أخى و أستاذى و حبيبى فى الله, الأستاذ الفاضل خشان محمد... حفظه الله لنا و بارك الله لنا فيه...

لقد هممتُ سيدى الكريم أن أرد على ما جاء فى رسالتك الغالية, التى كأنما سطرتها على روحى لا على صفحة من صفحات الرقمى العامر, ثم قلتُ أرد بعد صلاة المغرب, حتى أدعو لك فى سجودى, علّنى بذلك أؤدى حقا واجبا من حقوقٍ لك علىّ قد لا أحصيها .

و كذلك لأمنح نفسى الفرصة لأتثبت من شئ فى نفسى, فلقد تركَتنى مشاعرك النورانية فى حالة غير التى كنتُ عليها قبلها, فقد كنتُ أرى عشقى للشعر يملؤ قلبى, و انشغالى بإتقان فنونه و تحصيل متطلباته يتملك تفكيرى, و رغم أننى أحببتكَ من قبل التسجيل هنا - و أُشهد الله على ما فى قلبى, و كفى بالله شهيدا - فقد تشككتُ فى كنه هذا الحب, فهل هو خالص لوجه الله تعالى أم خالطه من الإعجاب بمكانتك الرفيعة فى العلم و الأدب ما لا يعيب و لا أُلام عليه..

لقد رأيتك إماما فى علم العروض و شاعرا لا يشق غباره, و أستاذا فاضلا يمنح من وقته و جهده ليساعد المبتدئين, و ما كان ضره شئٌ لو أوكلَ تدريسهم لأحد تلامذته و أراح باله.. رأيتك إنسانا نبيلا شفوقا دمث الأخلاق متواضعا, تتباسط مع هذا و تصبر على حمق ذاك, دونما إبداءٍ لاستياءٍ أو تبرم.. رأيتك ترحب بى هنا بكل حفاوة و كأننى أحد أصدقائك المقربين, و لم نتعارف قبل ذلك, و تفتح لى أبواب الصرح لأنهل من العلم و الأدب, و قد أغلق دون العلم أبوابهم فى وجهى بعض من لا يرقون لمستوى تلامذة تلامذتك.. رأيتك يا سيدى تجبر كسر الخاطر وتمدح قليل العمل, و لستُ إلا مبتدئاً لم أعرف قبلكَ عن العروض شيئا..

قد كنتُ غيرتُ تفكيرى لما رأيتُه من تواضعك الجم قبل الأمس, و رأيتُ أن أملى المنشود هو أن أنهل من أخلاقك الراقية قبل علمك, ولكنى بعد كلماتك السابقة ما عدت أجد فى نفسى كل ذلك الانبهار بالشعر, بل حل محله حبٌ جمٌ فى الله تجاهك يا أخى الفاضل, و هذا هو ما تيقنتُ منه, فأملى أن أحظى بأخوتك الغالية و صداقتك العزيزة, سواءً تعلمتُ العروض أم لم أتعلم, يبقى انبهارى بغزيرعلمك و ملائكية أخلاقك, و إن ذلك ليزيد و لا ينقص, و لكن روحى قد تواصلت مع روحك التى استشعرتُ نقاءها و طهارتها, فما عدتُ أحفل كثيرا بالدنيويات, ولولا ذلك الجزء السماوى فى الشعر, المتصل بالموهبة الإلهية, و الذى يمثل أنقى و أطهر ما فيه, لتركته منذ الآن بالكلية و اكتفيتُ بأخوّتك, إن كنتَ تقبل أخوّتى .

أخى الحبيب.. لقد أشرتَ إلى كلماتى المتواضعات, و ما نفع كلماتى إذا لم تفُز لروحى بأرواحٍ نقية تتآلف معها ؟
أمّا و قد فعلت, فالحمد لله عليها كلماتى, و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم ( الأرواح جنود مجندة...) .

لو كنتُ أملك زمام الشعر لقلتُ فيك أعظمَ مما قال المتنبى فى سيف الدولة, و لو كنتُ يطاوعنى النثرُ لقلتُ فيك أبلغَ مما قاله ابن العميد فى رسائله, و لكنى يا سيدى لم أحصِّل البراعة الكافية فى هذا, و لم أحقق الإتقان المسوِّغ فى ذاك, فاقبل صمتى, و إنّ من القلب إلى القلب رُسُلا .

أتقول ستسعى للقائى؟.. بل مثلى و مثلى الذى يسعى إلى التشرف بلقائك, و لعلنى ذكرتها قبلا فى كلماتى التى لم تكن موزونة, لقد سافرتُ قاصدَكَ فحين لم أجد ما يحملنى ضربتُ إليك أكباد الآمال, فأسألُ الله تعالى أن يديم الود و الإخاء الصادقيْن الخالصيْن لوجهه الكريم سبحانه .

أعزك الله و رفع الله قدرك, فقد منحتنى من الحفاوة أكثر مما أستحق, و مما حلمت به يوما, و أسأل الله تعالى إن كنتُ صادقا فى إخائى أن تصلك كلماتى .

أخى الغالى..إذا شعرتَ يوما بأن الحياة قد أظهرت وجها لا يسر, كما هو دأبها من حين إلى حين, فطمئن قلبكَ بأنه فى بلد من بلاد الله الواسعة, لك أخٌ يكنُّ الحب و يبديه, و يدعو لك فى سجوده ما شاء الله له أن يدعو .