http://64.233.161.104/search?q=cache...=en&lr=lang_en|lang_ar


http://www.albayan.co.ae/albayan/2002/09/26/mnw/10.htm

يرى تطويع القوانين الرياضية لتحليل النصوص، د. صلاح عيد: الشعر حركة الكون في كلمات الانسان
يمتلك الناقد الأدبي الدكتور صلاح عيد أستاذ الأدب العربي القديم بجامعة قناة السويس رؤية نقدية جديدة لها مكانتها وتواجدها على الساحة النقدية المصرية والعربية هذه الرؤية تعتمد على تطويع القوانين الرياضية وحركة الكون لتحليل النص الأدبي ولتأسيس هذه الرؤية قدم الناقد العديد من الكتب الهامة منها، الحركة التوافقية في القصيدة العربية،
العودة الى الأصل نظرية في طبيعة الشعر التخيلي، نظرية الشعر العربي، التناظر الدلالي وغيرها من الاصدارات ورغم أن استخدام أو تطويع الرؤية العلمية في تحليل وتفسير النص الأدبي ليست بجديدة غير أن الدكتور صلاح عيد يرى أن الجديد في رؤيته يتمثل كما يقول في محاولات التطبيق: (أنا منذ نظمت أول شطر في أول قصيدة لي وأحاول تلمس الجديد وكان الشطر يحمل تأثراً كبيراً بمطلع قصيدة أحمد شوقي في أبي الهول، ومطلعها:
أَبا الهَولِ طالَ عَلَيكَ العُصُر = وَبُلِّغتَ في الأَرضِ أَقصى العُمُر
وبدأت أكتب أول بيت شعر على نفس وزن قصيدة شوقي وأنا أحسب الخطوات أثناء سيري في الشارع على وزن بحر المتقارب، بعد ذلك اكتشفت في معلقة الأعشى الشاعر الجاهلي والتي يقول مطلعها:
ودع هريرة إن الركب مرتحل = وهل تطيق وداعا أيها الرجل
أن عدد الايقاعات في كل شطر أربعة عشر ايقاعاً، وتبين لي أن هذا العدد ينطبق على كل أبيات المعلقة وحين جلست وقت الغروب وجدت أن منظر الأفق دائري والشكل الدائري ينقسم الى سطرين متساويين، فتساءلت اذا كانت الحركة الدائرية التي تقع في عمق هندسة الكون تتكون من شطرين متساويين متقابلين كما هو معروف علميا فلماذا لا يكون شطر البيت الشعري المكون من حركتين متساويتين هو أيضا حركة دائرية من الناحية النغمية، وهذا ما ينطلق على أي بيت جيد من أبيات الشعر يؤثر في الانسان ويشعره بالطرب والسرور لأن هذا هو نفس تركيب الكون كله من ذلك التركيب الدائري، وينطبق هذا على حركة الدم بين الشقين المتساويين في الجسم الحي أو كانت حركة الالكترون حول نواة الذرية أو حركة الكواكب حول الشمس ومن ثم كانت محاولاتي وثقل رؤيتي.
على هذا جاء انحيازك للشعر الكلاسيكي؟
- لقد استرحت نفسيا الى هذا النمط لأني كما أقول أن الشعر الحقيقي هو حركة الكون في كلمات الانسان هذه الحركة التي رأينا خصائصها التوافقية أو الدائرية وأيضا الدلالية ولأن هذا النمط نمط كوني وليس مجرد نمط تراثي ورثناه عن امرئ القيس أو عن مكتشف انغام الشعر العربي وهو العالم العظيم الخليل بن أحمد، بل هذا النمط نمط كوني وليس مجرد نمط تراثي فقط، فإن الشعر الشطري هو الشعر الحقيقي فإذا كانت نفس الانسان قد ملت طبيعيا منذ البداية وقبل أن أعرف هذه الخاصية الهندسية والعددية شديدة الدقة والانضباط فإن اكتشافي للحقيقة العدادية للشعر قد وضعت في يدي البرهان الذي جعلني أكثر تمسكاً بهذا الميل الطبيعي الى هذا الفن الذي ينفرد عن جميع الفنون الأخرى بجملة حقيقة الكون كله ولهذا فإنني أرى أننا في خلال الخمسين عاما الماضية قد خسرنا وخسر العالم الذي تخلى عن أنغام الشعر خسارة كبرى لأنه فن يعيد الى النفس البشرية انسجامها مع الكون هذا الانسجام الذي يعيد الينا سعادتنا وتوازننا بعد أن تحدث فينا اضطرابات الحياة الاجتماعية وصراعاتها.
ولماذا اختفى الآن الشعر الكلاسيكي؟
- لأن الشعر الكلاسيكي قد هوجم هجوما قاسيا واتهم بأنه شعر الطبقة العالية والعصور الملكية في زمن كانت الأنظار تتجه الى تغليب القطاعات الشعبية والاهتمامات العامة على ما يسمى بالرأسمالية فكانت كرهية الشعر الكلاسيكي جزء من كراهية النظام الرأسمالي لأن الشعر بطبيعته فن السمو والفكر الراقي وهو لا ينسجم مع طبيعة التوجهات التي شاعت ضد النظام الرأسمالي.
