النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: الفراهيدي وعروضه

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954

    الفراهيدي وعروضه

    أستاذي محمد تقي جون علي من أفاضل أهل الأدب والعروض والفكر الذين حظيت بمعرفتهم. وهو مؤلف كتاب (العروض الرقمي)



    http://arood.com/vb/showthread.php?t=4674

    وكنت أظننا على وفاق في أمر شمولية نهج الخليل كما صوره العروض الرقمي إلى أن اطلعت على مقالته هذه :

    http://www.alnoor.se/article.asp?id=226513

    http://www.babylon-center.net/?artic...pic&topic=6869

    أنشرها ولي إليها عودة بإذن الله.


    على الرغم من ترفعه عن الدنيا والدنايا، وذكائه المشهود له، مارس الفراهدي فعلا سلطوياً على الشعر والشعراء:(أنا سكان السفينة والشعراء تبع لي)، وضمن هذا الفعل جاء تأليفه العروض. وإذا ثقف الجاحظ لفكرة أن الشعر من حظ العرب وحدهم دون الأمم: (وفضيلة الشعر مقصورةٌ على العرب) فقد حصر الفراهيدي أوزان الشعر بخمس دوائر تضم (البحور العربية) لأنه (لا يكون الشعر شعراً حتى يُحامَى فيه وزن من أوزانهم). وبهذا قطع الطريق على الابتكار في الأوزان الشعرية التي شهدت ثورة عارمة من شعراء عرب وعجم سعوا إلى التجديد في موسيقى الشعر العربي كالوليد بن يزيد وأبي العتاهية وأبي نواس وعبد الله بن منذر وابن السميدع ورزين العروضي، وذلك لإحساسهم بان الشعر يتناغم مع الحياة ويتحرك بطءاً وسرعة بموجبها. وقد ظن الخليل أن السماح بأوزان أخرى طمس وإلغاء للأوزان العربية أو ثورة سياسية عليها وعلى العرب. وفي الخليل وعروضه قال ابراهيم النظام: (توحَّدَ به العُجْبُ فأهلكَه، وصَوَّر له الاستبدادُ صوابَ رأيه فتعاطى ما لا يحسنُه، ورامَ ما لا يناله، وفتنَته دوائرُه التي لا يحتاج إليها غيره). واكد ابن فارس (أن العروض كان موجوداً وقل في أدي الناس فجدده الفراهيدي)، وهذا يصحح الرأي القائل بأن الخليل ابتكر العروض. وأوضح قدامة بن جعفر عدم ضرورة العروض لأن جميع الشعر الجيد المستشهد به إنما كان قبل وضع الكتب في العروض والقوافي. وقد وقف الخليل وسط سيل الأوزان المبتدعة وليس للعرب سوى (12) بحراً، فاقترح فكرة الدوائر، وهو بتطبيقه فكرة الدوائر أوهم أن كل وزن ممكن أن يستخرج من تقليبات البحور الجاهلية الأساسية، التي جعلها على رأس كل دائرة، هو في حيز الأوزان العربية وان لم تكتب عليه العرب، والذي لا تستوعبه الدوائر لن يكون عربياً، وسيكون الشعر المكتوب عليه محارباً. وانطلاقا من ذلك اشتق مصطلحات العروض كلها من الخيمة كالبيت والوتد والفاصلة والخبن والطي، ولم يشتقها من حياة الحضارة التي عاشها انتصارا للماضي العربي. وانسجاماً مع تقسيم السلف، ميز الخليل في عروضه بين وزن (القصيد) ووزن (الرجز) فهو حمار الشعراء لا يكتب عليه شعر محترم. اشتغل الخليل على قضيتين لتحقيق غايته (العروضية) الأولى: التقليبات (الدوائر)، والثانية: الزحافات والعلل. وقد ظهرت عنده في (التقليب العروضي) بحور لم يكتب عليها الجاهليون ولم تتقبلها سليقة المعاصرين، فزعم أن العرب أهملتها موحياً بمعرفتهم إياها، والحقيقة إن (المهمل) لم يكن اقتراحاً منه لبحور جديدة ولكنها من مضاعفات عملية التدوير، وإذا خرج بحر مستعمل سماه أو مستحدث مشهور تستطيع الدوائر بتقليباتها