جدلية الحرف العربي

هذا عنوان كتاب للمفكر من سوريا محمد عنبر

وقد اقتنيت الكتاب، وعندما شرع الأخ محمد ب. في نشر مواضيعه عن اللغة العربية بحثث لدي عن الكتاب لأقدمه فلم أجده ، ربما أكون أعرته ونسيت لمن أعرته. وإن وجدته فسأورد من أمثلته هنا بإذن الله. ولعل الكتاب يكون لدى أحد المشاركين الكرام فيورد من أمثلته هنا.

تقوم فكرة الكتاب على العلاقة بين اللفظ والمعنى عبر ألفاظ عدة شرحها في الكتاب، ومن ذلك

فرّ الطائر مدبرا عن عشه ورفّ مقبلا إليه.

وأورد ألفاظا عدة واستعرض ما رآه فيها من جدلية في المبنى والمعنى
وقد بحثت في الشبكة فوجدت ما يلي :
http://www.almultaka.net/web/m00-p10.htm

تنشر «الملتقى» فيما يلي نصاً اختطه فيلسوف اللغة العربية الراحل محمد عنبر وبقي مخطوطاً، كما هي حال العديد من كتبه ومؤلفاته، لقد رحل عنا محمد عنبر تاركاً تراثاً فكرياً وفلسفياً متراكماً لم يجد طريقه إلى النشر، بل ولم يحصل صاحب هذا التراث على شيء من حقه في الدرس والبحث.
إن هذا النص لا يُفهم إلا في ضوء نظرية محمد عنبر الكليّة، هذه النظرية التي وضعها في مؤلفه الضخم (جدلية الحرف العربي)، وأجرى تطبيقاً عملياً للنظرية على العلوم الرياضية والفيزيائية المعاصرة في كتابه (الشيء في ذاته)، والتي تقوم ـ باختزالٍ شديد ـ على أن أي لفظ عربي وليكن (زلَّ) فإن مقلوبه (ل ز) يعاكسه مبنىً ومعنىً، وما يستتبع ذلك من أن الشيء وضده موجودان في اللفظ العربي الذي يعكس حركة الوجود.
إن «الملتقى» إذ تنشر هذا النص للفيلسوف الراحل إنما ليكون فاتحةً على طريق نشر ودرس الكثير الكثير مما تركه الراحل مخطوطاً.

نحن نريد أن تكون لنا فلسفة، ونريد أن يكون لنا علم متميز فهل إلى ذلك من سبيل؟
في العلم كما في الفلسفة «فكرةٌ أَصْلٌ» يقيم عليها العالم علمه كما يقيم عليها الفيلسوف فلسفته، وإذا لم يكن للعالم أو الفيلسوف هذه «الفكرة الأصل» مضى في بحثه على هدى «فكرةٍ أصْلٍ» عند غيره يستضيء بها ويكشف على نورها ما يكشف.
وقد تكون «الفكرةُ الأصلُ» عند طائفة من العلماء والفلاسفة واحدة، وحينَ يرونها من جوانب متعددة تبدو وكأنها متعددةٌ عَدَدَ هذه الجوانب.
وإذا وُجِدّت «فكرة أصْلُ» لها وجهان وجهٌ متصلٌ بالفكر من جهة، ووجهٌ متصلٌ بالمادة من جهة أخرى، وبعبارةٍ أخرى لها وجهان أحدهما فكريٌّ والآخرُ ماديٌّ.
وتبين لنا أنَّ لها قواعدَ وضوابطَ، فإن قواعدها وضوابطها هي قواعدُ وضوابطُ لِلْفكِر وللمادةِ في آنٍ واحد.
وهذه الضوابطُ والقواعد هي «الجسرُ المفقودُ» الذي يَصُل المادةَ بالفكر، والفكرَ بالمادةِ. وعليهُ ننتقلُ منْ إحداهما إلى الأخرى، فنتعامل بهذه القواعدِ والضوابط مع هذه وتلك سواءً بسواءٍ.
إن هذا «الجسرَ المفقودَ» هو «اللفظُ العربيُّ» فهو باعتباره هواءً متفجراً في تجويف هو الأنف وتوابعه مادةٌ كأيِّ مادةٍ أُخرى. وهو باعتباره تجسيداً للفكرة فِكْرٌ، فهو على هذا ذو وجهين، وجهٍ ماديٍّ، ووجهٍ فكريٍّ وقوانُينُهُ وضوابُطُهُ تَصْدُقُ على المادةِ والفكرٍ معاً لأنه جامعٌ لهما.
وإذا كانت أفكارنا مختلفةً فإنّ تجسيدها في ألفاظٍ محددةٍ يُمكِّنُ من إجْراء قوانينِ الألفاظ الموحَّدَة عليها، لأنها حين تُصَبُّ في قالبٍ واحد، أو على صورةٍ جسدٍ واحدٍ فإنها تخضعُ لقانون هذا القالب أو الجسد.
وإذا انطبق قولُ الفلاسفة قديماً: «ضِدُّ الشيء قائمٌ فيه» على ألفاظ اللغة العربية، فكان كلُّ لفظ في وهذه اللغة يحوي الشيءَ وضدّه، فإن هذه اللغة هي لسانُ حالِ الوجود ولسانُ أهلها في آنٍ واحد.
وقد تبينَ لي بعد معاناةٍ طويلة أنها كذلك!!. وأنك إذا قَلَبْتَ أيَّ لفظٍ مِنْ ألفاظها ك (سَ بَ حَ) ومقلوبِها (حَ بَ سَ) فإنك تجيئُ بعكس الحروف والمعنى معاً في آنٍ واحدٍ. وهذا برهانُ على أَنَّ ضد الشيء قائمٌ فيه (فالسَّبْحُ) انطلاقٌ و(الحَبْسُ) تقييدٌ، وهما ضدانِ مَبْنىً وَمعْنىً. وكُّل كلماتِ العربية كذلك. ولا يَطْمَعُ مَنْ يُحاوِلُ الكشْفَ عن هذا التضادَ في كِلّ الكلمات فَيُحاوِلَ الإمساكَ بالقمر يتراءى لَهُ في صفحة الماءِ مِنْ غَيْرِ أن يَرْكَبَ إِليْه سفينةَ الفضاء.
وطبيعةُ الحركة في حروفِ وألفاظ هذه اللغِة مِنْ طبيعة العناصر الأوليّة في المادة. وحين نتعرف طبيعةَ حروفها وألفاظها فإننا نكونُ قد تعرفنا في الوقت نَفْسِهِ طبيعة الحركة في هذا الوجودِ وأمسكنا بمفتاح من مفاتيح العلم والفلسفة معاً.
وسوفَ يَردُ إلى ذِهْن القارئ أوَّلَ ما يَرِدُ أنْ يقولَ لي: هَبْ أَنكَ كشفتَ عنِ التضاد في بعضَ كلماتِ هذه اللغة بمحض المصادفةِ فَمِنْ أيْنَ لكَ أَنْ تحكُمَ على جميع كلماتها أنها كذلك!!.
وجوابي على ذلك أَنْ أطلبَ إلى القارئ الكريم أنْ يَعْتَبَرني وقعتُ على التضاد في كلمةٍ واحدةٍ هي (ل فَّ) ومقلُوبها (فَ لّ)، وأنَّ (فَلَّ) الشيءَ عَكْسُ (لَفِّهِ)، وأن يعتبرَ ذلكَ مُصادفةً مَحْضَةً، وأطلب منه بَعْدَ ذلك أنْ يجعَل مِن هذه الكلمة وَحْدَها أَساساً لإقامة ضوابطَ في العلمِ وفي الفلسفةِ معاً فإنهُ ظافرٌ بذلك لا محالة.
فَسِرُّ الوجودِ قائمٌ في أصْغَرِ جزءٍ فيه قيامَهُ في أكبره. وحين نَصِلُ إلى أَعمق أَعماق الذرة، فإننا نكونُ في الوقتِ نفسِهِ قَدْ بَلَغْنَا نَهْرَ المِجرَّة، وإذِا عَرْفنا سِرَّ القطرةِ فقد عرفنا سِرَّ البَحْر، وإذا كشفْنا سر كلمةٍ واحدة من كلمات العربية فإننا نكونُ في الوقت نفسه قد كشفنا سِرَّ الكلماتِ كلِّها.
والدليُل على أنَّ في الكلمة الواحدة سِرٌّ كلِّ الكلمات هو أنني لَمْ أحتج في الكتب التي وضعتها لهذه الغاية إِلاّ لكلمة واحدةٍ فقط، وإذا كنتُ استعمل كلماتٍ كثيرةً فما ذاك إلاّ ليعْرفَ القارئُ أنّ جميعَ كلمات اللغة كذلك.
وانظر إلى (فَ لّ) وضدها (لَ فّ) كيف تُجيب على قولهم:‎
- الشيءُ يقومُ فيه ضدُّه، فكل من (الفلّ) و(اللّف) قائمٌ في الآخر بحكم الحروف الواحدة والفلّ عكْسُ اللِّف، وكل كلمات العربية كذلك.
- والشيء موجودٌ، وغير مُوجود، في آنٍ واحد فمقلوب (فَ لّ) غيرُ موجودٍ حين ننظر إلى (فَ لّ) وَحْدَهَا ولكنه موجود حقاً فهو مقلوبُها حين نقرؤها من آخرها إلى أولها، إضافة إلى أنَّ الحروف واحدة، والفِرق فرقٌ في الوجهة.
- والشيء يبدأ ولا يبدأ في آن واحد فـ (ف لّ) تبدأ بالفاء وهي لا تبدأ بها، لأنَّ هذه الفاءَ هي نهايةُ مقلوبها (لَ فّ) التي تشكل معها كلاً واحداً لا يتجزأ ومعنى ذلك أنَّ مقلوبها انتهى ولم ينته وأنها بدأت ولم تبدأ في آن واحد.
- و(ف لّ) تنتهي باللاَّم ولا تنتهي في آن واحدٍ لأنّ هذه اللام هي هي نهاية (ف لّ) وبداية (ل فّ) فباعتبارها نهاية قد انتهت وباعتبارها بداية لم تنته، وهذا على اعتبار أن كلا من الضدين (لفّ) و(فلّ) يؤلفان كلاً واحداً لا يتجزأ فينتهي أحدهما ولا ينتهي ولا ينتهي، ويبدأ الآخر ولا يبدأ والعكس بالعكس.
- والقول إن حركة افتعال الضد إلى ضده كحركة انتقال قطرة الماء من الميوعة إلى التجمد وبالعكس لا يمكنُ رصْدُها قطعاً، والسببُ في ذلك أنَّ الانتقال مِنْ (فَ لّ) إلى (ل فّ) هو انتقال من الشيء نفسه إلى الشيء نفسه، أيْ من اللام إلى اللام نفسها، وانتقالُ الشيء نفسه إلى الشيء نفسه لا سبيل إلى رصد حركة انتقاله هذه أبداً.
- والقولُ إنَّ الوجودَ كما يبدو لنا ليس هو الوجود في حقيقته قائمٌ على أن (فَ لّ) ليست هي الموجودة في الحقيقة، وإنما الموجود هو نهاية وبداية مقلوبها (ل ف)، و(ل فّ) كذلك ليست هي الموجودة. وإنما الموجود هو نهاية وبداية مقلوبها (ف لّ)، وَمَعَ ذلك فنحن نرى (ل فّ) و(ف لّ) موجودتين من غير شك، بحكم عتبتنا القاصرة المحدودة. فما الموجود إذن؟
إنَّ الموجود الحقيقي هو حركةُ انتقال الضدِّ إلى ضدِّه، أيّ حركة انتقالِ (لَ فّ) إلى (ف لّ) وبالعكس، وهي حركةٌ لا نستطيع رصدها، مع أنها هي الموجودة حقاً، وعليه فالوجود الذي نراه ليس هو الوجود في حقيقته، لأننا نرى (ف لّ) و(ل فّ) وقد استقلت كل منهما عن الأخرى.
وإذا كنتَ في آخر (ف لّ) فأنت في الوقت نفسه في أول (لَ فّ) والعكس بالعكس فأنت لا في هذه ولا هذه. وإنما أنت في حركة الانتقال التي لا سبيل لك إلى رصدها.
هذه بعضُ المشكلات التي يمكنكِ أَنْ تحلها بمفتاح (لَ فّ) و(مقلوبها)، كما يمكنك أن تحلها بأية كلمة من كلمات هذه اللغة.
------------------------------

http://www.alzahraa.bizland.com/jawdat/researches1.htm

وقد كتبت إلى العلامة جودت سعيد أن رمز (ص خ ر) الذي يتجه إلى معنى القسوة في قوله عز من قائل: ((ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة)) (البقرة / 74) هو عكس نقيضه ((ر خ ص)) القائم في صورة مقلوبة والمتجه إلى التلين المناقض لقسوة التصخر. كما ني بيت النابغة الذبياني يصف في بنان المتجردة:
بمخضب رخص كأن بنانه ..... عنم يكاد من الليونة يعقد
والسؤال هو: هل يمكن معرفة كل من التصخر من ((ص خ ر)) والرخص من ((رخ ص)) إلا هن خلال إضاءة كل منهما للآخر القائم في ذاته. ولو اتخذنا من الضابط الذي يحكم حال الحركة في سيرها من أشياء هذا الوجود لما بحثنا عن الآخر المستقل إلا بعد أن نبحث عنه في الشيء ذاته، فإننا في وجود قائم على التزاوج كما تقول الفيزياء الحديثة وهو وجود يحكمه القانون المتمثل في قوله عز من قائل: ((ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)).