط معنى الألفاظ عامة بالبحث عن أضدادها المتقابلة فقال: (وكذلك يمكن تحديد معنى الألفاظ كلها في هذه اللغة بمقارنتها بأضدادها.. وبهذه المقارنة يكون الوصول إلى كلمة الفصل في الموضوع\ 27).
-وهو لا يروم بالمعنى (الأصل) ما أراده الأئمة، وإنما يبغي به ما أسماه (وجهة المعنى أو اتجاهه). فانظر إليه يقول: (هل لهذا المعنى – الأصل – في صورته الأولية وجود مستقل عن الوجهة، أم أن وجوده في الوجهة ذاتها، أو هو الوجهة ذاتها\ 46). ويقول أيضاً: (فاللفظ الأصل يتجلى وجوده في اتجاهه\ 47).
-ويذكِّر هذا بمقالة أصحاب المنطق في أن لكل قضية مادة ووجهة. فمادة القضية كيفيتها، أما وجهتها فهي نسبتها إلى سلب أو إيجاب. وإذا كان الاختلاف بين الكيفيتين يصير إلى التضاد، فالاختلاف بين الوجهتين يؤول إلى التنافي. والتقابل بين السلب والإيجاب، أقوى من التقابل بين المتضادين.
-ولا يتأتى أو يتسنى الكشف هنا عمّا أرده المؤلف بقوله (الأضداد المتقابلة) وقوله (وجهة المعنى أو اتجاهه) حتى نعرض لأمثلته التي ساقها في تأييد مذهبه وتوثيق حجته، فنبلو سرها ونتعرف كنهها وفحواها.
-وقد اقتصرنا فيما أوردناه من كلام المؤلف على ما عرض فيه للناحية اللغوية، وأقصرنا بل أمسكنا عمّا نحا فيه نحو الفلسفة لئلا يعدل بنا عمّا نحن فيه من البحث اللغوي الصرف، فيلتبس على القارئ وجهته فيكون منه على غمة وحيرة.
من ذلك قول المؤلف: (اليوم في مجلس كبار علماء الطبيعة أنهم يقتفون في مختبراتهم أثر اكتشاف جديد هائل.. ألا وهو اكتشاف ما يسمى – مضاد المادة – ويعني وجود مضاد المادة فناء لكل مادة، والعكس صحيح في حالة تواجههما. ويؤمن كثير من العلماء إيماناً عميقاً بوجود مضاد المادة.. حتى انه يظن أن الضدين – المادة ومضاد المادة – قد خلقا في آن واحد، ساعة خلق هذا الكون. ومن نفس الأصل، وربما كان لها نفس تطور المادة، ولكنها لا تحمل شيئاً من صفات المادة المتعارف عليها. وتركيبها الفيزيائي والذري يماثل تماماً تركيب المادة التي نعرفها، ولكن بطريقة معاكسة..\ 29). وقوله: (في الملاحظة الآنفة الذكر اتساق مع منطق الجدلية التي ينطق بها هذا الحرف العربي ويعلنها نظام ألفاظه في تركيب كلماته. فاللفظ يحوي ضده في ذاته، وضده في ذاته ذو اتجاه يعاكس اتجاهه..\30).
وخير ما نستعين به لإيضاح مذهب المؤلف وإماطة حجابه والإفصاح عن مضمونه، أن تأتي بما أورده من الأمثلة مستظهراً بها على سداد منهاجه وصدق دعواه، فنعمد إلى تأملها واختبارها لنبت فيها حكماً ونبرم رأياً.
10-دلالة المقلوب في الثنائي المضاعف
-مثل المؤلف في (محاضرته) للمضاعف بـ (جنَّ ونجَّ) فقال: (وهذا الكشف الذي يظهر أوّل مرة في العالم سبق للعلاّمة ابن جني أن قال ان جميع تقليبات اللفظ تتجه إلى صفة واحدة، أي أن لفظ – جن – يتجه في جميع تقليباته إلى الستر) وأردف (ولو قال إن جّنَّ تعني الاستتار، ونجّ تعني الظهور من قولهم تجّت القرحة إذا خرج منها ما فيها من قيح، وبرز، وعمم ذلك على ألفاظ العربية لكان للأمر شأن آخر، ولكنه لم يصل إلى ذلك. وهذا الكشف ينتهي إلى قانون: ضد اللفظ قائم فيه. والجديد فيه جانبه اللغوي. أما القانون نفسه فهو معروف قديماً).
أقول: فيما حكاه المؤلف في (محاضرته) عن ابن جني نظر. وهو لم يذكر الموضع الذي نقل منه هذا القول. ذلك أن المقصود هاهنا مشتقات اللفظ لا تقاليبه. فالتقاليب عند ابن جني كما رأيت هي الصور الحاصلة بتغيير مواضع الأحرف في المادة، وهي للثلاثي ستة تقاليب، أما للمضاعف فتقليبان لا ثالث لهما.
وحكى المؤلف (في كتابه\ 115) نحواً من هذا عن ابن فارس في المقاييس، والحكاية صحيحة.
