النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ملاحظات على مقالة أستاذنا البروفيسور سليمان جبران حول الإيقاع في شعر درويش

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    53

    ملاحظات على مقالة أستاذنا البروفيسور سليمان جبران حول الإيقاع في شعر درويش

    تحياتي لكم جميعا
    اعتذر لنشر المقال كرابط
    لان التنسيق لم يظهر متقنا ، فمن يمكنه تنسيقه
    كما هو بعناوينه الداخلية فله الشكر
    http://wata1.com/vb/showthread.php?p=19835#post19835
    سيقول حبيب قلبي خشان غاب وجاب
    وفعلا غاب وجاب
    ارجو ان تطلع غلى اقتباساتي عن علي احمد باكثير والزبيري
    في المتدارك وجمع فاعلن وفعلن بسكون العين في الحشو
    وانظر تاريخ كتابة باكثير لمسرحيته
    دمتم طيبين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    15,965
    أهلا ومرحبا بأخي الحبيب0 وأستاذي الكريم محمود مرعي .
    __________________________



    ملاحظات على مقالة أستاذنا البروفيسور سليمان جبران حول الإيقاع في شعر درويش
    ________________________________________
    ملاحظات على مقالة أستاذنا


    البروفيسور سليمان جبران


    حول الإيقاع في شعر درويش


    بقلم الشاعر العَروضي : محمود مرعي


    بداية أقول: إن أستاذنا البروفيسور سليمان جبران، نجله ونحترم رأيه ونقدره، ولا يعني ردي هنا أي شيء سوى بيان أمور، رأيت من واجبي أن أبينها، حيث أني استغربت إلى حد الدهشة ، وأنا أقرأ بحث البروفيسور (نظم كأنه نثر)، عن شعر محمود درويش، ثم إن وجود ما نعتقده بعض الهنات لا يعني الانتقاص من البحث أو من شخص أستاذنا ، فلطالما كان المجال متاحا للقول على قول سابق .


    بعد هذا التقديم أدخل في الموضوع، وهو ملاحظاتي، على بعض ما ورد في بحث البروفيسور سليمان جبران (نثر كأنه نظم)، وكذلك مقاله بعنوان (عودة أخيرة إلى الأخطاء في مجموعة درويش )، وقد نشرهما البروفيسور على مواقع كثيرة على الشبكة، وسنكتفي بذكر عنوان البحث أو المقالة، وأشير قبل المتابعة، أن ردي هذا مقتطع من بحثي الشامل في شعر محمود درويش، والذي يغطي كل شعر محمود درويش، من بداياته حتى النهاية، وعنوان بحثي ( تحولات الإيقاع في شعر محمود درويش)، والبحث سيصدر في كتاب ، قريبًا، وليعذرنا القارئ لأن الرد على النقاط ليس حسب تسلسلها في البحث والمقالة، وليعذرنا أيضا على الإطالة .


    بداية أقول: نحب شاعرنا الذي مثلنا في كل المحافل ونطق باسمنا، ولم يدخر جهدًا لرفع شأن شعبنا . نحب شاعرنا، ولكن لا نقدسه، فهو وإن كان الشاعر الفحل، متنبئ العصر، فإن في شعره الهنات والكسور، ولا أرى حاجة لتبرير الأمر في هذا المجال أو إخفائه والتكتم عليه.


    محمود درويش ساهم في إحياء المتدارك، لكنه ليس الأول في هذا


    يتحدث البروفيسور سليمان جبران، عن المتدارك ، وأن محمود درويش بعث الوزن من خموله، بعد إهماله في الشعر الكلاسيكي، فيقول : "من الإنجازات الإيقاعية الكبرى للمبنى التفعيلي، أوّلا، أنّه بعث وزن المتدارك (- ں - / ں ں - ) من خموله، فغدا إيقاعًا مركزيّا هامّا بعد إهماله تماما في الشعر الكلاسيكي. ذلك أنّ هذا الوزن ينعدم تمامًا في التراث الشعري القديم، فلا يظهر إلا في أبيات مفردة في كتب النحو والعروض".


