ليت كلا من المشاركين يتناول تقطيع بعض الأبيات الواردة في المقال على أن يرعى في ذلك التسلسل.


http://www.aldiyaronline.com/index.p...-details/78287


ان كتاب «تاريخ الزجل اللبناني» في صفحاته الستماية والستين (660) للمؤرخ والأديب الأستاذ انطوان الخويري، يُعدّ مرجعاً وثائقياً مهماً، لفن الشعر الزجلي الذي أحبه اللبنانيون وتعلقوا به تراثا فريدا يتمتع بخصوصية تميّز بها لبنان.
الزجل اللبناني، هو شعر وطني يحفظ تقاليد الشعب وذاكرة التاريخ. وهو في الحقيقة فنّ من أرقى فنون الفكر، هو للبنان كالرسم لايطاليا، والموسيقى لفرنسا وألمانيا. وهو تراث حضاري، يكاد يعادل الأبجدية وخلود الأرز.
فكل شاعر في لبنان هو فنان، يلاسن الروعة والجلال، ويحاسن البهاء والجمال، وهو يغزل الشعر، كما الورد يغزل البهجة من زهو اللون والنشوة من شميم العطر.
وكان يمكن حصر تسمية «الشعر الزجلي» بالقومي والشعبي والعامي فقط، ولكن قد ينبري احدهم ويسأل: وهل الشعر الفصيح ليس قوميا ولا شعبيا، وهو الذي يعبر ايضا عن احاسيس الناس ومعاناتهم وصدق مشاعرهم ويعالج قضايا الزمة ويصوّر احوال الشعب؟ ثم أليس هو شعر روعة وجمال عندما يطرق أبواب الغزل والمدح والهجاء والفخر والوطنية؟ فالجواب: الشعر هو الشعر. ولكن اللبنانيين تذوّقوا الشعر الزجليّ وتعلّقوا به تعلّقاً شديداً، ولذلك تراهم يتسابقون الى حضور حفلاته ومباريات التحدّي والمساجلات بالآلاف، في حين يقتصر حضورهم على العشرات في ندوات الشعر الفصيح، مع العلم بأن هذه الأخيرة تكون مجانية، فيما الأولى لها أثمانها!! مفارقة؟ أجل. ولكنها ليست غريبة. وهل الأولى تستهوي عامة الشعب، والثانية تستقطب النخبة؟ لا، ليس هذا صحيحاً، فعدد المثقفين من المحامين والقضاة والأدباء يكون في طليعة حضور حفلات الزجل قبل غيرهم. وهذا الامر لا يدعو الى الدهشة ولا الى الاستغراب، فالشعر الزجلي هو الأقرب الى النفوس والأحبّ الى القلوب، كونه يثير العواطف ويلهب المشاعر بصدق وعفوية، بقدر ما يخلق الوعي والحنين في الذاكرة والى الأصالة والجذور، فضلاً عن أنه يتميز بجمالية فنية ابداعية، ومواضيع فكرية عميقة تسكب غالبا في قوالب من المنطق والواقعية.
بدأ الشعر الزجليّ اللبنانيّ على ألسنة المسيحيين الذين جاءوا الى شمالي لبنان في القرن الخامس. وكانوا يتكلمون اللغة السريانية، وبعضهم اللغة العربية وإنما بلهجة هي مزيج من الفصحى والعامية. وبعدما استقروا في حضن تلك الطبيعة الجبلية الآسرة بروعة جمالها وبهائها وصفائها، واطمأنوا الى وجودهم متمتعين بحريتهم ومتمسكين بإيمانهم ومحافظين على كرامتهم، راحوا يتغنون بأناشيد مار افرام السرياني ومار يعقوب السروجي ومار بالاي، وغيرهم... التي طالما سمعوها وحفظوها واشتركوا في إنشادها وترنيمها في بيوتهم وكنائسهم وانطبعوا عليها...، وبدأوا ينظمون الشعر بلغة عربية ولهجة عامية على ألحان الأناشيد السريانية مقطّعا على اوزان حروف ووحدات تهجئة ومقاطع صوتية ذات انغام موسيقية، شبهها البعض فيما بعد بأوزان من الشعر الفصيح. لكن الشعر السرياني قام على اللحن والإنشاد، ولم يعرف القافية الا بعد انتشار اللغة العربية.
