إضربْ على الأوتارِ في ليلِ الهوى
ياعودُ دندِنْ علَّها تُصغي إليكَ وتَطربُ
4 3 4 3 4 3
4 3 4 3 4 3 ((4)3
قرأت الرقصة أو قولي استمعت إليها غير مرة – حقا لم أشعر إلا أنني أمام رقصة – رسخ ذلك في نفسي الصورة بل الصور التي تترى في مخيلتي للدبكة حينا وللفلامنجو حينا آخر ولسواهما حينا. يوطد ذلك ما أجده من اختلاف في وقع الأقدام وهي تطرق الأرض بين بيت وآخر بل بين شطر وآحر، فإن اختلاف عدد التفاعيل بين شطري البيت أعلاه على سبيل المثال لا يبرر اختلاف الوقع الموسيقي لهما، ويبرره فقط الانتقال المفاجئ من رقصة لأخرى في ذات البيت،ولكن هذا الانتقال السريع من رقصة لأخرى في سائر القصيدة يشوش المُشاهد-المستمع. ولعل تنظيم الانتقال بين حلقة رقص وأخرى بحيث تخصص كل بضعة أبيات بعرض رقصة كان كفيلا بإضفاء جمال أكثر على القصيدة بإعطائه العين والأذن فرصة لتملي الرقصة بعد الانتقال إليها من سواها.
ولا تخلو بعض الرقصات من بعض اضطراب مثل هذه الجزئية:
آهٍ أقولُ كأنني وكأنها = 4 3 ((4)3 ((4)3
حلمٌ يجيءُ .. ويذهبُ = ((4)3 ((4)3
حلمٌ يجيء ويذهب
صحيح إنها من رقصة الكامل ولكنها بتكونها من خمسة تفاعيل مقسومة 3 و 2 ويتعثر بين هذين المقطعين ضبط إيقاع الأقدام، بل ويشكو الصدر من تخلف العجز عن مواكبتة، فبينما أثر حركته ينبئ باستمرار العجز في حركته إذ بالعجز يهمد مخالفا ذلك التوقع.
وكانت ستكون أكثر انسجاما باستمرار حركة العجز ولو قليلا بالتناغم مع القول مثلا – والتركيز على وقع الرقصة لا المعنى -:
آهٍ أقولُ كأنني وكأنها =4 3 ((4)3 ((4)3
حلمٌ يجيءُ لنا وطورا ويذهبُ = ((4)3 ((4)3 4 3
وأتصور أن حركة العجز لو طالت أكثر من حركة الصدر لما كانت نشازا في هذا المقام كضبطها على القول:
آهٍ أقولُ كأنني وكأنها =4 3 ((4)3 ((4)3
حلمٌ يجيءُ لنا وطورا –دون إذنٍ-يذهبُ = ((4)3 ((4)3 4 3 4 3
ولعل ذلك بسبب تناغمها مع كثير من مثل هذا التباين في اهتزازي الصدر والعجز بل بوقوعه في مسافة ما بين رقصة بيت الشطرين ورقصة بيت الثلاثة أشطر كما يمثلها القول:
أسكبْ كؤوسَ اللحنِ في أنفاسها = 4 3 4 3 4 3
عطراً إذا مسَّ الفؤادَ عبيرهُ = 4 3 4 3 ((4) 3
أمسى يفيضُ بخمرهِ يتصببُ = 4 3 ((4 )3 ((4)3
وهذا الجزء من اللوحة بعد تعديلها 3 تفاعيل ....4 تفاعيل مماثل تماما للجزء الذي استهللت به حديثي
إضربْ على الأوتارِ في ليلِ الهوى
ياعودُ دندِنْ علَّها تُصغي إليكَ وتَطربُ
4 3 4 3 4 3 = 3 تفاعيل
4 3 4 3 4 3 ((4)3 = 4 تفاعيل
لعل هندسة الرقص هنا تفرض ذاتها على الذوق.
وثمة مفارقة بين قوة وقع الأقدام في آخر رقصة الأبيات التي تنتهي بالكلمات: يتصبب، يتعذب، يذهب، وتباطئها بل ربما سحبها في تلك التي تمثلها الأبيات التي تنتهي بالكلمات: تداعب، تتثاءبُ ،عجائبُ. وهو ما يقابله في الشعر تعبير سناد التأسيس. ولكن قد يبرر ذلك في الحلبة اختلاف الرقصات.