استيعابه ولو بحيلة كالجزء والعلل والزحافات التي اخترعها، رده إلى الأوزان العربية ومنحه الشرعية فصار عربيا على الرغم من أن العرب لم تعرفه مطلقاً وهي التي تقع في الدائرة الرابعة والخامسة. وعملية التدوير هذه أسقطت عشرات الأوزان التي لا تتأتى من (التدوير) فنادى علم العروض بشطبها وإسقاط شرعيتها كما ألجأته خطته إلى وضع الكثير من الزحافات والعلل من (عندياته) حيث تتيح له الحذف الواجب للتفعيلة: الجزئي أو الكلي للوصول إلى البحر المقترح؛ فالمتدارك يأتي من قلب تفعيلات المتقارب (فعولن فعولن فعولن فعولن) مرتين فتصبح (فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن) مرتين وهذه مرحلة أولى لان البحر بهذه التفعيلات لا يشبه المستعمل لدى الشعراء وهو أن تأتي التفعيلة (فعْلن) أو (فَعِلـُن)، أما مجيئه على تفعيلتي (فعْلن) أو (فَعِلـُن) وهو البحر المستعمل المشهور ففيه تنتحر كل قواعد الخليل العروضية وأدواته المقترحة؛ لان عليه أن يدخل على فاعلن مرة الخبن لتصبح (فَعِلُن)، ومرة القطع أو التشعيث لتصبح (فاعلْ = فعْلن)، وكيف ذلك والخبن زحاف غير ملزم بينما على الشاعر التزامه هنا؟ والتشعيث او القطع علة فكيف تدخل الحشو؟ وهذا الاضطراب وعجز الخليل عن تفسيره وراء الزعم بان الاخفش تدارك بهذا البحر على الخليل! وليس هذا بصحيح لان الخليل كتب ابياتاً تجريبية على تفعيلتي (فَعِلُن) و(فعْلن). ومقلوب بحر الكامل يكون (مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن) لكل شطر والمفترض أنه (الوافر)، ولكن العرب استعملت في عروضه وضربه (فعولن) بدل (مفاعلتن) فألجأه هذا إلى إيجاد علة اسماها (القطف) جعلها ملزمة في الوافر تسقط السبب الخفيف برمته وتسكن متحرك السبب الثقيل الثاني فتنتقل (مفاعلتن) بهذه العلة المبتدعة إلى (فعولن) فيكون بحر الوافر. وللوصول إلى بحر المجتث اضطر لإسقاط تفعيلة كاملة فهو في الدائرة (مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن) فأسقط فاعلاتن وجعل الحذف وجوباً. وفي المقتضب (مفعولات مستفعلن مستفعلن) لم يكفِ حذف التفعيلة الثالثة للوصول إلى البحر الحقيقي لأنه سيصبح (مفعولات مستفعلن) فالمستعمل هو الطي مع التفعيلتين فأفتى الخليل بان الطي ملزم في العروض والضرب. وهذا يوضح مقدار التكلف والتمحل والمط الذي بذله ليقرب تنظيره من الواقع الشعري. وجاءت تسمية البحور المستحدثة جزءاً من عملية مسخها إذ ردتها إلى البحور العربية؛ فالمضارع سمي مضارعاً لمضارعته، أي مشابهته، الخفيف أو الهزج، والمقتضب اقتضب، أي اقتطع، من السريع أو المنسرح. وقد قتل عروض الخليل شعرا كثيرا وخمل شعراء لم يمنحوا الشرعية؛ ذكروا أن الرشيد منع رثاء البرامكة بشعر، فرثتهم جارية بشعر وضعته على وزن خارج العروض فأمنت العقوبة. ولكن سد العروض لم يثبت أمام سيل الأوزان العرم مبينا خطأ صاحبه؛ فما زالت الأوزان تتزايد حتى ظهر الموشح الذي تربو أوزانه على الألف. أما الرجز فما عاد حمارا بليدا للشعراء بل تأكد مع الزمن انه حصان أصيل في القريض. وبناءً عليه، أدعو إلى تدريس العروض أساساً لأوزان الشعر العربي، وانفتاحاً على ما ابتكر ويبتكر من أوزان، وحافزا على الخلق في موسيقى الشعر. (للتفصيل: ينظر كتابي: سلطة الشعر الجاهلي على الشعر العباسي/الفصل الرابع) وكتابي (أنا الشعر/ المورد الثالث).

