http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=18441

كتب الأستاذ أحمد الأقطش:

تقطيع جديد لبحر المضارع يبعثه من موته!!



آه .. يا بحر المضارع!

رأى الأخفش أن الاستغناء عنك أولى وأحق لأن العرب لم تنشد على وزنك إلا البيت أو البيتين!

وافترض الخليل بن أحمد لك وزناً مثالياً:

(مفاعيلن فاعلاتن مفاعيلن)

ثم وجد أنك لا تأتي إلا مجزوءاً هكذا:

(مفاعيلن فاعلاتن)

فصرت بذلك مركباً من تفعيلة الهزج وتفعيلة الرمل!!

ولكنني لا أجد في هذا التركيب إلا الاضطراب والتشوش!!

فالموسيقى الحقيقية لبحر المضارع هي هكذا:

(وتد مجموع + سبب خفيف) + (وتد مجموع) + (وتد مجموع + سبب خفيف)

/ / 0 / 0 ---- / / 0 ---- / / 0 / 0

وهو كما ترى متناسق البناء !

ولأنني رفضت تقطيع الخليل بن أحمد لبحر المضارع، وجدتني أقوم بتقطيعه هكذا:

فـعـولـُن فـعـو فـعـولـُن

والتفعيلة الثانية جاءت بزحاف الحذف أي حذف السبب! فارتكاز المضارع إنما هو على تفعيلة المتقارب!!

أما ستلاحظ ذلك وأنت تعيد قراءة أبيات ابن عبد ربه انطلاقاً من هذا الحس:

أرى للصبا وداعا **** وما يذكر اجتماعا

كأن لم يكن جديراً **** بحفظ الذي أضاعا

ولم يـُصْبـِنا سروراً **** ولم يُلهـِـنا سماعا

فجدِّد وصال صبٍّ **** متى تعصـِـه أطاعا

وإن تدنُ منه شبراً **** يقرّبك منه باعا

أما تحس معي أن (فعولن) كانت في ذهن الشاعر وهو يكتب؟

لقد كانت هذه الذائقة سبباً في كتابتي لقصيدة (كرمة الأغاني) قبل ما يقرب من تسع سنوات!

رنا وانثنى وثارا **** ولم يستطع قرارا
http://arabswata.org/forums/showthread.php?t=12164

فماذا ترى؟

خالص تقديري ومودتي

**********
وكان تعليقي:

أخي الكريم الأستاذ أحمد الأقطش
سرني موضوعك لأنه فرصة لدعوتك للرقمي

فعولن فعو فعولن= 3 2 3 3 2
هذا شكلا معبر عن وزن المضارع. فهل هذا كاف ؟
لمعرفة دقة تعبير أي صيغة عن وزن ما يلزم أمران
أولهما – تمثيلها له شكلا: بمعنى وصفها لبنية الوزن.
ثانيا – تمثيلها له مضمونا بمعنى أن ما يصح على التفاعيل من زحافات يصح على وزن البحر.
أما من حيث الشكل فما تفضلت به تمثيل صحيح لوزن هذه الصيغة من صيغ المضارع.
فهل هي كذلك مضمونا؟
كونها فعولن فعو فعولن يترتب عليه صحة الوزن في حال قبض فعولن، وبذلك نجد أنفسنا أمام وزنين
أولهما : فعولُ فعو فعولنْ = 3 1 3 3 2 وعليه يكون من المضارع النص المعدل التالي ( بغض النظر عن المعنى ):

