هذه القصيدة ، هي مقطع من مجموعة مقاطع ، من مجموعته ( آخر الليل / 1967/ الاعمال الكاملة م 1 / ص 237 – 238 ) ، وقد سلك نفس المسلك ، في قصيدة سابقة في نفس المجموعة ، هي قصيدة (لا تنامي حبيبتي . ص 181 – 183) ، لكنه لم يذيل جميع أعاريض القصيدة ، واكتفى بمقطع صغير منها ( 4 ابيات وشطر ختامي) .
نتابع مع هذا المقطع (الموعد) ، فقد جاء موزونا على مجزوء الخفيف ، لكنه التزم التذييل في الصدور ، على خلاف المعروف ، فالتذييل يكون في الضروب وليس في الأعاريض ، وقد التزم الشاعر في الاعاريض ( فاعِلاتُنْ مُتَفْعِلانْ ) وفي الضرب ( فاعلاتُنْ مُتَفْعِلُنْ)، اضافة الى زيادة شطر في الجزء الأول من المقطع :
لَـمْ تَزَلْ شُرْفَةٌ هُناكْ
فـي بِلادي مُلَوِّحَهْ
وَيَدٌ تَـمْنَحُ الْـمَلاكْ
أُغْنِياتٍ وَأَجْنِحَهْ
اَلْعَصافيرُ أَمْ صَداكْ
أَمْ مَواعيدُ مُفْرِحَهْ
قَتَلَتْني .. لِكَيْ أَراكْ
**
وَطَني حُبُّنا هَلاكْ
وَالْأَغانـي مُـجَرَّحَهْ
كُلَّمـا جاءَنـي نِداكْ
هَجَرَ الْقَلْبُ مَطْرَحَهْ
وَتَلاقى عَلى رُباكْ
بِالْـجُروحِ الْـمُفَتِّحَهْ
لا تَلُمْني فَفـي ثَراكْ
أَصْبَحَ الْـحُبُّ مَذْبَحَهْ
نكتفي بتقطيع البيت الاول :
لَـمْ تَزَلْ شُرْفَةٌ هُناكْ
×>××|>×>×<
فاعِلاتُنْ/مُتَفْعِلانْ
فـي بِلادي مُلَوِّحَهْ
×>××|>×>×
فاعِلاتُنْ/مُتَفْعِلُنْ
كما هو واضح ، زيادة شطر في القسم الأول من المقطع (قَتَلَتْني .. لِكَيْ أَراكْ) ، وهنا لا بد من التوقف قليلا مع هذا الشكل ، ومحاولة الشاعر اضافة شكل لمجزوء الخفيف ، كما نرى، فقد التزم التذييل في الصدور على طول القصيدة ، دون تصريع ، فالمقطع غير مصرع في قسميه ، وقد دار نقاش بيني وبين زملاء لي على الشبكة العنكبوتية ، حيث ادعى طالب جامعي سعودي ، واسمه هيثم اللحياني ، استحداث بحر جديد ، سابع عشر ، باضافة سبب خفيف في بداية فاعلاتن –الرمل- ، وندع النقاش والتفصيل ، فمما نظم عليه :
وجع بروحي سال نزفا من جروحي
برماح غدرٍ أرديت والطيب ذنبي
فبدأ لعقلي بعض أمرٍ كان خاف
ورأيت حتما واجبا تغيير قلبي
ان هكذا أبقى نقيا ذا وفاء
باقٍ زماني جاهدا يسعى لحربي
(عروض البيت الثاني يجب ان تكون خافيا، لانها خبر كان، وقد اشار زميلي خشان لها في تعقيبه في منتدى العروض الرقمي)
وكما هو واضح ان لا جديد هنا سوى ترفيل العروض في الكامل ، فما ظنه الطالب جديدا ، لم يكن غير تحويل الرمل الى الكامل وترفيل عروضه وضربه .
هنا الخبر في صحيفة عكاظ السعودية على الرابط التالي:
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/2006...6113067103.htm
وهنا في موقع العروض الرقمي مع مناقشة عدد من الزملاء:
http://arood.com/vb/showthread.php?t=1005
وكان ردي عليه وعلى الموضوع المطروح ، كالاتي:
(تحية طيبة للجميع
بداية أحيي من نقل الموضوع الى هنا ، وأقول للأخ ( المخترع) إنك يا أخي لم تخترع شيئا ، والزيادة التي قلتَ إنك زدتها ، ما كنت ستفعل ذلك لو نظرت الدائرة الثانية من دوائر الخليل (المؤتلف) ، ذلك أن ما قمت به موجود فيها ، والدائرة تشتمل على الوافر والكامل والمتوافر ، وهذا الثالث ، وزن مهمل ، وهو عينه الرمل لكن ينتهي بسبب ثقيل ، وهو نفس السبب الذي يبدأ به الكامل ، ويتوسط الوافر ، وفي الكامل والوافر يقبل هذا السبب التسكين فيتحول الى سبب خفيف ، وكذلك يسكن في اخر الرمل .
