السلام عليكم

هذه دراسة عروضية لألفية الحافظ العراقي , وفي الحقيقة كنت أتمنى معرفة كاتبها ولكنني لم أستطع معرفة اسمه
أنشرها هنا للفائدة , ولا دور لي فيها إلا النقل :

دراسة عروضية لنظم ألفية الحافظ العراقي :
نظم الحافظ العراقي ألفيته المسماة بـ" التبصرة والتذكرة " على بحر الرجز ووزنه :
مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ............. مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ
4 3 4 3 4 3 .............................4 3 4 3 4 3

وهو بحرٌ كثيرةٌ أوزانُهُ، متعددةٌ ضروبُهُ، واسعةٌ زحافاتُهُ وهو عَذبُ الوزن واضحه؛ إذ هو من البحور ذات التفعيلة الواحدة ، مكرَّرُها كما أن في كثرة زحافاته مجالاً لإرادة التصرف في الكلام، وسعةً في إقامة الجمل؛ إذ ليس بمستطاعٍ لشاعر الإتيان بثلاثة مقاطع قصيرة متتابعة في غير (مُتَعِلُنْ ب ب ب – ) إحدى أشكال تفعيلة الرجز (مستفعلن - - ب - = 2 2 3 ) ، فضلاً عن أشكال (مُسْتَفْعِلُنْ) الأخرى مثل: (متفعلن ب – ب- = 33 ) و(مُسْتَعِلنْ – ب ب – = 2 1 3 ) و(مُسْتَفْعِلْ – – – = 222) . . . الخ . وهذا من غير شكّ تارك للناظم الفرصة واسعة في النَّظْم والتصرف في التعبير بحسب متطلبات المعنى، ولَمَّا كان النظم في المتون العلمية في مسيس الحاجة لهكذا سعة في الجوازات، رُئِي أكثرها منظوماً على هذا البحر هذا الأمر الذي أفاد منه الحافظ العراقي في نظمه للتبصرة فجاءت على هذا البحر بكل أشكاله وتفعيلاته بل لا يكاد بيت يشبه سابقاً له أو لاحقاً في وزن أو ضرب لكثرة ما أفاده من هذا التعدد في أشكال البحر، فقد جاء ضرب البيت الأول (مُسْـتَعِلُنْ – ب ب – = 2 1 3 )، والثاني (مَفْعُوْلُنْ - - - = 2 2 2 )، والثالث (مُتَفْعِلُنْ ب – ب – = 3 3 )، والرابع (فعولن ب - - = 3 2 )، والخامس (مُسْتَفْعِلُنْ - - ب - = 2 2 3 ) وهكذا دواليك ، هذه الإفادة من الحافظ تركت له الفرصة واسعة للتعبير على حساب الجمال الصوتي والتناسب بين الأبيات ، فقد جاءت بعض الانتقالات بين هذا الشكل أو ذاك قوية ثقيلة تركت تبايناً صوتياً واضحاً في أذن المستمع، وإن كان مثل هذا مغتفراً في المتون العلمية ، إذ ليس من وَكْدِ الناظم فيها جمال الإيقاع بقدر تحقيق الدقة العلمية في وزن صحيح مقبول .
وعوداً إلى بحر الرجز وما يحققه من سعة في التصرف ضمن القالب الشعري ، فإنّ التقفية الداخلية المستعملة في المتون العلمية تعدّ شكلاً آخر من أشكال الحرية في صياغة العبارة العلمية في قالب شعري ، فالقافية التي طالما كانت شكلاً لازماً في القصيدة العربية تفرض نفسها نمطاً صوتياً يتحكم في صياغة البيت الشعري كلّه الأمر الذي يفرض على الشاعر نهاية صوتية واجبة التحقيق ، فضلاً عن الشكل الشعري الواجب أيضاً،لذلك كان في التقفية الداخلية التي استعملها الحافظ العراقي مجالاً للتخلص من هذا القيد - والذي لا تنكر قيمته الصوتية-لأن الدقة في التعبير العلمي مقدمة على الإبداع الصوتي وهذه التقفية التي حقّقت التوافق ما بين عروض البيت وضربه سهَّلت كثيراً حفظ البيت الشعري .
على أن الحافظ العراقي لم يكتفِ بكل ما أتاحه له بحر الرجز من جوازات ؛ ليفيد من مبدأ الضرورة الشعرية بشكل واسع جداً ، حتى أصبحت الضرورة شيئاً ثابتاً في أبيات " التبصرة " ، وهذا يدلّل بشكل واضح على تمكن الحافظ وقدرته على الإفادة مما تتيحه اللغة من ضرورات وإن كان في تكرار بعضها في البيت الواحد ثقل كان يمكن تجاوزه ، ومن أبرز الضرورات في نظم الحافظ :
1. إدراج الهمزة ، كقوله ( 78 ) :

مِنْ رأيٍ اقْوَى قَالَهُ ابنُ مَنْدَهْ ......... في البابِ غيرهُ فذَاكَ عِنْدَهْ
وقوله ( 139 ) :
وَقِيْلَ : كُلُّ مَا أتانا مِنْهُ ........... مَعْرِفَةُ الرَّاوي بالاخْذِ عَنْهُ
وقوله ( 153 ) :
حَدَّثَهُ ، وَيَرْتَقِي بِـ(عَنْ) وَ(أنْ) .......... تَدْلِيْسُ الاسْنَادِ كَمَنْ يُسْقِطُ مَنْ
2. تسكين بعض الحروف المتحركة :
كقوله ( 82 ) : كَمُسْنَدِ الطَّيَالِسيْ وَأَحْمَدَا ……………
وقوله ( 162 ) : …………… وَلِلْخَلِيْلِيْ مُفْرَدُ الرَّاوي فَقَطْ
3. قصر الممدود ، كقوله ( 136 ) : …………… مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ ، واللِّقَا عُلِمْ
وقوله ( 170 ) : …………… خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلا وَوَضْعِهْ
4. صرف الممنوع من الصرف ، كقوله ( 809 ) : …………… أو سَهْلٌ او جَابِرٌ او بِمَكَّةِ
وقوله ( 816 ) :وَقِيْلَ : إِفْرِيْقِيَّةٍ وَسَلَمَهْ ……………
وقد يجمع الحافظ بين ضرورتين في موضع واحد ، كقوله ( 864 ) :
وَاعْنِ بِالاسْمَا والكُنَى وَقَدْ قَسَمْ ………………
والأصل ( بالأسماء ) فقصر الممدود وأدرج الهمزة .وقوله ( 867 ) : ……… النُّوْنُ فِي أبي قَطَنْ نُسَيْرُ
فقد سكّن النون من (قطنْ) وأدغمها في نون (نسير).وقد تتوالى الضرورات في شطر واحد مما يولد ثقلاً في قراءة البيت ،كقوله : …………… أو سَهْلٌ او جَابِرٌ او بِمَكَّةِ
فقد أدرج الهمزة في موضعين في ( أو ) الثانية والثالثة مما يجعل البيت مستثقلاً عند قراءته .
وقد يُعَلّق الحافظ – رحمه الله – معنى البيت بالبيت الذي يليه ، وهذه ما يسمى بالتضمين ، وهو عيب عند العروضيين ، كقوله ( 7 ، 8 ) :
لِوَاحِدٍ وَمَنْ لَهُ مَسْتُوْرُ ......... فَحَيْثُ جَاءَ الفِعْلُ والضَّمِيْرُ
………………….. كَـ(قَالَ) أو أطْلَقْتُ …
وقوله ( 51 ، 52 ) :
مُسْنَدِهِ عَلَى الأَصَحِّ ، وَرَأوا ........... يَقْدَحُ فِي أَهْلِيَّةِ الوَاصِلِ أو
…………………… أَنَّ الأصَحَّ : الْحُكْمُ للرَّفْعِ وَلَوْ
وهكذا تنقّل الحافظ العراقي في أبيات نظمه عَلَى وفق ما يتيحه له هذا البحر من أشكال في تفعيلاته، وما يجوّزه له من الزحافات والعلل، زيادة على الضرورات التي غطّت مساحة واسعة من نظمه، مما أعطاه رونقاً وجمالاً خاصّاً وسهولةً وعذوبة وفّرت الجوَّ الملائم تسهيلاً وإفادة لمبتغي هذا العلم .