يا فؤادي كن رحيما * كيف ترجوني حبيبا
الجراحات أساها * لم يزل فينا لهيبا
والأماني ذابلات * تسفح الشوق نحيبا
والدجى يغمر قلبي * ظالم الفيض صخيبا
وخميلات حقولي * غصنها ليس رطيبا
لفتت هذه الأبيات التي اقتطعتها من قصيدة رومانسية منشورة عام 1969 نظري . وكان صاحبها من دير البلح ، واسمه حماد أحمد الصبح، مجهولا من قبلي إذ كنت أزعم قبل مغادرتي خان يونس عام 1967 أني على اطلاع وبيّنة من المواهب الشعرية بين أترابي من شباب القطاع الذين ينتمون إلى مناطق مختلفة من مجمل الخارطة الفلسطينية الجنوبية.. على الأقل كنت وجدت اسمه بين الشعراء منشورا في جريدة أخبار فلسطين التي كانت تصدر في غزة إذ ذاك.
ثم إني قلت في نفسي إذا كان صاحب هذه الأبيات لا يزال حيا، فهو لا شك شاعر كبير في قامة محمود درويش أو على الأقل شعراء الثورة الفلسطينة الذين بزغوا بعد عام النكسة كأحمد دحبور ورفاقه مثلا. لذلك لم أجد بدا من البحث في الشبكة لأجد أولا اسمه مذكورا في معجم "شعراء فلسطين في العصر الحديث" الذي وضعه الأستاذ محمد حسن شراب وقد سقط من اسم الشاعر أل التعريف في اسم عائلته. لا بأس .. فهذا تعديل بسيط يلجأ إليه بعض الناس في أوقات متفاوتة، لكنه قرب لي البحث في سبيل الوصول إليه .
وهكذا عرفت "حماد صبح" الشاعر والمترجم وكاتب القصة ، والأهم من ذلك، الكاتب الصحفي الذي توافقت آراؤه في مجملها مع آرائي ، فاستمتعت بكتاباته أيما استمتاع. ولقد عزوت الأمر بيني وبين نفسي إلى أننا كلينا رضعنا من حليب ذلك الزمن الجميل.
ما علينا ، وما لنا وذلك الاستطراد .. لقد تتبعت قصائده ، وأكثرها منشور على موقع "دنيا الرأي" لتصادفني قصيدة له على بحر الخفيف ذكرتني بالشاعر عبيد بن الأبرص، وما قيل عن معلقته الشهيرة من أنها مضطربة الوزن. ولأنني خرجت من تتبعي لقصائد عبيد الأخرى بملاحظة عن انتظامها جميعها على بحور الشعر بلا أدني اضطراب، أكملت استقرائي لقصائد حماد صبح على الشبكة فكانت جميعها تتوفر على ذلك الانتظام.
ما السر في ذلك إذن ؟ وهل يحتمل وقوع الشاعرين في زلة الخروج عن الوزن، وهما في أتم نضجهما الفني، حتى إن قصيدة عبيد علقت على أستار الكعبة وكسبت خلودا فنيا أي خلود.
ولقد اطلعت قريبا على مقال لأخي الأستاذ خشان ينفي فيه عن عبيد تهمة ارتكاب الكسر في الوزن، وهو رأي صادف موافقة قوية من جانبي، ذلك أن عبيد لم يخرج في قصيدته تلك عن مجزوء البسيط قيد أنمله، وإن كان لم يتبع قواعد الخليل التي سنها بعده ، ومنها أن العروض لا يتعرض لنفس علة الضرب في غير التصريع.
قصيدة حماد صبح أعرضها على أستاذي خشان وعلى أساتذة العروض الرقمي لا ليعددوا مواضع خروجه عن الوزن ... بل ليجيبوا عن تساؤلي :
هل يحتمل لشاعر عالج مختلف أوزان الشعر أن يضطرب في ركوبه وزنا منها بما يوحي بأنه شاعر مبتدئ. وهل يتوفر المنهج التعليمي للعروض الرقمي على وسيلة تجعل الشاعر إذا تمكن من وزن واحد، أو عدد قليل من الأوزان، أن لا يصعب عليه ركوب البقية الباقية منها ؟!
وهذا هو رابط القصيدة المثيرة للجدل (المشوق أنه نظمها مخاطبا شاعرا آخر مما يجعلها تدرج في باب الإخوانيات):
http://pulpit.alwatanvoice.com/artic...23/289116.html
المفضلات