النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: نظرية الخليل وصلتها بأوزان الشعر الشعبي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2004
    المشاركات
    228

    نظرية الخليل وصلتها بأوزان الشعر الشعبي

    نظرية الخليل وصلتها بأوزان الشعر الشعبي

    أقام الخليل بن أحمد(ت 175 هـ) نظريته في العروض العربي بناء على استقراء شبه كامل للشعر العربي كما وصل إليه في عصره . ومن المؤكد أنه لم يكن إذ ذاك قد شهد مخاض الشعر الشعبي وإن كان من المحتمل أن يكون عرف طورا من أطوار نشأته الأولى بالبصرة التي كانت تعج بالعجم من كافة الأمصار الإسلامية في القرن الثاني الهجري. ولقد استحدثت بعد الخليل أوزان في الشعر الشعبي عرف بعضها بأسماء كالمواليا والقوما والكان وكان، وكانت في أول نشأتها مرتبطة أشد الارتباط بأوزان الخليل ولم تخرج كثيرا عن مبادئ نظريته في العروض.
    وكان أن اتخذ هذا الشعر من الموسيقى حليفا دائما له؛ فلم يكد الناس حتى زماننا هذا يستمعون إليه إلا من خلال الغناء وحده، ثم إنه كان من أثر هذا الحلف الوثيق أن بات الشعر الشعبي أكثر جرأة على ارتكاب جوازات جديدة من الزحافات والعلل التي لو وقعت في الشعر الفصيح لُعدّت من الكسر . وسأحاول فيما يلي رصد ما توصلت إليه من مظاهر انحراف بعض الأوزان من الشعر الشعبي واختلاف جوازاتها عن مثيلاتها من أوزان الشعر الفصيح ليتبين لنا مدى الافتراق بين النوعين:
    أولا: تشتيت الوتد:
    إن من أجرأ هذه الجوازات ما نلمسه من تفتيت لنقرتي الوتد في النسق الوزني وتشتيتها إلى ثلاث نقرات متتابعة وذلك من نحو ما نجده في أغنية "زوروني كل سنة مرة" التي ألفها محمد يونس القاضي على مجزوء الوافر ولحنها سيد درويش، وفيما يلي تقطيع للشطر الأول منها
    زُ/رو/ني/كل|لِ/سَ/نَ/مر/را
    فأنت تلاحظ أن الوتد قد توزع على ثلاثة مقاطع قصيرة هي اللام والسين والنون بدلا من مقطعين قصير فطويل، وهو ما يستحيل وقوعه في الشعر الفصيح ، ومع ذلك نجده مقبولا في هذه الأغنية .
    ولقد لاحظت هذه الظاهرة في أبيات من البحر البسيط لبيرم التونسي لحنها الشيخ زكريا أحمد، ومنها قوله:
    الأوله في الغرام والحب شبكوني
    والثانية بالامتثال والصبر أمروني
    فالباء والشين والباء من قوله (والحبِّ شَبَكوني) هي ثلاثة مقاطع على الوتد نشأت من جراء تفتيته. وكذلك الحال في الراء والهمزة والميم من قوله في الشطر الثاني (والصبرِ أَمَروني) .
    كما لاحظتها في موال من غناء محمد عبد الوهاب ، قوله :
    مسكين وحالي عدم من كتر هجرانك
    يللي هجرت الوطن والأهل علشانك
    ففي قوله (والأهل علشانك) ثلاثة مقاطع قصيرة انحل إليها الوتد إلى ثلاثة مقاطع قصيرة بدلا من مقطعين قصير فطويل.
    وقد انتبه الأستاذ مسعود شومان إلى هذه الظاهرة نسبيا عند تقطيعه لأبيات بيرم ومنها الشطر التالي :
    إللي المرة معوماه كالفلك على ماجي
    وقراءتي لهذا الشطر( إن كانت صحيحة) تبين تفاعيله على النحو التالي:
    إللي المَرم/عوّماه/كالفُلكِ عَلَ/ماجي
    وتفعيله: مستفعلن فاعلن مستفعِلَلُ فَعْلن
    بينما كان تفعيله لدى الباحث الفاضل (وفقاً لقراءته للشطر) على هذا النحو:
    مستفعلن فاعلان مستفعللن فعلن
    وفي قراءتي للشطر يظهر جليا الانحراف في تحديد مقاطع الوتد على النحو الذي لمسناه في الشاهدين السابقين ؛ بينما يبدو لي في قراءة صاحب البحث ما يؤدي إلى ظهور كسر في وزن الشطر عند بيرم وهو ما أنزهه عن الوقوع فيه.
    ( انظر دراسة الأستاذ مسعود القيمة بموقعه الخاص على الرابط التالي :
    ( http://masoudshoman.jeeran.com/beram1.doc