والشعر الزجلي لم يأت من الموشحات الأندلسية كما يدّعي البعض خطأ، وإنما جاء من الشعر السرياني القديم، ومن الموسيقى والالحان الكنسية السريانية وزنا وايقاعا. بدأ مع الراهب بَرْدَيْصان (154 - 224) الذي أبدع الاغاني والاناشيد السريانية على الايقاع والنغم والمقاطع اللفظية، وهو كان متأثراً بالموسيقى اليونانية وبارغا فيها الى حد أنه سمّى ابنه «هرمونيوس» نسبة الى «الهرموني»، ثم تبعه مار افرام (303) صاحب الثلاثماية الف منظومة شعرية، فمار يعقوب السروجي ومار بالاي وغيرهم من الشعراء السريان تلامذة كلّيتي: الرّها ونصّيبين في بلاد ما بين النهرين.
الأرجال الأندلسية
الأزجال الأندلسية التي هي نوع من الموشحات، ولكن بلهجة هجينة بين الفصحى والعامية، انتشرت فـي بعـض أنحاء الشرق، تحت أسماء مختلفة: ففـي الجزيـرة العربية والخليج عرفت بـ«الموشّح النبطي» وهو شعر بدويّ يرافقه عزف على الربابة. وفي اليمن بـ«الموشح الحميني». وفي الجزائر والمغرب وتونس، وليبيا، يسمّى «الشعر الملحون». وفي مدينة حلب بـ«القدود الحلبية» وهي من اقرى انواع الغناء واعذبه واطربه. وفي العراق وفلسطين ومصر عرف بـ«الموشح الأندلسي»!.. وانتهى عصر الموشحات اثر سقوط الدولة العربية في الأندلس، وبعدها في عهد السلطنة العثـمانية. وقد وضعت الموشحات اصلا للغـناء، ووصـف الرياض، ومجالس الصحاب والشراب الحافلة برقص الغواني واللهو والمجون. وأشهر المغنين عهد ذاك زرياب.
ويقول بطرس البستاني: «إن الموشحات هي من اصل فرنسي اسباني، والعرب تأثوا بها عندما سمعوا الـ «جونكلير - Jonglaire»، وهم جماعات رجال ونـساء كـانت تطوف البلاد وهي تنشد أناشيد حماسية وغرامـية، عرفت في «غالية» بين القرنين السابع والـثامن، فتنبه الى ذلك من خلال استنباطهم أناشيد حرة القوافي والأوزان قبل ان تولد منها الموشحات. لكن أناشيد «الجونكلير» ضاعت بسبب تناقلها شفهيا ولم تكتب او تدوّن بالنوطة الموسيقية. لكنها تركت أثراً على أناشيد «التروبادور - Troubadour» التي ظهرت في جنـوب فرنسا متزامنة مع ظهور الموشحات في الأنـدلس». ويخلص البستاني الى ان «الموشحات ليست بعربية، وإنما تأثرت بالأدب الاسباني والفرنسي»، فيقول انها مستعربة كما أهل الأندلس.
وأفادت ابحاث «جوليان ريبيرا Ribera» ان «الموسيقى الشعبية الاسبانية وفي الجنوب الغربي من القارة الاوروبية منذ القرن الثالث عشر، كانت تشبه الروايات الغرامية الغنائية والتاريخية، وهي مشتقة من منبع اندلسيّ انبثق من مصادر عربية و فارسية وبيزنطية ويونانية...»
والموشحات التي استنبطها الاندلسيون لا تشابه الشعر الزجلي اللبناني الا من حيث اللغة فقط. فهو قد سبقها بمئات السنين، كما سبق كذلك الشعر الغربي الفصيح، الذي لم ينتظم الا مع الخليل بن أحمد عندما وضع «علم العروض» في القرن الثامن الميلادي. أي بعد أربعماية سنة من ولادة الشعر السرياني.
ومن جهة اخرى، فان الشعر الزجلي قد يتلاقى في بعض الأوزان العَروضية، ويلفظ ويكتب بأحرف عربية، ولكن يجب فصله عن اللغة الفصحى، منعاً لتشوّه صوره ومعانيه وألفاظه ولغته الخاصة. «فالزجل والبيان لا يلتقيان». على قول رشيد نخله، الذي ربما لم يستسغ مثل هذا الالتقاء على الرغم من نظمه هذا البيت الشهير:
«يا ريت لي قلبين قلب بْعيش فيه
وقلب تاني في هواكِ بْعذبو».
وهو قول سبقه اليه الشاعر العباسي عمر الورّاق:
«لو كان لي قلبان عشت بواحد
وخلفت قلبا في هواكِ يُعذب»
ان اول شاعر زجليّ لبنانيّ، على ما تدل الابحاث والوثائق، هو الراهب سليمان الأشلوحي من بلاد عكار الذي عاش في أواخر القرن الثالث، وقد عثر على مخطوط له في مكتبة الفاتيكان يحتوي على قصيدة زجلية يصف بها خراب طرابلس على أيدي المماليك!..
وتبعه المطران جبرائيل القلاعي من بلدة لحفد - قضاء البترون في القرن الخامس عشر. وبعدهما اخذ يبرز عدد من شعراء الزجل، ومنهم كثيرون مجهولون لإهمال في تدوين كتاباتهم، أو لعدم العثور على تراثهم بسبب الغزوات والفتوحات...
وهنا مثلان منظومان من الشعر السرياني مع ترجمتهما:
شوبحو وهدرو وقولسو لالهو ايتيو شبيحو
ولبرو وروحو فرقليطو تليتيوتو مشبحتو
وترجته بالعربية:
المجد والتعظيم والتبجيل لله الكائن الممجد
وللابن وللروح البارقليط الثالوث الممجد.
- او من ترانيم اخرى مثل:
طوبيك آمو باراختو وشبيحات بيتولوته
ددنح مينخ دخييت فيرو شبيحو دمن ابو
وترجمته الى العربية:
ام الله طوباك في ما خصك الوهاب
اشرقت من نقاك الثمرة بكر الاب
- حتى ان البسملة نظمها السريان كذلك على لحن القرادي، فقالوا: ابو وبرو وروح قودشو
- ومن المفارقات ان الشعر الزجلي يكتب باللغة العربية الفصحى ويقرأ باللغة العامية. واوزانه سبقت الشعر العربي بستماية سنة. فالخليل بن احمد الفراهيدي برز في القرن التاسع وبردصيان برز في القرن الثالث.
- ازدهر الشعر الزجلي في لبنان بدءا من القرن الثامن عشر، وارتقى الى المنبر سنة 1928 مع الشاعر اسعد الفغالي الملقب بـ«شحرور الوادي» واصبح يغني على المسارح في مباريات بين اربعة وخمسة شعراء، وغدا له بعد ذلك عدد من الصحف والمنتديات، ووصل الى دنيا الانتشار بفضل شعراء محترفين، كما جاء في كتاب تاريخ الزجل اللبناني.
والشـعـر الـزجلـي الحـديـث المكـتوب، مـع محـافظته على اللحن والايقاع والقياس، فهو يشهد تنـوعا في المقاطع والقوافي، وتركيزا على المعاني والتعابير والصور الجميلة. وكأن الشاعر طانيوس عـبده، احد اعضـاء جـوقة شحرور الـوادي، كـان يتـوقع بلوغ الشعر الزجـلي الى فن الحداثة، عندما قال:
كل الوجع بدو مراهم شافيه
الا وجع العقول، كلو عافيه
والشعر اشواق وتباريح والم
مين قال انو الشعر وزن وقافيه
صحيح ان الشعر ليس وزنا وقافية فقط، ولا هو في الوقت ذاته شعر الفن للفن، وانما هو شعر المرآة الشفافة لواقع الناس في حياتهم وما يرافقها من فرح وترح، وشكوى ومعاناة وجدانية، وتعبير صادق عن مشاعر واحاسيس، وتطلعات الى تحقيق احلام وامال وطموحات!
واما الشعر المنبري، فما يزال محافظا على نمطه القديم ورونقه المألوف، مع تجدد في المعاني والصور والتعابير وفق احوال البلاد والعباد.
