لا تبك يا بابا

حين دخلت غرفة الجلوس، كان بابا كالمعتاد يقرأ في الصحيفة.
كان وجهه الكئيب قد زادت تجاعيده، وكبر في أيام أكثر من عشر سنوات.
وقفت أتأمله دون أن أحدث أي صوت..
كان ظهره محنيا، وذراعاه من الضعف بحيث لم تستطيعا رفع الصحيفة إلى أعلى كما يفعل عادة،
وكانت الدموع تترقرق في عينيه..

اقتربت منه بصمت، فتنبه لي، وأغلق الصحيفة بسرعة وأبعدها عنه، ليتوجه لي بكل الحب والحفاوة.
قلت له: ما لك بابا؟
لم يسحبني لأجلس في حضنه كما يفعل عادة.
لم يقبلني..
حتى أنه لم يمسك يدي!
كان يخاف أن أكبس على زر عنده.. فتتدفق الدموع..
قال لي وهو يحرك رأسه يمنة ويسرة: لا أعرف، دخل شيء في عيني!
تحدثنا.. عن الأشياء التي تدخل في العيون فتجرحها!!
عم سكون قطعه صوت ماما وهي تناديه منالداخل.
رسم ابتسامة مغصوبة على وجهه، وهو يهز رأسه .. وغادر إلى المطبخ.
صرت وحدي، فذهبت بسرعة لأرى ما كان يحاول أن يخفيه عني.
فتحت الصحيفة، وكانت الصورة التي ترسم الموت والدمار هناك*!
كانوا ثلاثة أطفال.. وكان الدم يتدفق من الصورة ليملأ الغرفة عندي!
تدفق الدمع من عيني، ورأيتني أشهق.. بصوت مكبوت.
تذكرت يوم أن دخلنا البيت أنا وأخواي الصغيران فجأة، قبل أسبوع. سمعت موسيقى الأخبار، وحين وصلنا غرفة الجلوس كانت موسيقى المسلسل اليومي.
في اليوم التالي أحضر بابا تلفزيونا صغيرا، وضعه في غرفة النوم الخاصة به وبماما.

دخلت إلى غرفتي لأبحث عما أساهم به لمساعدة الشعب المظلوم.
أمسكت حصالتي، لم يكن بها الكثير، لكنها كل ما أملك.
حملتها وتوجهت نحو باب الغرفة.
تذكرت هديتي العزيزة..
حين صوبتها نحو أخي الصغير إبراهيم، قال لي أبي:
لا.. لا ياحبيبي. هي لا تصوب نحو الصديق أبدا.. هي لحماية المظلوم.
عدت إليها..
تركت الحصالة،
وحملتها بعشق..
قبلتها، وخرجت بها.
"صورة بندقية"
وضعتها فيحضن بابا. نظر إليها، ثم رفع رأسه متسائلا. قال: ما بها بندقيتك؟
قلت بعنفوان: هيا ندافع بها عن غزة.