صنجٌ على صنجٍ يدق كأنما
2* 2* 3 2* 2* 3* 1 3* 3
م*/ع = 6/2= 3
فاضت كؤوس الخمر في أرجاءنا
2 2* 3 2* 2* 3 2* 2 3
م*/ع = 4/ 4 = 1.0
http://www.geocities.com/khashan_kh/...icalindex.html
ياااااااه
هنا رقصة وطبل تستدعيان السرعة والتوفز يعبر عنهما الرقم 3
وهناك كؤوس واسترخاء يعبر عنهما الرقم الضئيل نسبيا 0.8
هذه انطباعات عن رقصات جعلت هذه القصيدة بما لها وعليها تستقر في وجداني كما لم يستقر سواها منذ زمن طويل.
وعودة إلى الشعر:
عجنتْ ثنايا جسمها مع شعرها
رفعتْ يديها تستغيث وتطلبُ
صارتْ شفاهاً مطبقاتٍ تحتوي
فيضاً من الأنغامِ فيه عجائبُ
فكأنما الصمتُ انهمارُ محبّةٍ
وأرقُّ من قُبلِ الحبيب وأعذبُ
ما هذا بشعر، لا يستولي على المشاعر هكذا ويستندي العيون روعةَ جمالٍ إلا السحر. أي آلة تصوير هذه تصور المشهد والنفس المتلقية وما بينهما من وشائج وتترجم ذلك أثناء الأداء بحيث يكون رجع التحليل(feed back) عاملا في تعديل ما سيلي من تعبير.
عجنت ثانيا جسمها مع شعرها
عجنت ثنايا جسمها مع شعرها
عجنت ثنايا جسمها مع شعرها
تتملى النفس هذه الصورة وتسرح فيها ثم تشرئب النفس تنقل الآلة المحللة لطيوف النفس أثر ذلك للشاعرة، تنقل تساؤل النفس أما تعبت اليدان من العجين؟ من ذكر اليدين ؟ لم تذكرهما الشاعرة؟ بل فرضت صورتهما على المخيلة بتصور امرأة تعجن ولو في خلفية المشهد. تقرأ الشاعرة ذلك فتبادر للإجابة :
رفعتْ يديها تستغيث وتطلبُ
تجيب هنا؟ أجل ،ولكنها تطرح تساؤلا آخر، صحيح أن اليدين ترفعان للاستغاثة ولكن يصاحبهما الكلام، وتفرض الشاعرة على النفس التساؤل : ( ما أمر الشفتين؟) تنقل الكمرة المحللة التساؤل للشاعرة، تهز الشاعرة رأسها، فهي بهذاالذي نقلته الكمرة أعلم. فكأنها تختبر دقة هذه الكمرة في التحليل. وتجيب الشاعرة على الفور:
صارتْ شفاهاً مطبقاتٍ تحتوي
فيضاً من الأنغامِ فيه عجائبُ
يا لعبقرية المفاجأة !! كلها صارت شفاها
ويلح على النفس السؤال وما الكلام إذن ؟
ترد:
فكأنما الصمتُ انهمارُ محبّةٍ
وأرقُّ من قُبلِ الحبيب وأعذبُ
أي صمت هذا وماذا يخفي تحته؟
تذكرت ابن الرومي وبراعته وديناميكية وصفه، ولكن صوره خاطفه هنا استمرارية وثراء.
من لم ينفعل بهذا فليجر فحصا لقلبه وعقله وذوقه وأكاد أقول وإنسانيته.
هذا مجرد جهد المقل في استكناه بعض الروعة في جزء من هذه اللوحة. أين هم النقاد المحترفون؟
أين سامي بدران؟ ليته هنا
كلما أعدت استعراض هذه اللوحة تغلغلت أكثر في وجداني
لا يفعل هذا بوجداني إلا فنان وأي فنان!
قرأتها وسأقرؤها وأقرؤها.
تحية إعجاب شديد.
أدعوك لدراسة العروض الرقمي ففيه فصل عن العلاقة بين الموسيقى والشعر. وأظنك ستبدعين فيه.
المفضلات