    ومن الممكن لنا أن نتلمس التبرير الملائم لظاهرة تفتيت الوتد في كونه لم يخالف شروط الكم الموسيقي الذي يتساوى فيه زمن مقطعين قصير فطويل بزمن ثلاثة مقاطع قصيرة ، وذلك من خلال المعادلة التالية : المقطع الطويل = مقطعين قصيرين . غير أن هذه المعادلة لا تعمل في الشعر الفصيح إلا في السبب الثقيل من بحري الوافر والكامل فيما يعرف بزحافي العصب والإضمار ، وكذلك في بحر الخبب، ولا مكان لها في الوتد على الإطلاق.
    ثانيا : قطع الوتد:
    وظاهرة قطع الوتد معروفة في بعض ضروب الشعر الفصيح ، وهي تعني حذف المقطع القصير من وتد تفعيلة الضرب . غير أنا نلاحظ في كثير من نماذج الشعر الشعبي أن هذه الظاهرة تقع في حشو بعض أبياته نحو ما غنته فيروز من بحر الرمل، قولها:
    في لنا يا حبّْ خيمة عالجبل===ناطْرة تانزورَها بليلة غزل
    راكْعة الغيماتْ عند حدودِها===وتارْكة النجماتْ عاسطحا قُبل
    ففي الكلمات التي شكلنا بعض حروفها بعلامة السكون مواضع للوتد جرى فيها حذف مقطعه القصير، وهو ما يمكن أن يعود إلى وضعه الصحيح بحذف السكون واستبداله بالحركة نحو: يا حبُّ، ناطِرة، راكِعة، وتارِكة. فالمسألة تتعلق إذن بالإنشاد ، وهي شائعة في إلقاء بعض المنشدين لقصائد من الفصيح وكذلك في الغناء نحو ما تلاحظه في البيت التالي، وهو من البسيط :
    يا نازح الدارْ قد هاجت بنا فينا===أشواقنا لليالٍ في مغانينا
    فالوقوف على الراء من كلمة(الدار) يقطع وتد (فاعلن)الواقعة في الحشو، إلا أن هذا المسلك لا يعمل على كسر الوزن بل ربما عمل على تنويع الإيقاع فيه.
    ثالثا :تبادل المقطعين الطويل والمديد:
    يتألف المقطع الطويل من حرفين متحرك فساكن، نحو(كَمْ، ما، لَوْ) وأما المديد فيتألف من ثلاثة أحرف متحرك فساكنين، نحو (بَحْرْ،بابْ،بَيْتْ). وقد لاحظنا كيف أن المقطع المديد كان بالإنشاد يعمل على قطع الوتد في حشو بعض الأبيات، إلا أنه في هذه الظاهرة الأخيرة أصبح يتبادل المواضع مع المقطع الطويل؛ حيث المقطع الطويل = المقطع المديد وهو ما لاحظناه في تفاعيل الشطر الذي أورده الأستاذ مسعود من أبيات بيرم التونسي ، وفيه حلت (فاعلان) محل (فاعلن) دون أن نشعر بحدوث أي خلل في إيقاع البيت.
    وأخيرا ، فأنا أتفق مع الأستاذ مسعود شومان في بحثه المشار إليه أعلاه بأن" دراسة الإيقاع في الشعر الشعبي تحتاج إلى أدوات تحليل جديدة تكون قادرة على وصف هذا الإيقاع" ، وحبذا لو طبقنا هذه الأدوات على كافة نماذج الشعر الشعبي والعامي بمختلف لهجاته من المحيط إلى الخليج ، وتحديد صلتها بشواهد من الشعر العربي الذي اشتقت منه .
    تغن بالشعر إما كنت قائله ........ إن الغناء لهذا الشعر مضمار

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    4,594
    بارك الله فيك استاذنا الكريم

    سليمان ابو سته

    موضوع يعيد الينا الثقه بالنفس .. ويساعدنا في الحوار مع الناقدين

    كنت اقول ان اللهجه قد تخل الوزن عند القارىء المختلف اللهجه ..

    وكنت اجد من يعارض .. وهنا اثبتت القاعده التي كنت ادركها ايضا بالفطره

    و لن يصح الا الصحيح

    دمت بخير في حفظ الرحمن
    التعديل الأخير تم بواسطة ناديه حسين ; 10-29-2006 الساعة 07:40 PM

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954
    نظرا لنشاط بعض مشاركي النبطي والتوجه للدرس الأكاديمي فيه - خاصة الأستاذة إباء - أطرح هذه المشاركة والتي ستليها تحفيزا وتشجيعا على الدراسة والبحث

    إعادة عرض لما تقدم به أستاذي ولكن باستعمال الرقمي


    نظريةالخليل وصلتها بأوزان الشعر الشعبي

    أقام الخليل بن أحمد(ت 175 هـ) نظريته في العروض العربي بناء على استقراء شبه كامل للشعر العربي كما وصل إليه في عصره . ومنالمؤكد أنه لم يكن إذ ذاك قد شهد مخاض الشعر الشعبي وإن كان من المحتمل أن يكون عرف طورا من أطوار نشأته الأولى بالبصرة التي كانت تعج بالعجم من كافة الأمصارالإسلامية في القرن الثاني الهجري. ولقد استحدثت بعد الخليل أوزان في الشعر الشعبي عرف بعضها بأسماء كالمواليا والقوما والكان وكان، وكانت في أول نشأتها مرتبطة أشدالارتباط بأوزان الخليل ولم تخرج كثيرا عن مبادئ نظريته في العروض.
    وكان أن اتخذهذا الشعر من الموسيقى حليفا دائما له؛ فلم يكد الناس حتى زماننا هذا يستمعون إليه إلا من خلال الغناء وحده، ثم إنه كان من أثر هذا الحلف الوثيق أن بات الشعر الشعبي أكثر جرأة على ارتكاب جوازات جديدة من الزحافات والعلل التي لو وقعت في الشعرالفصيح لُعدّت من الكسر . وسأحاول فيما يلي رصد ما توصلت إليه من مظاهر انحراف بعضالأوزان من الشعر الشعبي واختلاف جوازاتها عن مثيلاتها من أوزان الشعر الفصيح ليتبين لنا مدى الافتراق بين النوعين:
    أولا: تشتيت الوتد:
    إن من أجرأ هذهالجوازات ما نلمسه من تفتيت لنقرتي الوتد 1 1 ه في النسق الوزني وتشتيتها إلى ثلاث نقرات متتابعة 1 1 1[ أي تحول 3=11ه لإلى 111 ]وذلك من نحو ما نجده في أغنية "زوروني كل سنة مرة" التي ألفها محمد يونس القاضي على مجزوء الوافر ولحنها سيد درويش، وفيما يلي تقطيع للشطر الأولمنها

