لأبي فراس الحمداني :

[
أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ = أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ
بَلى أَنا مُشتاقٌ وَعِندِيَ لَوعَةٌ = وَلَكِنَّ مِثلي لايُذاعُ لَهُ سِرُّ
إِذا اللَيلُ أَضواني بَسَطتُ يَدَ الهَوى = وَأَذلَلتُ دَمعاً مِن خَلائِقِهِ الكِبرُ
تَكادُ تُضيءُ النارُ بَينَ جَوانِحي = إِذا هِيَ أَذكَتها الصَبابَةُ وَالفِكرُ

لو أخذنا البيت الأول لوجدنا وزن الصدر فيه

3 1 3 4 3 1 3 4 .................3 2 3 4 3 1 3 4

الصدر هنا ينتهي ب 4 والعجز ينتهي ب 4

القافية في آخر الصدر = 2* 2 = 2* + رو
والقافية في آخر العجز = 2* 2 = 2* + رو

ووزن البيت الثاني ومثله بقية الأبيات في القصيدة كلها فيما يتعلق بآخر الصدر هو :

3 1 3 4 3 1 3 3 ..................3 2 3 4 3 1 3 4

وهنا نجد أن آخر الصدر انتهي بالرقم 3 بينما آخر العجز بقيت نهايته 4

جاء في ( العيون الغامزة على قضايا الرامزة ) :" ...........التصريع تبعية ( العروض - آخر الصدر ) لـ(الضرب - آخر العجز ) قافية ووزنا وإعلالا ، وسمي البيت الذي له قافيتان مصرّعا تشبيها له بمصراعي باب البيت المسكون"

فلو قال :


أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الحزْمُ = أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ
لما جاز ذلك، لأن آخر صدر الطويل دوما 3 ولا يأتي 4 إلا في حال التصريع، والتصريع يشترط فيه اتفاق القافية بين الشطرين، والروي ركن أساس في القافية .

لامرئ القيس :


قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ = بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ
فَتوضِحَ فَالمِقراةِ لَم يَعفُ رَسمُها = لِما نَسَجَتها مِن جَنوبٍ وَشَمأَلِ
تَرى بَعَرَ الآرامِ في عَرَصاتِها = وَقيعانِها كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ
كَأَنّي غَداةَ البَينِ يَومَ تَحَمَّلوا = لَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ

فهنا وزن البيت الأول :

3 2 3 4 3 2 3 3 .....................3 2 3 4 3 1 3 3

وكذلك وزن سائر الأبيات فيما يخص آخر الشطرين

وإنما اختلف البيت الأول عن سائر الأبيات باتفاق عروضه مع ضرب العجز في الروي، أما من حيث الوزن فكل نهايات الأشطر لها نفس الوزن، أي أن الاتفاق حصل دون استثناء وزن العروض في الصدر بحكم خاص به كما هو الحال مع التصريع.

ولو قال :


قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ مسافرِِ = بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ

لم يكن ذلك عيبا من حيث الوزن ولكنه كان سيذهب بجمال المطلع.

جاء في ( العيون الغامزة على قضايا الرامزة ) :" ...........التقفية اتفاق العروض والضرب في الوزن والروي مع إبقائها ( يعني العروض ) على ما تستحقه في نفسها من الحكم الثابت ".

ومن المفيد ما وجدت في هذا الباب:

http://islamport.com/w/adb/Web/568/57.htm

باب التصريع
التصريع على ضربين: عروضي، وبديعي، فالعروضي عبارة عن استواء عروض البيت وضربه في الوزن والإعراب والتقفية، بشرط أن تكون العروض قد غيرت عن أصلها لتلحق الضرب في زنته.
والبديعي استواء آخر جزء في الصدر، وآخر جزء في العجز في الوزن والإعراب والتفقيه، ولا يعتبر بعد ذلك أمر آخر، وهو في الأشعار كثير، لا سما في أول القصائد، وكثير ما يأتي في أثناء قصائد القدماء؛ ويندر مجيئة في أثناء قصائد المحدثين، ووقوعه في الأعشار دليل على غزر مادة الشاعر، وحكمه في الكثرة والقلة حكمن بقية أنواع البديع، إذ كل ضرب من البديع متى كثر في شعر سمج، كما لا يحسن خلو الكلام منه غالباً، وكل ما جاء منه متوسطاً من غير تكلف فهو المستحسن، وقد يأتي بعض أوائل القصائد مصمتاً، ويأتي التصريع في أثنائها بعد ذلك. وقد قسمه أهل الصناعة قسمين: قسم سموه تصريع التكميل، وقسم سموه تصريع التشيطر، ورأيت منهم من جعل هذا القسم الثاني باباً مفرداً يسميه التشيطر من غير أن يضيف إليه لفظة التصريع.
ومثال التصريع العروضي قول امرئ القيس طويل:
ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
ومثال التصريع البديعي قوله في أثناء هذه القصيدة:
ألا إنني بال على جمل بال ... يقود بنا بال ويتبعنا بال
وقوله أيضاً بعد تصريع أول القصيدة المعلقة، وإن كان إطلاق التصريع عليها إطلاقاً بديعياً، لا عروضياً، إذ أولها عند العروضين مقفى لا مصرع طويل:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
ومثال ما وقع في أثناء القصيدة وأولها مصمت قوله متقارب:
تروح من الحي أم تبتكر ... وماذا يضيرك لو تنتظر
فإن أول هذه القصيدة على أصح الروايتين
لا وأبيك ابنة العامري ... لا يدعي القوم أني أفر
ثم والى التصريع بعد قوله:
تروح من الحي أم تبتكر
فقال
أمرخ خيامهم أم عشر ... أم القلب في إثرهم منحدر
وشاقك بين الخليط الشطر ... وفيمن أقام من الحي هر
وأهل البديع يسمون التقفية تصريعاً، إذ لا يعتبرون الفرق بينهما. والتصريع في أثناء القصائد والإصمات في أوائلها يستحسن من القدماء، ويستحسن من المحدثين [ لعلها ولا يستحسن. ما بين القوسين مني ] ، لأنه من العرب يدل على قوة العارضة وغزر المادة، وعدم الكلفة وتخلية الطبع على سجيته، وهو من المحدثين دليل على قوة التكلف غالباً، ولا يحسن التصريع لأنه لا يأتي منهم إلا مقصوداً، ولا يحسن التصريع إلى ابتداء شعر غير الشعر الذي تقدم ... ألا ترى إلى كون امرئ القيس لما فرغ من ذكر الحماسة في القصيدة الرائية التي ذكرنا منها الأبيات المتقدمة، وشرع في ذكر النسيب صرع، وإذا استقريت أشعارهم وجدت أكثرها كما ذكرت لك.