======لم تكن مالينج أول باحثة تحاول إخراج السريع من دائرة المشتبه، فلقد سبقها إلى ذلك الجوهري
قبل ألف عام . هي لأنها لا تقبل نسقا ينتهي بوتد مفروق، وهو لأنه لم يقبل نسقا ينتهي بتفعيلة
مفعولات، وإذن فسبب الطرد واحد عندهما. وهي أعادت السريع إلى حضن الرجز كأحد أنواعه
الخاصة، وهو ألقاه بين أحضان البسيط (لأن كل ما كان على مستفعلن فاعلن فهو من البسيط طال
أو قصر). لكنها اختلفت عن الجوهري في أنها جمعت ما بقي من بحور دائرة المشتبه في دائرة
جديدة أعادت بها لم شملهم ثانية، وأما هو فقد واصل تشتيت بحور تلك الدائرة وإلقاءها بين أحضان
بحور أخرى، بحيث صار المنسرح والمقتضب من الرجز، لأن (مفعولات) فيهما لم تكن عنده إلا
زحافا لمستفعلن بعد تفريق وتده. وكذلك ألحق المجتث بالخفيف ،لأن كل ما كان من مستفعلن
فاعلاتن فهو من الخفيف عنده.
وأما خشان فاختط نهجا آخر، ولعله إلى نهج مالينج كان أقرب، نوعا ما ، منه إلى الجوهري. فهو
قد ألغى الوتد المفروق برمته، أو لنقل إنه لم ير لهذا الوتد أثرا في بحور دائرة المشتبه وذلك بعد
أن أزال الحدود التي وضعها الخليل بين التفاعيل . ولم يكتف بأن يزحزح الحد الفاصل بين مفعولات
ومستفعلن وحدهما في المنسرح، كما كان أهالى الرمثة يزحزحون الخشبة بينهم وبين درعة، بل
كان يقصد إلى أن يجعل من مبدأ الإزالة هذا مبدأ عاما يشمل كل التفاعيل. ولهذا وجدناه في
مناسبات كثيرة يندد بوهم الحدود بين التفاعيل ، ويؤكد على أن في إزالتها تيسيرا عظيما على طلبة
علم العروض ، ذلك أن كثيرا من مصطلحات الخليل ارتبط بهذه الحدود ، دون أن يكون للتفاعيل من
مبرر إلا مجرد حمل هذه المصطلحات فحسب .
من هنا وجدنا خشان في مناسبات عديدة يدعو إلى إزالة الحدود بين التفعيلات ، وهو هنا يختلف
عن مالينج التي جعلت من حدود التفاعيل foot boundaries مبدأ أساسيا من مبادئ عروضها
التوليدي وذلك لشرح قوانين معينة في الزحاف لا تكاد تنطبق إلا بمراعاة هذا المبدأ . وبهذا فقد عدّ
عملها مكملا لعمل الخليل ومفسرا له .
...
المفضلات