هذا الموضوع للأستاذ سليمان أبو ستة. رأيت نقله من باب تحديد القافية ليكون هنا فاتحة باب للمواضيع المتقدمة والتطبيقات العامة.

--------------

حول موضوع القافية وتحديدها

قال الراجز :
كأنها والكحل في مِرْوَدِها
تكحل عينيها ببعض جِلْدِها
القافية في البيت الأول : مرودها = 2112 ويسمى هذا النوع : المتراكب
وفي البيت الثاني : جلدها = 212 وهو يسمى : المتدارك .
وهذان النوعان من القافية يجتمعان في القصيدة الواحدة من الرجز كما يجتمع معهما النوع المسمى بالمتكاوس : 21112 نحو قول أبي العتاهية ( من الرجز ):
إن أخاك الصدق من كان معك = 2112= متراكب
ومن يضر نفسه لينفعك = 212 = متدارك
ومن إذا ريب الزمان صدعك = 21112 = متكاوس
شتت فيه شمله ليجمعك = 212 = متدارك
ويقول أبو الرضا الراوندي ( ت 550 هـ أو 570هـ ) في كتابه شرح الحماسة أنه لا بد من تشديد الدال من مرودها وإلا اختلت القافية ؛ لأن ما قبل الدال من كل بيت ساكن فلو خففت كان ما قبل الدال من مرودها متحركا وهذا لا يجوز ، فأما الوزن فإنه لا يختل . ( نقلا عن حماسة أبي تمام وشروحها للدكتور عبد الله عسيلان ص 187 ، 188 )
وهذا ملمح دقيق التفت إليه الرواندي في القرن السادس الهجري ولم أر أحدا قبله ولا بعده أولى هذه الناحية من أصوات القافية عنايته . وقد عبرت عن صدق هذه الظاهرة في كتابي في نظرية العروض العربي ( ص 48 ) ضمن التعريف التالي للقافية :
" القافية – تحديدا – هي صوت الروي وما قد يليه من أصوات مع نوع الصوت الذي يسبقه ، ولنسمه – توسعا في المصطلح – الردف . وهذا الردف إذا كان حركة قصيرة وكان ثاني صوت يسبقه ألف مد ، التزم هذان الصوتان بعينهما – وليس بنوعهما فقط – وتسمى هذه الألف ألف التأسيس ".
والخلاصة أن القافية في أبيات أبي العتاهية هي : العين وهو صوت الروي الذي يتلوه الفتحه والكاف الساكنة ، وهي جميعا أصوات تلتزم بعينها ، مع الحركة التي تسبق الروي ، وهي في هذا المثال الفتحة إلا أنه يمكن أن يحل محلها الضمة والكسرة . وأما في الشاهد الذي اعترض عليه الراوندي فكان الروي هو الدال يتلوها الكسرة والهاء وألف المد ولكن الصوت الذي يسبق الروي هو الفتحة ( وهي حركة قصيرة ) في البيت الأول واللام ( وهو صامت ) في البيت الثاني ، وهما نوعان مختلفان من الأصوات ( لمزيد من الإيضاح حول أنواع الصوت اللغوي انظر المرجع السابق ص 21 ) .
لذلك شعر الراوندي بحسه الموسيقي اختلالا في القافية ورأى أن تصحيحه يأتي عن طريق القراءة بتشديد الدال مع أن هذا المسلك خاطئ في القراءة النثرية .

____________
تغن بالشعر إما كنت قائله ........ إن الغناء لهذا الشعر مضمار