ونستشهد في هذا المجال بقول لشحرور الوادي الذي كان سابقا زمانه:
فنون الزجل بشكالها والوانها
لغة بسيطة رمزها وعنوانها
ولما دخلها فلسفة وصرف ونحو
دبت ضروب البلبلة بلسانها.
وفي مكان آخر يقول الشحرور:
اهل الفن شهدوا للمعنى
غنائي وارتجالي، وان تغنى
على المنبر بصهوتنا تكنى
واذا شي شاعر علينا تجنى
عضضنا الطرف حتى الشعر يبقى
الو حرمي وكرامي في وطنا.
- وقال يومها الشاعر وديع عقل: ردة شحرور الوادي هذه تكفيه شرفا، لكي يتصدر مجالس كبار شعراء هذا الزمان.
وان اوزان الشعر الزجلي، هي المقاطع اللفظية السماعية لا المقاطع الكتابية. فالشعر الزجلي يرتكز على لفظ الكلمة لا على كتابتها، لان الانشاد يزيل الفرق بينها، كما في هذا المثل للشاعر طليع حمدان:
حلوي واكتر من الاطفال غنوجه
موجى بربيع العمر يا ناعمه موجي
وكل ما وعيتي، الكحل بيكون ع جفنين
لا تواخذينا اذا من الكحل مزعوجي
والتم عروه واجا زر البنفسج بين
شفة وشفة عطر، من العطر منسوجة...
والشعر الزجلي اللبناني بنوع خاص، هو ثقافة القرية ووصف طبيعتها وبيئتها والتغني بتراثها وتقاليدها واعيادها وعاداتها وتاريخ احداثها واسرارها واثارها، وسجل احوالها تحولاتها ومؤثراتها.. وان ما يقوله شعراء الزجل، هو مستمد من نعم السماء نعم السماء، ووحي الطبيعة، وكتاب الحياة، وذخائر لبنان، ايمانا وثقافة وحضارة، وقد حولوا شعرهم الى جماليات ذكاء وابداع، والتماعات خيالات واحلام ورؤى، تنبض بالكرامة والاباء، وتضج بالنخوة والمروءة، وقد قدموا كل هذا لوطنهم خاصية فريدة، ومنحوه هوية مميزة طبعت تاريخه بالنبوغ والعبقرية، كما في شعر عبدالله غانم واسعد سابا، مثلا الذي يقول:
احلى سما، وكل السما لبنان ع مد عينك والنظر الوان
خمر، وهوا، وزهور شماسي خضر، وصخور
سلاسل جبال، مخصرا بوديان
- ويقول عبدالله غانم:
هون شلحيني هو فوق التل قلبي ملزق هون ما بيفل
برجع زهور، وعشاب، وعصافير لمن بموت، وعناصري بتنحل.
اليس هذا الوصف الجميل الاخاذ، عند هذين الشاعرين اللبنانيين، والتعلق بحب الارض والبيئة، يحمل النشوة للعين والقلب في الحياة، والسكينة للروح بعد الموت؟!
ان مثل هذا الشعر الذي ينهل من ينابيع الطبيعة صفاءها، ويستوحي شموخ الجبل وعنفوانه، ويستمد العطاء من حلاوة السماء وامتداد المروج، والسهول ومسارح النور، والشماسي الخضر... هو شعر الحياةو الانسان.
- ويضم الكتاب فصولا مهمة، منها:
الشعرالزجلي واصله السرياني - نشأة الزجل - بداية الشعر الزجلي - اللغة والشعر - الشعر الزجلي اللبناني - الشعر الزجلي والفولكلور والتراث اللبناني - الشعر الزجلي في البلدان المجاورة - المعنى والقول وانواعهما - نماذج من الشعر القديم - مراحل الشعر الزجلي واوزانه - الشعر الزجلي المغني - المنبر الزجلي ونشوءه - نماذج من الشعر الزجلي المنبري - الصحف الزجلية - الجمعيات والمنتديات والمؤتمرات الزجلية - نماذج وطرائف وفكاهات من الشعر الزجلي - الشعر الزجلي في دنيا الانتشار - الشعر الزجلي بالفرنسية...