أرى لصبىً وداعا **** وما ذكر اجتماعا
أرى ل صبى ودا عا ..... وما ذ كرجْ تما عا
3 1 3 3 2 ***** 3 1 3 3 2
فليس بذا جديراً **** بحفظ أخٍ أضاعا
وهذا كما تعلم، وزن الشاهد الذي يتردد في كتب العروض.
ولو
أؤلئك خير قومي **** إذا ذكر الخيار
3 1 3 3 2
ويحضرني فيه الآن وجهان:
أولا - مفاعلَتن (فعولن) 3 1 3 – 3 2
ويترتب على هذا الوزن صحة البيت:
مفاعلَـنُن فعولن ... مفاعلْتُن فعولن ( بعصب مفاعلتن في العجز )
أؤلئك خير قومي .... إذا عُدّ الخيار
ثانيا – 3 1 1 – 232 = متفعلُ فاعلاتن... المجتث
ويترتب عليه صحة البيت
أؤلئك خير قومي ....إن قيل من خيارُ

وإن صحت الصيغة التي تفضلت بها مضمونا لتمثيل المضارع يصبح لدينا وجه ثالث لهذا البيت:
فعولُ فعو فعولن .... فعولن فعو فعولن
أؤلئك خير قومي ... إذا ما دعَوا خيارا
3 1 3 3 2 .... 3 2 3 3 2
فهل تراه يصح على المضارع ؟
إن حمل الصدر على المضارع يعني أنه حسب تفاعيل الخليل
مفاعل فاعلاتن ( حيث يجتمع في مفاعيلن القبض والكف )
****
الحديث هذا ذو شجون كثيرة
منها أني لو قلت وزن المضارع بهذه الصيغة هو
فعو – فاعلاتُ – فعلنْ
صح ذلك شكلا وترتب عليه مضمونا صحة الصيغة : فعو – فاعلاتن – فعلنْ
وبالتالي صحة الوزن:
أولكم خيارٌ لقومي ... إذا ذكر الخيار

ومنها أنني لو قلت إن هذه الصيغة من المضارع = فعولن فعولُ فعلُنْ
صح ذلك شكلا وترتب على ذلك مضمونا الوزن
فعولن فعولُ فعلن ..........فعولُ فعولنْ فعْلن
3 2 - 3 1 - 22 ........... 3 1 – 3 2 – 2 2
وبالتالي الوزن:
أؤلكم خيار قومي .....إذا ذكر الأخيارُ

إن اللبس الذي يحيط بالصيغة التي تفضلت باقترحها راجع إلى مخالفتها مضمونا لقاعدة هي الأهم في قواعد العروض العربي كما جلاها الرقمي وهي قاعدة التناوب بين الأرقام الزوجية والفردية أو الأسباب والأوتاد والتي يترتب عليها عدم جواز تجاور وتدين حقيقيين أبدا في العروض العربي وهو ما جاء في صيغتك
ويظهر بين القوسين فعولن ( فعو فعو) لن
ولزيادة الإيضاح
فإن القول بأن الشطر:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
وزنه ( فعو فعولن ) مفاعيلن مفاعيلن
صحيح شكلا ولكنه مضمونا خطأ فيما بين القوسين فقط صواب فيما سواهما
إذ يترتب على ما بين القوسين خطأ مستفعلن في أول البسيط لأن فعو وتد لا يتغير، في حين أن زحافات مفاعيلن مفاعيلن صحيحة في هذه الصيغة ولا تخل بالبسيط لمراعاتها عدم تجاور وتدين حقيقين
في حين أن قولنا إن أول هذا الشطر متفعلن فا يظهر أن ( متف ) سببان زوحف أولهما وبالتالي فلا تجاور لوتدين.

أتمنى أن يكون ما تقدم دعوة لك لإلقاء نظرة على الرقمي سأكون سعيدا بها شاكرا لتلبيتها.
******************
ورد الأستاذ أحمد الأقطش:

الأستاذ الفاضل خشان خشان ،،

سعدت بتعليقكم الرائع، فقد أبحرت بنا في بحور من الجمال .. والأرقام!

ولعلها تكون مناسبة لعرض رؤيتي المتواضعة حول الموسيقى التي كتب العرب بها أشعارهم لنستوضح موسيقى بحر المضارع.

فالعربي كان يكتب الشعر موزوناً بسليقته لا يعرف لذلك تفعيلة ولا دائرة ولا عروضاً ! لقد كان الشعر لديه شقيق الألحان والأنغام التي كان يمارسها سماعاً لا اطلاعاً!
من هنا وجب أن أشير إلى أن الشاعر الجاهلي كان يقطع البيت بالإيقاع لا بالتفعيلة .. كأنما يضرب على دف! انظر معي إلى قول عمرو بن كلثوم:

أبا هندٍ فلا تعجل علينا **** وأنظرنا نخبّرك اليقينا

تكاد تسمع فيه صوت الإيقاع السماعي:

تـَـتـَمْ تـَـمْ تـَـمْ / تـَـتـَمْ تـَـمْ تـَـمْ / تـَـتـَمْ تـَـمْ
تـَـتـَمْ تـَـمْ تـَـمْ / تـَـتـَمْ تـَـمْ تـَـمْ / تـَـتـَمْ تـَـمْ

وقس على ذلك مثلاً قول عنترة:

هلاّ سألتِ الخيل يا ابنة مالكٍ **** إن كنتِ جاهلة ً بما لم تعلمي

تـَـمْ تـَـمْ تـَـتـَمْ / تـَـمْ تـَـمْ تـَـتـَمْ / تـَـمَ تـَـمْ تـَـتـَمْ

مما يعني أن أوزان العرب سماعية وليست قياسية! وهذا يتضح بشكل أجلى في البحور غير الصافية:

أيها الناطق المبلّغ عنـَـا **** عند عمروٍ وهل لذاك انتهاءُ

تـَـمْ تـَـتـَـمْ تـَـمْ / تَ تـَـمْ تـَـتـَـمْ / تَ تـَـتـَـمْ تـَـمْ
تـَـمْ تـَـتـَـمْ تـَـمْ / تَ تـَـمْ تـَـتـَـمْ / تـَـمْ تـَـتـَـمْ تـَـمْ

ما فعله الخليل بن أحمد فيما بعد هو أنه نظــّـر لهذه الإيقاعات وقنـّـن الأوزان ووضع التفاعيل. فالأصل ليس التفعيلة ولكن الإيقاع (الرتم). من هنا يبقى اختلاف صور التفعيلة هو اختلافاً نظرياً في حد ذاته، يختلف في بحورها الصافية عن غيرها. وهو ما تنبه إليه المحدثون فيما يتعلق مثلاً بتفعيلة الرجز:

(مستفعلن) و (مستفع لن)

فقد فرقوا بينهما على أساس أن هذه التفعيلة في الخفيف لا يدخلها الطي، أي لا يجوز فيها (مستعلن). أي أن حكمها في الرجز غير حكمها في الخفيف.

وهو ما يجوز معه أن نبتكر كتابة أخرى لنفس التفعيلة:

(مستفعلن) و (مس تف علن)

لأن هذه التفعيلة الأخيرة تأتي في ثالثة البسيط دون خبن أو طي أو خبل! أي أن حكمها في الرجز غير حكمها في البسيط!

بل بإمكاننا أيضاً ابتكار صورة أخرى لنفس التفعيلة:

(مستفعلن) و (مس تفعلن)

لأن هذه التفعيلة الأخيرة تأتي في ثانية السريع دون خبن أو خبل! أي أن حكمها في الرجز غير حكمها في السريع!

وقد خرج قلة من الشعراء على هذه الأنساق، فاستحسن الذين أتوا بعدهم بعض خروجهم وذموا البعض الآخر.

من هذا المنطلق لا ينبغي الاعتداد بالتفعيلة سيما في البحور غير الصافية، وهو ما يجعل ما تفضلت َ به يا سيدي في حق (فعولن) غير وارد على الإطلاق. لأن إيقاع المضارع هكذا:

تـَـتـَـمْ تـَمْ / تـَـتـَـمْ / تـَـتـَـمْ تـَمْ
تـَـتـَـمْ تـَمْ / تـَـتـَـمْ / تـَـتـَـمْ تـَمْ

ولم يوفق الخليل في ضبط تفاعيله، لأن المضارع الذي افترضه الخليل استناداً إلى اجتهاده ليس له وجود أصلاً!

