لعل البارودي أول من نظم على هذا البحر ، وهو نسق قصير يتألف من ثلاثة أسباب خفيفة فوتد مجموع، أي من تفعيلة واحدة لمن يفضل قسمة البحور إلى تفاعيل. قال البارودي:
املأ القدحْ * واعص من نصحْ
وارو غُلّتي * بابنة الفرَحْ
فالفتى متى * ذاقها انشرح
ونسقه الإيقاعي الذي وضعته له :
[س] <س> [س] و
حيث [س] = مقطع طويل ، <س> = مقطع قصير ، و = مقطعان: قصير فطويل.
ثم نظم شوقي رائعته:
مال واحتجبْ * وادعى الغضبْ
ليت هاجري * يشرح السببْ
وبعد ذلك جاء الشاعر محمد على أحمد ( وهو شاعر غنائي كتب بالعامية لكثير من مطربي عصره) بالمقطع المديد في ضربه ، كقوله:
جئت من طريقْ * بحره عميقْ
يسلب النهى * سره الغريقْ
غير أن أكبر تغيير في هذا البحر جاء على يدي مؤلف أغنية غناها فهد بلان ، وقد ضمنها أبياتا من قصيدة شوقي الآنفة الذكر، إلا أنه طور في زحافها الذي كان جمد بالتزام المقطع القصير في ثاني أسبابه، فجاءنا مكانه، وللمرة الأولى ، بالمقطع الطويل ومن عجب أننا لم نشعر إذ ذاك بأي قدر من الاختلال في الوزن. قال:
يا أهل الهوى * شفني الجوى
هاجري ادعى * غير ما نوى

وأما آخر من كتب على هذا البحر وزاده تطويرا ، فهو الشيخ إمام الملحن والموسيقار الكبير ، وكان وجد نفسه مضطرا إلى وضع أغنية للمشاركة بها في احتفال أقيم بجنوب لبنان عام 1992 ، وهكذا كانت ليلة أرق تمخضت عن كلمات أنشودة ولدت ملحنة ، وهي على هذا الرابط :

الكلمات بسيطة جدا ، أو لنقل إنها ساذجة:
يا شعب الجنوب * يا رمز الصمود
أنت للعروبه * نبراس الوجود
ولاحظ زيادة السبب الخفيف في عروض الشطر الثاني.
إن صنيع الشيخ إمام هنا يقدم لنا مثلا تطبيقيا عن كيفية نظم شعراء الموشحات على أوزان لم يعرفها الخليل بن أحمد، ومن المؤكد أن الشاعر في البداية كان هو الملحن والمغني ، مصداقا لقول الشاعر القديم :
تغن بالشعر إما كنت قائله * إن الغناء لهذا الشعر مضمار
ألا يستحق هذا الشيخ رحمه الله، أن نطلق اسمه على وزن صنعه على غير مثال يقتدي به، ولم يسأل فيه عروضيا ليقول له : هذا الوزن غير جائز عند الخليل ومن هم في طبقته.
ثم إن ما يلفت النظر هنا اختيار الشيخ للغة الفصحى في صنع أنشودته، لم لا وهو الشيخ ذو الخلفية الأزهرية، وعدا عن ذلك فقد كان أحد القراء المجيدين قبل أن يحترف الغناء ( أقصد قبل أن يلتزم النضال بالأغنية ويسافر بها في أصقاع الأرض التي تنتهج الثورة).