    زُ/رو/ني/كل|لِ/سَ/نَ/مر/را = 1 2 2 2 1 1 1 2 2 = 3 2 2 1 1 1 2 2

    فأنت تلاحظ أن الوتد قد توزع على ثلاثةمقاطع قصيرة هي اللام والسين والنون بدلا من مقطعين قصير فطويل، وهو ما يستحيلوقوعه في الشعر الفصيح ، ومع ذلك نجده مقبولا في هذه الأغنية .
    ولقد لاحظت هذه الظاهرة في أبيات من البحر البسيط لبيرم التونسي لحنها الشيخ زكريا أحمد، ومنهاقوله:
    الأوله في الغرام والحبْبِشبكوني = 4 3 2 3 4 1 1 1 2 2
    والثانية بالامتثال والصبرأمروني
    فالباء والشين والباء من قوله (والحبِّ شَبَكوني) هي ثلاثة مقاطع علىالوتد نشأت من جراء تفتيته [ ولو سكنت باء شبْكوني لعاد الوتد إلى حاله ] . وكذلك الحال في الراء والهمزة والميم من قوله في الشطرالثاني (والصبرِ أَمَروني) [ والوتد يكون بتسكين ميم أمْروني ]
    كما لاحظتها في موال من غناء محمد عبد الوهاب ،قوله :
    مسكين وحالي عدم من كتر هجرانك = 2 2 3 2 3 2 2 11ه2 2
    يللي هجرت الوطن والأهل علشانك = 2 2 3 2 3 2 2 1 112 2


    ففيقوله (والأهل علشانك) ثلاثة مقاطع قصيرة انحل إليها الوتد إلى ثلاثة مقاطع قصيرة بدلا من مقطعين قصير فطويل.
    وقد انتبه الأستاذ مسعود شومان إلى هذه الظاهرةنسبيا عند تقطيعه لأبيات بيرم ومنها الشطر التالي :
    إللي المرة معوماه كالفلكعلى ماجي
    وقراءتي لهذا الشطر( إن كانت صحيحة) تبين تفاعيله على النحوالتالي:
    إللي المَرم 2 2 3 /عوّماه 2 3 ه /كالفُلكِ عَلَ 2 2 1 11 /ماجي 2 2 = 2 2 3 2 3 2 2 1 1 2 2
    وتفعيله: مستفعلن / فاعلن )فاعلان بلفظ الألف وفاعلن بنطقها فتحة أو عدم نطق الهاء) /مستفعِلَلُ 4 111 / فَعْلن
    بينما كان تفعيله لدى الباحث الفاضل (وفقاً لقراءته للشطر(على هذا النحو:
    مستفعلن 2 2 3 / فاعلان 2 3 ه /مستفعللن 4 1 3 / فعلن 2 2
    وفي قراءتي للشطر يظهر جلياالانحراف في تحديد مقاطع الوتد على النحو الذي لمسناه في الشاهدين السابقين ؛ بينمايبدو لي في قراءة صاحب البحث ما يؤدي إلى ظهور كسر في وزن الشطر عند بيرم وهو ماأنزهه عن الوقوع فيه.
    (انظر دراسة الأستاذ مسعود القيمة بموقعه الخاص علىالرابط التالي ) :



    هنا قراءتان للنص يحكم بينهما السمع ( أجتهد في ضبط قراءة أستاذي سليمان حسب ما ذكر من مقاطع )
    الأستاذ سليمان : إلْ للْ مرم عوْ ومهْ كل فلْ كِ عَ لَ ما جي = 2 2 3 2 3 4 1 1 1 4
    الأستاذ مسعود : إلْ للْ مرم عوْ وماهْـ كل فلْ كِ علا ما جي = 2 2 3 2 3 ه 4 1 3 4


    ومن الممكن لنا أن نتلمس التبرير الملائم لظاهرة تفتيت الوتد في كونه لم يخالف شروط الكمال موسيقي الذي يتساوى فيه زمن مقطعين قصير فطويل بزمن ثلاثة مقاطع قصيرة ، وذلك من خلال المعادلة التالية : المقطع الطويل = مقطعين قصيرين . غير أن هذه المعادلة لاتعمل في الشعر الفصيح إلا في السبب الثقيل من بحري الوافر والكامل فيما يعرف بزحافي العصب والإضمار [ يعتبران في الرقمي من باب التكافؤ خببي لا الزحاف ] ، وكذلك في بحر الخبب، ولا مكان لها في الوتد على الإطلاق.
    ثانيا : قطع الوتد:
    وظاهرة قطع الوتد معروفة في بعض ضروب الشعر الفصيح ( تحول2 3بعد الأوثق إلى13كحالة وسطية غير مستقرة ثم إجراء التكافؤ الخببي واعتبار 13على أنها1 3 = (2) 2ثم تحولها بالتكافؤ الخببي بعد الأوثق إلى2 2 ) ، وهي تعني حذفالمقطع القصير من وتد تفعيلة الضرب . غير أنا نلاحظ في كثير من نماذج الشعر الشعبي أن هذه الظاهرة تقع في حشو بعض أبياته نحو ما غنته فيروز من بحر الرمل،قولها:
    في لنا يا حـبّْ خيمة عالجبل===ناطْرة تانزورَها بليلة غزل
    2 3 222 2 2 3 ..... تسكين الباء ولو حركت الباء( حبِّ ) لكان الوزن 2 3 2 2 3 2 2 3
    راكْعةالغيماتْ عند حدودِها===وتارْكة النجماتْ عاسطحا قُبل
    ففي الكلمات التي شكلنا بعض حروفها بعلامة السكون مواضع للوتد جرى فيها حذف مقطعه القصير، وهو ما يمكن أنيعود إلى وضعه الصحيح بحذف السكون واستبداله بالحركة نحو: يا حبُّ، ناطِرة، راكِعة،وتارِكة. فالمسألة تتعلق إذن بالإنشاد ، وهي شائعة في إلقاء بعض المنشدين لقصائد من الفصيح وكذلك في الغناء نحو ما تلاحظه في البيت التالي، وهو من البسيط :
    يا نازح الدارْ قد هاجت بنا فينا===أشواقنا لليالٍ في مغانينا
    يا نا زحدْ دا رقد = 2 2 3 2 3
    يا نا زحدْ دارْ قدْ = 2 2 3 2 ه 2
    وهذا يذكرنا بما يمثله في النبطي تكافؤ ( مرحومْ يا = 2 2 ه 2 ) و ( مرحومِ يا = 2 2 1 2 ) ولعل ها هنا أصل التحوير الذي جاء للنبطي
    فالوقوف على الراء من كلمة(الدار) يقطع وتد (فاعلن)الواقعة في الحشو، إلا أن هذا المسلك لا يعمل على كسرالوزن بل ربما عمل على تنويع الإيقاع فيه.[ ربما يجوز أن نقول لا يكسر نغم الغناء إلا أني أعتبره يكسر الوزن فلا يجوز في إلقاء الشعر العادي ]
    ثالثا :تبادل المقطعين الطويلوالمديد:
    يتألف المقطع الطويل من حرفين متحرك فساكن، نحو(كَمْ، ما، لَوْ = 2 ) وأماالمديد فيتألف من ثلاثة أحرف متحرك فساكنين، نحو (بَحْرْ،بابْ،بَيْتْ = 2 ه). [ لا نعتبر هذا مقطعا بل هو مقطع + ساكن بعده = 2 ه ]
    وقد لاحظناكيف أن المقطع المديد كان بالإنشاد يعمل على قطع الوتد في حشو بعض الأبيات، إلا أنه في هذه الظاهرة الأخيرة أصبح يتبادل المواضع مع المقطع الطويل؛ حيث المقطع الطويل = المقطع المديد وهو ما لاحظناه في تفاعيل الشطر الذي أورده الأستاذ مسعود من أبيات بيرم التونسي ، وفيه حلت (فاعلان) محل (فاعلن) دون أن نشعر بحدوث أي خلل في إيقاع البيت.
    وأخيرا ، فأنا أتفق مع الأستاذ مسعود شومان في بحثه المشار إليه أعلاه بأن" دراسة الإيقاع في الشعر الشعبي تحتاج إلى أدوات تحليل جديدة تكون قادرة علىوصف هذا الإيقاع" ، وحبذا لو طبقنا هذه الأدوات على كافة نماذج الشعر الشعبي والعامي بمختلف لهجاته من المحيط إلى الخليج ، وتحديد صلتها بشواهد من الشعر العربي الذي اشتقت منه .
    [ لعل الرقمي يساعد في هذا المجال ]ُ

