تتلاقى نظرية مصطفى حركات مع نظرية عمر خلوف في مجمل مفاصلها سأقدم عرض مختصر لها وأرجو من أساتذة الرقمي التعليق على هذا التشابه الكبير .
تأتي دراسة الدكتور مصطفى حركات كمحاولة رائدة في وضع قواعد تساعد على تقطيع البيت الشعري ، ومعرفة بحره لكل من أراد ذلك حتى ، وإن لم يمتلك الأذن الشعرية والمعرفة الكاملة بعلم العروض (فالنموذج الخليلي نموذج مولد قبل كل شيء ،فهو يحاول إنشاء سلاسل وزنيّة يقبلها الشعر، لكن لا يهتم بتحليل تلك الأوزان )(1) والعروضيون لم يهملوا هذا الجانب لكن جهودهم جاءت غير مُقننة في مجملها ، والمرحلة الوحيدة التي حددت فيها بعض القواعد هي في الانتقال من الكتابة العادية الى الكتابة العروضيّة ثم الأنتقال الى سلسلة السواكن ، والمتحركات ،أما الانتقال الى مستوى الشطر ، والبيت فجاء حله النظري بتجريب كل الأوزان حتى نصل الى غايتنا ، وهذه العملية صعبة جدا لمن لا يملك الأذن الشعرية نتيجة لكثرة عدد السلاسل الوزنيّة (2) فيتطلب تقطيع البيت في هذه الحالة معرفة البيت مسبقا ؛ لذلك أنشأ مصطفى حركات نموذجا تحليليا لم يخرج عن مبادئ علم الخليل بإمكانه الوصول الى وزن البيت عن طريق الانتقال من سلسلة من السواكن ، والمتحركات الى سلسلة من الأسباب ، والأوتاد ، ثم الى جملة من التفاعيل تمكننا من معرفة البحر، فيكون هذا النموذج عكسيا لنموذج الخليل أي أنه ينطلق من الواقع الشعري الى بحور الخليل (3) وسنقدم عرضا لمبادئ , وقواعد هذه الطريقة مع نماذج تطبيقيّة وهذه المبادئ والقواعد هي :
1- تحديد الأسباب ،والأوتاد
والقاعدة في هذه النقطة أن الساكن علامة على نهاية الوحدات ، وتُجسد هذه القاعدة بخوارزمية : بعد كل ساكن ضع علامة على نهاية وحدة (4) أما الوتد المفروق فيُفضل عليه الوتد المجموع في المراحل الأولى من التحليل ، فتضاف قاعده أخرى تحت هذه النقطة وهي تفضيل الوتد المجموع على المفروق في مراحل التحليل الأولى ( 5) كما وسع الدكتور مفهوم السبب ليكون كالتالي :
السبب الخفيف : متحرك + ساكن = س = 01
السبب الثقيل : متحركان = س- = 11
السبب المُزاحف : متحرك = س = 1 ( 6)
2- تقنين الوحدات المنتهية بساكن :
بعد وضعنا علامة بعد كل ساكن ستنتج لنا أربع وحدات والتي أسماها (الأقطار) وهي :
أ‌- القطر الثنائي: متكون من متحرك يتلوه ساكن (01)
ب‌- القطر الثلاثي : متكون من متحركين يتلوهما ساكن (011)
ت‌- القطر الرباعي : متكون من ثلاث متحركات يتلوها ساكن (0111)
ث‌- القطر الخماسي : يتكون من أربع متحركات يتلوها ساكن (01111)
والتحليلات الممكنة لهذه الأقطار :
القطر الثنائي = سبب س (01)
القطر الثلاثي = وتد و (011) أو سببان أولها مزاحف (1/01) س+س
القطر الرباعي = سببان ثقيل وخفيف س+س- (11/01) أو سبب مزاحف يتلوه وتد
س+و (1/011)
القطر الخماسي =سببان مزاحفان يليهما وتد (1/1/011)س +س +و ( 7)
ويلاحظ أن القطرين الثلاثي والرباعي يقبل كل واحد منهما تحليلين ، ومن أجل جعل كل قطر منهما يقتصر على تحليل ، واحد يجب أن نلجأ الى القاعدة الأخر ى - قاعدة جوار الأسباب ، والأوتاد :
وتتمثل بعدم قبول : 1- وتدين متجاورين 2- ثلاثة أسباب متجاورة
وانطلاقا من هذه القاعدة ، والتقنين السابق للأقطار يكون تحديد الاسباب ،والأوتاد المرافقة لسلسلة وزنيّة كالآتي :
1- توضع علامة بعد كل ساكن
2- تقنن الأقطار ذات التحليل الأحادي أي الثنائيّة ، والخماسيّة
3- يختار بالنسبة للأقطار الأخرى التقنين المتلائم مع مبدأ تجاور الأسباب ،والأوتاد
كما في المثال الآتي :
أيّامُنا انهزمتْ كالموجِ طـــائــعةً وأصْبحتْ أثراً ينأى بلا طلــــــــلِ
0111011010101110110101 011101101010111011011
نضع علامة بعد كل ساكن ونقنن الأقطار الثنائّية:
0111/011/01/01/0111/011/01/01/ 0111/011/01/01/0111/011/011
س س س س س س
بالاستناد الى القواعد السابقة يكون كل قطر ثلاثي يسبقه ،أو يتبعه سبب هو وتد فلا نجعله سببا لأن ذلك يؤدي الى تجاور اكثر من سببين فيكون التقنين كالآتي :
0111/011/01/01/0111/011/01/01/ 0111/011/01/01/0111/011/011/
س س و س س و س س و
واستنادا على القواعد نفسها يتقرر أن الاقطار الرباعية المتبوعة ، أو المسبوقة بسببين لايمكن أن تكون سببين وإلاّ تجاور ثلاثة أسباب ، فهي إذن سبب مزاحف متبوع بوتد :
0111/011/01/01/011/1/011/01/01/
س س و س و س س و 0111/011/01/01/011/1/011/011
س و س س و


