الشمولية
في مجال الفكر يقال إن فلانا ذو تفكير شمولي إذا كان ينطلق في نظرته للأشياء والأمور كافة من القناعة المسبقة بأن لا فوضى في هذا الكون وأنه بجميع ما فيه من خلائق وما يتم فيه من أمور يسير وفق نظام محكم هو سنة الخالق سبحانه وتعالى.
وعندما يتعلق الأمر بناحية معرفية معينة فإن قناعة الشخص بوجود سنّة شاملة تحكمها سواء أدرك أبعادها أو لم يدركها تجعله ذا تفكير شمولي. ولا يعدوالأمر أن يكون في أحد اتجاهين أو هما معا : إدراك الشمولية ثم تفسير الجزئيات على أساسها، أو إدراك الجزئيات ودراستها على أساس أنها أجزاء أو مظاهر لشمولية تأطرها، والسعي من خلال تجميعها ودراسة خصائصها ووشائجها إلى الوصول إلى تلك الشمولية.
والعروض لا يشذ عن هذا السياق، والشمولية فيه ذات بعدين :
الأولى فيما يخص أوزان الشعر، حيث يكشف الرقمي عن وجود برنامج أشبه ما يكون بالرياضي يكشف قوانين وضوابط ومحددات أشبه ما تكون بالرياضية، هذا البرنامج أودعه الله الوجدان العربي وتجلى في ذائقته التي أنشد عليها شعره قبل أن يعرف العروض، وجاء الخليل بعبقريته الفذة ليكتشف هذا البرنامج بشموليته ثم ليصوغه تسهيلا للفهم على جزئيات اصطلاحية توصيفية كأدوات تحدد مواقع المقاطع من أسباب وأوتاد. شغل الناس بالأدوات عن منهج الخليل، وما لبثت أن أصبحت حدودها الاصطلاحية حدودا إسمنتية تصوغ التفكير على مقاسها التجزيئي فانقلبت من أدوات من شأن ربطها بمنهج الخليل أن يظهر عبقرية الخليل في المنهج والتوصيف إلى وبال طمس فكر الخليل وأضر بعقول العروضيين ومنهم كبارهم فلم يدرك بعضهم وحدة الحكم في الظاهرة ذاتها لاختلاف صيغ التفاعيل، وراح بعضهم يصفّ التفاعيل جنبا إلى جنب ( على عماها - خبط عشواء ) متصورا أنه يبدع بحورا مستعملا تفاعيل الخليل لهدم منهجه.
ومن رائع ما يتعلق بما تقدم قول الأستاذ يقول الأستاذ ميشيل أديب في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:"
وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية التي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّة الرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ. "
أما المواضيع التي تتناول التوصيف الشامل للذائقة العربية في مجال وزن كما أبدع الخليل صياغتها فهي
1- ساعة البحور
2- القواعد العامة للعروض العربي ( محصورة ومرقمة )
3- التخاب ( بعد فهم أن الخبب إيقاع مستقل )
4- الاستئثار
5- هرم الأوزان
والمظهر التطبيقي الآخر للشمولية خارج مجال وزن الشعر من خلال التوصيف الرقمي له أبواب كثيرة بعضها على الرابط الذي ذكرته أستاذتي إباء أعلاه
http://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/lematha
حسب ما ورد في التقديم والتفصيل يصح أن نقول إن للعروض الرقمي رسالة قوامها عرض مثال على التفكير الشامل في مجال وزن الشعر شأن من يأخذ بها في العروض أن يكون أهلا للأخذ بها في سواه مما هو أهم وأخطر.التفكير الذي لا يهمل الجزئيات ولكنه لا يتركها تضوغ له تفكيره الذي يتوجه به دوما إلى استجلاء القواعد والغايات الكلية التي من شأن إدراكها فهم التفاصيل كتحصيل حاصل، والنجاة من الغرق في تفاصيلها، الغرق الذي يحيق بالفكر في كل مقاربة جزئية لا تتوخى وجود مفهوم كلي يشمل الجزء، مفهوم تدركه أو تسعى إلى إدراكه.
وسأعود لهذه المشاركة معدلا بالتنقيح وبعض التفصيل والروابط بإذن الله .
المفضلات