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,954
    هذه هي دراسة الأستاذ مسعود شومان التي أشار إليها أستاذي سليمان أبو ستة. أضعها بتصرف من يرغب في تناولها بشكل رقمي مع ما له حولها من ملاحظات ويمكن التقدم فيها على فقرات بتسلسل وبالتدريج.

    ***********************


    إن التنوع الذى تتجلى ممن خلاله أزجال بيرم تضيق هذه الصفحات عن استيعابه بشكل إحصائى ، خاصة مع كثرة دواوينه وتنوعها ، فضلا عن استخدامه للبحر الموالى "البسيط" فى عدد كبير من أزجاله .

    · بيرم وبحر البسيط

    إن استخدام بيرم لبحر البسيط مع بعض الخروج عليه ، خاصة مع تجربة شعرية كبيرة تنتفض أحيانا على الانتظام الكمى للعروض الخليلى ، ويبدو أن بيرم كان مغرما بهذا البحر وإيقاعه الذى يتسق مع الحكمة الـمُشكَّلة ، فقد كتب بيرم من خلال هذا البحر حوالى 42% من أزجاله(28) ، ونظن أن هذا البحر الذى يقارب إيقاعه إيقاعات الموال هو خير دليل على جدل أزجال بيرم وزنيا مع الموال .
    إن المؤرخين قد درجوا فى كتابتهم على القول إن للموال وزنا واحدا وأربع قواف ، وهو من بحر البسيط ، ومن أجزائها _ يقصد القوافى _ فاعل ، فعال ، أفعل (29) ،و الموال على هذا النحو تكون أجزاؤه : (مستفعلن _ فاعلن _مستفعلن _ فعلن ) ، وهناك ضروب أشار إليها المؤرخون منها :
    § مستفعلن ـ فاعلن مستفعلن ـ فاعلن
    § مستفعلن ـ فاعلن مستفعلن ـ فعلن
    § مستفعلن ـ فاعلن مستفعلن ـ فعلان (30)
    وتواتر كلام الباحثين عن بحر البسيط بعدِّه بحرا للموال دون تحليل لعروضه، والوقوف على تحولات التفاعيل ، مكتفين بما نقلوه عمن سبقهم ، أو راضين بأن الحس دلهم على أن هذا الموال أو ذاك هو من بحر البسيط ، وبناء على ذلك التواتر ، فقد أصبح البسيط لصيقا بالموال .
    لقد رصد الخليل بن أحمد الفراهيدى من خلال الشعر الخاص ، وهو نتاج بنيه ثقافية وأيديولوجية خاصة مرتبطة بزمكانية معينة ، وإن صح خضوع الشعر الخاص لقواعد الخليل فإنها قد لا تصح فى بنيات أيديولوجية أخرى ، وبالتالى فإن دراسة الإيقاع فى الشعر الشعبي تحتاج إلى أدوات تحليل جديدة تكون قادرة على وصف هذا الإيقاع ، واكتشاف طبيعة العلاقات التى تسهم فى تشكيل هذا الإيقاع منها :
    1) العلاقـة بين إيقاع الشعر و طبيعة الجماعة ، أو الشاعر المنتج للنص من حيث : اللهجة ، عناصر البيئة الطبوغرافية ، الإيقاع الداخلى للمبدع المحكوم بأطر حضـارية ، طبقية ، اجتماعية ، سيكولوجية .
    2) العلاقة بين الإيقاع ووظيفة النص من حيث الشكل .
    3) مناسبة النص .
    4) الوظيفة الاجتماعية للجماعة المحلية التى تنتمى للجماعة الشعبية بالنسبة للنص الشعبي (البناء _ الصيد ……إلخ ) وبالنسبة للزجال تمرد نصه أو خضوعه للتقاليد ، كل ذلك سيكون له أثر بالغ فى إيقاع نصه (31) .
    5) العلاقة الظاهرة لإيقاع المفردة بدلالتها ، أي علاقة البنية الصوتية للمفردات والسياقات بالبنية الدلالية .
    حلَّق وحوش إمسك الطرطور على ماجى إلى أن آتى
    إللى المَـَره معوماه كالفـلك على ماجى على موجه
    عبيـط وعامـل لأنـه واد علامـاجى من العلم :علمجى

    بيحب بـره ومـراته محـيراه حـاره حيرة
    إن قـال لـها بم تبقى بلـوته حـاره حارَّه
    بتغيب عن الدار ولا يعرف لـها حـاره أصغر من الشارع
    وتقول يا جاره إدِّيه المفـاتيح على ماجى

    حللق وحوش إمسكط - طرطور على ماجى
    /5/5//55 -/5//5 - /5/55//5 - /5/5
    مستفعـلان فاعلـن مستفـعْ علن فعلن
    إللى المَـَره م عوماه كالفـلك على- ماجى
    /5 /5//5 - /5//55 - /5/5///5 - /5/5
    مستفعلـن _ فاعـلان مستفعللـن فعلن
    عبيـط وعا مـل لأن نه واد علا مـاجى
    //55//5 - /5//5 - /5/5//5 - /5/5
    متفعْ علن فاعـلـن مستفعلـن فعلن
    بيحببى بـر- ره ومـرا- ته محـييراه حـاره
    /5/5//5 - /5/5/5 - /5/5 //5 - /5/5
    مستفعلـن فعلن فع مستفعلـن فعلن
    إن قـال لـها بم تب قى بلـوته حـاره
    /5/5//5 - /5/5- /5/5//5 - /5/5
    مستفعلـن فعلن مستفعلـن فعلن
    بتغيب عن الد دار ولا يعرف لـها حـاره
    /5/5 5//5 - /5//5 - /5/5//5 - /5/5
    مستفعْ لـن فاعلـن مستفعلن - فعـلن
    وتقول يا جا - ردهل - مفاتيح على - ماجى
    /5/55//5 - /5/5/5 - //5/55 //5 - /5/5
    مستفع ْ علن فعلن فع مفـاع عـلن فعلـن


    ومن خلال تقطيع مجموعة كبيرة من المواويل قدمتها فى دراسة سابقة (32) ،لاحظنا عددا من الخروجات على نظام الخليل بن أحمد ، خاصة فى بحر البسيط ، وهى تؤكد على الخصوصية الإيقاعية للموال ، فالانتظام الكمى للشعر الرسمى لم يسجن الشعراء الشعبيين فى نظامه55555 ، إذ إن العبرة بتحقق القول شعرا ، وتحقق الجماعة فى القول ، ومن هنا نؤكد على أن الأوزان التى استنبطها الخليل ، وما وصفه من قواعد ليست هى القول الفصل فى أمر موسيقى الشعر ، وبالتالى لا يجب أن ننفى شعرية الشعر الخارج عن أطر البحر أو التفعيلة ، يؤكد هذا الرأى الزمخشرى قائلا : "والنظم على وزن مخترع خارج على أوزان الخليل لا يقدح فى كونه شعرا ، ولا يخرجه عن كونه شعرا "(33)
    ومن خلال التحليل العروضى لعدد من المواويل ، تم رصد مجموعة من الانحرافات على تفعيلتى "مستفعلن فعلن" ، والموال السابق خير دليل على هذا الخروج ، ونستطيع أن نستنج من خلال تحولات البسيط ما يأتى :
    § التقاء الساكنين فى الكلمة الواحدة ، كذلك فى وسط البيت الشعرى ، وذلك فى كل من " مستفعلن فاعلن " ، والتقاء الساكنين لا يجوز فى العربية إلا فى حالتين هما :-
    الأولى : حالة الوقف .
    الثانية : فى وسط الكلمة بشرط ان يكون الحرف الأول من الساكنين حرف مد ، والثانى مدغما فى مثله ، نحو " دابة ، وشابة" (34) .
    نعتقد أن الشعر الشعبى ليس وحده هو الذى يمثل هذا الخروج ، وإنما سنجده جليا فى أزجال بيرم ، وقد ينسحب ذلك الأمر على العاميات بعدِّها نصوصا تحتل فيها قيم الشفاهة قدرا كبيرا ، إضافة لخروجها عن الأطر النحوية والصرفية ، أى عن أجرومية اللغة العربية ، لذا فإنها تعزف عل أوتار تناسب طاقتها ، وتعزف عن صرامة الخليل .





    2 المربع / الواو

    المربع فن شعرى ، يرتبط بشاعر مصرى اسمه ابن عروس ، وقد اختلف حول وجوده ومصريته ، وان كانت معظم المراجع مع نصوصه ، بما لها من خصائص فنية ، تؤكد على مصريته ، وكما يطلق على هذا الفن اسم "المربع" نسبة إلى عدد أغصانه ، يطلق عليه أيضا اصطلاح فن "الواو" ، والأخير يأخذ الشكل والميزان نفسيهما ، إلا أنه يقوم على التجنيس الكثيف فى قوافيه ، ويشترك مع بعض الأشعار الشعبية فى خصيصة تغميض القوافى لدرجة أن بعض رواته يطلقون عليه مع هذه الفنون "قول مقفول" (35).
    ياللى بتنـده عايز مين من تريد ؟ الطرح أ
    خولى الجنيـنه عبَّا تانى مدمجة : عبأ .. تين العتب ب
    كلام العوازل عايزمين مدمجة : يأذى .. من الشد أ

    خلَّا اللى طاب عبَّا تانى امتلأ مرة أخرى الصيد ب

    والمربع يتكون فى بنائه من أربع حركات هى :
    (1) الطرح (2) العتب (3) الشد (4) الصيد .
    ويسير على النسق التالى ( أ - ب - أ - ب) ، كما أنه ينتمى وزنا إلى بحر المجتث "مستفعلن فاعلاتن - مستفعلن فاعلاتن "، وهو يرتكز على لعبة التجنيس ليحدث المفارقة الصوتية / الدلالية فى "الصيد" ، أى فيما يصطاده الشاعر من حكمة فى نهاية مربعه (36).
    وقد كتب بيرم عددا من المربعات ، وإن كانت أقل الأشكال كماً فى دواوينه :
    قريت ومليت كفايه
    خوف السقوط والبطاله
    وكل ما ازداد قرايه
    بالـدنيـا أزداد جهـاله
    ****
    يا طالب العلم تنداس
    لو يبقى علمك بضاعه
    تنفع وتستنفع الناس
    لو كنت صاحب صناعه
    ****
    يا عـالـم العلـم بالله
    يـزيد فى نـور البصيره
    واللى استنـارت نـواياه
    يلقى الدهب فى الحصـيره
    ****
    إن كـت تطلـب رضـا الله
    يجعـل لك الـناس عبيدك
    وإن كنت تطلب رضا الناس
    أقـلهـم يبقـى سيـدك
    *****
    الحلـم والصـبر كنـزين
    روتشيلد محتـاج إليهـم
    واللى يقـول الكـنوز فين
    إبـكـى يا عيـنى عليهـم (37)
    *****
    ومن خلال قراءة هذه المربعات ، سنلمح حسا حِكميا يتخللها،كما سنجد تجنيسا ليس كاملا فى قوافى مربعاته،كما سنلمح أن مربعات بيرم مشبعة بظلال مربعات ابن عروس:
    اللى يداديك داديـه
    واجعل عيالك عبيده
    واللى يعاديك عاديه
    روحك مهياش بإيده
    ***********
    دنيا تجاريب تجاريب
    تاهت فيها البصاره
    المعزه تجرى ورا الديب
    والسبع تاكله الحماره
    *************
    الصبـر لأبأس بالصبـر
    لكـل مـن راح تواسى
    قلِّب كفوفك على الجمر
    حـتى تنـول الخـلاصى
    *************
    لوكنـت خايـف مـن الله
    ولا مـن القـبر والـهول
    ما كنـت تغـتر بالجـاه
    والظلم والجـور والصـول (37)
    *************
    ومن خلال قراءة مربعات ابن عروس ، سنجد ظلالا لمفرداتها وطرائقها الأسلوبية فى مربعات بيرم التونسى ، وقد كان بيرم من الذكاء بحيث صنع مربعاته بشكل لا يشى بشبهة الاندياح فى النص العروسى ، فحكمة بيرم مرتبطة بوقائع آنية اجتماعية تخص الظروف التى عاشها وعاينها ، بينما كانت ولا تزال حكمة ابن عروس هى حكمة الجماعة الشعبية ، إذ إنه شاعر المواجهة المعلنة على عكس ابن عروس الذى فرض عليه عصره أن يغمّض بعض قوافيه ، حيث ارتبط مربعه بالكلام عن الظلم ،والخضوع للظالمإلخ ، فقد كان ابن عروس ، حسبما دلتنا معظم الروايات (38) ، ابنا لظروف يحوطها القهر والبطش والغلظة فى عصر المماليك ، فضلا عن كونه شاعرا شفاهيا يحقق تغميضه لبعض قوافيه جماليات خاصـة ، بينما بيرم شاعر كتابى ، لذا فقوافيه واضحة نافذة إلى لب قضيته .

    3 السيرة الشعبية
    إ ن شاعر الربابة غالبا يؤدى نصه فوق منصة مرتفعة قليلا عن الأرض ، حيث يبدأ العزف الافتتاحى الذى يعد بمثابة "الفرشه" التى يقصد بها الشاعر تهيئة المناخ للتلقى ، كما تظهر براعته فى العزف تباعا ، حتى يكتسب مصداقية تتأكد وتتعمق ببداية "القول" ، وللسيرة تقاليد يتبعها الشاعر قبل دخوله فى الأحداث ، حيث يبدأ أولا بذكر الله والصلاة على النبى ومدحه ، وهو يمهد بهذه "التمهيدة" الثانية لدخول عالم السيرة ، وهذا الجزء التأصيلى الذى يمنح شخوص سيرته ، بل يمنحه هو أيضا المصداقية ، ولا ينفصل هذا الجزء الممهد للدخول عن بنية النص "السيرى" ، وإن كانت بعض الروايات تكون فيه متفاصحة فى محاولة للتقرب من قداسة النص الدينى ، كما أنها فى الوقت نفسه تضفى على شخوصها قدرا من الاحترام والتبجيل الذى قد يصل إلى حد التقديس (39).

    "لم يخلق الرحمن مِثَل محـمدٍ
    نبى الهدى اللى جانا بالقرآن
    صلى عَلَيْكَ اللهُ يا عَلَمَ الهدى
    يا نور العيون يا صفوة الرحمنِ"
    بعدها تتوالى المربعات التى تصلى على النبى ومدحه :
    "صـلاة النبى تغـنى عن القوت
    وتمنع الـبلا 000 والمراضـى
    يستـاهـل علقتـه بالسـوط
    اللى معاه كفو الزياره ما راضى "
    ************
    وبعد مدح النبى والشكوى من غِيَر الأيام ينتقل الشاعر إلى سرد أحداث السيرة فى شعرية تربط بين "الصلاة على النبى ومدحه" وما سيأتى من أحداث .
    إن بيرم لم يفته ذلك العالم الثرى المثير ؛ عالم السيرة ، لذا فقد كان مدخله فى عدد كبير من قصائده مدخلا سيريا ؛ مدخل شاعر الربابة ، وقد قمنا برصد افتتاحيات القصائد / المداخل :
    أصلى على صاحب الرسالة محمد

