التشعيث ووجوده في الشعر :
من قلم الباحث العروضي :
غالب احمد الغول
@@@@@@@@@@@@@@@
تحيتي ومودتي للدكتور عبدالعزيز
وأشواقي ومحبتي للأستاذ خشان
@@@@@@@@@@@@
شكراً لك دكتور عبدالعزيز لردكم على أسئلة الأستاذ خشان , وأحب أن أعلمكما بأن الاختلاف في الرأي لا بد منه , ولكن إذا كانت رسالتنا فعلاً رسالة إنسانية , فعلينا تحمل المشاق.
إن اختلاف الرأي لا ينتهي إلا بصواب الرأي إن شاء الله , ليصب في صالح الأجيال القادمة , لأنني أدرك تماماً بأن من يتقن العروض في أيامنا هذه , فله حظ وافر من العلم والمعرفة, وخاصة بعد أن تكالب على العروض أعوان من يريدون طمسه والخلاص منه .
لذا علينا بالصبر والثبات والتحلي بالروح الرياضية السامية , لكي تبقى مسيرتنا وهدفنا واحد لخلق أفكار عروضية رائدة , قد كانت غائبة عن أعين العروضيين أزماناً , ولكن أبحاثنا وتحليلنا قد أظهرها للوجود لترسيخ علم العروض وتقوية أعمدته الصامدة .
أخي الدكتور عبدالعزيز .
أشهد بأن لك روح رياضية عالية عندما لا تتشبث بالرأي إن كان موضع خلاف , لأنك تبغي المصلحة العامة التي هي أهم من المصلحة الخاصة , وبخاصة عندما لا تضر بعلم العروض الذي هو جوهر مناقشاتنا .
أخي الدكتور عبدالعزيز .
إن مسألة التشعيث ليست مسألة خلافية , بل هي مسألة قطعية , ولا جدوى من إضاعة الوقت بها , لأن التشعيث , في الحشو غير جائز قطعاً لأسباب إيقاعية , كما أوضحه الآن :
من حيث انه غير مقبول لسلامة الإيقاع , أي أن ( فالاتن عندما تأتي بثلاثة أسباب متتالية ويسبقها سببان لتفعيلة أصلية مثلها , فإن هذه الأسباب الخالية من الأوتاد لا يمكن أن يهتد إليها العروضيون لمعرفة كنه التفعيلة , أي أنه لا يستطيع التعرف على أصلها أو يستطيع إنشادها من غير معرفة مكان وتدها , ثم إن وجود الوتد في الحشو أمر ضروري ملح , لأنه يحمل ( نغمة التفعيلة ) ويعتبر الوتد في الحشو من أهم عناصر التفعيلة ولا يمكن الاستغناء عنه في الحشو , مهما كانت الأسباب , ومهما بلغت الخلافات .
وأما إن كان هنالك خلاف لوجوده في العروض أو الضرب , فإن ذلك يمكن حصوله وقبوله واحتماله , وبخاصة عند التصريع , أو حتى من غير تصريع , لأن التفعيلة الأخيرة ( في العروض أو الضرب ) وإن لم تحمل وتداً , لكن المنشد بلفظه وما يلحقه من إيقاع موسيقي سيعرف مكان الوتد من توقعه في وجوده لتفعيلات البيت الشعري , ويستطيع أن يترنم في آخر البيت على الأسباب بطلاقة, بشرط أن لا تزيد الأسباب على أربعة , كالخفيف والمجتث المنتهيان بالتفعيلة ( مستفعلن ) أو التفعيلة فاعلن لبعض البحور عند القطع , ولا يجوز بغيرهما تحاشياً لتعدد الأسباب التي تزيد على أربعة .
وأما ما قاله كتاب الكافي صفحة 25/26 فهو لا يتكلم عن التشعيث , بل يتحدث عن المقبوض والمحذوف في تفعيلة العروض أو الضرب لبحر الطويل , والذي يقاس عليه بحر المتقارب , وأما المقبوض والمحذوف فلا يتم فيهما حذف حركة الوتد , فيبقى الإيقاع سليماً , وأما التفعيلة المقبوضة فتبقى كما هي محصورة في عدد عناصرها الإنشادية, ولم أر تعارضاً بين قول الأخفش والخليل في هذا الشأن ,ولم يؤكد الأخفش على وجود الحذف في الحشو , وأما قبول القبض , فهو شيء مألوف في الطويل والهزج وغيرهما سواء أكان في الحشو أم في الضرب .
وأما التفعيلة المحذوف سببها في ضرب الطويل , فلا يجوز أن تكون في الحشو للسبب الآتي .
عندما يكون الطويل مؤلف من :
فعولن (مفاعيلن ) فعولن مفاعلن // .... ثم تأتي تفعيلة محذوف هكذا
فعولن (فعولن) فعولن مفاعي
فإن هذا البيت ليس شاذاً فحسب , بل هو خارج نطاق بحر الطويل , لأن الشاذ هو طويل غير مألوف , ولكن عندما يكون خارج نطاق بحر الطويل , فلا يكون إلا لوزن أخر لا يمت لأوزان الخليل بشيء , أو أن يتبع أحد أوزان البحور كالمتقارب ) أو قد لا يكون هذا الوزن في نظام الخليل .
وأما قول الأخفش بأن (مفاعلن) من جنس (فعولن ) في الضرب خاصة وندرة وجوده في العروض , فهذا صحيح , وهو فرع له , من حيث إمكانية المنشد أن يعالج النقص الذي طرأ عند الحذف , أي لا بد من المنشد أن ينشد ( مفاعي , بزمن يكافيء مفاعلين ) لكي يتم سلامة الإيقاع الشعري الموسيقي . ومن هنا تكون مفاعي = مفاعيلن
وما ينطبق على بحر الطويل يمكن أن ينطبق على بحر المتقارب , بالحذف في موضع العروض أو الضرب , وخالف الخليلُ الأخفش في وجوده في العروض فقط . لأن البيت الشعري يمكن أن يكون متصلاً بشطريه , فيحدث بذلك عرقلة إيقاعية من الصعب علاجها , وأنا أوافق الخليل برأيه .
وأما قولك عن تعدد الإيقاعات , فلي رأي آخر قد أكون مصيباً . وهو:
إن ما قلته عن الرجز بأن له تسعة أوزان ( بعدد الأضرب والأعاريض ) , فلا أخالفك الرأي بهذا القول , لأن اختلاف الضرب يعطي إيقاعاً مميزاً عن غيره , وإن اختلاف المشطور عن المنهول فلكل واحد منهما إيقاعاً وهذا صحيح , ويمكن أن يتلاعب المنشد أو الموسيقي بسرعة القول أو بسرعة الصوت أو بكثافة الصوت ( Ictus ) ) الملازمة لأزمان محددة , والتي تتحدد من خلال السرعة Tempo فقد تكون السرعة بطيئة أو سريعة , ولكل سرعة إيقاعها المميز .
واختلاف الرأي هنا هو :
لا يعتبر خبن الكلمة في البيت الشعري إيقاعاً جديداً , لأن التفعيلة المخبونة ( في زحافها ) ستكون تامة في زمنها عند الإنشاد الشعري , ولا نعتبر هذا إيقاعاً جديداً .
وأما قولك :
((((كما لوقلنا إن كف (مستفع لن) مباح ولكن من الصعب أن نجد له شاهدا طبيعيا في بحر الخفيف )))
إنني اتحفظ هنا على مسألة كف ( مستفعلن ) وإباحة كفها , فهذه مسألة طويلة الشرح , ومن الصعب أن نهضم مفاهيمها بوقت قصير , لأن الخفيف دخلته مفعولاتُ وهذه أجزاء الخفيف على الدائرة الخليلية :
تفعلن مفعولاتُ مستفعلن مسْ
ــ ب ــ / ــ ــ ــ ب / ــ ــ ب ــ / ــ
ومن هنا نقول إن ( فاعلاتن الأولى , قد أخذت السبب الأول من مفعولاتُ )
وبقي من مفعولاتُ جزء منها وهو ( عولاتُ ) ثم زادوا عليها السبب الأول من مستفعلن الأخيرة , فصارت ( عولاتُ مس ) ونقلوها إلى مستفعلن ,
ولكي يعرفنا الخليل على أن (مستفع ) ليس لها علاقة بمستفعلن , فإنه أوجب وجود ما أسماه ( الكف ) ليخرج من ورطة إيقاعية ملموسة بين مستفعلن كصورة وهمية لجزء من (عولاتُ مس ) الحقيقية على الدائرة , ليفصل بين مفعولاتً ومستفعلن بهذا الكف .
وبقيت باقي المقاطع وهي ( تفعلن مس ) فنقلوها إلى ( فاعلاتن )
ومن هذا الترتيب الغريب لصنع التفاعيل , حصل التباس بين , مستفعلن أهي مستفعلن حقيقة أم هي جزء من مفعولاتُ ؟؟؟
وأنا أقول والمنطق يقول والدائرة الخليلية تقول بأن مستفعلن لا يجوز كفها , وإنما الذي حدث , أن نظام الخليل يريد أن يجد مخرجاً من أزمة إيقاعية , فجعل ( عولاتُ ) جزء , و( مسْ) جزء أخر , أي أنه بعد صناعة التفاعيل قد جعل ( مستفع ) جزء , و (لن جزء أخر ) ومن الخطأ أن نقول بأن مستفعلن قد لحقها ( الكف ) لأنها في الخفيف ليست مستفعلن حقيقة , بل هي ( عولاتُ مس ) ــ ــ ب ــ ونقلت إلى مستفعلن تسهيلاً للدراسة والتوضيح , وهذه إشكالية قد وقعت خلاف حاد بين العروضيين فقالوا:
لقد أجاز الخليل كف ( مستفعلن الوهمية) في الخفيف .
وهذا خطأ , لو كان الكف جائزاً , لأجازه الخليل في بحر الرجز ( حمار الشعراء ) , ولكنه لم يجز كف مستفعلن في أي بحر كان إلا إذا كانت مفعولاتُ أحد مكونات البحر , للتخلص من ورطة إيقاعية لا أكثر ولا أقل , وهذا يدل أيضاً على عبقرية الخليل الذي يفهم في الإيقاع والموسيقى , ولولا نبوغه في هذا العلم لما توصل إلى علم العروض .
ومن هنا لا بد من التعرض للوتد المفروق الذي جاء قهراً وإجباراً , ولم تجد هذا الوتد إلا في أماكن قليلة جداً لفائدة إيقاعية فقط , وبالإمكان الاستغناء عنه وعدم ذكره البتة في مواقع تستكمل فيها مفعولاتُ وتدها المفروق ليصير أخر مفعولاتُ وتداً مجموعاً لا مفروقاً .
فهل أقنعكم كلامي هذا . فإن لم تقتنعوا , فأعطوني ما عندكم جزاكم الله خيراً .
.
وأما من حيث إيجاد ميزان عادل لتصنيف أوزان الشعر , لمعرفة غثها من سمينها , خال من التعصب الفكري , وخال من التعصب المنهجي , فهذا يخلق لنا عروضاً نقياً من الشوائب , وأنا أحبذ تنفيذ هذه الفكرة المبنية على التفاهم وحب العطاء للغير.
أشكر الدكتور عبدالعزيز , كما أشكر الأستاذ خشان على صبرهما لدراسة هذه المقالة وهذا الشرح المطول .
أخوكم غالب احمد الغول ( سبتمبر 2010 م .
أخي الأستاذ خشان /// عفواً يا أخي , لقد وجدت كثيراً من أبحاثي غير موجودة في الصفحات , أين هي وشكراً .
المفضلات