    أتـناول الموضوع على الرابط:

    https://sites.google.com/site/alaroo...athlemoon_taqi

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    2,112
    بارك الله فيك أستاذي،دومًا نبراسًا متألقًا.
    سبحان الله!
    لماذا يهاجم الخليل مع من يريد التجديد والتطوير في الأوزان كما يدعون؟
    هل جزاء الخليل أنه أصل وقعد لعلم العروض وحفظ الشعر العربي؟
    هل يعاب على الخليل أنه جعل علم العروض علم متكامل شامل محكم مغلق؟
    لماذا الخطأ والزلل من الخليل،وكأنه عقلية لا تناسب عقليات هذا العصر؟
    رحمك الله أيّها العبقريّ،ظلموك وربي! لم ينصرك إلا العروض الرقمي .
    العروض الرقمي فهمك ووصل لفكرك الذي لم يفهمه من يهاجمونك.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة (سحر نعمة الله) مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك أستاذي،دومًا نبراسًا متألقًا.
    سبحان الله!
    لماذا يهاجم الخليل مع من يريد التجديد والتطوير في الأوزان كما يدعون؟
    هل جزاء الخليل أنه أصل وقعد لعلم العروض وحفظ الشعر العربي؟
    هل يعاب على الخليل أنه جعل علم العروض علم متكامل شامل محكم مغلق؟
    لماذا الخطأ والزلل من الخليل،وكأنه عقلية لا تناسب عقليات هذا العصر؟
    رحمك الله أيّها العبقريّ،ظلموك وربي! لم ينصرك إلا العروض الرقمي .
    العروض الرقمي فهمك ووصل لفكرك الذي لم يفهمه من يهاجمونك.

    لماذا ؟ حقا لماذا استاذتي ؟

    هل جاء أحد ممن هاجم الخليل بعروض بديل ؟

    منهجية فكر الخليل التي كشفت منهجية الذائقة العربية تغيب عن كثيرين، وبالدعوة إلى التحرر من هذه المنهجية
    فإنهم يحاولون - ربما من حيث أراد بعضهم الإصلاح - نزع أجمل وأجل واجمل ما في هذا العلم. هذه
    المنهجية لن يفهمها حق فهمها من لم يفهم الرقمي.

    موضوع المنهج واللامنهج ذو علاقة :

    https://sites.google.com/site/alaroo...ome/almanhaj-1

    كما أرجو أن تتابعي ما أوالي طرحه ردا على ما تفضل به أستاذنا على الرابط:

    https://sites.google.com/site/alaroo...athlemoon_taqi

    يرعاك الله.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة (سحر نعمة الله) مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك أستاذي،دومًا نبراسًا متألقًا.
    سبحان الله!
    لماذا يهاجم الخليل مع من يريد التجديد والتطوير في الأوزان كما يدعون؟
    هل جزاء الخليل أنه أصل وقعد لعلم العروض وحفظ الشعر العربي؟
    هل يعاب على الخليل أنه جعل علم العروض علم متكامل شامل محكم مغلق؟
    لماذا الخطأ والزلل من الخليل،وكأنه عقلية لا تناسب عقليات هذا العصر؟
    رحمك الله أيّها العبقريّ،ظلموك وربي! لم ينصرك إلا العروض الرقمي .
    العروض الرقمي فهمك ووصل لفكرك الذي لم يفهمه من يهاجمونك.

    لماذا ؟ حقا لماذا استاذتي ؟

    هل جاء أحد ممن هاجم الخليل بعروض بديل ؟

    منهجية فكر الخليل التي كشفت منهجية الذائقة العربية تغيب عن كثيرين، وبالدعوة إلى التحرر من هذه المنهجية
    فإنهم يحاولون - ربما من حيث أراد بعضهم الإصلاح - نزع أجمل وأجل واجمل ما في هذا العلم. هذه
    المنهجية لن يفهمها حق فهمها من لم يفهم الرقمي.