من هنا وجب الرجوع إلى الإيقاع لا التفاعيل المفترضة، لأنه لا يجوز وضع العربة أمام الحصان!

خالص تقديري واعتزازي
*********
ورددت :

أخي الكريم الأستاذ أحمد الأقطش
شكرا لردك الكريم.

قد يكون في الواقع فرق ما بين الإيقاع وتصوير التفاعيل له. ولكن القول بأنهما أمران مختلفان بل ربما متناقضان شيء آخر يصعب علي فهمه.

كيف ؟

الطويل كما أستنتج أنك تعبر عنه = تتم تم تتم تم تم تتم تم تتم تم تم
والطويل حسب التنعيم = نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا
ومن هنا انطلق الخليل من هذا الإيقاع تحديدا كما تروي كتب العروض
وكل من الصورتين = وتد سبب وتد سبب سبب وتد سبب وتد سبب سبب
= 3 2 3 2 2 3 2 3 2 2 = 3 2 3 4 3 2 3 4
الذي فعله الخليل هو تجميع هذه المقاطع في وحدات أكبر هي التفاعيل.
وأنت إذا نظرت إلى دوائر البحر وجدتها تقوم على المقاطع لا التفاعيل.

إن التفاعيل هي وسيلة إيضاح لفكرة الخليل التي لا بد وأن تكون كلية . وهي بقدر ما سهلت تناول الأوزان بمجموعات أكبر وأقل في كل بحر إلا أنها صرفت الأذهان عن التواصل مع فكرة الخليل الكلية .

يقول الأستاذ ميشيل أديب في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:" وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية لتي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّة لرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ. "

إن تمثيلك للأوزان - دون استنتاجك - هو الرقمي بعينه .

وبهذه المناسبة أكرر رجائي لك بالاطلاع على الرقمي بدءا من نافذة الرابطين التالييين
1- الذي يجمع بين اللحن ( الموسيقى ) والعروض :

http://www.geocities.com/alarud/84-music-prosody.html

2- الذي يتناول التفاعيل وحدودها

http://www.geocities.com/alarud/71-m...ttafaaeel.html

إن موقف كل منا من القول " إن الحان العرب سمعية لا قياسية" هو الذي يمثل الفارق بين رؤيتينا

فأنا أراها سمعية وقياسية معا. بل أقول إن القوانين الرياضية الصارمة التي يكشف الرقمي جانبها الأكبر والتي تضبط أوزان الشعر ، هي أشبه ما تكون ببرنامج أودعه الخالق سبحانه وتعالى وجدان العربي فكانت ذائقته للألحان محكومة به.

وكما تعرف فإن الخليل كان عالي الثقافة رياضيا وموسيقيا.

بل إن الإيقاع مثلما هو لحنيّ في الكلام والموسيقى هو بصري كذلك، وليتك تلقي نظرة على الرابط:

http://www.geocities.com/khashan_kh/sanoreehim.html

وسواء اختلفنا أم اتفقنا فإن طريقة تفكيرك حرية بتفاعلها مع الرقمي أن تقدم الكثير.

والله يرعاك.

***********
ورد الأستاذ أحمد الأقطش:

سيدي العزيز خشان خشان ،،
أخي المفضال حسن حجازي ،،

إنه العروض .. مملكة الفن والجمال!

إن الفارق بين مدخلي للعروض والمدخل الرقمي هو في الفارق بين السماعي والقياسي، ذلك أن القياس لا يكون إلا على موجود، وهذا الموجود الذي يقاس عليه هو ذخيرة سماعية تناقلها العرب جيلاً بعد جيل.

