من فنون الشعر

التشطير

التـَشـْطـِيـْـرُ لغة ً :
الشَطْرفي اللغة العربية :أي النصف ، وشَطـَرْته : جعلته شطرين أي نصفين ، ومنه مشطور الرجز، وعند فلان ٍ وِلـْدة ٌ شِطـْرة ٌ: أي نصفٌ ذكورٌ ونصفٌ أناث ٌ ،وشعرٌ شطران : أي سوادٌ وبياض ٌ ، وللناقة شطران : قادمان وآخران ، وكل خلفين شـَطـْرٌ ، وشطرتُ ناقتي تشطيراً : إذا صررْتُ خلفين من أخلافها وتركتُ خلفين .
وشطـّـرَ الشيء تشطيراً : نصـّـفهُ وكل ما نُـصّـفَ فقد شُـطـّـرَ (1) ، ومن ذلك قول ابن معصوم :

كم مارد ٍ حَرِدٍ شَـطـّـرتـَهُ بيد ٍ *** تشطيرَ منتقم ٍ بالله ملتزم ِ

التـَشـْطـِيـْـرُ إصطلاحاً :

( قديماً ) إختلف القدماء في تفسير معنى التشطير فكل منهم يطلقه اسماً على فن ّ ٍ من الفنون الشعرية أو البديعية أو التصنيعية بإختلاف هذه الفنون ، فمنهم من جعل التشطير هو ان يجعل كلا ً من شطري البيت سجعة ً مخالفة لأختها كقول ابي تمام :

تدبير معتصم ٍ بالله منتقم ٍ *** لله مرتغب ٍ في الله مرتقب ِ (2)

ومنهم من جعله هو أن يقابل مصراع البيت الاول ، المصراع الثاني كقول جرير :

وباسط ِ خير ٍ فيكم ُ بيمينه ِ *** وقابض ُ شر ٍ عنكم ُ بشماليا (3)

أو كقول اوس بن حجر :

فتحدركم عبس ٌ الينا وعامرٌ *** وترفعنا بكرٌ اليكم وتغلب ُ (4)

وهذا النوع سماه قدامة بن جعفر بـ ( الترصيع ) كما يقول ابن رشيق ، في حين سماه هو بـ ( التقسيم ) (5) .
وسماه ابن حجة الحموي يـ ( السجع المشطر ) (6) . و يسمى حديثاً بالتفويف (7) .


( حديثاً ) لكي نفهم معنى التشطير حديثاً ، نذكر المثال التالي : قال أحد الشعراء :

رأيت خيال الظلّ أكبر َ عبرة ٍ *** لمن هو في علم الحقيقة راقي
شخوص ٌ وأشباحٌ تمرّ وتنقضي *** وتفنى جميعاً والمحرّك باقي

فكما تعلم ان كل بيت ٍ شعري ٍ يتكون من شطرين ، والشـَطـَرُ :هو أحد طرفي البيت الشعري ويعرف الشطر كذلك بالمصراع ، وشطرُ البيت الاول يسمى ( صدراً ) ، وشطرهُ الثاني يسمى ( عجزاً ) ، وقد أعاد عبد الغني النابلسي صياغة هذه الابيات فقال :

( رأيت خيال الظلّ أكبر َ عبرة ) *** يلوح بها معنى الكلام لأحداقي
وفي كل موجود ٍ على الحقّ آية ٌ *** ( لمن هو في علم الحقيقة راقي )
( شخوص ٌ وأشباحٌ تمرّ وتنقضي ) *** وليس لها ممّـا قضى من واق ِ
لها حركاتٌ ثمّ يبدو سكونها *** ( وتفنى جميعاً والمحرّك باقي )

لاحظ معي أن الاشطر بين القوسين هي أشطر البيتين الاصليين وما خارج القوسين هو مما أضافة عبد الغني النابلسي عليهما، حيث ( استحسن البيتين فاراد أن يتوسع في معناهما فأضاف الى كل شطر من الاصل شطراً من عنده ، عجزاً لصدر ٍ وصدراً لعجز ٍ ، بحيث أصبح البيتان أربعة ابيات . أن هذه العملية تعرف بالتشطير أي اضافة اشطر ٍ جديدة بين اشطر ٍ قديمة ٍ ) (8) .