    موضوع المنهج واللامنهج ذو علاقة :

    https://sites.google.com/site/alaroo...ome/almanhaj-1

    كما أرجو أن تتابعي ما أوالي طرحه ردا على ما تفضل به أستاذنا على الرابط:

    https://sites.google.com/site/alaroo...athlemoon_taqi

    يرعاك الله.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954
    وقد أرسل لي صديق هذا المقال لأستاذي محمد تقي جون علي وهو في نفس سياق الموضوع أعلاه


    السلطة على الأوزان .. الوزن الجاهلي وعلم العروض (2)

    ا. د. محمد تقي جون
    آلية عمل الخليل:
    اشتغل الخليل على قضيتين لتحقيق غايته (العروضية) الأولى: التقليبات النغمية أو فكرة الدوائر العروضية، والثانية:
    الزحافات والعلل. وفي الدوائر العروضية كرر محاولته في تقليب الكلمات تلك التي مارسها في قاموسه (العين)، وقد ظهرت عنده في (التقليب العروضي) بحور لم يكتب عليها الجاهليون ولم تتقبلها سليقة المعاصرين فزعم أن العرب أهملتها موحياً بمعرفتهم إياها. والحقيقة إن (المهمل) لم يكن اقتراحاً من الخليل لبحور جديدة ولكنها من مضاعفات عملية تدوير البحور وكأنه أراد أن يقول إن (المهملات) بحور تقع ضمن دائرة الوزن العربي إلا أنهم لم يستعملوها، واذا خرج بحر مستعمل سماه أو مستحدث مشهور تستطيع الدوائر بتقليباتها استيعابه ولو بحيلة كالجزء والعلل والزحافات التي اخترعها – كما سنوضح ذلك-، رده إلى الأوزان العربية ومنحه الشرعية فصار عربيا رغم أن العرب لم تعرفه مطلقاً وهي التي تقع ضمن الدائرة الرابعة (المشتبه) والخامسة (المتفق).

    وعملية التدوير هذه أسقطت عشرات الأوزان التي لا تتأتى من (التدوير) فنادى علم العروض بشطبها وإسقاط شرعيتها كما ألجأته خطته إلى وضع الكثير من الزحافات والعلل من عندياته حيث تتيح له الحذف الواجب للتفعيلة الجزئي أو الكلي للوصول إلى البحر المقترح؛

    فالمتدارك يأتي من قلب تفعيلات المتقارب (فعولن فعولن فعولن فعولن) مرتين فتصبح (فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن) مرتين وهذه مرحلة أولى لان البحر بهذه التفعيلات لا يشبه المستعمل لدى الشعراء وهو أن تأتي التفعيلة (فعْلن) أو (فَعِلـُن)، وقد أورد الخليل أبياتاً تجريبية على الصورة الأولى وهي قليلة ومصنوعة مفتعلة وتدل على عدم وعي راسخ بنغمته، أما مجيئه على تفعيلتي (فعْلن) أو (فَعِلـُن) وهو البحر المستعمل المشهور ففيه تنتحر كل قواعد الخليل العروضية وأدواته المقترحة؛ لان عليه أن يدخل على فاعلن مرة الخبن لتصبح (فَعِلُن)، ومرة القطع او التشعيث لتصبح (فاعل=ُ فعْلن). فكيف ذلك والخبن زحاف غير ملزم بينما على الشاعر التزامه هنا؟ والتشعيث او القطع علة فكيف تدخل الحشو(40)؟ وهذا الاضطراب لما وجد الخليل عجزه عن تفسيره ادعى أو ادعي عليه ان الأخفش هو الذي تدارك بهذا البحر على الخليل وليس هذا بصحيح(41) لان الخليل كتب ابياتاً تجريبية مرة على تفعيلة (فَعِلُن)، ومرة على تفعيلة (فعْلن) (42).

    ومقلوب بحر الكامل يكون (مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن) لكل شطر والمفترض أنه (الوافر). ولكن العرب استعملت في عروضه (فعولن) بدل (مفاعلتن) فألجأه هذا إلى إيجاد علة اسماها (القطف) جعلها خاصة بالوافر تسقط السبب الخفيف برمته وتسكن متحرك السبب الثقيل الثاني فتنتقل (مفاعلتن) بفضل هذه العلة المبتدعة الى (فعولن) فيكون بحر الوافر.......وللوصول الى بحر المجتث اضطر الى إسقاط تفعيلة كاملة لانه في الدائرة (مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن) فأسقط فاعلاتن الثانية وجعل الحذف وجوباً. وفي بحر المقتضب (مفعولات مستفعلن مستفعلن) لم يكفِ حذف التفعيلة الثالثة للوصول إلى البحر الحقيقي لأنه سيصبح (مفعولات مستفعلن) فالمستعمل هو الطي مع التفعيلتين وخاصة العروض ولهذا أفتى الخليل بان العروض مطوية دائماً والطي فيها ملزم والضرب مطوٍ ملزم كذلك(43). وهذا يوضح مقدار التكلف والتمحل والمط الذي بذله الخليل ليقترب بتنظيره من الواقع الشعري.

    وجاءت تسمية البحور المستحدثة جزءاً من عملية مسخها وسلخها إذ ردتها التسمية إلى بحور عرب الجاهلية؛ فالمضارع سمي مضارعاً لمضارعته – أي مشابهته- الخفيف أو الهزج وقيل المنسرح، والمقتضب سمي مقتضباً لأنه اقتضب – أي اقتطع- من السريع أو المنسرح بحذف تفعيلته الأولى، والمجتث اجتث – أي اقتطع- من الخفيف(44).

    التفعيلات وتضليلاتها:
    ولعل المفاتيح النغمية أو التفعيلات العشر التي اقترحها الخليل والتي تعطي هوية كل بحر تعد حلقة من حلقات التضليل أحياناً فان أي بيت شعري يمكن أن يرد بعد وضع مفتاحه النغمي إلى البحور الخليلية، فبيتا أبي العتاهية الماران :

    للمنونِ دائرات... يدرن صرفها
    هنَ ينتقيننا...واحداً فواحداً

    وهما على وزن (فاعلاتُ فاعلن)، وهو وزن لا ينطبق على احد بحور الدوائر أو مقلوباتها، ممكن أن يقطع على مفتاح آخر هو (فاعلن متفعلن) فيرد قسراً إلى مقلوب البسيط كما فعل شوقي ضيف(45).ومثله قوله:

    عتبُ ما لليالي...خبريني وما لي

    فهي على وزن (فاعلاتن فعولن)، وهي خارج بحور الخليل أيضاً ولكن شوقي ضيف لما أراد أن يردها إلى المديد قطعها على (فاعلن فاعلاتن) ودمج كل شطرين بشطر فأصبح (فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن) فأصبح مقلوب المديد بتفعيلاته الأصلية. وكذلك قصيدة رزين العروضي التي أولها:

    قربوا جمالَهُمُ للرحيل...غدوةً أحبَّتك الأقربوكْ

    فنغمتها (تُمْ تِتُمْ تِتُمْ تِتِتُمْ تُمْ تِتُمْ تُمْ)، وممكن أن تقطّع على (فاعلن مفاعلتن فاعلانْ) أو على (مفعلاتُ مستعلن فاعلانْ) وهي خارج دوائر الخليل كما تدل صور تفعيلاتها، ولكن شوقي ضيف جعلها عكس المنسرح (مستفعلن مفعولات مستعلن) إقحاما وفرضاً.

    وبهذا الأسلوب من التمحل والمط القسري الذي هدى إليه الخليل، رد الدكتور السيد مصطفى غازي الموشحات الأندلسية إلى دوائر الخليل مستعملها ومهملها، وعد ما امتنع منها عليه تعقيدا في بنائها(46)، وإلحاحاً على هذا الرد إلى بحور الخليل كان الدكتور فوزي سعد عيسى يرد الموشحة أو المقطع منها إلى أكثر من بحر؛ كقوله عن بيت ابن سهل:
    قد سر الحبيب أن أشقى...وأنا راضٍ بما سرّه
    "هو من الرجز المشبه بالسريع والمقتضب"(47). وما ابعد نغمات هذه البحور عن بعضها!!