قال المؤلف: (ولكنه حين قال: إن الجيم والنون تدلان أبداً على الستر، قد قال نصف الحقيقة فقط، فهما كذلك حين تكون الجيم أولاً والنون آخراً. أما حين ينعكس الأمر وتكون النون أولاً والجيم آخراً، فإن الآخر ينعكس وتصبح – ن ج – للبيان والظهور).
والذي يعنينا من المسألة الجانب اللغوي. فـ (جنّ) تعني (ستر)، لا شك في ذلك. ففي الصحاح: (جننت الميت وأجننته واريته، وأجننت الشيء في صدري أكننته. وأجتنت المرأة ولداً، والجنين الولد ما دام في البطن). ولكن ما الذي يعنيه مقلوب (جنَّ) وهو نجَّ)؟
قال صاحب المقاييس: (النون والجيم أصل يدل على تحرك واضطراب وشبيه ذلك)، ثم قال: (ونجَّت القرحة سالت). ولم يذكر للمادة أصلاً معنوياً آخر. والذي سال وتحرك دم الجرح أو مدته أي قيحه. قال الجوهري: (نجَّت القرحة تنجُّ بالكسر نجيجاً سالت بما فيها).
وقال ابن القوطية: (ونج الجرح نجيجاً سال دمه) وجاء في التاج (ونجّ أسرع فهو نجوج) وإذا التبس معنى المضاعف الثنائي عُوّل على المضاعف الرباعي، كما فعل المؤلف نفسه في مواضع كثيرة من أمثلته، فما معنى (تجنج)؟
قال الجوهري في الصحاح:
(نجنجت الرجل حركته.. ونجنج إبله إذا رددها على الحوض.. والنجنجة ترديد الرأي.. والنجنجة الجولة عند الفزع).
ونحو من ذلك ما جاء في اللسان والتاج. ففي اللسان (النجنجة التحريك والتقليب، ويقال نجنج أمرك فلعلك تجد إلى الخروج سبيلاً). وفي التاج: (نجنج إذا حرّك وقلب، وتنجنج: تحيَّر واضطرب).
فـ (نَجَّ) إذاً لا يعني ظهر ولا برز، كما تراءى للمؤلف، وإنما يعني تحرّك واضطرب وسال وجرى وعدا، هذا معناه وهذه وجهته. ونجنجه حركه وقلبه. فكيف يكون (نج) هذا مضاداً لـ (جنَّ) الذي يعني (الستر) أو جارياً في عكس وجهته؟
ولا شك أن باب الأمر في هذا تحقيق أصل المعنى ووجهته، لا ما بدا منه وسنح أول وهلة. أو ليس حد الأصل أن يتأتى رد الفرع إليه؟ فإذا كان أصل المعنى في (نج) برز وظهر، كما ذهب إليه المؤلف، فهل يتسنى أن تعزو إليه (نجَّ: أسرع فهو نجوج، ونجنج إذا حرّك وقلَّب، وتنجنج إذا تحيَّر واضطرب)؟
أقول هذا إذا تذرعنا باستقراء معاني كل من (جنّ) و(نجَّ). فإذا عجنا بوسيلة أخرى هي (التحليل) فحاولنا تدبر المعنى الذي يمكن أن يكون عليه من اللفظين بالعودة إلى حرفيهما ومراعاة موقع كل من صاحبه، خلصنا إلى ما وراء الدلالة التي عزيت إليهما. ولكن لا بد هاهنا من التعويل على (الحدس) والحدس كما لا يخفى أول الكشف، والسبيل إليه.
فإذا توسلنا بالتحليل القائم على الحدس (وحدسُنا هذا مسنون لا عبث فيه ولا رجم) كان لا مناص من معرفة الدلالة الأولى للجيم والنون، وما يترتب على تعاقب هاتين الدلالتين في تأليف معنى اللفظ.
أما (الجيم) فيبدو أنها تعني (التحرك) كما يتضح من (أجّ و بجّ و حجّ و دجّ و رجّ و زجّ وضجّ و عجّ و مجّ ونجّ وهجّ)2.
وأما (النون) فتدل على الستر والخبء والتطامن والضعف، كما يتضح ذلك من (أن وجن وحن ودن وذن ورن وشنّ وصنّ وضن وظن وغن وكن ومن وهن)3.
وسترى أن الحرف الثاني، المشدد، هو الذي يطغى على معنى اللفظ، وإن شف هذا المعنى عن دلالة الحرفين جميعاً، ومن ثم أتينا للاستدلال على معنى الجيم بما انتهى من المضاعف بهذا الحرف، وعلى النون بما ختم من المضاعف بالنون.
فمعنى (جن) على هذا أن شيئاً متحركاً قد اختبأ واستتر، وهو واضح في معنى (الجنين) و(الجنّ)، ومعنى (نجّ) أن شيئاً مخبوءاً مستوراً قد تحرك، وهذا جلي في قولك (نجت القرحة) إذا سالت بصديدها أو دمها. وليس معنى كل من اللفظين مناقضاً لمعنى الآخر، وإنما اختلف تعاقب دلالتي المحرفين في كل منهما، فسبق في (جن) الشيء المتحرك وتبعه ما دل على أنه مخبوء وطغى (الخبء) على معنى اللفظ، كما تقدم في (نجّ) الشيء المخبوء وتبعه ما دلّ على أنه متحرّك، وغلب التحرك على معناه.
ولكن هل يتأتى أن يكون المقلوب مضاداً للمقلوب عنه؟ أقول يتراءى هذا إذا تألف اللفظ المضاعف من حرفين يدل كل منهما على نقيض الآخر أو نحو منه. فالراء مثلاً يدل على اليسر والجري، والدال تدل على تشدد وتمنع وحيلولة. فقولك (درّ) يدل على أن شيئاً متمنعاً قد استيسر وجرى، وقد جعل المؤلف له معنى (العطاء). و(ردّ) يدل على شيء جارِ مستيسر، حال ما اعترض جريه واستيساره، وقد جعل له المؤلف معنى (المنع). ولكن هل يعني هذا أن (ردّ) في نقيض (درّ) في كل حال، كما تراءى للمؤلف؟
أقول لا، إذ ليس في قولك (رددت الأمانة إلى أهلها، أو رددت الأمر إلى نصابه) منع أو استعصاء، وإنما ثمة حيلولة دون بقاء الأمانة في غير أهلها، والأمر في غير نصابه. فلا وجه إذاً لإطلاق التضاد بين اللفظين ولو تضاد في الدلالة حرفاهما.
أما قولنا إن الدال تدل على التشدد والتمنع والحيلولة فذلك معنى جدّ وسدّ وصدّ وكدّ وندّ.. وأما أن الراء تدل على الجري والاستيسار فذلك معنى برّ وترَ وثرّ وكرّ وجرّ ومرّ...
ومثال آخر هو (لفّ وفلّ). فقد جاء في المقاييس (اللام والفاء أصل صحيح يدلّ على تلوّي شيء على شيء، يقال لففت الشيء بالشيء). وفي الأفعال لابن القوطية: (ولففت الثوب وغيره لفاً جمعته). فاللف في الأصل أن يُضم بعض الشيء إلى بعض أو يضم بشيء آخر. ففي الأساس: (لف الثوب وغيره، ولف الشيء في ثوبه).
وإذا كان (اللف) ضم الشيء بعضه إلى بعض وطيَّه، فأي معنى يتجه في عكسه أو يقال في ضده؟ أو ليس (نشر الشيء وبسطه)؟ ففي مفردات الراغب (قال تعالى جئنا بكم لفيفاً أي منضماً بعضكم إلى بعض.. وقوله وجنات ألفافاً أي التف بعضها ببعض). وفيه (نشر الثوب والصحيفة والنعمة والحديث: بسطها)، ومنه البساط. وفي الأفعال لابن القوطية:( نشرت الثوب تقصت طيه)، ولعلّ الصحيح: نقضت بالضاد.
قال المؤلف: (ولو نظرت إلى لفظ، فلّ الشيء، التي تعني أن الشيء يكون ملفوفاً فتفلَّه، وتأملت في عكسها، لفّ، التي تشير إلى أن الشيء كان مغلولاً فلففته، ترى أن وجودهما كامن في الاتجاه\ 74).
أقول قد تتذرع بتأويل فتقول لففت الشيء بعد فلَّه، وأن تعني باللف أن تضم بعضه إلى بعض ضماً شديداً يقارب بين طرفيه، وتتسع أيضاً فتقول فللت الشيء بعد لفه فيباعد الفلّ بين طرفيه وينتقض اللف، ولكن هل هذا هو الأصل في معنى كل منهما ووجهته، وإنما ينقض (اللف) ويجري منه مجرى الضد النشر والبسط، وينقض (الفلّ) ويقع منه موقع العكس الجبر والرأب واللأم.
وإذا عدنا إلى التحليل وكشفنا عما وراء (فلّ) و(لفّ)، استبان أن (الفاء)، يدل على رقة واستدارة، كما هو معنى (حفّ وزفّ ورفّ وشفّ وكفّ ولفّ وهفّ)4. وأن اللام يدل على كسر وضعف ونحو ذلك، كما هو معنى (أل وتل وجلّ وحلّ وزلّ..)5 ، فإذا صحَّ هذا كان معنى (فلّ) أن شيئاً رقَّ واستدار، أصابه كسر، ومن ثم قال الجوهري (الفل واحد فلول السيف) وقال ابن القوطية (فللت حدّ السيف) ونحو ذلك ما جاء في المظان، ومعنى (لفّ) أن شيئاً كسر أو وهن فاستدار به شيء آخر، وهو ما يعنيه اللف. ولا يخفى أن الغلبة في معنى كل من اللفظين للحرف الثاني فعليه المعوّل، ومن ثم كان النص فلّ إذا كسر، ولفّ إذا استدار شيء بآخر وضمه، وليس أحدهما نقيض الآخر.
المفضلات