أنت أخي لم تفعل شيئا ذا بال ولم تأت بجديد ، ذلك أنك توهمت انك تزيد على الرمل سببا ثقيلا ، ولو دققت لوجدته نفس السبب في دائرة المؤتلف ( متفاعلن متفاعلن متفاعلن ). ان بدأت من الوتد المجموع (علن ) ستجد الوافر ( علن متفا علن متفا علن متفا / مفاعَلَتُنْ مفاعَلَتُنْ مفاعَلَتُنْ ) . وان بدأت من السبب الخفيف فأنت في المتوفر المهمل ( فا علن متَ فاعلن متَ فاعلن مُتَ / فاعلاتُكَ فاعلاتُكَ فاعِلاتُكَ ). هذا المتوفر بتسكين الكاف فانه الرمل .
الفرق الوحيد بين الدائرة الثانية - المؤتلف - والثالثة - المجتلب - التي تشتمل على الرجز والرمل والهزج ، هو تحول الاسباب الثقيلة في الاولى الى اسباب خفيفة في الثانية ؛ وفي الثانية يستعمل وزنان ، وفي الثالثة تستعمل الاوزان الثلاثة ، وهذا ربما يحفزنا للبحث في سبب عدم اقرار المتوافر رغم أن هناك أشعارا عليه ، وهو مقابل للرمل ، كما الكامل مقابل للرجز ، والوافر مقابل للهزج .
الان ، أخي الكريم ، أنت لم تفعل شيئا ذا بال كما قلنا ، لان وزنك ببساطة هو الكامل المرفل صدرا وعجزا ، وهذا الفعل مارسناه منذ ثلاثة عشر عاما ، بالضبط كما هو عندك بلا زيادة ولا نقصان .
وهذه قصيدتي بعنوان ( غربة) من مجموعتي الشعرية ( جنة الأرض أنت ) والتي صدرت في / تشرين أول 1997 .
تَتَبَعْثَرُ الْأَحْلامُ واضِحَةَ الْغُموضِ
وَتُسافِرُ الْكَلِماتُ غامِضَةَ الْوُضوحِ
وَيُعاوِدُ الْإِصْباحُ سارِحَةَ الشُّروقِ
وَتُسافِحُ الْأَوْهامُ واهِمَةَ السُّفوحِ
وَتُـجَرِّحُ اللَّمَساتُ هامِسَةَ الثُّغورِ
وَتُلامِسُ الْـهَمَساتِ فـي ثَغْرٍ جَريحِ
وَصَبوحَةُ الْقُبُلاتِ عانَقَها حُضوري
فَاسْتَحْضَرَتْ قُبَلَ الْـمُعانِقِ بِالصَّبوحِ
عَزَفَتْ عَلى وَتَرِ الْـهَوى لَـحْنًا جَريـحًا
فَهَوى الْـهَوى مُتَعَثِّرًا بادي الْقُروحِ
وَالتِّيهُ يَرْتَـحِلُ الْـمَدينَةَ صَوْبَ لَيْلٍ
وَدَليلُهُ تيهٌ تُقَطِّرُهُ جُروحي
يَسْعى لَـها وَبِها غَريبًا رَغْمَ صَوْتـي
بِفَمِ الْـمَدينَةِ مُزْهِرًا عَبِقَ السُّنوحِ
وَمَدى الْـمَدينَةِ بِالْـمُدى مَدَّتْهُ لَيْلى
وَفَضا الْـمَدينَةِ فُضَّ عَنْ أُفْقٍ ذَبيحِ
فَتَساقَطَتْ سودُ الْـجَوارِحِ وَالسَّوافـي
يا قُبْلَةَ الْاِعْدامِ فـي الْغَضِّ الْـجَموحِ
لا تَسْكُبي خَمْرَ الْـحُضورِ عَلى غِيابـي
حَتَّى أُغَيِّبَ عَنْ حُضورِكِ خَـمْرَ روحي
إن ما قمت به أنا في قصيدتي، كان مجرد تجريب لا أكثر ، ولم أعتبره شكلا جديدا للكامل ، بينما الطالب السعودي ، وبعد ثلاثة عشر عاما ، يخرج بنفس الوزن والايقاع مدعيا اكتشاف جديد .
هذا الامر يدفعنا للتدقيق في التجريب الذي مارسه محمود درويش في قصيدته ، وهل يمكن اعتباره شكلا جديدا يضاف الى أشكال الخفيف؟ ، كون الشاعر التزم بتذييل العروض على طول القصيدة ، أي أنه لم يكن عفو الخاطر ، بل متعمدا من قبل الشاعر.
وقد زاوج الشاعر أحمد مطر ،بين مجزوء الخفيف والمجتث ، فانتج وزنا جديدا ، لان الثاني مقلوب الاول ، وقد أجاب على سؤال بهذا الصدد ، فقال :
{كتبت قصيدة " ميلاد الموت " في اليوم الأخير من سنة 1980، على وزن زاوجت فيه بين " مجزوء الخفيف " و " المجتث " وهو معكوس الأول .
وعندما شرعت في الكتابة لم أكن قاصداً إلى ابتكار هذه النغمة، بل كنت أكتب بتوافق موسيقي عفوي، لم أشعر في أثنائه بأي خروج على البحور المألوفة، فلمّا اكتشفت ذلك بعد كتابة البيت الخامس عشر، لم أتوقف، بل مضيت حتى نهاية القصيدة، ممعناً في استمطار هذه النغمة للتعبير عن حالتي النفسية في ليلة رأس السنة الجديدة، حيث عنائي من مرارة الوحدة .
وبعد إتمامها تأملتها، فوجدت في اجتماع "مجزوء الخفيف" و"المجتث" إمكانية لاحتواء الشعر بتلقائية، مما يضيف قالباً جديداً لتفاعيل الأبيات مبنياً على التخالف بين الصدر والعجز، على عكس التوافق في البحور المعروفة، فهو:
( فاعلاتن مستفعلن .. مستفعلن فاعلاتن ) .
وقد أشرت عند نشرها في الأسبوع الأول من سنة 1981، إلى أنه نظراً لتركيبة التفاعيل في هذا البحر، لا يمكن للشاعر أن يقفّي الصدر والعجز معاً، وذلك لاختلاف تفعيلة "الضرب" عن تفعيلة "العروض"، كما يستحب أن يصيب "الخبن" تفعيلة "مستفعلن" لتكون "مفاعلن"، فذلك يُطرّي النغمة أكثر بحيث لا يحسّ القارئ وقوفاً أو حِدّة في البيت .
ثمّ إنني أسلمت الأمر، بعد هذا، لمقدار قبول أذن القارئ لموسيقى هذه التركيبة، وتركت الحكم للمختصين، فكان الأستاذ الدكتور عبده بدوي أوّل المبادرين إلى عرضها والإشادة بها في مجلة (الشعر) المصرية .
وإليك المقطع الأخير منها :
أهـوَ الحـبُّ أن أرى مَنيـّتي في الأماني ؟
كتـمَ الليـلُ هَمَّــهُ وهَمَّـهُ أن أُعانـي
ومضى دونَ بضـعةٍ مِن لونهِ في كيانـي
تتهـجّى وصيَّـتـي قبلَ انتهاء الثوانـي :
رَقصَتْ ساعة الرّدى إذ التقـى العقـربانِ
وذَوَتْ زهرةُ الصِّـبا في القلبِ قبلَ الأوانِ
يافـتاتـي .. فرحمةً بالأمنيـاتِ الحسـانِ
لم تَعُـد دوحةُ المنى معروشـةً بالأمـانِ
وبِحـاري تَرنَّـقتْ فجـرّبي قلبَ ثـانِ .}.
نعود الى محمود درويش ، ونذكر المقطع الاخر السابق الذي سلك فيه تذييل العروض ، وهو كما قلنا من قصيدة ( لا تنامي حبيبتي/مجموعة : آخر الليل 1967 / الاعمال الكاملة م 1 ص 181 – 183 )
خَلْفَ شُبَّاكِنا نَهارْ
وَذِراعٌ مِنَ الرَّضا
عِنْدَما لَفَّني وَطارْ
خِلْتُ أَنِّي فَراشَةٌ
فـي قَناديلَ جُلَّنارْ
وَشِفاهٌ مِنَ النَّدى
حاوَرَتْني بِلا حِوارْ
لا تَنامي .. حَبيبَتي
خَلْفَ شُبَّاكِنا نَهارْ
وهنا لا بد من طرح السؤال التالي ، ما الذي يمنع اعتبار قصيدة درويش ، شكلا جديدا يضاف الى أشكال الخفيف؟
أشير الى أن وزن احمد مطر الجديد ، قد حالت ظروف دون ادراجه في كتابي ، العروض الزاخر واحتمالات الدوائر ، يوم صدر ، وربما تيسر لي طباعته طبعة ثانية منقحة أكثر ، سأتمكن من اضافته ، مع وزن محود درويش.
* النص هنا جزء من بحثنا في الايقاع الشعري لدى محمود درويش .