    والصحيح أن الكثرة الكاثرة من الموشحات لا تقوم على العروض الخليلي، بل لا تجري على وزن مطلقاً،وهم يضعفون الوشاح الذي يركب الأعاريض الخليلية، وأكد ابن سناء الملك المنظر للموشحات أنها تعتمد على الموسيقى والألحان وليس على البحور والأوزان بقوله:" ليس لها عروض إلا التلحين، ولا ضرب إلا الضرب، ولا أوتاد إلا الملاوي، ولا أسباب إلا الأوتار"(48).
    والحقيقة القاطعة هي إن الوزن ليس (فاعلن) أو (فعولن) ولكنه إيقاع مستقل ذو زمن محدد وليس من المقنع القول باشتراك هذه الإيقاعات فقول الشاعر:
    أشاقك طيف مامه...بمكة أم حمامه(49)
    هو (تِتُمْ تِتِتُمْ تِتُمْ تُمْ)، وهو مستقل بهذه النغمة ولكن عمليا ممكن أن يرد إلى الوافر بحذف تفعيلته الثانية أي الاقتصار على (مفاعلتن فعولن) لكل شطر، إلا أن الحقيقة المؤكدة هي أن العرب الجاهليين لم ينظموا عليه فهو جديد، وهذا هو الرد على إيهامات الخليل ومن تابعه في الفكرة وهو جاهل تمام الجهل بأنغام الشعر وأوزانه.

    تهميش الرجز:
    وسيم بحر الرجز نظرة دونية فجعله الأصمعي مانعا من الفحولة، ولم يكتبوا عليه قصيداً إلا ما ندر لان شعراء الجاهلية لم يعدوه أهلا للقريض فميزوا بينه وبين البحور الباقية القريضية، كما أن الفحول عدَّوه حمار الشعراء وأصبح يلبي حاجة الارتجال حسب. ويرى المعري ،وهو من أعضاء المؤسسة المحافظة كما يبدو من آرائه، " أن الرجز لمن سفساف القريض"(50)..
    ولم تختلف نظرة الإسلام له؛ فالرسول (ص) تطبيقاً للآية القرآنية (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ)(51) ، لم يكن ينشد بيتاً من الشعر تاما على وزنه، فان قال بيتا شعريا كاملا كسره ولم يتهدّ إلى إقامة وزنه(52)، ولكنه في يوم حنين ارتجز بوزن صحيح:
    أنا النبي لا كذبْ... أنا ابن عبد المطلبْ(53)
    وذلك لان الرجز ليس شعراً؛ فلا تناقض مع الآية، وهذا وغيره يدل على أن الإسلام لم يتدخل بفنية الشعر. وفي العصر الأموي بقي بحر (الرجز) تكتب عليه الأراجيز ، ولم يكن له شأن في كتابة قصائد قريضية عليه.
    حتى جاء العصر العباسي؛ فاكتشفت قدرته النغمية الجيدة. إلا أن ممارسة سلطة الشعر الجاهلي كانت أقوى فساموه نظم التاريخ والعلوم والقصص فأصبح تعليميا. ولم يكتبوا عليه قريضاً في أول العصر فأبو تمام (232هـ) لم يكتب عليه قريضاً قط، وكتب البحتري (282هـ) ثلاثة أبيات في الهجاء، واكتفى المتنبي(354هـ) بقطعة واحدة في الفخر من ثلاثة أبيات أيضاً.
    غير انه ظل يكتسب أهمية اكبر عند الأجيال التالية كلما أوغلنا في العصر فكتب عليه الأرجاني (544هـ) أكثر من قصيدة وقطعة جيدة، وكتب عليه بهاء الدين زهير(656هـ) (8) قصائد، و(20) قطعة قريضية. وفي هذه الحقبة ظهرت (القصيدة الدبدبية)(54) الساخرة الشهيرة على الرجز لتقي الدين ابن المغربي(684هـ)، ومنها:
    أي دبدبهْ تدبدبي...أنا علي بن المغربي
    تأدبي ويحك في...حق أمير الأدبِ
    أنا الذي أسد الشرى...في الحرب لا تحفل بي
    أنا الذي كل الملو...ك ليس تخشى غضبي
    فمن رأى للهذيا ن موكبا كموكبي
    أنا امرؤ أنكر ما...يعرف أهل الأدبِ
    ولي كلام نحوه... لا مثل نحو العربِ
    لكنه منفردٌ...بلفظه المهذبِ
    يصافع الفراء في الـ...ـنحو بجلد ثعلبِ
    ويقصد التثليث في...نتف سبال قطربِ(55)
    حتى إذا وصلنا العصر الحديث وجدناه يتحول إلى حصان أصيل، بعدما كان حمارا بليدا يركبه الشعراء الكسالى. فقد أصبح من البحور الأولى عند شعرائنا؛ فنسبة الرجز في دواوين السياب تتراوح بين 25- 28% من مجموع شعره، ونسبته في دواوين البياتي تتراوح بين 60- 76%. وكانت قصيدة (أنشودة المطر) التي اختيرت أفضل قصيدة عربية في القرن العشرين من الرجز.

    محاربة الجديد:
    كما فرض علم العروض سلطته على المزدوجة فمنعها أن تمنح شرف تسميتها قصيدة مهما طالت كمزدوجة أبي العتاهية ذات الأمثال التي بلغت أربعة آلاف مثل. كما لم تعد قصائد المخمسات والمسمطات.
    وقاطع كثير من الشعراء الكبار الأوزان المستحدثة، بل إن احتقار المتنبي لها، جعله يهجو (ضبة) لوضاعته بقصيدة على بحر المجتث حشدها بألفاظ سوقية نابية يندى لها الجبين، بينما هجا مهجوِّيه الأنداد على بحور محترمة عروضياً.

    وكثيرا ما حورب الشعراء إذا كتبوا على بحور جديدة خارج العروض، يتضح ذلك من قول أبي العتاهية الذي كان يرد عليهم بقولته الشهيرة "أنا اكبر من العروض"(56).

    وكم بذل الشعراء المتأخرون محاولات للتخلص من هذا العروض ولكنهم قلما خرجوا عليه(57) لأنهم سينتهون إلى الفشل والدوران حول الصفر. وهذا يفسر تلاشي البحور المستحدثة والعودة القسرية إلى البحور الجاهلية، بل إن رزين العروضي الذي جعل اغلب شعره خارج العروض لم يبق من كل شعره إلا قصيدة واحدة ووزن واحد. والى الآن نجد الشعراء الذين نادوا بالخروج على العروض العربي،لأنهم احتكوا بالثقافات الأخرى، كانوا يلتزمون به كنازك الملائكة والدكتور محمد مهدي البصير الذي يرى أن الشعر العربي محروم من موسيقى القوافي والأوزان الراقية التي تنبعث من أمثال أناشيد (ماليرب) و(لامارتين) و(هيجو) بسبب القافية الموحدة فهي آخذة بخناق الشاعر ومضيقة عليه مجاري أنفاسه ومكرهة إياه على أن يعيش في سجن ضيق مظلم(58)، ولكنه ما فارق قصيدة العمود، وظل مخلصا لها.

    ولم يعان الأندلسيون ما عاناه المشارقة في موضوعة العروض والقوافي، فإنهم انطلقوا يبتدعون الأوزان والبحور بلا وازع أو مانع، وابتداء من نهاية القرن الثالث الهجري اخترعوا الموشح ثم الزجل وهما اكبر ثورة في الأوزان والأنغام، ما كانت تتاح للمشارقة المحكومين بسلطة الشعر الجاهلي، وهذا يبطل الزعم القائل بان الموشح أصله مشرقي.

    واليوم، نحن اقدر على تشوف الخلل في المؤسسة المحافظة في غلقها باب الاستكشاف والابتكار في الأوزان؛ لان الشعر يتناغم مع الحياة ويتحرك بطءاً وسرعة بموجبها. وقد ظهرت أوزان وأساليب نغمية كثيرة على مدى التاريخ الشعري، حتى ظهر الشعر المرسل وشعر التفعيلة وقصيدة النثر التي ألغت الوزن برمته ولكن منظروها يرون أنها تشتغل على النغم الداخلي بدل النغم الخارجي المتمثل بالأوزان، فتكون بذلك قد تخلصت من فائض النغم عن الفكرة والجملة؛ فالعبرة في شعرية النص واستنطاق الفن.


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط