النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: شيطنة الطفولة- نثر، من الذكريات

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    1,413

    شيطنة الطفولة- نثر، من الذكريات

    كنا في ساحة المدرسة.. نلعب كالصغار، ونتحاور كالكبار.
    كبار دون شك لأننا ترفعنا إلى الصف الثاني الإبتدائي، وصغار لأننا بقينا في ساحة لإبتدائي الصغيرة.
    روت إحداهن رواية. قالت: فعل كذا وكذا.
    ارتسم التعجب دوائر على أواهنا، ونبعت عنا آهة استهجان..
    ووجدتني اضرب كفا بكفٍ واقول: يخرب بيته..
    قالت لي سوسن أبو غزالة تؤنبني، وهي الأعلم مني مع انها من غير نظارة:
    هل انتبهت لما قلتِ الآن؟!!
    عدت أدراجي أستدرك ما صدر عني..
    --
    كثيرا ما أكرر ما أسمع.
    أذكر حين كانت موضة ذلك اليوم في المدرسة أن يقول زملائي بعضهم لبعض:
    هه.. الله لا يعطيك العافية!
    حين عدت إلى البيت يومها، كانت تدور في راسي.
    أعتقد جازمة أن الباص يومها توقف قرب رصيف منزلي،فلو أنه توقف على الجانب الآخر من الشارع لتعكر مزاجي.
    تدور الصورة في خيالي، واكزّ على أسناني للذكرى المؤلمة!
    حين يتوقف الباص على الجانب الآخر، تراوح نظرات معلمة الباص البوليسية المكان. تختارني.. تجمع شتات صحتها وتحبس انفاس كفي الصغيرة في راحة ما فيها من الراحة غير الاسم.
    كانت خطواتها خطوات عدّاء، وكانت خطواتي تراوح ما بين القفز والطيران لتواكب مسيرتها.
    مع تجاوزنا خطر السيارات تفتح باب القفص، فأطييييير إلى الطابق الثاني، وأدفع باب المنزل.
    دخلت. كانت امي تكنس الدار وقتها. كنت سعيدة بما تعلمت، بادرتها:
    الله لا يعطيك العافية.
    حنت رأسها بحزن وقالت: ليش؟
    فاجأني السؤال..
    قلت لها: ليش؟
    وكان من السهل ان اصارح أمي بجهلي..
    قلت لها: شو يعني؟!!
    قالت: الجملة تعني (ليتك تمرضين)
    مرت أشياء لا تعد ولا تحصى في خاطري..
    في الحقيقة.. التي مرت كانت صينية الخضار..
    كنا نتحلّق متربعين على السجّادة حول الصينية وامي تروي لنا الحكاية.
    : كان يا ما كان.. في قديم الزمان..
    وترسم أمي قصة نتسلقها بخيالنا في تزاوج ما بين التعجّب والإعجاب..
    ومع كل "واو" تعجّب، كانت امي تدس ّ اللقم في الأفواه.
    .. أمي، حبيبتي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيليتك تمرضين )
    هل قلت انا هذا؟!!
    وأخذت امي في احضاني وزرعتها بالقبلات.
    --
    لا اذكر سبب الخلاف بيني وبين اخي الكبير إسماعيل، لكن ما اذكره أنه كسر نفسي، وآلم روحي ألما كبيرا. أظن، والله العليم، انه استغل كبر حجمه وضربني..
    ثقلت عليّ المهانة وما استطعت حملها. كان غضبي يكبر ماردًا استعصى حبسه في قمقم..
    لا بد من الانتقام!
    من المسلّم به أنني بحجمي الصغير لا أستطيع أن آخذ ثأري بيدي..
    لكنني املك سلاحًا أفتك.. لساني الذي كان بضعف طولي.
    : ييييييـ.. والقى بقذيفة من "المحرمات دوليّا" ما نُطقت يومًا في بيتنا..
    : يلعن أبوك
    : بابا، حنين تقول لي يلعن أبوك
    ما عرفت لماذا زعل حبيبي بابا كل هذا الزعل!
    هل لأنني كسرت المحرمات؟
    أم لأنه يحب إسماعيل (كتير كتير.. أكتر واحد) ولا يهون عليه ان أشتمه؟
    صحيح ما كان له فسحة في حجره، فقد كانت ركبته اليمنى لي، واليسرى لأيمن.. لكني أعرف بأن إسماعيل يتربع في القلب.

    ولاول مرة في التاريخ يمسك أبي تلك العصا المزركشة الملقاة على سطح الخزانة..
    وآآآآآه!!
    ورميت رجليّ للريح ..
    --

    قالت سوسن: يخرب بيتك تعني (إن شا الله ينهد بيتك حجرا حجرا.. "وتخيلت المأساة في غرفة الألعاب وتناثرها على الأرض بين الركام"
    ولتزيد سوسن من كِبَر جريرتي أردفت: فيموت أهلك.. تموت أمك ويموت أبوك ويموت اخوك..
    ولتكمل المأساة أكملتُ الصورة في خيالي "وتموت لوسي.. قطتي التي اعتبرها كأختي تماما".
    اسودت الدنيا في عيوني التي رأتها سوسن منكّسة إلى الأرض، لكن عيون قلبي كانت شاخصة إلى السماء: لا،لا،لا.. لا يا ربي، لاترد علي.. والله مو قصدي.
    هل تعلمت من ذلك الزمن أن لا أردد كل ما أسمع؟ في الحقيقة مش متأكدة.. لا أذكر.. لكن المؤكد انني التزمت نصيحة أمي ان لا أدع على الناس وإنْ لغوًا، فقد تكون أبواب السماء مفتّحة في تلك اللحظة.
    قلت لأمي وانا أشبك يديّ على صدري أريد منها حلا لمشكلة تتكرر ولا تنتهي: وهل اسكت لمن يشتمني في المدرسة؟!!
    ضمتني إلى صدرها. قالت وهي تلاعب شعري: من يشتمك قولي له "الله يسامحك"
    وصارت المسبة المشهورة في المدرسة حينها "الله يسامحك".
    - تقول لي "الله يسامحك" أنا الله يسامحني!!
    ويرد له الشتيمة: الله يسامحك انت.
    وتتشابك الأيدي، وتحمرّ العيون وتتدور، وتنتفخ الأوداج بينما تتقاذف الافواه قنبلة "الله يسامحك".
    حاولت أن أكبت غضبتي، وإن غضبت أن لا يحتوي ما يصدر عن لساني على أي دعاء فيه رجاء من الله أن يفعل.. لكني ما استطعت أن أطهر لساني تماما عن الشتائم، فاختصرت على كلمة كانت تطفئ لهيب غضبي.
    : ماما.. حنين تقول لي طز عليك.
    أحتمي بباب غرفتي.
    أقول بتوالٍ من فرجة الباب:
    طز عليك.. طز عليك.. طز علييييييييك.
    ثم ادفع الباب، وادير المفتاح من الداخل في سجن إختياري يضمن الأمان وإن إلى حين.
    عندما كنتُ صغيرة، كانتْ "طز" كبيييييييرة رغم أنها لم تكن من قاموس المحرمات في المنزل، وصغرتْ عندما كبرتُ كجبل ثلج سطعت عليه الشمس، او كحبة ملح ذابت في نقطة ماء.

    20-1-2015


    * الصحة: كناية عن البدانة.
    *الراحة: جناس مطابق فهي الكف وهي الارتياح
    * طز: كلمة تركية تعني ملح.
    التعديل الأخير تم بواسطة حنين حمودة ; 01-22-2015 الساعة 12:14 PM

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط