أحيي أخي خشان
فهو لغزارة علمه ـ ما شاء الله ـ لا يستطيع أن يضبط نفسه أنْ تفيضَ بكل ما تجيش به دفعة واحدة. فتراه يشتار مرة من شجر البرتقال، وأخرى من شجر الليمون، لتجده فجأةً على زهور النارنج .. مما يرهق المتابع مجاهدةً للّحاق به هنا أو هناك، محاولاً أن يتذوق من طعومه المختلفة، وينهل من أشربته الملونة. وهو في كل ذلك لا يبخل على أحد بشيء.
جازاه الله على عمله وعلمه، وشكر له سعيه، آمين.
وهو في خواطره، وأزواج مواضيعه، على اللقاء الخفيف الذي أجراه (موقع الإسلام اليوم) مع (العبد لله) راح يفجر الينابيع في الأرض اليباب، مما جعلني أتمهل في ورودها، لأختار شيئاً يسيراً مما حركته في نفسي هذه التداعيات.
فأولاً: أحب أن أقرر أن (لاحق القرطاجني) هو(المخلّع) عندنا دون قيد أو شرط، لا يختلف عنه بقليل أو كثير، إلاّ أن القرطاجني اختار له التفعيل:
مستفعلاتن مستفعلاتنواخترتُ له الشكل:
مستفعلن مفعولاتُ فعْلنعلى اعتبار أنه مخلّع أي منتزع أو مجزوء من المنسرح لا البسيط، وقد أثبت ذلك بالدليل القاطع الذي لا يرقى إليه شك.
وكان القرطاجني قد اختار له اسم (اللاحق) تمييزاً له عن مجزوء البسيط:
مستفعلن فاعلن مفعولنمنكراً علاقته بالبسيط. إلا أنه لم يوفق في التسمية، فلم يكتب لها أي انتشار.
وقد اكتفيتُ ـ في تأصيله ـ أن أترك له اسم (المخلّع) دون إضافته للبسيط، وذلك لشهرته بهذا الاسم، والتفات الذهن إليه فور سماع اسمه. في حين أطلقتُ اسم (اللاحق) على بحر آخر جديد، أخذ يأخذ طريقة إلى الاستعمال بتوفيق الله.
ولذلك، أقول: لا مجال للمقارنة بين (لاحق القرطاجني) و(لاحق خلوف) إلا من جهة دلالة المصطلح فحسب.
ثانياً: قوله: "فاللاحق [يعني المخلع] عند القرطاجني صورتان"، وهمٌ أرجو أن يُعادَ النظر فيه. فالقرطاجني لم يطلق اسم (اللاحق) إلا على صورة المخلّع الشهيرة:
مستفعلن فاعلن فعولنلتمييزها عن مجزوء البسيط ؛ ذي الضرب (مفعولن). والسبب عنده كما قرر في منهاجه، هو ورود "ساكن لايوجد في مخلع البسيط"، يعني؛ مجيء (فاعلن) الحشوية فيه على (مفعولن)، وذلك على لسان عدد من "الشعراء الموثوقين" الذين "يستحيل قبولهم الكسر في الوزن" كما قال.
وللاستزادة يمكن الرجوع إلى ردّي السابق في المنتدى على الأستاذ (محمود مرعي) حول ذات الموضوع. أو إلى بحثي الموسوم ببحر المخلّع الذي ربما أثبته على صفحة هذا المنتدى قبل نشره في كتابي (بحور لم يؤصلها الخليل).
ولعل لي عودة ثانية إلى تداعيات أخرى على تداعيات الأستاذ خشان.
أخي د. عمر خلوف
لا تُجارى علما ولا تُجارى ذوقا وفضلا
حفظك الله ونفع بك أهل الأدب والعلم
تخطر ببالي ملاحظةٌ بعيدا عن المصطلحات
لم يمر بي بيت واحد على وزن مستفعلن فعِلن فعولن = 2 2 3 1 3 3 2
وأقول لعل ذلك مرده إلى الخروج عن صفة البحر إلى صفة بحر آخر.
حيث أن 4 3 1 3 3 2 = 4 3 ((4) 3 = متْفاعلن متَفاعلاتن
وهذا خروج عن صفة كل من البسيط والمنسرح إلى صفة الكامل.
وهذا باب لي فيه ملاحظات كثيرة بعضها يختص بما يثقل من الزحافات ليس لذاتها بل لهذا السبب، والبعض الآخر فيما يخرج من البحر ولا يخرج من الشعر نحو
4 3 – 1 3 – 3 1 1 – 2 3 = مستفعلن فعِلُن متفعلُ فاعلن
فهذه التغييرات إن ربطناها بالبسيط مخرجة للوزن منه ولكنها لا تخرج الوزن من إطار الشعر.
فهذا هو ذات الوزن
4 3 – 1 3 3 – 1 3 3 = متْفاعلن متَفاعلن متَفاعلن
ويستتبع هذا الأمر تتبع ما يمكن أن نشبهه ( بالعلاقات الجينية ) بين البحور، ومثله كثير.
أقول هذا وفي ذهني أنك ود. مستجير صاحبا فضل علي في هذا. لما يشي به تناولكما- قصدتما أو لم تقصدا - من إدراك لوشائج البحور، ولعل ذلك عائد إلى علمكما بالوراثة وعواملها في عالم الأحياء.
هي خواطر وتداعيات
والله يرعاك.
أخي الأستاذ خشان
أشكرك وأحييك
في بحثي الموسوم (ببحر المخلّع) أشرت إلى الفاصلة فيه بأنها قليلة الورود، ولكنها ليست نادرة، وأوردتُ لها عدداً لا بأس به من الشواهد.
كقول عبيد بن الأبرص (تُلاحظ مواضع الخطوط التحتية):
فراكِسٌ فثُعَيْلِباتٌ ...... فذاتُ فرقين فالقليبُ
فعَرّةٌ فقِفارُ حَبْرٍ ...... ليسَ بها منهمُ عريبُ
وقول امرئ القيس:
عيناكَ دمعُهُما سِجالُ .... كأنَّ شأنَيْهما وِشالُ
وقول الأعشى:
ألمْ ترَوا إرَماً وعاداً ..... أوْدى بها الليلُ والنهارُ
وقول مهيار:
نشاطُهُ للوَفاءِ أضحى .... نَشْطَ لِسانِيَ منْ عِقالِ
وقول ابن خاتمة الأندلسي:
يا مَنْ أغارُ على هَواهُ .... منْهُ ومنّي ومنْ سِوائي
وقول أبي فرعة الكناني:
أقفرَ منْ أهلِهِ مَصيفُ .... فبطْنُ نخلَةَ فالعَريفُ
وهو نوع من العبور المؤقت، أسميناه تداخل البحور (مجلة الفيصل 263، ص38)، وهو من خصائص المخلّع، الذي اعتبرنا وزنه : مستفعلن مفعولاتُ فعْلن
حيث ترد فيه (مفعولاتُ) على (فعِلاتُ) على قلّة كما ذكرت.
وليس في ذلك خروج إلى صفة البحر الكامل، وإن تشابهت الصفات، ذلك أن مستفعلن هنا كثيراً ما ترد على (متفعلن) أو (مستعلن) بل و(متَعِلن)، ولكنها لا ترد مطلقاً على (متَفاعلن) بتحريك التاء.
وأشرتُ في مقالي المذكور إلى أن تداخل البحور هو نوع من التنوع الإيقاعي الذي يكسر حدة الرتابة ، ويثري الموسيقى.
هذا ما نراه ، والله أعلم.
أخي د. عمر خلوف
شكرا لك. فقد أفدتني بهذه الشواهد. كما أفدتني أن ورودها قليل. وذلك بقولك إنّ مفعولاتُ ترد على معُلاتُ على قلة.
وأرى التداعيات تأتي منك بكل خير، مما يغريني بمواصلتها على هذا السبيل لا على سواه.
وهنا يحضرني ما يلي:
إستبعادك المخلع من باب مجزوء البسيط بالكلية، ألا ترى فيه نفيا لإمكانية جائزة على الأقل.
وكنت قلت بهذا الصدد إن للمخلع انتماءين أحدهما للبسيط والآخر للمخلع.
وقد رجعت لكتاب الشيخ جلال الحنفي ( العروض تهذيبه وإعادة تدوينه ) لأجد به ما أؤيد رأيي فوجدته يقول بقولك فيما يخص ما أسماه البسيط السادس وشاهده لديه
قلت استجيبي فلما لم تجب......سالت دموعي على ردائي
2 2 3 2 3 2 2 3 ................2 2 3 2 3 3 2
مستفعلن فاعلن مستفعلن ..........مستفعلن فاعلن فعولن ( مستفعلن)
فعولن = مستفْعلن = 2 2 3 صارت مستعِلُن =312 تك مستعْلن 2 2 2 صارت متَعْلُنْ=23
ولكنني وجدته يقول في الهامش:
وجود" فعولن" في هذا الوزن يجعله من المنسرح، ولما كنا نرى البسيط منسلخا من المنسرح، فلا بأس من وجود شطر منه فيه، أي من المنسرح في البسيط مما ينحصر في هذا الإطار.. إن مخلع البسيط هو أصل ما سمي بالبسيط السادس، إذ كان المخلع مجرد تصريع لهذا الوزن ثم استقل بنفسه وزنا في أوزان البسيط ... على أن يحتفظ بتفعيلته الأصلية مفعولن -222- في العروض والضرب فإن انقلب إلى فعولن في كلا شطريه فهو من المنسرح."
على أني لا أشاركه الرأي بأن البسيط منسلخ من المنسرح فهما وإن اشتركا في منطقتي العروض والضرب حيث منطقة العروض في كل منهما = 3 (2) 2 ومنطقة الضرب = 3 2 2 ( 2 سبب خببي يأتي ثقيلا أو خفيفا) فإن البسيط أطول من المنسرح فلو عبرنا عنهما بغرض المقارنة على النحو
البسيط = مستفعلاتن فعل مستفعلاتُ فعلْ = 4 3 2 – 3 – 4 3 1 - 3
المنسرح = مستفعلاتُن مستفعلاتُ فعلْ = 4 3 2 – 4 3 1 – 3
لكان حريا بالبسيط الأطول – إن كان لا بد من أمر الإنسلاخ – أن يكون أصلا انسلخ منه المنسرح الأقصر.
وهو قال في مقدمة البسيط في معرض قوله بأنه من أصل المنسرح :" ولا تزال هناك بقايا علاقات ووشائج بين البحرين، منها أن ما سمي بمخلع البسيط أقوى صلة بالمنسرح منه بالبسيط"
فلم يخرج المنسرح من البسيط بالكلية.
وهنا ولصالح من ألف الرقمي وألوانه أقول في معرض تبيان مزايا اختصاره في الشرح ما يلي:
4 3 2 3 3 2 من البسيط
4 3 2 3 3 2 من المنسرح
ويتبع هذا أن
4 3 1 3 3 2 من البسيط متعلقا باعتبار فاعلن = 2 3 تحولت إلى فعِلُنْ = 1 3 وليس متعلقا بمستفعلن حيث تفضلت بالقول " ، ذلك أن مستفعلن هنا كثيراً ما ترد على (متفعلن) أو (مستعلن) بل و(متَعِلن)، ولكنها لا ترد مطلقاً على (متَفاعلن( بتحريك التاء "
وأن 4 3 1 3 3 2 من المنسرح حيث كما تقول " حيث ترد فيه (مفعولاتُ) على (فعِلاتُ) على قلّة كما ذكرت "
وأرى ورود فاعلن على فعلن في البسيط أوجه من ورود فعلاتُ [ معُلاتُ] في المنسرح.
هذا باب وأمر التكفؤ الخببي في ورود 4 3 1 3 3 2 ............4 3 2 2 3 2 ( باب آخر)
فالتكافؤ الخببي هنا لصالح اعتبار الوزن من المنسرح كما تفضلت
لا أدري ما يمنع هذه الصياغة
إذا احتوى المخلع على أحد الوزنين التاليين في أي من شطريه فهو من أصل المنسرح
الأول = 4 3 2 2 3 2
وعليه الشاهد:
فسر بودٍّ أو سرْ بكرهٍ ..........ما سارت الذّللُ السراعُ ( هل هي الذّلل أم الذّلّل )
الثاني 4 3 3 2 3 2
لام أناس أبا العشائرْ .....فمالَه دواما يشاطرْ
2 1 3 2 3 3 2 ....3 3 3 2 3 2
مشتقا ( كما يفعل الشيخ جلال كثيرا) من قول المتنبي:
لامَ أُناسٌ أَبا العَشائِرِ في ............ جودِ يَدَيهِ بِالعَينِ وَالوَرَقِ
2 1 3 2 3 3 1 3 ............2 1 3 3 2 3 1 3
وأما الوزن 4 3 2 3 3 2 إذا ساد في كامل القصيدة فهو قابل لأن ينتمي لكلا البحرين على قدم المساواة.
كالقول : لام أناس أبا العشائرْ .....فمالَه دائما يشاطرْ
وقصره على أحد البحرين دون الآخر موقف شخصي ليس له ما يبرره
فإذا ورد على الوزن 4 3 1 3 3 2 كان أقرب إلى البسيط منه للمنسرح قرب فَعِلُن 1 3 من فاعلن 2 3 بشكل يفوق قرب معُلاتُ 1 3 1 من مفعولاتُ 2 2 2 1
كما في القول :
لام أناس أبا العشائرْ .....فمالَه أبداً يشاطرْ
2 1 3 2 3 3 2 .........3 3 1 3 3 2
وهنا نستحضر الوزن
2 1 3 2 2 3 2 ..........3 3 1 3 3 2
كالقول:
قالَ أناسٌ ما يشاطرْ ؟ .....ما عنده أبداً يشاطر
فهو من المنسرح لأ ن الصدر يعوض ما في العجز من قرب للبسيط أكثر من المنسرح.
وهذا قليل كما تفضلتَ ، وأنا بهذا الصدد منحاز إلى مدرسة أستاذي محمد ب. في اعتماده ما استقر عليه الشعر العربي في العصرين الأموي والعباسي.
ولي سؤال: ما رأيك بتسمية المخلع حال انتمائه للمنسرح بأحذ المنسرح أسوة بأحذ الكامل؟
يرد هذا الحوار سياق الأواصر بين البحور أو احتمالات تسلسلها، ولعله يكون مفيدا في هذا الأمر مستقبلا لمن ينصرف إلى هذا الأمر.
شكرا أستاذي الكريم، فالحوار معك يوري زناد الفكر. وليت الأساتذة الكرام يشاركوننا هذه التداعيات.
حفظك الله ورعاك.
المداخلة الثانية على تداعيات الأستاذ خشان
يتميز البحر السريع عن الرجز بتفعيلته الأخيرة (فاعلن) التي يجب أن ترد فيه إمّا عروضاً وإمّا عروضاً وضرباً. وبدون وجودها ـ ولو مرةً واحدةً ـ يعود السريع رجزاً صريحاً، ولذلك لم يكن للسريع صورة مجزوءةً في الشعر. فبمجرّد هدم وتد (فاعلن) الواقع في نهاية الشطر يدخل السريع في حظيرة الرجز.
ولقد باءت كل محاولات دمج البحرين بالإخفاق، سواء على مستوى الاستخدام أم على مستوى التنظير، وذلك لكونها محاولات نظرية ليس لها ما يدعمها من واقع الشعر. كالقول: إن (فاعلن) مشتقة من (مستفعلن)، بسقوط أحد سببيها (تَفْعلن)، كما فعل بعضهم، أو بالقول: إن (مستفعلن) تتحول أولاً إلى (مفعولن) ثم تتحول بسقوط الواو إلى (مَفْعلن) كما فعل أستاذنا خشان!
وإن في قول أخي خشان: إن الرجز (المنتهي بفعولن) والسريع (المنتهي بفاعلن) هما شكلان متّفقا الوزن، مختلفا العروض والضرب خلطٌ بين متمايزين. ولا علاقة كما أرى للقافية في التفريق بين النوعين.
ولو كان الأمر صحيحاً ما التزم الشعراء (فاعلن) في عروض السريع، والعروض غير مقفّاة كما هو معروف، ولَجاءت (مفعولن) بدل (فاعلن) في العروض. وهذا ما لا يصحّ.
فلا وجود (لمفعولن) في وزن السريع، وقد أخطأ الخليل رحمه الله في تصنيفها مع مشطور السريع، خطأً نجَمَ أصلاً عن الخطأ الأكبر في اعتبار (فاعلن) مشتقةً من (مفعولاتُ).
و(فاعلن) في السريع ـ كما قلت أخي ـ هي تفعيلة صمّاء، لا تقبل مزيداً من الانتقاص، ذلك أن الانتقاص فيها هو هدمٌ للوتد الوحيد المميز للسريع.
بينما تعتبر (فعولن) في الرجز زحافاً عَكوساً (لمفعولن)، لأنهما تردان جنباً إلى جنب سواء في العروض أم الضرب. وهي تفعيلةٌ غير صمّاء، تقبل مزيداً من الانتقاص، إذ ليس هنالك ما يمنع من انتقاصها، حيث يبقى النسق رجزاً مهما قمنا بالانتقاص منه.
وقد انتقص الشعراء من هذه التفعيلة، فجاءوا بها على (فعولْ):
يقول محمود حسن إسماعيل:
يا ساجداً بوجهه للهْ
يا مُعرقَ الوجوهِ في تُقاهْ
وسابحاً بالزور في هداهْ
كما جاءوا بها على (فعو)، يقول صالح جودت:
بلادُنا حدائقُ الغزلْ
نجومُنا على السّما قُبَلْ
وبيتنا في شارع الأملْ
ولقد كان الخليل رحمه الله تعالى، صاحبَ نظرة ثاقبة، عندما نظر إلى كلّ من الرجز والسريع والكامل على أنها بحور متمايزة، تسير إيقاعاتها الثلاثة في اتجاهات مختلفة، ولا تلتقي إلا في نقطة واحدة على الطريق، ثم تتابع سيرها في اتجاهها المرسوم.
ولقد كان الخليل مُحقّاً عندما فارقَ بينها منذ البدايات، لأن واقعها الشعري يقول: إنها متفارقة.
وإن النظر إليها على أنها ذات أصل واحد، ثم تشققت عنه، لن يُغير من حقيقة أن الاختلاف فيها هو الأصل، واللقاء فيما بينها هامشي.
وتلك ناحية تربوية تعليمية مهمة، يجب أن يُنظرَ فيها عند وضع القواعد.
بعد إعداد المداخلة للنشر قرأت مداخلة الأستاذ خشان على مداخلتي الأولىن فأشكره، وأعده أن أعود إليها ثانية.
ودمتم بخير، والله أعلم.
أخي الكريم
حياك الله ..
تقول: "استبعادك المخلّع من مجزوء البسيط بالكلية، ألا ترى فيه نفياً لإمكانيةٍ جائزة على الأقل؟".
أقول: نعم ، لا مكان للمخلّع مع البسيط، فهو مخلّع أي منتزعٌ من المنسرح، ولا أقول: أحذ المنسرح! وما دام الوزن قد استقلّ بنفسه، فلنُبْقِ له اسم المخلّع، بحراً قائماً بذاته، يسير على نهج البحور الخليلية الأخرى.
إن تأصيل الأوزان يجب أن يعتمد على واقعها الشعري، لا على التخمين النظري، ولو لم يقبل المخلّع مجيء (مفعولن) مكان (فاعلن) لكان لنا أن نتأوّلَ له أصلاً من البسيط، كما تأوّل الخليل، والتأول واضح في اشتقاق (فعولن) من (مستفعلن).
وفي انتزاع المخلّع من المنسرح، لم يعد بنا حاجة إلى التأوّل مطلقاً، فهو يوافق نسقَه، وقْعَ الحافر على الحافر.
مستفعلن مفعولاتُ مفعولن
مستفعلن مفعولاتُ مفعوx
والمخلع كما المنسرح، غالباً ما ترد فيه (مفعولاتُ) على (فاعلاتُ).
وإن ورود (فعِلاتُ) على قلّة في سياق المخلع، كما في سياق المنسرح، إنما هو دليل لصالح انتمائه للمنسرح، ولو كان انتماؤه للبسيط صحيحاً لكانت (فعِلاتُ) هذه كثيرة الورود، كما هو الحال في البسيط ومجزوءاته الأخرى، لأنها من مميزاته.
وإنّ مجرّد قبول المخلّع مجيء (مفعولن) مكان (فاعلن) يجعلنا ننفي أي احتمال لانتمائه إلى مجزوء البسيط، حتى عندما تسود (فاعلن) كامل القصيدة كما تقول. فكم من قصيدة على المنسرح لم ترد فيها (مفعولاتُ)ن وسادت فيها (فاعلاتُ). وهذا لا ينفي أبداً قبول المنسرح لها، ولا يُخرج بالقصيدة إلى وزن آخر.
وهذا موقف تأصيلي مبرّر ، وليس موقفاً ذوقياً شخصياً كما تقول.
* * *
إن انسلاخ المخلع من المنسرح أصبح أمراً واضحاً، ولا مجال لإنكاره.
وأما انسلاخ البسيط من المنسرح، أو المنسرح من البسيط، فهو (تجديفٌ عروضي)، لا يرقى أبداً إلى مستوى التأصيل العلمي المبرر، فشتّان ما بين النسقين.
والحنفي على علوّ كعبه العروضي، جدّف كثيراً في باب المخلع، كما جدف في غيره، حيث اختلطت لديه قوالب المخلع، وتوزعن عنده بين البسيط والمنسرح. فقد أدرج في البسيط القالبين التاليين (ص176):
مستفعلن فاعلن فعَلْ .... مستفعلن فاعلن فعولن
مستفعلن فاعلن فعَلْ .... مستفعلن فاعلن فعَلْ
ثم عاد (ص467) فأدرج قالبه الرئيس مع المنسرح هكذا:
مستفعلن مفعولاتُ فعْلن.... مستفعلن مفعولاتُ فعْلن
كما أدرج معه أيضاً (ص630) قالبه التالي:
مستفعلن مفعولاتُ فعْلن .... مستفعلن مفعولاتُ فعْلْ
وهي جميعها من قوالب المخلّع الأحد عشرة عندنا.
* * *
أما قولي: " وليس في ذلك خروج إلى صفة البحر الكامل، وإن تشابهت الصفات، ذلك أن (مستفعلن) هنا كثيراً ما ترد على (متفعلن) أو (مستعلن) بل و(متَعِلن)، ولكنها لا ترد مطلقاً على (متَفاعلن) بتحريك التاء". فكان مقصوداً به نفْيُ خروج المخلع إلى صفة البحر الكامل بمجرد مجيء (مفعولاتُ) فيه على (فعِلاتُ)، إذْ لو كان ذلك صحيحاً لأمكن مجيء (مستفعلن) فيه على (متَفاعلن)، وهذا لا ورودَ له.
فإذا كانت الصورة (مستفعلن فعِلاتُ فعْلن) تشبه صفة الكامل، فإن (متفعلن فعِلاتُ فعْلن) أو(مستعلن فعِلاتُ فعْلن) أو (متَعِلن فعِلاتُ فعْلن) لا تمتّ إلى الكامل (إلا من الناحية النظرية العروضية).
هذا والله أعلم
أستاذي وأخي الكريم د. عمر خلوف
شكرا لك
أجد قولك ( والله أعلم ) ممثلا لتواضعك.
وما قدمته وجيه بل وجيه جدا ولكني أجد الجزم المطلق صعبا.
لعل في الأرقام دون المسميات ما يساعد على تضييق بعض هذه الفجوة.
حفظك الله ورعاك.
وإلى لقاء في باب آخر قريبا بإذن الله.
أخي د. عمر خلوف
جد لي بعد ردي السابق ما نشرته مستقلا على هذا الرابط.
http://www.arood.com/vb/showthread.p...=2504#post2504
كلي ثقة أن هذه المشاركة ستكون مناسبة لتغدق علينا من فضلك وعلمك وكرمك الكثير.
والله يرعاك.
http://www.alfaseeh.com/vb/showthrea...114#post290114
الأستاذة الفاضلة مريم الجزائر
4 3 4 3 2 3 ..... 4 3 4 3 3 2
خطأ فيه الخير جمعت السريع في الصدر مع الرجز في العجز. وما جعله مقبولا لديك مرده أن أصل كل من :
2 3 = 2 1 2 وأصلها 2 2 2
3 2 = 1 2 2 وأصلها 2 2 2
هنا تجمعين الرقمي والتفاعيل
ليتك تضيفين بضعة ابيات
قد كان لي بالأمس في دارنا .. هرٌّ ظريفٌ فروهُ جميلُيرعاك الله
وكان دوما عندما نبتغي ... أن يتبع الدجاج لا يحولُ
السّلام عليكم أيّها الأستاذ الكريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم
ألم أقل أنّي ضعتُ بين التّفاعيل و الرّقميّ؟؟
أصبحت بهويّتين أو قل قناعَين.
سأحاول إكمال المسيرة .. هنا .. أو .. هناك ؟؟؟
الله أعلم.
أستاذتي
لم أشأ أن أجيب هناك تجنبا لحساسيات أهل التفاعيل
لكن رأيي هو التالي
1- من درس التفاعيل ابتداء وقفت حدودها لاحقا في وجه استيعابه لشمولية الرقمي
2 - من درس الرقمي أولا ثم انتقل للتفاعيل فهمها في عشر الوقت أو أقل فيما لو درسها قبل الرقمي . بل لن يجد فيها جديدا سوى المصطلحات وتسمية الشيء الواحد عدة أسماء، وسيشفق على الجهد المبذول في فهم الشيء الواحد عدة مرات لاختلاف تسميته من مكان لآخر في حين أن ذاته واحدة.
والأمر لك . والله يرعاك.
أنا من الصّنف الأوّل ، و لا أملك حلاّ لمشكلتي.
جزاكم الله خيرا على صبركم ورعايتكم طلاّبكم .
أعانك الله.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مريم الجزائر
هذا النظم لا يجوز في الشعر، فلا نتجاوز في الشعر ما أجازه الخليل.تشرّفتُ بردّك أستاذي الكريـــــــــــــــــــــــــم
لكن هل يُقبل مثل هذا النّظم من تلميذة صغيرة مثلي؟
بعد قليل سيهجم العروضيّون عليّ ، (مع احترامي الشّديد لكلّ من يشتغل بالعروض) ، غير أنّي سأحاول، فأنا من دعاة التّجديد.
وإن نظمت عليه واستسيغ أولم يستسغ فهو من ( الموزون )
قولك :"لكن هل يُقبل مثل هذا النّظم من تلميذة صغيرة مثلي؟"
تشكرين عليه ويعد بأن تكوني أستاذة كبيرة.
ولو رجعت لما تطالعنا به مشاركات أدباء كبار بما يدعونه ( بحورا جديدة ) دونما عناء للبحث عن صلتها بعروض الخليل لعرفت أنك تستحقين التقدير لتساؤلك المتقدم.
4 3 بالتفاعيل عندما تتحول إلى 2 3 = مستفعلن أصابها القطع والطي
4 3 بالتفاعيل عندما تتحول إلى 3 2 = مستفعلن أصابها القطع والخبن
ولكن 2 3 في السريع = مفْعُلا من مفعولاتُ
ولنا بتفكيرنا الرقمي أن نزعم أن 3 2 في الرجز = معولا من مفعولاتُ
لاحظي قدر التشويش والاختلاف الناشئ من حدود التفاعيل ومصطلحاتها الأمر الذي لا وجود له عندما نتعامل مع الجوهر بالأرقام.
وفقك الله
سأنظم أبياتا ، أضعها وهناك أيضا وليكن ما يكون.
أمرك أستاذي الفاضل
قد كان لي بالأمس في دارنا = هرٌّ ظــــــــــريفٌ فروهُ جــــــميـلُ
وكان دوما عندما نبتغــــــــي = أن يتـــبع الدّجـــــــاج لا يـحــول
وصار يشــــدو رافـــــعا صوته: = أنا البديـــع المـــــــاهرُ النّحيـلُ
في الخُمِّ يزهـــــو ناثرًا فَرْوَهُ : = مثلي أنا في الحُسن لا مثيـلُ
لوني كلونِ الصّبحِ إذ ينجلي = عن ظُلمة اللّيلِ الّذي يطــــــولُ
التعديل الأخير تم بواسطة ((زينب هداية)) ; 11-18-2008 الساعة 07:15 PM
أرى شبها ما بين هذا وبين تجديد لأحمد مطر
http://arud.jeeran.com/67-awzan-jadeedah.htm
لقد قرأت المقال بأكمله ، ولديّ سؤال :
كتـمَ اللّيـلُ هَمَّــهُ وهَمَّـهُ أن أُعانـي
ك1 تملْ3 لي2 لهمْ3 مهو3 .. وهمْ 3مهو 3 أن2 أعا3 ني2 .
ألا تجدُ ثقلا في التقاء الأوتاد هنا ؟
شكر الله لك ، أستاذنا الكريم.
ما رأيكم ، أستاذي الفاضل في ردّ الدّكتور عمر خلوف على أبياتي؟
معذرة أستاذتي فما رأيت هذا إلا التو
بحثت عن رد د. خلوف في الفصيح فلم أهتد إليه . ليتك تنقلينه أو تضعين رابطه هنا
لكني أرى الموضوع التالي ذا علاقة بموضوع أبياتك.
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=45507
يرعاك الله.
تحية للدكتور خلوف ولأستاذنا خشان خشان على جهودهما وعلمهما وأدام الله ظلّكما علما وخيرا
جاء في تعليقي أن معلاتُ = 1 1 2 1 تأتي على قلة . الصواب كما تبين لي لي لاحقا أن بين سببي مفعولاتُ (جزا - معاقبة ) وليس ( جزك - مكانفة )المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ;2482
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
المفضلات