فالتشطير : هو أن يعمد الشاعر الى ابيات ٍ لغيره فيضمّ الى كل شطر ٍ منها شطراً يزيده عليه عجزاً لصدر ٍ وصدراً لعجز ٍ (9) .
وبصورة عامة ٍ ، التشطير: هو أن تضيف الى صدر كل بيت عجزاً من عندك والى عجز كل منه صدراً فيصبح البيت بيتين نتيجة هذه العملية (10) .
ومثالاً على ذلك نذكر تشطيرنا لبيتي الرباب زوجة الامام الحسين (عليهما السلام) :

( واحسيناً فلا نسيتُ حسيناً ) *** وهـْـوَ عار ٍ بدون أيّ غطاء ِ
واحسيناً على التراب خضيباًَ *** ( أقصدته ُ أسنـّة ُ الأعداء ِ)
( غادروهُ بكربلاء صريعاً ) *** تـَرِبَ الجسْم مُوزعَ الأشلاء ِ
فارفعوا بالدعاءِ أيديـَـكـُم يــا *** ( لا سقى الله ُ جانبيْ كربلاء ِ)

وتشطيرنا لبيتي ابو الطيب المتنبي :

( يا عـاذل َ العـاشقيــنَ دع ْ فـئـــة ً ) *** أضلّها باللحاظ ِ أسودُها
دعها تـَعاطى الضلالَ إذ ْ زعمت *** ( أضلـّها الله كيفَ ترشدُها )
( مثل المجوسيّ في ضـــلالـتــــه ِ ) *** ضلالة ً ما سواهُ ينشدُها
ماذا تـرى فـي اعتقـــاد معـتـقــد ٍ *** ( تحرقه النارُ وهو يعبدُها ؟ )

وممّن ذكروا هذا المعنى وأن لم يفصلوه ويعرفوه ، عبد الرزاق البيطار في كتابه (حلية البشر)(11) حيث
قال : وله (اي للمصري الحنفي اسماعيل افندي بن خليل المعروف بالطهوري ) مشطراً بيتي الشيخ محمد الكراني الشاعر وهما مع التشطير :

(خبراني عن قهقهات القناني ) *** وابتهاج الربى بصوب الغمام ِ
واهتزاز الغصون في الروض *** ( ليناً أنا منها في غاية الإيهام )
( أترى ضحكها لبسط الندامى ) *** أم سروراً لجمع شمل الكرام ِ
أم خطاباً لبلبل الدوح غنّى *** ( أم بكاءً على فراق المدام ِ ) (12)

ومنهم المرادي في كتابه ( سلك الدرر ) (13) حيث ذكر لأبي السعود الخلوتي قصيدة ً شطريها سينية ابن الفارض :

( قف بالديار وحيّ الاربع الدرسا ) *** مخاطباً لرسيس الشوق مقتبسا
واسترجع القول يا ذا الرأي مختبراً ** ( ونادها فعساها أن تجيب عسى )
( وأن أجنـّـك ليلٌ في توحـّشها ) *** فلا تكن آيساً لا كان من أيسا
خذ من زناد الجوى ناراً مشعشعة ً *** ( فأشعلْ من الشوق في ظلمائها قبسا) (14)

ومنهم لويس شيخو(15) الذي ذكر تشطير الشيخ ابو الثناء محمود قبادو الشريف لقصيدة بشر بن عوانة وقد لقي الاسد :

( أفاطم لو شهدت ببطن خبت ٍ ) *** لهانت عندك الأخبار خبرا
ولو أشرفت في جنح ٍ عليه ِ *** ( وقد لاقى الهزبرُ أخاك بشرا )
( أذا لرأيت ِ ليثاً رام ليثاً ) *** وكل ّ ٌ منهما بأخيه مُغرى
يرى كلٌ على ثقة ٍ أخاه ُ *** ( هزبراً أغلباً لاقى هزبرا ) (16)

وتجدر الاشارة هنا الى الفرق بين ( الشطر) و( التشطير ) ، فالتشطير هو ما عرفنا آنفاً ، أما الشَّطـَرُ فهو إسقاط شطر ٍ بأكمله من البيت واعتبار الشطر الباقي بيتاَ كاملا ً ويعرف البيت في هذه الحالة ( بالمشطور ) (17)

وهو مأخوذ من شطر الشيء شطراً : جعله شطرين أي نصفين ، فـ(المشطور : ما حذف نصفه وبقي نصفه )(18) .
قال ابن عبد ربه الاندلسي في ارجوزته العروضيه :

والبيتُ إنْ نقصْتَ منهُ شطرُهُ *** فذلك المشطور ُ فافهمْ أمرُهُ

والشطر في الشعر خاص ٌ ببحر الرجز ، فـ }من الرجز ما يحصى بالاشطر وليس بالابيات فيقال له في هذه الحالة (المشطور ) { (19) ، و( تكتب الابيات في مشطور الرجز بصورة مستقلة ... وقد يكتب البيتان منه بصورة مزدوجة واذا بقي بيت منفرد كتب بصورة شطر ٍ منفرد ) (20) .

ومثال ذلك قول الحطيئة (21) :
الشعراءُ فاعلمنّ أربعهْ
فشاعرٌ لا يرتجى لمنفعهْ
وشاعرٌ ينشدُ وسط المعمعهْ
وشاعرٌ آخرُ لا يُجرى معهْ
وشاعرٌ لا تستحي أنْ تصفعهْ

ومن باب المشاكلة ، نذكر أبيات معروف الرصافي في ذات المعنى(22) :

الشعراءُ في الزمان ِ أربعهْ
فشاعرٌ أفكارهُ مبتدعهْ
وشاعرٌ أشعارهُ متّبعهْ
وشاعرٌ أقواله ُ منتزعهْ
وشاعرٌ في الشعراء ِ إمّعهْ


وخلاصة القول في التشطير - وهو رأينا الشخصي - :
التشطير : هو إنتقاء الشاعر لأبيات أعجبته فاستحسنها ، وتقسيم تلك الأبيات الى أشطر ٍ( صدور ٍ وأعجاز ٍ) وإضافة أشطر ٍ (أعجاز ٍ وصدور ٍ ) من نظم الشاعر اليها عجزاً لصدر ٍ وصدراً لعجز ٍ ، على نفس الوزن والقافية ، وفي ذات المعنى توسيعاً له لا خروجاً عنه ، وبالتالي مضاعفة الابيات الاصلية .
التشطيرُ مصدرٌ من شـَطـّرَ الشيء تشطيرا ً أي نصّـفـَهُ وكلّ ما نُـصـّـفَ فقد شُـطـّـرَ ، ومن هنا جاءت التسمية بمعنى تقسيم الابيات الى أنصاف ( اشطر ) وإضافة انصاف ٍ ( اشطر ) لها ، أو من شـَطـّـرَ بناقته تشطيراً اذا صرّ شطرها الأمامي وترك شطرها الخلفي والشطر الأمامي للناقة هو الخلفين الأماميين- وخِلـْـفُ الناقة : حَـلـَمـَة ُ ضرعها وللناقة أربعة حلمات (أخلاف) اثنتان أماميتان واثنتان خلفيتان ، وكل حلمتين ( خِلفين ) شَطـْـرٌ - وكذلك شطرها الخلفي ، وعملية تشطير الشعر شبيهة ٌ بتشطير
الناقة فالشاعر يترك الشطر الاول (الصدر) من البيت الشعري ويصرّ الشطر الثاني (العجز) أي يحذفه
والعكس مع البيت الثاني وهكذا ، ولذلك سميت هذه العملية تشطيراً .
يجب في التشطير مراعاة المعنى جيداً ، بحيث تكون الاشطر المضافة مطابقة في المعنى لسابقتها ولاحقتها ، فلا يحس القارئ بتباعد الافكار واضطراب المعنى ، وانما تكون الابيات الناتجة كسبيكة متجانسة ٍ أو لوحة ٍ ممتزجة الالوان ، ولتوضيح ذلك نظمنا المثال التالي :

الناس ُ إمّا عالمٌ ما أبدعهْ *** أو جاهلٌ ضرّ به ِ حبّ الدعهْ

لاحظ أننا قسمنا الناس من حيث العلم الى : عالم وجاهل ، ولو أردنا تشطير هذا البيت ، فإما أن نبقي التقسيم على حاله ِ ونجعل الشطرين المضافين ( العجز والصدر ) وصفاً للعالم وفضله وما شابه ذلك ، فنقول :

( الناس ُ إمّا عالمٌ ما أبدعهْ ) *** أنـّى اغتدى فعلمهُ يغدو معهْ
سهـْرُ الليالي العلـْمَ قد أورثـَهُ *** ( أو جاهلٌ ضرّ به ِ حبّ الدعهْ )

وإما أن نضيف قسماً أو قسمين بين العالم والجاهل كـ( المتعلّم و المتجاهل ) ، فنقول :

( الناس ُ إمّا عالمٌ ما أبدعهْ ) *** أو متعلـّم ٌ سبيلَ المنفعهْ
أو متجاهل ٌ لعلـّة ٍ قضت *** ( أو جاهلٌ ضرّ به ِ حبّ الدعهْ )

وبذلك نكون وسعنا المعنى الاصلي دون خلل ٍ أو إضطراب ٍ ، ولذلك إعتذر الشاعرعبد الحسين الجواهري ( جد الشاعر محمد مهدي الجواهري ) عن تشطير بعض الابيات بقوله :

وما عجزي أبا الهادي قصور ٌ *** وهل مثلي عن التشطير ِ عاجز ْ
ولكن ْ حزتَ أعــداد القوافي *** ولم أك ُ بعض َ ما قد حزتَ حائز ْ

وتمريناً على فقد نظمنا هذا البيت من بحر الرجز ليسهل تشطيره على من شاء ذلك :

بغدادُ لي أنتِ الحبيبُ الأول ُ *** لا هندَ أو ليلى لقلبي تشغلُ



_____________________________________
1- (أساس البلاغة / الزمخشري / مادة شطر ) ، ( الصحاح /الجوهري / مادة شطر ) ، ( العين / الخليل الفراهيدي / مادة شطر ) ، ( المحيط في اللغة / الصاحب بن عباد/ مادة شطر ) ، ( تاج العروس في جواهر القاموس / الزبيدي / مادة شطر ) ، ( تهذيب اللغة / الازهري / مادة شطر ) ، ( جمهرة اللغة / ابن دريد/ مادة رشط ) ، ( لسان العرب / ابن منظور / مادة شطر ) .
2- ( الايضاح في علوم البلاغة / جلال الدين القزويني / في علم البديع ) ، ( تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر / ابن ابي الاصبع / باب التشطير ) ، ( معاهد التنصيص على شواهد التلخيص / عبد الرحيم العباسي / شواهد علم البديع ) ، ( نهاية الارب في فنون الادب / النويري / الانسان وما يتعلق به ) .
3- ( البديع في البديع في نقد الشعر / اسامة بن منقذ / التشطير والمقابلة ) .
4- ( الصناعتين / ابو هلال العسكري / شرح البديع ) .
5 - ( العمدة في محاسن الشعر وادابه / ابن رشيق القيرواني / باب التقسيم ) .
6 - ( ثمرات الاوراق في المحاضرات / ابن حجة الحموي / الوليد ومسامر الخلفاء ) .
7 - ( ميزان الذهب في صناعة شعرالعرب / احمد الهاشمي / ص 140 ) ، (فن التقطيع الشعري / د. صفاء خلوصي / ص 352 ) .
8 - ( فن التقطيع الشعري / د. صفاء خلوصي / ص 357) .
9 - ( ميزان الذهب / ص 142 ).
(10) - ( فن التقطيع الشعري / ص 358) .
(11) - ( حلية البشر في تأريخ القرن الثالث عشر / عبد الرزاق البيطار / حرف الالف / اسماعيل افندي المصري الحنفي ).
(12) - في الاصل لم يضع أشطر البيتين بين قوسين وانما هما من وضعنا للتمييز والتفريق ، وكذلك القصيدة التي بعدها .
(13) - ( سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر / المرادي / حرف الهمزة / أبو السعود الخلوتي ) .
(14) - سينية ابن الفارض تقع في (14) بيتاً وقد شطرها الخلوتي كلها فأصبحت (28) بيتاً .
(15) - تأريخ الاداب العربية / لويس شيخو / من السنة 1800-1870 / الاداب الاسلامية في هذا الطور 1850-1870 ) .
(16) - الاقواس من الاصل ، والقصيدة طويلة تنسب لبشر بن عوانة في (التذكرة السعدية في الاشعار العربية / للعبيدي / الحماسة والافتخار ) ، ( الحماسة البصرية / البصري / باب الحماسة ) وفي ( مقامات بديع الزمان الهمذاني / بديع الزمان الهمذاني / المقامة البشرية ) نسبه بالعبدي ، وفي ( منتهى الطلب من اشعار العرب / ابن المبارك / بشر بن عوانة ) نسبه بالعذري ، وفي ( نهاية الارب في فنون الادب / النويري / الحيوان الصامت ) نسبه بالفقعسي . ونسبه الصفدي في الوافي بالوفيات بالاسدي .
(17) - فن التقطيع الشعري / ص 39 .
(18) - ميزان الذهب / ص 22 .
(19) - العروض تهذيبه واعادة تدوينه / ص 645.
(20) - فن التقطيع الشعري / 128 .
(21) - نفسه / ص127 - 128.
(22) - نفسه / ص 234 .