حديث "خرافة"
قصص للفتيان
بقلم حنين حمودة
(2)
مأساة "عوعو"
لمّا بلغ مداه منا الملل، ذهبنا إلى خرافة على عجل.
قال: صبرًا سأحدثكم في الحال، بحديثٍ عجيبٍ ما له من مثال.
وتحدث خرافة فقال:
كانت الخرفان تسرح وتمرح في المرعى حيث الخضار على مد البصر، والماء الصافي يخرج من ينابيع عدة متوزعة هنا وهناك، والحب والأمل والتراحم يعطر الجو مع كل نسمة صباح فوّاحة.
وكان الكلب “عوعو” يعيش معهم في ذات المرعى، وكان يحرسهم بعينيه في غدوهم وإيابهم.
لكن “عوعو” كان يكثر من النوم في الأيام الأخيرة، وذلك لأنه أصبح كلبًا عجوزًا ومع ذلك كان نباحه يهرب كل من تسوّل له نفسه التجاوز عن حدّه.
وكانت كلمة عو واحدةٌ تجعل الخرفان يصطفون على الدور لشرب الماء، وكلمة عو أخرى تدعو الجميع للصمت في وقت النوم.
في احد الأيام، وحين تنبه “ذؤوب” إلى ضعف “عوعو” بعث بأخيه “ذؤيب” الصغير لاصطياد أحد الخرفان. لكن الخراف اجتمعوا جميعا كتلة واحدة، وهربوا من فورهم لطلب الأمان عند “عوعو”.
اشتكوا له مما كان، فوعدهم باصطياد هذه الذئاب لتعليمها الأدب والحدود.
سعدت الخراف جدًا وصفقوا لخطبة “عوعو”، فقد كان صوته عاليا مريحا.
لكنهم في اليوم التالي تعرضوا لهجمة أخرى، ولم يكن “عوعو” قادرا سوى على النباح.
غضبت الخراف كثيرا فحاميها لم يعد يستطيع حمايتها فعلا.
واكتشفت أنها غير مضطرة لسماع أوامره عند الاصطفاف للشرب وأن بإمكانها أن تسهر إلى ما شاء الله.
عمّت الفوضى المرعى وصارت الخراف الصغيرة تبتعد إلى حدود لم تصلها من قبل.
وفي الجوار قابلوا “ذؤوب”. جاء "ذئيب" لاصطياد خروف سمين كان يلعب في الوادي، فهجم عليه “ذؤوب” وامره بالانصراف. أكبرت الخراف شهامة “ذؤوب”، والتفت حوله لتسمع كلمته.
قال لهم: لقد ظلمت كثيرا حتى من أهلي. لقد ظلمني أهلىي حين أسموني ذئبًا، فأنا كلب.
ارتفع صوت الخراف وهي تعبر عن تعجبها، خصوصًا وهو يحمل هذه الأنياب الطويلة والتي يسيل عليها لعابه وهو يحدثهم.
لكنها تناستها مقابل نظرته البريئة التي أمطرهم بها، وحركة الشهامة التي فاجأتهم.
اتجهوا جميعًا نحو مرعاهم يقودهم “ذؤوب” الكلب الجديد.
فوجئ “عوعو” بإحضارهم لعدوه اللدود إلى عقر الدار.
نبح ونبح. ذكرهم بما كان. حذرهم مما سيكون. حاول وحاول.. لكنهم كانوا مقتنعين بأنها الغيرة وأنه لا يستطيع أن يعترف بأنه أصبح عجوزًا وأن غيره سيحل محله.
حين لم يسكت “عوعو” مع الأيام، أمر “ذؤوب” برميه خارج المرعى، وفاجأ الخرفان بحقيقة أن “عوعو” ذئب، وأنه كان يضحك عليهم طوال السنين الماضية.
اجتمعت الخرفان لمعرفة كيف بوسعها مكافأة “ذؤوب” على مساعداته الجمّة لها، وحمايتها من رائحة الخطر وهو في بطون أمهاته.
رفض “ذؤوب” أن يدفع له شيء فهو صديق، وهو لا يعمل أي شيء إلا من منطلق الصداقة.
نعم، سيتعب معهم قليلا، فواجب الصداقة يحتم عليه جزَّ صوفهم كل صيف، وحلبهم كل صباح، حتى لا تكسل صغارهم وتشرب أكثر من حاجتها الصحية.
كما أن عليه أن يأكل صغارهم الضعاف الذين سيكونون مرضى في المستقبل.
وعليه أكل كبارهم العجزة الذين يأكلون ولا ينفعون.
أعانه الله، لكنه واجب الصداقة.
لكنهم مع هذا بدؤوا يفقدون من خيرة أكباشهم، وتناقلت الشائعات بينهم أنها انتقامات “عوعو”، وكان الحل أن يبنوا حظيرة صغيرة فيها ينبوع ماء واحد، وأن يعيشوا داخلها تحت حراسة “ذؤوب”.
حين استمر فقدان الأكباش، أمسك “ذؤوب” بـ “عوعو”.. وفي محاكمة له امام الجميع خلع انيابه.
عاش الخراف بأمان لفترة قصيرة بعد محاكمة “عوعو”، لكن الأمر عاد لما هو عليه ثانية..
فاجتمع الخراف وقرروا أمر “عوعو” بالسماح لـ”ذؤوب” بتفتيش فمه، فـ “ذؤوب” متأكد تماما أن نابا كبيرًا قد نبت له في الداخل، وانه حتمًا آكل الخراف.
---
(التذكير والتانيث للخراف في النص، لأنهم عاقلون وغير عاقلين في آن).
المفضلات