http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...0825300645.htm

زعم في غير محله!
محمد أحمد الحساني
مستفعلن فاعل فعول
مسائل كلها فضول
قد كان شعر الورى صحيحا
من قبل أن يخلق الخليل
كان هذان البيتان من الشعر زعما نثره شاعر معاصر لواضع علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي، لم يعجبه تصدي الفراهيدي لهذا العلم وتجشمه عناء تجميع بحوره وتنميقها وتبسيطها وتدوينها ليقرأها من يجيء من بعده وقد دخل بعمله وعلمه ذاك التاريخ العربي من أوسع أبوابه ومع ذلك كله، فإن قول الشاعر الناقد:
قد كان شعر الورى صحيحا
من قبل أن يخلق الخليل
هذا القول صحيح بصفة عامة، ولكن شعر الورى في زمن الخليل ومن كان قبله ابتداء من الشعر الجاهلي، وما كان منه في صدر الإسلام أو في بداية العهد الأموي، كل ذلك الشعر كان صحيحا وموزونا على «السليقة» ولم يكن شعراء تلك العصور يحتاجون إلى علم العروض لوزن أشعارهم عليها أو حتى النحو الذي وضعه أبو الأسود الدؤلي وأصله من بعده تلميذه سيبويه، لأنهم كانوا أصحاب فصاحة وسليقة، ولكن مع قيام الفتوحات ودخول الناس في دين الله أفواجا وتعريب الإسلام لأتباعه من الأمم الأخرى ومجيء من أصبحوا يسمون في تاريخ الأدب العربي «بالمولدين»، فإن شعر الورى من بعد الخليل لم يعد صحيحا كما كان صحيحا من قبل أن يخلق الخليل!.
ولذلك فقد خدم هذا العبقري الشعر والشعراء الذين جاءوا بعده خدمة جلى بوضعه علم العروض وجعله على عدة بحور أصبحت كلها معروفة ومدروسة، ولكن ما ينبغي الإشارة إليه والتأكيد عليه أن حفظ وإجادة علم العروض لا يمكن أن تصنع شاعرا، لأن الشعر موهبة ولو أراد دارس لعلم العروض أن يصبح شاعرا دون موهبة، فإنه يصبح مجرد ناظم وما يقوله من أبيات موزونة، إنما هي نظم بارد لا أكثر ولا أقل، وهناك شعراء معاصرون قلة لم يدرسوا علم العروض ومع ذلك فإن شعرهم موزون ليس فيه خطأ عروضي واحد، وهؤلاء يمكن اعتبارهم من «البقية» من الورى من أصحاب الشعر الصحيح الموزون على السليقة من قبل أن يخلق الخليل ومن بعد خلقه وفنائه فهم البقية الباقية التي لا حاجة لها إلى أوزان الخليل، أما ما عداهم فهم بحاجة إلى تلك الأوزان، سواء كانوا شعراء موهوبين أم ناظمين، ولذلك فإن من المؤكد أن بحور الشعر لم تكن مسائل كلها فضول على الرغم من أنف ذلك الشاعر البهلول؟!