من هنا جاء رفضي للافتراضات النظرية "غير الفنية" والتي لا تعرف العرب عنها شيئاً!! فقد كان ولع الخليل بن أحمد بالرياضيات سبباً في إغراقه في التنظير!! ففي سبيل ضبط دائرة المشتبه مثلاً اضطر الخليل إلى الزعم بوجود صور مثالية للمضارع والمقتضب والمجتث حتى لا تفسد الدائرة!! وما ذهب إليه الخليل باطل أيما بطلان!! فهذا الأمر ليس سوى "اختلاق" وهمي لا يُستند إليه في شيء البتة، بل الموئل إنما يكون إلى الإيقاع الحقيقي بكل بساطة.

فالمجتث ليس (مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن) فالعرب لا تعرف هذا الإيقاع! ولكن جاء الخليل بالتفعيلة الثالثة من عند نفسه ليثبت صدق نظريته الرياضية!

والمقتضب ليس (مفعولات مستفعلن مستفعلن) فالعرب لا تعرف هذا الإيقاع مطلقاً! ولكن جاء الخليل بهذه التركيبة من عندياته بامتياز!

والمضارع ليس (مفاعيلن فاعلاتن مفاعيلن) فالعرب لا تعرف هذا الإيقاع غير الإيقاعي! ولكن فرضه الفراهيدي فرضاً دون أي مسوّغ إلا تبرير دائرة المشتبه!!

ولتمرير هذا التلفيق ردّد العروضيون مقولة الخليل عن كل بحر من هؤلاء: "ولا يكون إلا مجزوءاً"!! فهذه التراكيب ليست عربية يا سيدي، بل هي اختراعات خليلية .. والفارق كبير بينهما!!

إذا فطنت لهذا، علمت أن تغليب التفاعيل على الإيقاع في هذه الأوزان الثلاثة خصيصاً هو الذي قصدتـُـه بوضع العربة أمام الحصان! لأنه لا يجوز التمسك بأخطاء المترجم وإهمال الرجوع إلى النص الأصلي! من هنا تجد يا سيدي خطأ ما ذهبتَ إليه في قولك الكريم:

عدم جواز تجاور وتدين أصليين أبدا في العروض العربي وهو ما جاء في صيغتك
ويظهر بين القوسين فعولن ( فعو فعو) لن

فقد أهملت الإيقاع الحقيقي للمضارع الذي ورد فيه وتدان أصليان سواء كتبه الخليل: مفاعيــ (ـلُ فاعلا) تن؛ أو كتبه العبد الفقير: فعولن (فعو فعو) لن، لأن هذا هو نسق المضارع الفعلي ولم آتِ به من عندياتي!

والمثال الذي تفضلت بذكره لتخطيء مجيء الوتدين إنما هو شاهد في غير محله كما سأذكر. تقول سيدي الكريم:
ولزيادة الإيضاح فإن القول بأن الشطر:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
وزنه ( فعو فعولن ) مفاعيلن مفاعيلن ؛ صحيح شكلا ولكنه مضمونا خطأ فيما بين القوسين فقط صواب فيما سواهما
إذ يترتب على ما بين القوسين خطأ مستفعلن في أول البسيط لأن فعو وتد لا يتغير

فمجيء الوتد هنا في أول البيت ليس أصلاً بل جوازاً، والأمر ليس كذلك في المضارع! فهذه مقارنة مغلوطة، لا سيما وأن إيقاع البسيط لا يستدعي هذا التقطيع المتعسف الذي إن كان ولابد فالصحيح أن يأتي: (مستفعلاتن مفاعي لن مفاعلتن) مع إمكانية حذف نون مستفعلاتن! ولا يجوز في هذه الحال أن نمسك كل تفعيلة لنتتبع ما بها من زحافات وننسى التركيب الكلي للإيقاع!

وعلى هذا فاعتماد تفعيلة الهزج (مفاعيلن) وتفعيلة الرمل (فاعلاتن) كأساس لإيقاع المضارع، فضلاً عن صورته الوهمية، إنما هو مذهب فاسد عجز عن ترجمة هذا الوزن العربي بشكل سليم، وهذا هو مكمن الإشكال القديم الجديد من بحر المضارع.


*****

ورددت :

أخي الكريم الأستاذ أحمد الأقطش
ما فتئت ردودك تسعدني بما تحفزه في من تعمق في التفكير ليناسب الرد ما تطرح
أراني كثيرا متفقا معك في ما تطرح من بعض الحقائق مختلفا معك في ما تستنتج منها

" إنه العروض .. مملكة الفن والجمال! "
لا يصدر هذا القول إلا عن عقل نير وذوق راق. وقليل من أنصف العروض هكذا.

من هنا جاء رفضي للافتراضات النظرية "غير الفنية" والتي لا تعرف العرب عنها شيئاً
مع ارتباط هذه الكلام بما يليه وددت أن أقتطفه لأستفسر عن أبعاد تعبير فيه أتوقع أن فيه قصدا وتبيانا ثم أعود للسياق.
ما المقصود بقولك "غير الفنية " وما دور هذا التعبير في التمييز بين النحو والعروض من جهة وبين طرح معين للعروض وطرح آخر، علما أن كل هذا لم تكن تعرف العرب عنه إن عرفت إلا القليل جدا في جاهليتها. فقد كان انضباط كلامها وشعرها سليقة لا عن تعلم نحو أو عروض.


من هنا جاء رفضي للافتراضات النظرية "غير الفنية" والتي لا تعرف العرب عنها شيئاً!! فقد كان ولع الخليل بن أحمد بالرياضيات سبباً في إغراقه في التنظير!! ففي سبيل ضبط دائرة المشتبه مثلاً اضطر الخليل إلى الزعم بوجود صور مثالية للمضارع والمقتضب والمجتث حتى لا تفسد الدائرة!! وما ذهب إليه الخليل باطل أيما بطلان!! فهذا الأمر ليس سوى "اختلاق" وهمي لا يُستند إليه في شيء البتة، بل الموئل إنما يكون إلى الإيقاع الحقيقي بكل بساطة.

فالمجتث ليس (مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن) فالعرب لا تعرف هذا الإيقاع! ولكن جاء الخليل بالتفعيلة الثالثة من عند نفسه ليثبت صدق نظريته الرياضية!

من حيث النتيجة – لا المدخل- فللخليل توصيف قياسي للعروض، وأنت لك توصيف قياسي كل ما في الأمر أن توصيفيكما مختلفان.
أتفق مع كل الحقائق التي ذكرتها هنا وأختلف مع تفسيرك لها.
1- أتفق مع ولع الخليل بالرياضيات , وسعة علمه فيها.
2- وأتفق أنه في سبيل ضبط الدائرة افترض افتراضات معينة.
3- وأتفق معك في أن الموئل إنما يكون إلى الإيقاع الحقيقي بكل بساطة

وعلى اتفاقي معك في هذا الذي تفضلت به فإن لدي قراءتي له بشكل متكامل يختلف عن قراءتك ويحمل من حيث انسجامه الذاتي نفس القدر الذي يحمله كلامك من انسجام ذاتي الأمر الذي يجعل طرحك وجهة نظر محتمله سبق لحازم القرطاجني أن تقاطع معها، ولا يجعهلها وجهة النظر الوحيدة. وهذا من حسن الحظ فوجود وجهتي نظر مدعاة لتنشيط الحوار، ومن كانت الموضوعية هدفه لم يضق برأي مختلف فما ينجلي الصواب إلا بالحوار. وما أظنك إلا قاصدا للموضوعية.

وإليك ما أراه في هذا الشأن.
إن الرياضيات هي لغة التجريد، التي نظريا تشمل كل شيء في الكون، وكوننا غير قادرين على التعبير عن أي ظاهرة رياضيا أو التعبير عن ظاهرة ما بشكل رياضي غير دقيق لا يعني أنها ليست تجسيدا لشكل رياضي حال تعقيده دون معرفتنا به.

