بسم الله الرحمن الرحيم

التكليف الختامى للدورة الأولى :

سأحاول أن أطرح انطباعى فى صورة نقاط محددة, لعله بذلك يتسم ببعض المنهجية .

أولا : فكرتى المسبقة عن علم العروض :
- علم العروض هو علم صعب التحصيل, بالغ التعقيد, يستعصى على الفهم, و يحتاج إلى سنواتٍ كاملة ليستطيع الأكاديميى أن يلم به, أما تعلمه لغير المتخصصين فضربٌ من المستحيل, و رحلةٌ لا عودة منها..!

- كانت تلك هى الصورة الضبابية القاتمة لعلم العروض, و التى تَفضَّل برسمها فى مخيلتى من طلبتُ مساعدتهم فيهِ من (المتعارضين) قبل أن يصدوا أبوابهم فى وجهى .

- و كما يُفهم من السياق, فلم تتناول مناهجنا للغة العربية العروضَ و لو بالإشارة المجردة, فلم يرد ذكر كلمة (العروض) فى أى كتابٍ مدرسى درسناه, و كأنه رجس من عمل الشيطان أو ما شابه ذلك ! نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي بل أذكر ذات مرة, بينما كنتُ فى المرحلة الإعدادية, أننى - و كنتُ قد سمعت الكلمة فى أحد البرامج التليفزيونية - سألتُ مدرس اللغة العربية فى براءة لا تخلو من السذاجة "هوَّا العروض دا يعنى إيه يا أستاذ ؟" فانتفض الرجل بعنف, و التزم الصمت و هو يرمقنى بنظرة نارية متوعدا, و لسان حاله يقول " اسكت يا قليل الأدب, عروض ايه, انت مالك و مال مواضيع الكبار دى " ! نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

- و حيث أننى قد شُغفت بحب الشعر و الأدب, فقد كانت لى محاولات فى كتابة الشعر, و كنت فيها أحاول الوزن بالفطرة, فكنتُ أحدث إيقاعا منظما بالدق بأصابعى أو بسن القلم على المكتب بينما أقوم بالقراءة البطيئة لما كتبته و التدقيق لملاحظة مواضع الشذوذ عن الإيقاع, ثم محاولة إصلاحها, و بعد فترة و جدتُ أننى قد أستطيع تحديد مواضع الكسر فى الأعمال التى يكتبها بعض الهواة .

ثا نيا : الرقمى للوهلة الأولى :
- للوهلة الأولى ظننتُ أن التدريس سيكون على صورة الطريقة التقليدية المعتادة, من حيث التفاعل الظاهرى بين المدرس و التلاميذ, و لكنى فوجئت أن الدروس قد أُعدت و صُممت بحيث يقوم التلميذ بمذاكرتها بنفسه دون أية مشقة, وحين ظننتُ أن الدراسة بهذه الكيفية و إن كانت سهلة مبسطة غاية التبسيط, فستخلو من عنصر التفاعل, الهام بين المدرس و التلميذ, فوجئت للمرة الثانية بأن المدرسين يتواجدون للمتابعة بالتصحيح و التوجيه أولا بأول و على مدار الساعة, و بهذه الصورة العبقرية فى التواجد بجانبك طوال الوقت و لكن بصورة خفية, فأنت ستحس فعلا بقدرٍ كبير من الثقة بالنفس و بأن الأمر بسيطٌ بحيث تستطيع أن تنجزه بنفسك, كما أن هناك حافزا جوهرياً آخر بالغ الأهمية, و هو أن من نجح فى دورة و انتقل لدورة أعلى, فسيكون مطالبا بالإشراف على تلاميذ هذه الدورة التى أنهاها لتوه, و بهذه الدورة التكاملية العبقرية سيحس التلميذ بقيمة إنجازه, فها هو قد دخل فى سلك المدرسين, و هذا سيمنحه سببا آخر ليهتم بدروسه حتى يصير عضوا نافعاً فى مجتمعنا المصغر هذا, و يؤدى ديْنه تجاه مجتمع الرقمى .

ثالثا : الرقمى فى نظرى :
- كما أسلفتُ, فلم أدرس العروض التقليدى, و لا أعرف عنه غير أن هناك بحورا لها أسماء منها الكامل و الوافر و الطويل..., و غير ذلك, دون أن أدرى كيف تتكون هذه البحور و لا فى أى الأنهار تصب, و لذا فلن أستطيع أن أعقد مقارنة من وجهة نظرى بين الرقمى و التقليدى, إذ لا أمتلك المعطيات اللازمة, و لكننى أدركت بحق أن الرقمى يشكل ثورة فى علم العروض, و خروجا عن التقليدية بما تمثله من جمود, و مشقة على الدارسين, فها أنا و قد كنتُ أعتقد - بسبب الفكرة الخاطئة التى ترسخت فى ذهنى - أن العروض هو شئ مبهم ثقيل على النفس, بالغ الصعوبة و التعقيد, أرى العروض الرقمى كأمتع الدراسات التى حظيت بها فى حياتى, ولو أنّ كل علم استُطيع تبسيطه بتلك الصورة و الكيفية, فأعتقد أننا سنسود العالم فى ظرف سنوات قليلة .

رابعا : الرقمى من حيث المنهج و عبقرية تقسيم الدروس :
- أرى من تجربتى - و مدتها ثلاثة أيام حتى الآن - كتلميذ فى بداية تعرفه بالرقمى, أن المنهج ناجح بصورة مبهرة من حيث الفعالية التى يحققها تقسيم الدروس بتلك الكيفية, و تحديد الجرعات التى يتناولها الطالب بالمذاكرة فى كل درس, فيبدو الأمر كأبسط ما يمكن أن يكون, كما أن وفرة الأمثلة المحلولة يعد عنصراً هاما فى تثبيت المعلومة و تيسير التطبيق العملى على التلميذ بعد ذلك, فأذكر على سبيل المثال :
أن أهم دروس الدورة و هو (التقطيع حسب السمع) يحتوى بعد الأمثلة المتناولة فى الشرح الوافى, على عشرة أبيات كاملة تم تقطيعها كأمثلة محلولة يسترشد بها الطالب, و أعترف أننى - و لله الحمد, ثم للمهرة الحاذقين الذين وضعوا المنهج - بنهاية البيت العاشر, قد شعرت أن التقطيع السماعى هو أحد أظرف الأشياء على الإطلاق, و أنه لحاله يصلح أن يكون هواية ترفيهية تُقضى فيها الساعات الطوال دون ملل . و لكن من ناحية أخرى, فبعد درس هامٍ بتلك الصورة فقد يشعر التلميذ أن رأسه قد امتلأ, و أنه بحاجة لفترة انفصالية قبل أن يتعلم درساً جديداً, فإذا بعبقرية تقسيم الدروس تلوح من جديد, فقد تلى ذلك الدرسَ درسان و إن كانا يشكلان فى ظاهريهما درسان منفصلان, إلا أنهما يمثلان المزيد من التطبيقات على درس ( التقطيع) و هذا يثبِّت المعلومة كالنقش على الحجر .


خامساً : هل الرقمى فعالٌ حقا ؟
- حتى ثلاثة أيام لم أكن أعرف أى شئ فيما يختص بعلم العروض, و قد أخبرنى الأستاذ خشان بأننى سألاحظ الفرق فى خلال أسبوع .

- و منذ الدرس الأول (المتحرك و الساكن) قد أحسست أن شيئا ما بدأ يتكون فى نفسى, ثم بعد درس ( ظهور الرقم 1) أحسستُ أن عينى قد اكتسبت قدرة جديدة على إبصار ما لم تكن قادرة على إبصاره قبل ذلك, و كأننى أرتدى المنظار الخاص بالأشعة تحت الحمراء أو ما شابه , و لم أكن أعرف (التقطيع) حتى قبل الأمس, و لكن بنهاية الدورة و بعد الانتهاء من التمارين الأخيرة , أحسستُ فعلا أن عيناً ثالثة قد نمت فىّ, فصرت أنظر إلى الشعر نظرة مختلفة كليا الآن, ربما لا أحسن التعبير عنها, إلا كما قلتُ قبل ذلك, كما لو أن عينى الثالثة هذه تمتلك قدرة خاصة على إبصار أشياء لم أكن قادرا على إبصارها قبل ذلك, فبقليل من التأنى الآن أنظر إلى بيت الشعر فلا أرى حروفا, بل صفا من الأرقام التى تشير إلى كل مقطع, حتى أننى لم أستطع النوم ليلة البارحة, فقد ظلت تلك المصفوفات الرقمية تدور و تدور بذهنى .

- أعترف أننى قد استغرقت و قتا طويلا لحل التمرين الأخير بالأمس, الخاص بدرس (هيا ننظم) فقد شعرتُ بنوع من الارتباك و فقدان الاتزان, حيث تعودتُ طوال المدة الماضية لمحاولاتى أن أكتب الشعر على الوزن بصورة فطرية بدائية, ربما لم تكن فعالة فى كثير من الأحيان, ثم ها أنا الآن أستعمل طريقة جديدة, كما أننى كنتُ أظن أن الوزن بين شطرى البيت الواحد لا ينبغى أن يكون بتلك الدقة البالغة من حيث التماثل فى الأرقام, و لكن كما تعلمت من أستاذى الفاضل, فأنا بعد على الخطوة الأولى من السلم, و على أن أرتقى عدة درجات قبل أن أسأل .. و الله المستعان .

- أما عن إجابة السؤال (هل الرقمى فعال حقا؟) فربما تحمل تجربتى - و مدتها ثلاثة أيام حتى الآن - بعض المعلومات لمن لم يسمع بالرقمى بعد, و لكن مهما قلتُ فلن تدركَ مدى روعة التجربة حتى تحاول بنفسك .

بدر عبد المقصود

تلميذ بالدورة الأولى للعروض الرقمى