لا تنوين للقوافي في الإلقاء
إلقاء القصيدة لفظاً هو منبع تناقلها بعد حفظها في الشعر العربي وما كتبت أيام الجاهلية إلا المعلقات غالباً والله أعلم، وفي عصر التدوين جمعت القصائد العربية من صدور حفاظها ودونت لتكون مكتوبة على شكل دواوين أو قصائد متفرقة. ومما سمع عن الشعراء في القوافي إلقاءً أن تكون القافية مقيدة النطق (ساكنة الروي) أو مطلقة الحركات بين الضمة والكسرة والفتحة أو منونة ويكون النطق بالحركات بمدها إشباعاً حتى يتولد منها حرف يناسب حركتها، ولما كان التنوين يلفظ نوناً ساكنة لا مد فيها فإن الشاعر كان يقلب التنوين نطقاً إلى حركة تناسبها مع إشباعها لجمال إلقائها على السامع. فمثلاً : إذا انتهى البيت بكلمة (شجرٌ) فإنه ينطقها (شجرو) وإن كانت (شجرٍ) ينطقها (شجري) وإن كانت (شجراً) ينطقها (شجرا). ولذلك كان المتقدمون في التدوين يدونون الشعر حسب ضبط الكلمات الإملائي الإعرابي ومنها المنونة وفي الإلقاء يستبدل التنوين بما يناسبه من حركة ومد. لأنه لم يسمع عن الشعراء العرب الأوائل التنوين في قوافي أضرب القصائد. وبناء على ذلك وحرصاً على عدم قراءة القصيدة بتنوين قوافيها ذهب المتأخرون إلى كتابة قوافي القصيدة في الأضرب إما ساكنة أو متحركة دون كتابة حروف المد فاستبدلوا كتابة شجرٌ المنونة كتابة بكلمة شجرُ المضمومة. فكتابتها بالتنوين للضبط الإملائي وكتابتها بالحركات للضبط النطقي إلقاءً.
وإليك نصاً واحداً مكتوباً مع ملاحظاته في الضبط الإملائي والضبط الإلقائي:
من قصيدتي (ميلاد الحياة)
طبيبٌ يداوي و"الحكيمُ" له يدٌ = يَـجُذُّ بها سقمَ الجهولِ ليهتدي
وفي سدرةٍ حطَّتْ رحالُ عروجهِ = فناجى حبيباً في اللقاء المـُمَجَّدِ
وأهداه هدْياً من صلاةٍ لأمَّـةٍ = جلاءً لأحزانِ الكئيـــب الـمُسَّهدِ
وكم من طبيب زاغ مفتاحُ طبِّه= وفي لـمسة الهادي شفاءٌ لأرمدِ
له الصحبُ درع والإله حفيظهمْ = فيا خيرَ أصحابٍ لخير مُوحِّدِ
صلاتي على خير الأنام محمدٍ = كخير وسامٍ أو أساورَ في يدي
وخير صلاةٍ من إلــهي لسيدي = لعلي بهدْيٍ منه أنجو وأهتدي
1- لاحظ أنَّ القصيدة مشكولة كلها بالحركات والتنوين إلا الضرب فهو مشكول بلا تنوين وهو مايتناسب مع النص الإلقائي.
2- روي القصيدة الدال والياء بعده في القصيدة إما علة الفعل المضارع ( ليهتدي) أو ياء النسبة للمتكلم ( يدي) ( وأهتدي).
3- يمكن كتابة (لأرمدٍ) بالتنوين على أصل الضبط الإملائي وهو الأصل.
4- كتب الشاعر ياء المتكلم ( في يدي) ليعبر عن يده الخاصة ، ولو كتبها (في يدٍ) لاختلف المعنى بإطلاق معنى اليد لتعم أي مخلوق له يد، وتكون الكتابة على الأصل النحوي الإملائي وهو الأصل ويجوز كتابتها عندئذ ( في يدِ) مجاراة للإلقاء.
5- لاحظ أن تنوين العروض مهم في سائر القصيدة لإظهار سكونها ( يدً، لأمَّةٍ ، محمَّدٍ)..
المفضلات