كل شيء في هذا الكون له نظام وكلمة نظام تعني القابلية للتعبير عنه رياضيا. وفي الرابط التالي بعض من التمثيل لذلك في فرع من فروع الرياضيات الحديثة Fractals:

http://www.arood.com/vb/showthread.p...light=Fractals

وهكذا فلا فوضى في هذا الكون، وليس ما نحسبه فوضى إلا نظاما لم نكتشفه بعد.

نعود للخليل، وقراءتي التالية مستمدة من طبيعة العملية الفكرية وتوقها إلى افتراض كلي يأطر الجزئي ويفسره، كما هي مبنية على تجربتي في استقراء كلية تفكير الخليل من خلال جزئيات طرحه.
طبيعة العملية الفكرية في أمر ما تبدأ باستكشاف الظواهر المنفردة المتعددة لذلك الأمر تدريجيا، ومن ثم محاولة إيجاد توصيف مشترك بين الظواهر وهو توصيف لغوي منطقي بمعنى أنه تعبير عن تصنيف وتبويب وتجميع الصفات المشتركة والتعبير عنها بلغة الكلام. وكلما زاد هذا التوصيف دقة وزادت الظواهر التي يعبر عنها كلما أصبح أكثر قابلية لأن يصاغ رياضيا.
تبدأ الملاحظة العلمية بوصف كل ظاهرة على حدة ثم محاولة استشفاف المشترك بين تلك التوصيفات ومن ثم تجريبها على تلك الظواهر وما قد يضاف إليها من ظواهر أخرى، والنظر في مدى صلاحية ذلك المشترك ودقته ومن ثم إعادة النظر فيه وتطويره ليكون أكثر انطباقا على أكثر عدد من الظواهر. وتستمر هذه العملية في اتجاهيها جمع المعلومات من الظواهر المنفردة وتعديل التوصيف المشترك ومن ثم تجريب التوصيف المشترك بعد كل تعديل على ما كان شذ عنه قبل تعديله من صفات الظواهر، ومن الظواهر الجديدة المتعلقة بذلك الأمر.
ومع تكرار تعدد التطبيق والملاحظة والتفاعيل في الاتجاهين وتعديل التوصيف بناء على ذلك يزداد التوصيف دقة وتجريدا وبساطة وإغراء للمفكر بإمكان صياغته رياضيا، وتبدأ إذ ذاك مرحلة أخرى من التجريب بين صيغة التوصيف المشترك المنطقية اللغوية والتوصيف شبيهة بتلك التي كانت بين الملاحظة والتوصيف المنطقي اللغوي.

يتم كل ذلك والمفكر مسكون برؤية مسبقة لوجود كل كامل بسيط يمثل صورة مثالية قابلة للتعبير عنها بصيغة رياضية . ويجد من مظاهر اتجاه تطور توصيفه تلك نقطة مركز ذلك الوجود الكلي ما يشجعه على المضي في هذا الاتجاه.

والصياغة الرياضية تتضمن التوصيف اللغوي المنطقي بشكل مكثف بسيط.وقد تكون البداية عدة تعابير رياضية كل منها تحكم ظواهر ذلك الأمر في حالات مختلفة، ومع مزيد من الجهد في الاتجاهين بين الصياغة الرياضية والظواهر القديمة والمستجدة - مباشرة في هذا المستوى دون مرور بالتوصيف اللغوي- تقل هذه القواعد الرياضية وتزداد بساطة وإغراء بصياغتها في قانون موحد.
هناك في تفكير المفكر ضرورة وجود مثال من الكمال الرياضي.
وهناك ما بلغه المفكر من مقاربة لذلك المثال
وهنالك المسافة بينهما صغيرة أو كبيرة.
فإن كانت صغيرة التمس المفكر تخريجا يتحايل به على ربط ما شذ عن تلك القاعدة الرياضية بها بشكل أو بآخر. وواصل طريقه وأهاب بسواه إلى استكمال الطريق وصولا إلى الهدف أو اقترابا أكثر منه.
وإن كانت كبيرة قال هذا ما لدي وهو ليس بالكثير وواصل الطريق.

بقاء مسافة ما بين المثال والصياغة يولد وجهتي نظر
الأولى : تقول بنجاح كبير للصياغة
والثانية : تقول بفشلها
ولكل من وجهتي النظر ما يؤيده، ويختلف وزن كل من وجهتي النظر باختلاف المسافة بين المثال والوقائع، ونجاعة المفكر في التحايل على الفجوة بينهما مؤقتا. ولا يمكن أن يخطر ببال المفكر أن يزور الوقائع وهي أساس التوصيف ليثبت صحة صياغته فذلك خداع للذات بعيد بحكم التعريف عن طبيعة المفكر وهدفه.

لننظر إلى ما فعله الخليل في ظل ذلك.
لقد مر بتلك العملية الفكرية واستخلص من كم هائل من الشعر العربي لم يسبق تصنيف وزنه صياغة قريبة جدا من المثال الرياضي، الذي رآه ممثلا في دوائر البحور.
http://www.geocities.com/khashan_kh/...tulbohoor.html

والقول بأن صياغته قريبة من المثال تعني أنها غير مطابقة له تماما.
فماذا فعل الخليل ؟ لجسر هذه الفجوة.
لقد افترض أن أصل وزن البحور هو ما تعبر عنه الدوائر. والواقع أن وزن بعض هذه البحور أقصر مما ذكرته الدوائر فقال بوجوب مايلي
1- قصر كل من المقتضب والمضارع والمجتث

ولو أدخلنا مفهوم الاجتثاث أو الاقتضاب بمعنى جزء البحر بالانتقاص من أول شطره لخفت حدة هذا الفارق، فالبحر كامل الوزن ومقتضبه الملون . ( مع أخذ العلم بخصوصية المضارع في الانتقاص من أول المنسرح -أو الخفيف - وآخره)

الخفيف - المجتث = 2 3 2 4 3 2 3 2
المنسرح - المقتضب = 4 3 2 3 3 1 3
المنسرح - المضارع = 4 3 2 2 2 3 2 2
2- قطف الوافر
3- خبن عروض البسيط وخبن أو قطع ضربه.

ولكن الخليل لم يغير في الوقائع شيئا بل حرص عليها كل الحرص.
فهو لم يعتبر المتدارك بحرا رغم مطابقته لمفهوم دوائره لأن العرب لم تقل عليه شيئا
وهو لم يقل بتغيير وزن المضارع ليطابق المثال المفترض.
أجد توصيف الخليل للمضارع منتهيا بوزنين هما
مفاعيل فاعلاتن = 3 2 3 3 2 و مفاعلن فاعلاتن = 3 3 2 3 2 هو الأصح، ولا يضير هذه الصورة تشابهها مع إحدى صور المجتث.
مع احترام وجهة النظر القائلة بصعوبة الجمع بين وزني المضارع في بيت واحد، لاختلاف في أول الشطر.

أما أن وزن المضارع لحن فهو لحن حقا، وأما القول بأنه ليس قياسا فلا يترتب على القول إنه لحن، فاللحن هو الألظ بالقياس من سواه.

تبقى رسالة الخليل لمن جاء بعده بالتواصل مع فكره واستئناف مسيرته ومحاولة الاقتراب من المثال بشكل أكبر على هدي تفكيره. وهذه إحدى أهم مهام العروض الرقمي.

لعل من المناسب النظر في إعادة صياغة شكل دوائر البحور لتعطينا تطابقا أكبر مع الوقائع دون الحاجة للقول بوجوب الجزء مثلا .

إن تقديري لما أراه من عمق تفكيرك كان الدافع لما كتبت ويراودني الأمل بأنك في حالي اختلافنا أو اتفاقنا ستجد في الرقمي نورا يساعد على رؤية الكثير، ومن شأن نجاحي في كسبك لمضمونه أن يعود بالخير على الفكر والعروض واللغة.

والله يرعاك.