    نبى وطنى جاهد وشاف الصعايب
    (قصيدة القنال : ص32)
    أصلى على المبعوث نبينا محمد
    ا لمنتخب للخلق يوم الشفايع
    (لجنة ملنر : ص42)
    أول ما نبدى القول نصلى على النبى
    زغلول راجع منصور وجايب خبرها
    (ضياع جغبوب: ص 46 )
    أصلى على الهاشمى نبينا حبيبى
    محمد المبعوث فى قوم صالح
    يقول الفتى الطهقان مما جرى له
    والهم والأحزان تصدى القرايح
    (الرياضة : ص 55)
    أول ما نبدى القول نصلى على النبى
    نبى عـربى يلعـن أبـوك يا بخيت
    تانى كلامى وفـد مصـر بلـدنا
    ولع شموعـه والتـقى بكبـريت
    (على الربابة : ص :66)
    أصـلى على النبى العـربى محمد
    واسلم ع المسيح عيسى النصارى
    يقول المصطفى الغـازى حـبيبى
    وسيف الشرق من طنطا لبخارى
    (حرب الترك واليونان: ص :102)
    من عهد ما شبيت أصلى على النبى
    نبينا اللى يهجم ع العدا على طول
    (هزيمة اليونان ص : 103)
    أشوف نسانا اليوم واصلى على النبى
    اللى أمرنا نحجب النسوان
    مضمون خراب البيت على يد صاحبته
    اللى لا زمها كل يوم فستان
    (الفساتين ص : 267)
    إن بيرم لا يبتدىء - كما نرى فى بعض قصائده - بالصلاة على النبى وحسب ، وإنما سنلمح استخدمه لصيغة "فعايل" و"فاعل" فى تقفية قصائده ، وهى صيغة منتشرة فى نص السيرة الهلالية تحديدا (40).
    "يقول أبو زيد الهـلالى سلامـه
    ونيران قلبه زايـدات اللهـايب
    وعينى من كتر البكا قل شوفهـا
    جرى دمعى فوق خدى سكايب " (41)
    وكذلك :
    "يقول الفتى العلام عما جرى له
    الأيام والدنيا شوف العجايب
    فنحن الملاحم يا سلامه تدلنا
    من عهد تبع أرخت فى الكتايب" (42)
    إن بيرم قد استخدم "الافتتاحية " التى تبدأ بالصلاة على النبى لعلة تشابه علة الشاعر الشعبى ، لكنه يدخلك بعد تمهيده القصير إلى موضوع حيوى وأثير مثل : "حفر القنال" ، "لجنة ملنر"، "ضياع جغبوب" ، "الرياضه"000إلخ ، ويستخدم بيرم بعض الصيغ الأسلوبية مثل "يقول الفتى" و " أول ما نبدى القول" ، لكنه يصنع حسا مفارقا للسيرة ؛ حسا ساخرا تزيده الفصحى المتعاظلة سخرية ، إذن فنص بيرم يتناص مع بعض تيمات السيرة ، ليؤدى دورا مناهضا فى سرعة متلاحقة ، لا تعتنى بالتفاصيل على عكس السيرة التى تكون فيها إمكانات السرد أعلى من قيم المفارقة الشعرية .

    4- عناصر شعبية أخرى

    إن بيرم التونسى لم يشيد بناءه على أساسات ابن عروس والنديم ، وإنما أقام أساسا جديدا ، فهو يقدم نفسه / عالمه بعدِّه " آخر" له بناءاته التى لا تتخلى عن تراثها خاصة الشعبى منه ، فإذا كان بيرم قد استلهم ووظف واستخدم بنيات شعبية ، وذلك فى رحلته التناصية إلى الموال والمربع والسير ، فأن نصوصه لم تقتصر على العناصر المتصلة بالأدب وحسب ،وإنما قام باصطياد عدد من الموتيفات من الأغانى الشعبية ، إضافة إلى عدد من المعتقدات والعادات والتقاليد الشعبية المصرية ، وقد كانت عودته لها لا ليحاكيها ، بل ليستلهم بعضها ، وليتناقض مع بعضها الآخر، وربما عادت عناية بيرم الاستلهامية الفائقة إلى نشأته فى حى شعبى (الأنفوشى) ، وقد كان هذا الحى ومازال حى صيادى السمك وصناعة السفن وحملة التراث والمأثور الشعبى ، ومما يؤكد ذلك حكاية طريفة رواها محمد محمود بيرم التونسى مصورا الصراع بين الجزء الشرقى من حى الأنفوشى (السياله) والجزء الغربى من الحى ، وكانت المنافسة بينهما على أشدها فى صناعة السفن ومسابقات شم النسيم والقدرة على الغناء ، بعدها انتقلت المنافسة تأخذ شكلا زجليا بين الجزأين ، حيث كان فريق رأس التين يمر فى سفنه مرددا :
    أحيه عليكى يا سياله
    ياللى ما فيكى رجاله
    فيرد فريق السيالة وهو يطوف فى سفنه :
    قفة زفت قفة طين
    على دماغ راس التين (43)
    وقد ورث بيرم وأولا عمومته فى الأسكندرية عن جدهم (الذى حضر من تونس) مصنعا للحرير بشارع الميدان ، وكان أكبرهم يستأجر شاعر ربابة كل يوم ، لينشد لهم حكايات "أبو زيد الهلالى والزير سالم. وباستماعه لهذا الإنشاد ، تكونت لديه ملكة تأليف الأشعار البدوية التى اشتهر بها فى بعض رواياته بعد ذلك ، وقد كان يقضى أوقات فراغه فى قراءة الكتب الدينية والأدبية بالمعهد الدينى القريب منه ، وقد عثر فيها يوما على كتاب فى علم العروض ، وبعد أن ذاعت قصيدته " المجلس البلدى " ، وبيع منها خمسين ألف نسخة ، ترك عمله ليصدر مجلة سماها المسلة ، مصورا عليها مسلة كليوباترا التى كانت موجودة بالأسكندرية (44)، وغير خاف استلهام بيرم للتعبير الشعبى - غير ما تحمل من دلالات المصرية "عدوك بعله ونغزته بمسله " ليحيل على توجـه المجلة فى نخس المنحرفين بأزجاله الساخرة / المسلة / الإبرة الطويلة ، فضلا عن ارتحالاته المتعددة ليس فى أقاليم مصر وحدها وإنما إلى دول متعددة ، وفيها قد اطلع وسمع ومارس بعض هذه العناصر حين كانت تتمتع بخصوبة وثراء حين كتبها بيرم ، فلقد شاهد وعشق شعراء الربابة ، والأدباتية 000إلخ ، وقد تعامل بيرم مع هذه العناصر من خلال مستويات عدة :
    مستوى التضمين - مستوى التضفير - مستوى التحويل - مستوى الظلال (45)
    إن بيرم قد استلهم فى أزجاله أيضا نصوصا مثلية :
    "ياما ناس فى نعيم وفى نعمه وبتمشى على العجين "
    فهو يستدعى ضمنا المثل الشعبى المعروف "يمشى على العجين ما يلخبطوش" وهو يجتزىء المثل الشعبى "اللى يعيش ياما يشوف واللى يلف يشوف أكتر" فى قوله "وياما تشوف" ، كما يستدعى التعبير الشعبى "يجعل كلامنا خفيف عليهم " فى قوله :
    "يجعل كلامنا عليك سخسخ خفيف مشغول"
    كما سنجد عند بيرم نصوصا منتقدة لبعض العادات والتقاليد كعادات وتقاليد الولادة ومثالها قصيدة "النفاس" وما يستتبع ذلك من إسراف فى الإنفـاق ، والاعتماد على "الدايه" ، كما سنلمح إشاراته الدالة على عادة عمل "كحك العيد" .
    يقـول ابن البلد يعنى المهلهـل
    أنا والكحـك معمولى قضيـه
    بفضل الله طلع كحك السنادى
    بدون أحزان أو حادثه رديـه
    وسنلحظ حسه الانتقادى لهذه العادات ، فبيرم التونسى ليس له إيمانات الجماعة الشعبية بهذه العادات السيئة من وجهة نظره ، لذا فهو هنا العين الناقدة التى تتشوف الأمور بعيدا عن "الكتلة" المتماسكة التى هى جماع العادات والتقاليد والمعتقدات التى تنظم ف عقد يمثل منظومة قيم الجماعة . وعند بيرم سنلمح أجزاء تستلهم من الأغنية الشعبية بعض مفرداتها :

    على القهاوى يا ستاتنا
    عيونا حدارجه
    قاعدين عليكو بنتفرج
    واحنا الفرجه
    ففى المقطع الزجلى السابق ، سنجد مفردة "حدارجه" بظلالها الاعتقادية وهى التى تتردد فى عدد من النصوص الشعبية :
    "حدارجه بدارجه من كل عين زرجه
    دارجه بدارجه أمك طويله وعارجه"
    وبعد ، فإن عالم بيرم التونسى ، وعلاقته بالآخر الشعبى تواصلا ونفيا ، إحلالا وإزاحة ، استلهاما وتوظيفا يحتاج إلى عدد كبير من الدراسات تكون مهمتها محاولة الكشف عن جدل علاقته بالثقافة الشعبية ، وما هذه الدراسة إلا إسهاما أولا وأولية فى محاولة الكشف هذه .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    MI. U.S.A
    المشاركات
    3,553
    كنتُ على وشك أن افتح ملفّاً خاصاً فقط لطرح الأسئلة المتعلقة بالشِّعر الشعبي والنبطي. هذه الإضاءات الهامة في المقالة الأولى تحديداً ، أجابت على بعض أسئلتي العالقة.
    الشعر الشعبي مع إمكانية تفتيت الوتد دون أن يُعتبر بالضرورة هذا كسراً في الوزن، إحدى نقاط الخلاف بينه وبين الشعر الفصيح. الشعر الشعبي هو الأكثر احتمالاً للغناء وعملية مايشبه التخبيب وتحويل الأوتاد إلى أسباب، تساعد أكثر على التنغيم والتلحين ربما. بل هو هنا أكثر من ذلك، لأنه بدأ من الشاعر ، من القصيدة وقبل التلحين . نلاحظ أننا نتحدث أكثر عن الشعر الشعبي المصري، ولكن الشعر النبطي كما لاحظت في تجربتي البسيطة جداً زمنياً ، بأن الأوزان التي فيها وتد كالرجز مثلاً تناسب سِماته اللفظية تماماً.
    لم أجد في سياق دروس النبطي جوازاً مسموحاً لـ 4 3 غير 3 3 مع إمكانية إضافة جزء من هذا الوزن مثل 2 في عجز البيت . أما موضوع التخاب ، فلم يُذكر على الاطلاق ، حتى افترضتُ بأنه غير وارد في الشعر النبطي . بيد أنني وقعت في حيرة عندما قرأت قصيدة من بحر الرجز في النبطي فيها تخاب في عجز الأبيات .



    احترت اعبر عن شعوري من غلاك
    واحتارت ابيات"ن" في حقك قليله
    كيف الحكي يقدر يوصل مستواك
    ياللي غلاك الكون عيا يشيله

    سبحان من ابدع وصوفك وسواك
    من عزني في قلب مابه مثيله
    لك حق تتغلى وتتباهى بمحياك
    يللي معك تقصر دروب"ن" طويله

    خذت بإيدي واسكنتني وسط دنياك
    علمتني اصبر وروحي عليله
    من عاذلين ودهم لي بفرقاك
    بس ما فإيدهم يالغلا اي حيله

    منوة حياتي اقضي العمر وياك
    تبقى حبيبي وروح قلبي وخليله
    واكون لك قلب"ن" يدور على رضاك
    في صبح وقته وفنهاره وليله


    احترت اعبر عن شعوري من غلاك
    اح تر تَعَبْ بر عن شعو ري من غلا كْ
    2 2 3 2 2 3 2 2 3 ه


    واحتارت ابيات"ن" في حقَّك قليله
    وحْ تا رتَبْ يا تن فحق قك قي لي له
    2 2 3 2 2 3 2 2 2 2

    كيف الحكي يقدر يوصِّل مستواك
    كي فِل حَكي يق در يِوَصْ صَل مس توا ك
    2 2 3 2 2 3 2 2 3 ه


    ياللي غلاك الكون عِيَّا يشيله
    يل لي غلا كِلْ كو نِعي يا يي شي لا
    2 2 3 2 2 3 2 2 2 2


    المقالة الثانية أهميتها تكمن في الاطلاع التاريخي على الشعراء الشعبيين وفنونهم وإمكانية الشعراء المحدثين أن يستلهموا من تجاربهم كما فعل بيرم التونسي. مربعات ابن عروس وغيرها، تُذكِّرني بما يسمّى " شعر الومضة" الحديث والفصيح نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط