سبق تناول بعض ما قاله تعالى نقلا عن مقول قول الخلائق في القرآن الكريم ب م/ع. وأظهر ذلك اتساقا في الاتجاه العام للدلالة المفترضة ل م/ع. كما يظهر في العديد من روابط هذا المنتدى.
ثم ونتيجة لحوارات عدة تزايد احتمال أن م/ع تعبر عن أمرين هما :
1- مقياس التوتر النفسي بالنسبة لقول الخلائق
2-عبقرية اللغة.
ولما كان القرآن الكريم هو النص الكامل المبرأ من عيوب التعبير البشري، ولما كان الكثير مما ورد فيه على لسان الأنبياء وسواهم ممن لم تكن العربية لغتهم،وهو ما يدل على أن الكلام الوارد في العربية هو الأدق والأسمى في نقل قولهم بلسان عربي مبين. فقد جعلته حكما على موضوع م/ع.
وطالما كان الافتراض أن م/ع هي مقياس توتر نفسي للقائل من البشر أو ما يناظر ذلك من الخلائق عامة فقد أحجمت عن تناول آيات من القرآن الكريم في غير مقول قول البشر.
ولكن أخذ عبقرية اللغة كعامل مقرّر محتمل لقيمة م/ع جنبا إلى جنب مع التوتر النفسي للمتكلم من الخلائق، شجعني على استقصاء هذا الاحتمال من خلال تناول آيات أو أجزاء من آيات ترتفع فيها هذه النسبة أو تنخفض بشكل ملحوظ.
هذه دعوة للمشاركين الكرام لنجمع هنا مثل هذه الآيات الكريمة سواء كانت من مقول قول الخلائق أو عموم الآيات أو أجزاء منها ، ومحاولة تناولها ب م/ع موزعة على ثلاثة أصناف :
1- في حال ما ذكره تعالى على لسان خلقه ( التوتر النفسي بنسبة عالية وعبقرية اللغة كذلك )
2- في الآيات الأخرى (عبقرية اللغة ) وهذا - طبعا- لا يشمل ما تقدم، كما أنه لا يشمل ما صدر عن الخالق عز وجل بصيغة المتكلم ، كقوله تعالى :" فلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " [القصص : 30].
3- ما ورد على لسان الخالق عز وجل نحو ما ورد في الآية المتقدمة، فالأمر يجتاج إلى طويل تدبر فيه، وقد تكون إحدى دلالات م/ع فيه الأثر المقصود إحداثه في نفس المخاطب. والله أعلم.
وهنا أنبه أننا بتناولنا للآيات الكريمة ب (م/ع ) فإننا لا ننزل القرآن على مدلول م/ع، بل نختبر مدلول م/ع ونجعل مرجعية نجاحه وفشله القرآن الكريم، فالقرآن الكريم هنا مرجع وحاكم ومقرِّر، لا راجع ولا محكوم. والأمر في احتكامنا للقرآن حول صحة م/ع أو تلمس دلالته يشبه في بعض جوانبه رجوعنا للقرآن الكريم للبت في أمر نحوي. فالقرآن مرجع للنحو وليس النحو مرجعا للقرآن.
وقد استرعت انتباهي هذه الآيات من سورة مريم :
أ- من الصنف الأول، ما ورد على لسان زكريا عليه السلام.
"قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً" [مريم : 4]
رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً
2* 3* 2 1 3* 2* 3* 2 2* 1 3* 2* 3* 2* 3* 3* 1 3 1 3* 1 3* 2
م/ع = 14/4= 3.5
"وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً" [مريم : 5]
3* 2 2* 2* 3 1 3* 3 2 3 3* 1 3 2 3* 3* 2 2* 3* 1 3* 2
م/ع = 10/9=1.1
" يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً" [مريم : 6]
1 1 3 1 1 1 3* 2 3* 2 3* 2* 3* 1 3* 2
م/ع = 6/4= 1.5
في الآية (4) وصف لحال ذاته عليه السلام مع ظلال إلحاح في الضراعة لله تعالى فارتفع المؤشر 3.5
في الآية (5) وصف للبيئة الاجتماعية من حوله وموقفه منها وتحديد مباشر لموضوع الدعاء، فانخفض المؤشر إلى 1.1 فالحديث عن الذات أشد أثرا على النفس من الحديث عن البيئة، هذه ناحية، والناحية الأخرى قد تكون أنه عندما حدد موضوع الدعاء استروح رحمة الله فهدأت نفسه.
في الآية (6) يذكر الغاية من مقصوده، فتنتعش نفسه وكأنه عاين تحقيق موضوع دعائه وهدفه حسن ظن بالله، فارتفع المؤشر قليلا.
على أننا نرى الآية من شقين
يرثني ويرث من آل يعقوبَ = 1 1 3 1 1 1 3* 2 3* 2 1 .....م/ع=2/3=0.7
واجعلهُ ربّ رضيّا = 2* 2* 3* 1 3* 2 .........م/ع=4/1=4.0
في الجزء الأول وصف لدوره .......0.7
وفي الجزء الثاني طلب لتحقيق وصف ذاته...........4.0
وينطبق هنا في المقارنة بين جزئي الآية فيما يخص ارتفاع مؤشر ما يخص الذات ما انطبق على زيادة مؤشر الذات في المقارنة بين الآيتين 4 و 5
ب- من الصنف الثالث قوله تعالى
"يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً" [مريم : 7]
2 1 3* 2 2* 2 3* 1 1 1 1 3 3* 3 2* 2 2* 2* 2* 3 2* 2* 1 3* 2
م/ع = 11/7= 1.6
نلاحظ هنا التقارب بين م/ع في هذه الآية 1.6 والمتكلم فيها الله سبحانه و م/ع في آخر الآية السابقة 1.5 والمتكلم فيها زكريا عليه السلام، وكأن في ذلك إيناسا لنفس زكريا.
على أننا نلاحظ هنا مزيدا من التناغم بين المؤشرات فهذه الآية كذلك شأن الآية السابقة التي وردت على لسان زكريا عليه السلام جزءان :
الأول : "يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى" = 2 1 3* 2 2* 2 3* 1 1 1 1 3 3* 3 2 2 ......م/ع =4/7= 0.6
كأنما شق البشرى هذا وانخفاض مؤشر م/ع فيه (0.6) يقصد منه إضفاء قدر كبير من الإيناس على نفس زكريا عليه السلام في تجانسه مع الشطر الأول من الآية السابقة .
يرثني ويرث من آل يعقوبَ = (0.7)
الثاني : " لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً "
2* 2* 2* 3 2* 2* 1 3* 2 .............م/ع= 6/2=3.0
وهنا يرتفع مؤشر هذا الجزء الثاني من هذه الآية متناغما في ذلك مع ارتفاع الجزء الثاني من الآية السابقة : "واجعلهُ ربّ رضيّا" = 4.0، فكأنما المقصود هنا بهذا التناغم إضفاء المزيد من الإيناس على نفس زكريا عليه السلام.
جـ - من الصنف الثاني قوله تعالى :" وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ"
3* 2* 2* 2* 2* 2* 1 3* 1 3* 2* 1 3* 2 2* 3* 3* 2 2* 3 ه
م/ع = 15/3=5.0
كأنما ارتفاع مؤشر الآية يحمل وقع فجاءة انقضاء الأمر.
وهنا كذلك بإمكاننا أن ننظر لجزئين في الآية:
الأول :" وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ "
= 3* 2* 2* 2* 2* 2* 1 3* 1 3* 2* 1
م/ع= 9/0 = 18.0 ( اصطلاحا =2م)
كرر هذا المقطع من الآية، وتذوق دلالة السرعة فيه وارتباط ذلك بمقاطع (م*) وخلوه من مقاطع (ع)، سبحان الله.
الثاني :" وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ "
= 3* 2 2* 3* 3 * 2 2* 3 ه ..........م/ع=6/3=2.0
في الجزء الأول من الآية وصف لفجاءة موقف الحسرة فارتفع المؤشر جدا (18 أو ما لا نهاية ) وأما في هذا الجزء فوصف لحالهم ومن الطبيعي أن لا يكون مؤشره بارتفاع مؤشر هول الفجاءة.
والله أعلم.
أكتب هذا مستغفرا الله تعالى من الزلل، ملتمسا للصواب غير مستبعد الوقوع في الخطأ، آملا إبداء وجهات النظر دون مراعاة لأي اعتبار شخصي، وإن كان للأمر الشخصي مقام هنا فهو الأمل من القراء الكرام إبداء وجهات نظرهم مراعين الحق في هذا المقام فهو أحق أن يراعى.
أكرر هذه الدعوة للمشاركة في استقصاء مدى صحة م/ع باختبارها على مزيد من آيات سورة مريم تباعا، ومن ثم سواها، أتمنى أن يتفضل المشاركون الكرام بالإسهام فيها.
المفضلات