فنصل الى نتيجه نهائيّة :
س س و س و س س وس و س س و س و س س وس و ( 8)
4- مبدأ تجاور التفاعيل ( الجوار الدائري) :
لا تتجاور التفعيلتان في البيت الاّ إذا كان الوتد ذو رتب متجانسة أي في بداية التفعيلتين أو في نهايتهما أو في الرتبة الثانية ، ومن هذا المبدأ قرر الدكتور عدة قواعد :
أ‌- إذا ابتدأ البيت بوتد فأن كل التفاعيل تبتدأ بوتد .
ب‌- إذا كان البيت في الرتبة الثانيّة ، فأن كل التفاعيل تحمل الوتد في تلك الرتبة .
ت‌- إذا كان الوتد في الرتبة الثالثة ،فأن كل التفاعيل تحمل الوتد في نهايتها . ( 9)
5- الوتد المفروق :
إذا لم نتمكن من مراعاة قواعد تجاور الأسباب فأنا نلجا الى استعمال الوتد المفروق في التحليل كما هو موضح في المثال الآتي :
إنْ تناسيتُما ودادَ أنــــــــــــــاسٍ فاجْعلاني مِنْ بينِ مَنْ تَذكـــــرانِ
0101110110110101101 010110101101010101101
نلاحظ في الشطر الأول أن هناك قطران ثلاثيان يسبقهما ، ويتبعهما سبب ، وفي الشطر الثاني ثلاثة أقطار (أسباب) متجاورة ، ولمراعاة قواعد الجوار سيكون تحليل هاتين الفقرتين كالآتي :
1- 101/01/01 2- 01/101/1
س س و- س و- س ( 10)

- العلل ، والتقطيع :
إذا كانت التفعيلة ذات تعليم نهائي - أي الوتد في المرتبة الثالثة – وانتهت بـقطر ثنائي01))فأن هذا القطر وتد مقطوع ، أما إذا كان ذو تعليم وسطي وجاء آخره بهذا الشكل (010101 ) سيكون تقنينه كالتالي (01/01/01 ) = س وس أي دخل التشعيث على الوتد الوسطي .( 11)
7- استدراك الزحاف :
بالاستناد الى ماسبق من قواعد يمكن إرجاع الأسباب المُزاحفة الى أُصولها وبذلك نتمكن من إرجاع الوزن الى وضعه الأصلي ، ويكون الاستدراك في الأقطار الثلاثيّة التي تساوي سببين (01/1 ) وفي الأقطار الرباعيّة التي تساوي سببا متبوعا بوتد (011/1 ) ويجري الاستدراك بإضافة ساكن بعد الحرف الأول :
011 ← 0101 ، 0111 ←01101
ينتج من ذلك قاعدتان :
1- يضاف ساكن بعد الحرف الأول في كل قطر ثلاثي يحتل رتبة زوجيّة ابتداء من الأخير في السلسلة .. (011) (011) (011) (011) (011)
5 4 3 2 1
2- يضاف ساكن بعد الحرف الثاني من كل قطر رباعي لا يتلوه سلسلة من الأقطار الثلاثية مكونة من قطر واحد ، أو ثلاثة أقطار أو اي عدد فردي من الأقطار ( 12)
والشكل المبسط للقاعدتين السابقتين :
1- يضاف ساكن لكلّ قطر ثلاثي يتلوه قطر ثلاثي واحد
2- يضاف ساكن لكل قطر رباعي ماعدا الذي يتلوه قطر ثلاثي واحد ( 13)

مثال : وَدعْ هريرةَ إنّ الركبَ مُرتحـــــــــِلُ
0111/011/01/01/0111/011/01/01
يضاف ساكن بعد الحرف الثاني الى القطرين الرباعيين لأنهما غير مسبوقين بقطر ثلاثي :
0111 ← 01101 فيصبح الوزن :
011/01/011/01/01/011/01/011/01/01
مُسْتَفعلن فاعِلن مُسْتَفْعلن فاعلن ( 14)
8- الخبب والتقطيع :
إذا كان البيت مكوّن من أقطار ثنائية أو رباعيّة فهو من الخبب وتقنين وحداته خاضع لوزنه ( 15)


--------------
1) نظرية الوزن /184
2) ينظر : كتاب العروض (القصيدة العربية بين النظرية والواقع) /57
3) ينظر : نظرية الوزن /185
4) ينظر : نظرية الوزن /186
5) ينظر : نظرية الوزن /188
6) ينظر : قواعد الشعر /144 واستخدمنا هنا رموز الدكتور مصطفى حركات نفسها
7) ينظر :نظرية الوزن /189 ،و كتاب العروض /64 ، وقواعد الشعر /145-146
8) ينظر : نظرية الوزن /191 ، كتاب العروض /66 ، قواعد الشعر /146
9) ينظر : ينظر المصادر نفسها /192/ ، 66 ، 147
10) ينظر : المصادر نفسها /193-194 ، 67- 68 ، 147-148
11) ينظر : نظرية الوزن /197 ، كتاب العروض /69
12) ينظر: المصدران نفسهما /200 ، 72
13) ينظر : المصدران نفسهما /2001 ، 73
14) ينظر : نظرية الوزن /200 ، كتاب العروض /72
15) ينظر : نظرية الوزن /203/ ، كتاب العروض /75 ، قواعد الشعر /149