أعيد نشر مشاركة أستاذي محمد ب . بعنوان مستقل بناء على رغبته


تعليق على الموضوع:

http://www.arood.com/vb/showthread.php?threadid=496

لا شك أن هذا الجهد الاستقصائي يحمد عليه المؤلف:
وأعجبني من جملة أسباب الأخطاء اللغوية ما أسماه "بالتفاصح".
وكان الفقير لله دوماً ممن يرون نصب الجسور وليس قطعها مع العاميات العربية عبر أخذ ما فيها من مادة لغوية عربية وتعابير دقيقة وتفصيحها بمعنى إدماجها في بنية الفصحى وهذا أولى مما فعله العرب في عصرنا الحديث حين عربت التعابير الأجنبية-ولا سيما الإنجليزية والفرنسية منها- بحيث أنك لو قلت لكل تعبير وكلمة جديدة: عودي إلى بلدك ما تمكنا من كتابة جملة أو لم نكد!
يبقى أن الأخطاء هي حقاً أسشوأ بعد بكثير مما أشاره إليه الدكتور فالأخطاء الآن ما عادت لغوية-ليتها ظلت كذلك- بل صارت تخص المنطق ذاته!
فهم يرتكبون أخطاء لا يرتكبها المرء في العامية وخذوا هذا المثال: العامي حين يستعمل الاسم الموصول يضع في جملة صلة الموصول ضميراً يعود على الاسم الموصول فهو يقول مثلاً: "هذه هي القصة اللي بدي أحكيلك إياها!" انظر ضمير "إياها".
أما المعتوهون الذين يظهرون في القنوات الفضائية ومنهم المذيعون ومنهم الفصحاء الذين يجرون لهم مقابلة فيقولون مثلاً.
"هذه هي المشكلة التي نحن منذ زمان نقول بضرورة الاهتمام بالأسرة"!
فتفرق الكلام وانتثرت حبات عقده يميناً وشمالاً وليس هذا خطأ لغوياً بل هو شر من ذلك: إنه خطأ في المخ والمنطق! وما من عامي ولا ناطق بأي لغة في العالم يقع فيه إلا أصحابنا المحدثون هؤلاء.
أما جعل الاسم الموصول يذكر ويؤنث وفقاً لما بعده وليس لما قبله فما أكثره:
"هذا هو الرئيس المحبوب التي سعدت بلادنا في عهده الميمون!"
وبالنسبة لذو وذي فلا دلالة لها عند قومنا فهم يذكرونها ويؤنثونها على التجلي وكما يتفق! وأما عن إعرابها فلا تسل فهذا فوق ما يطاق وتأمل في "الجملة" التالية:
"هذه القضية ليست ذو أهمية!"

وحين "يبتكر" معتوه من معتوهي القنوات الفضائية خطأ ما يسارع الجميع إلى تبنيه : استعمل أحدهم فعل "أطاح" بدون تعديته بالباء فصار الفعل "أطاح" متعدياً بنفسه عند الجميع: أطاح الانقلاب الحكومة!
وحين وضع واحد من المذيعين "ما" بدلاً من "مما" أو "الأمر الذي" صرت تسمع هذا "الابتكار" في كل محطة وتقرؤه في كل جريدة:
"رفضت الحكومة مطالب المعارضة ما أدخل البلد في أزمة دستورية".
القضية فيها استهتار وانعدام مسؤولية بلا شك ولأذكر هنا أن المذيعين قبل نصف قرن-أي في الجيل الذي سبقني- كان يطلب منهم إجادة العربية، بل كان منهم الفطاحل وتذكرون في إذاعة لندن مثلاً حسن الكرمي وبرنامجه البدييع "قول على قول" وفي سوريا المذيع الممتاز "يحيى الشهابي" وغيرهم كثير.
الآن صارت أي صبية فيها ملاحة أو عندها "واسطة" تستطيع أن تكون مذيعة وهي لا تتقن العربية ولا أي لغة أخرى ولا تتمتع بأي مؤهلات ومواهب غير الشكل أو "الواسطة" تؤهلها لشغل منصب المذيع.
لكن تبقى الحقيقة أسوأ من هذا حين نبحث في وضع الفصحى في مجتمعنا: من المؤسف أننا لا نحسن اللغة الفصحى وهذه حقيقة.
ولو درست القائمة من الأخطاء التي أتى بها الدكتور لوجدت فيها هذه المشكلة التي تحدثت عنها سابقاً وهي مشكلة التشكيل.
كانت الأجيال السابقة تعتني بتحفيظ الطفل القرآن الكريم وهذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه سجل للغة ولفظها.
ذهبت هذه العادة وصار الإنسان النشيط الذي لغته "جيدة" يعتمد على القراءة فقط ومنها يأخذ اللفظ، وحيث أن هذه الكتب غير مشكلة فقد صار يعتمد في التشكيل على حدس يصيب أحياناً ويخطئ أخرى والأخطاء كثيرة جداً!
بل العبد الفقير الذي يكتب الآن حين تأمل في قوله عز وجل-وهو مجرد مثال من أمثلة كثيرة للغاية): "اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم بما كانوا يكسبون" وقوله تعالى"لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" فقلت لنفسي: الثلاثي "كسب" إذن بفتح السين والمضارع "يكسب" بكسرها ولو تركت على السليقة ربما لقلت إن كسب بفتح السين في الماضي والمضارع!
وهذا ما يواجهنا نحن المقيمين في الخارج حين نعلم الأجانب اللغة العربية.
ومن المخجل أن ترى القواميس المتقنة الميسرة الاستعمال مع الشروع العديدة القواعدية والاشتقاقية التي وضعها القوم للغتهم!
هناك تقصير هائل وقد اقترحت العودة إلى مبدأ التشكيل على الأقل لجيلين مقبلين!
ومن المشاكل الكبيرة اعتقادنا المخطئ أن الفصحى هي لفتنا الأم لا نحتاج إلى تعلمها!
وهذا الاعتقاد هو الذي يعزز الكسل ويبرد الهمة للتعلم. وفي الحقيقة الفصحى ليست لغتنا الأم بل هي لغة شقيقة لها ولغتنا الأم حقاً التي ننطقها تلقائياً هي العامية وهي تختلف اختلافات مهمة تفسر الأخطاء ما دام التعلم محدوداً. فالعامية غير معربة وهي تختلف عن الفصحى في كثير من الصيغ القواعدية (مثلاً اختفاء المبني للمجهول والاستعاضة عنه بصيغ من نوع "انفعل").
فيا ليتنا وضعنا في رأسنا أن هذه الفصحى لغة القرآن لغة أجنبية كما هي عند التركي والفارسي، إذن لاجتهدنا في تعلمها ونطقها بشكل صحيح كما نفعل في الإنجليزية والفرنسية! هل يخطئ التونسي والمغربي والجزائري في الفرنسية التي هي عندهم إلى حد كبير لغة التعليم مع الأسف؟ طيب يا جماعة احسبوا هذه الفصحى لغة أجنبية!