ما رأيك في القصيدة الحديثة.؟
- هذا النوع من الشعر يأتي تحت مسميات كثيرة، الشعر الحر وشعر التفعيلة وأخيرا قصيدة النثر التي قضت على البقية الباقية من أنغام الشعر وحطمت الشعر كله بعدما استنفذت آخر ما عندها حين محت الايقاع النغمي محوا كاملا من فن الشعر وها نحن نرى النتيجة ماثلة أمام أعيننا انصراف كامل عن الشعر ولا أنكر أنني كتبت على سبيل التجربة شعر التفعيلة غير المنتظمة ومنها قصيدة الندم التي نشرت في مجلة الشعر ووضعت بعض هذه الأعمال جنبا الى جنب في ديواني الأول، الا أن في ديواني الثاني وبعد أن خوت التجربة ابتعدت تماما عن هذا الشعر الذي لا يتوافق مع حركة الكون كما خلقه الله.
هل نعيش زمن الشعر أم الرواية؟ - الحقيقة أن الشعر فقد جمهوره بل أصبح فناً مكروهاً لدرجة أن أحد الناشرين الانجليز ذكر في مقدمة أحد الكتب التي تضم مجموعة ما يسمى بالشعر الحر أن الناس أصبحوا يكرهون فن الشعر كما يكرهون الرياضيات فجمهور الشعر انصرف الى الرواية بأشكالها المختلفة المكتوبة والممثلة في شكل سينمائي أو مسرحي أو حتى مسلسلات تلفزيونية فإذا عرفنا أن فن القصة والرواية هو فن يقوم على الصراع والصدام ويستمد منه كيانه وأن فن الشعر هو بطبيعته الموسيقية والدلالية هو فن التوافق والانسجام لأدركنا مدى الخسارة النفسية والوجدانية التي خسرها ليس العالم العربي وحده ولكن العالم كله بتحطيم الكيان الموسيقي للشعر الشطري في الشرق والغرب لأن هذا التحطيم قد افقد الشعر كيانه. صحيح أن الناس قد اندهشوا وهم يرون انهيار صروح النغم الشعري الا أنهم بعد فترة قد سئموا هذا الافراط في صورة الاستعارة التي أخذ الشعراء المحدثون يعوضون بها خسارة النغم الجميل.
الحركة النقدية تواجه انتقادات كثيرة بسبب عدم مواكبتها لحركة الابداع.. ما رأيك؟
- الحركة النقدية تكاد تكون راكدة فلا يوجد الآن ما يمكن أن نسميه مذاهب أدبية فضلا عن عدم وجود النظرية التي على أساسها تزدهر الحركة النقدية، اذا لا وجود في تاريخ الأدب العالمي الا لنظرية واحدة كبرى هي نظرية المحاكاة التي تناولها الفيلسوف أفلاطون وأرسطو وإن اختلفنا فيما بيننا حول تقدير الشعر الذاتي الذي رفع افلاطون شأنه والشعر الدرامي الذي رفع أرسطو شأنه والحقيقة أننا يمكن أن نزعم أن نظرية مثل نظرية (الشعر حركة الكون في كلمات الانسان) ببرهانها الرياضي الذي قدمناه يمكن أن تكون محورا تدور حوله حركة نقدية قوية مفيدة للشعر مكانه ومكانته في حياتنا لكن للأسف ان مثل هذه النظرية تحتاج في استيعابها الى ثقافة علمية بجانب الثقافة الأدبية وهو ما لا يتوفر الآن في نظامنا التعليمي الذي يفصل بين العلم والأدب فصلا واسعا، فأذكر وأنا أستاذ الأدب العربي القديم أن الأدب لا ينفصل عن باقي العلوم فكان قديما الأديب يكتب في كل المجالات وكانوا علماء.
هل تعني بهذا أننا يمكن أن نمتلك نظرية نقدية عربية؟
- في الفترة الماضية كان لا وجود للنظريات ولكن كان هناك مذاهب واراء مثل الواقعية والسيريالية والانطباعية والمثالية وغيرها من المذاهب لآن النظرية شئ آخر اذا فهي وجهة نظر تنبني على اساس من البرهان وخاصة اذا كان هذا البرهان عدديا وليس مجرد برهان وصفي وهو ما لم يوجد على الاطلاق في حدود علمنا في أي مرحلة من مراحل الأدب العالمي، ولكن أستطيع أن أزعم أن بنظرية (الشعر هو حركة الكون في كلمات الانسان نكون قد امتلكنا نظرية تمتلك البرهان الرياضي لتساوي عدد الايقاعات في الشطرين والعودة الى نفس الايقاع النغمي فيما يسمى بالقافية ويصاحب ذلك الحركة الدائرية في معنى البيت كما رأينا فيما سبق، فالشعر من خلال هذه النظرية هو ظاهرة كونية على لسان الانسان وبكلمات الانسان فنحن نتأمل حركة الكون الأزلية من خلال هذا الشعر التوافقي ولابد أن البشرية عائدة الى هذا الأصل الجميل.

القاهرة - محمد الصادق: