نشر أستاذي د. علي يونس على صفحته

https://www.facebook.com/alii.younes.1

وحول الموضوع بعض التعليقات على صفحة الرقمي

https://www.facebook.com/groups/503016863205774/

"قد يبدو الشعر العربي - عند النظر السطحي- جامدا ثابتا ،متشبثا بتقاليد عروضية، لم يحِدْ عنها ولم يرض عنها بدلا عبر العصور، لكن ما أسميه بالأساليب العروضية لم يكن بهذا الجمود والثبوت ؛ لقد أثبتُّ بالدراسة الإحصائية المستفيضة أن هذه الأساليب قد تعرضت للتطور منذ زمن بعيد:
١- فقد اضطربت الأوزان في أبيات لامرئ القيس وعبيد وطرفة، لكن الشعر الأموي خلا أو كاد يخلو من مثل هذه الاضطرابات.
٢- وبعض الزحافات والعلل ظهر في العصر الجاهلي ثم اختفى أو كاد في العصر الأموي؛ مثل الخرم، وكذلك الطي في أوائل أبيات البسيط.
٣- وبعضها كان الجاهليون يقدمون عليه أحيانا ويتجنبونه أحيانا، ولكن الأمويين التزموه التزاما تاما فيما أعلم، أعني قبض التفعيلة المجاورة للضرب في الطويل الثالث ( فعولن مفاعيلن فعول فعولن).
٤- وقد اعتاد الجاهليون أن يجعلوا البيت الأول مصرعا، وتبعهم الأمويون في ذلك، إلا أن الأمويين كانوا أشد من أسلافهم حرصا على هذا التصريع.
٥- وتقييد القوافي في البحر الطويل كثر نسبيا في العصر الجاهلي، وقل نسبيا في العصر الأموي.
وهذا ليس كل شيء، فلا شك أن ما بين الشعر الجاهلي والشعر الأموي من اختلاف هو أوسع مما ذكرت.
ألا يدل هذا على أصالة الشعر الجاهلي ، أو - على الأقل- جانب كبير من هذا الشعر؟
تختلف الأساليب بين عصرين لاختلاف العصرين عموما ،فلكل عصر (مناخه) الذي يجعله ذا بصمة متميزة، ولو أن الوضاعين اختلقوا شعرا نسبوه إلى الجاهليين لجاء ما يضعه كل وضاع مطبوعا بطابع عصره وبيئته، ولا سيما في هذه الظواهر التي أرى أنها تحدث لا شعوريا؛
والذين مارسوا قول الشعر يعرفون أن الشاعر لا يصوغ أساليبه العروضية عامدا قاصدا في كل الأحوال، بل يأتيها أو تأتيه بشكل تلقائي أو تغلب عليه التلقائية. ثم إن بعض الظواهر التي ذكرتها تخفي على الشاعر، بل قد تخفى على الدارس أو تكاد. وإذا افترضنا أن الوضاعين قد جعلوا ما وضعوه من أشعار موافقا لما عرفوه من طباع الجاهليين وأفكارهم وتقاليدهم وما عاشوه من أحداث وأيام ،فمن غير المعقول أن يتفق هؤلاء الوضاعون - على اختلاف أزمانهم وأوطانهم- على وضع أشعار ذات ملامح عروضية مميزة، فهذه الملامح تكاد تخفى على القائل وعلى المتلقي معا، إذ تنشأ لا شعوريا كما ذكرت. ولو افترضنا أنهم وجدوا أشعارا صحيحة النسبة فنسجوا على منوالها، فهذا الفرض ينقض فكرة الوضع التي ذهب إليها بعض الباحثين من المستشرقين والعرب من أساسها، ويثبت صحة الكثير مما ينسب إلى الجاهليين.
لقد ذكرت ما تقدم في دراسات قمت بها قديما، لكني وجدت عودة إلى مناقشة القضية، فأحببت أن أسهم في ذلك بعض الأسهام."

كان تفاعلي معه :

" هذه فقرة ثرية المضمون تنم عن عمق معرفة وذكاء تعبير. أما عن عمق المعرفة فأستاذي ليس بحاجة لشهادتي فيها. وأما عن ذكاء التعبير فإنه واضح في السطور وما بين السطور. وربما كان بعض ما بين السطور أشد سطوعا وأهمية مما في السطور. فيما يلي تفاعلي مع ما تفضل به أستاذي الكريم
1- قوله :" لكن ما أسميه بالأساليب العروضية لم يكن بهذا الجمود والثبوت"
أ‌- تعبير الجمود يوحي بالسلبية – تعبير الثبات / الثبوت يوحي بالإيجابية.
شتان بين قولنا سابقا ثبوت العرب على موقفهم من الاستعمار والصهيونية. وقولنا اللاحق جمود العرب في موقفهم من القوى الفاعلة.
أفهم استعماله لفظي ثبوت وجمود موقفا على استحسان حينا واستكراه حينا آخر.
ب – قوله (ليس بهذا الثبات) يوحي بأن الأعم هو الثبات وأن التطور الذي أثبتته الدراسة يتعلق بجزء قليل من الكل. حتى ليبدو لي موحيا بأنه لا يستعصي على الفهم بأنه توضيح للاستثناء الذي يؤكد القاعدة.
2- أجد في ضربه تفاوت طي مستفعلن الأولى في البسيط مثلا [ وربما في الثانية وما يناظر ذلك من قبض مفاعيلن الأولى في الطويل] ما يرجح لدي أنه التفاوت الوحيد في الزحاف ما يرجح افتراضي في النقطة الأولى. حتى مع إضافة التباين مع خرم أول البيت.
3- حصر المقارنة بين الشعر الجاهلي والشعر الأموي يمكن أن يفسر بأنه تعبير عن عدم رفض أستاذي للمقولة التالية :" لقد حصل بعض التطور على بعض الظواهر العروضية المحدودة بدءا من الشعر الجاهلي وانتهاء بعروض شعر العصر الأموي الذي مثل اكتمال هذا التطور واستقرار الذائقة العربية على ذلك لاحقا.
4- تقرير استاذي أن استقرار بعض الظواهر العروضية التي تميز بها العصر الجاهلي يعتبر دليلا قويا على بطلان نظرية الوضع في الشعر الجاهلي على نطاق واسع. وهي تفتح بابا رحبا للدراسة المتخصصة.
ويذكرني هذا بموضوع البصمة الأسلوبية :
http://arood.com/cgi-sys/suspendedpage.cgi?t=7818
الخلاصة
براعة أستاذي تكمن في أن مضمون مقاله يسمح بعنونته على وجهين
1- ثبات العروض العربي
2- تطور العروض العربي
حفظ الله أستاذي ورعاه.