    ( المقالة: عودة أخيرة إلى الأخطاء في مجموعة درويش )


    ثم يحدد المقصود بالمتدارك، ويشير إلى أن لويس عوض، هو أول من دعا إلى الوزن، فيقول: "علينا التمييز إذن بين وزنين مختلفين: الخبب، ويتشكّل من ں ں- أو - -، وهو الذي عرفه الشعر الكلاسيكي، وإيقاعه سريع راقص، والمتدارك ويتشكّل من -ں- أو ں ں -، وهو وزن قائم في التراث نظريًا، بُعث حيّا وازدهر في الشعر الحديث، وفي شكله التفعيلي بالذات. لعلّ أوّل من "اكتشف" هذا الوزن ودعا إلى انتشاله من خموله هو الدكتور لويس عوض في كتابه التجريبي الرائد بلوتولاند، الصادر في طبعته الأولى سنة 1947، ثم ظهر في شعر المجدّدين بعد الحرب العالمية الثانية، لاسيّما عند بدر شاكر السيّاب" .( نظم كأنه نثر)


    هنا، توجد نقطتان تطرق اليهما البروفيسور، إحياء المتدارك، والريادة، وهما نقطتان نمتلك الدليل القطعي على عدم صحة ما قرره البروفيسور في شأنهما، ذلك أن هناك من سبق شاعرنا في عملية إحياء المتدارك، عموديا وتفعيليًا، ومن هؤلاء، الشاعرة نازك الملائكة، رحمها الله، وهذا اقتباس من شعرها :


    " أَيْنَ أَمْشي؟ مَلَلْتُ الدُّروبْ


    وَسَئِمْتُ الْـمُروجْ


    وَالْعَدُوُّ الْـخَفِيُّ اللَّجوجْ


    لَـمْ يَزَلْ يَقْتَفي خُطُواتـي، فَأَيْنَ الْـهُروبْ؟"


    (من قصيدتها ( الأفعوان ) وهي قصيدة طويلة تاريخها 1948، وهي مثبتة في ديوانها م 2 / ص 77 – 83).


    ومن شعرها العمودي :


    "فـي سُكونِ الْـمَساءْ *** فـي ظَلامِ الْوُجودْ


    حينَ نامَ الضِّياءْ *** وَاعْتَرانـي الْـجُمودْ


    خِلْتُ نَفْسي أَسيرْ ** فـي مَكانٍ بَعيدْ


    فَوْثَ قَلْبي أَثيرْ *** تَـحْتَ رِجْلي قُيودْ"


    (من قصيدتها ( جحود ) وهي قصيدة طويلة تاريخها 1947 ، وهي مثبتة في ديوانها م 2 / ص 90 – 93، ولها سواها كثير).


    وهذا مقطع من شعر السياب:


    "فـي لَيالـي الْـخَريفِ الْـحَزينْ


    خينَ يَطْغى عَلَيَّ الْـحَنينْ


    كَالضَّبابِ الثَّقيلْ


    فـي زَوايا الطَّريقْ


    فـي زَوايا الطَّريقِ الطَّويلْ".


    (من قصيدته ( في ليالي الخريف)، وهي قصيدة طويلة، تاريخها 1948، وهي مثبتة في ديوانه / م 1/ ص 65 – 69، وله غيرها).


    وللسياب قصيدة جمع فيها بين، فاعلن وفَعِلُنْ وَفَعْلُنْ ( أو المتدارك والمتدارك الخببي)، والمقصود بالخببي، هو ما انعدم فيه وجود فاعلن على الأصل، فهناك من يعتبرهما وزنين ، وهما عندنا وزن واحد، نقتبس منها :


    "- أَنْتَ! أَمْ ذاكَ ظِلِّي قَدِ ابْيَضَّ وَارْفَضَّ نورًا؟


    أَنْتَ مِنْ عالَـمِ الْـمَوْتِ تَسْعى! هُوَ الْـمَوْتُ مَرَّهْ


    هٰكَذا قالَ آباؤُنا، هٰكَذا عَلَّمونا فَهَلْ كانَ زورا؟


    ذاكَ ما ظَنَّ لَـمَّا رَآنـي، وَقالَتْهُ نَظْرَهْ


    قَدَمٌ تَعْدو، قَدَمٌ، قَدَمُ


    اَلْقَبْرُ بِوَقْعِ خُطاها يَنْهَدِمُ.


    أَتُرى جاءُوا ؟ مَنْ غَيْرُهُمُ


    قَدَمٌ .. قَدَمٌ .. قَدَمُ"


    (من قصيدته ( المسيح بعد الصليب) وهي طويلة دون تاريخ، لكنها ضمن مجموعته– أنشودة المطر – ،وهي مثبتة في أعماله الكاملة م 1 / ص 457 – 462).


    وللسياب من قصيدة تفعيلية جمع في شطر منها، بين تفعيلتي المتدارك والمتدارك الخببي:


    "وَيَـخِبُّ الْـمَرْكَبْ إِلى داري:


    بَرْقٌ يَتَلامَحُ فـي الْآفاقِ يُعَرِّيها


    وَيُذَرِّيها


    كَرَمادِ الْـمَبْخَرَةِ الثَّكْلى


    فـي مَقْبَرَةٍ تَهَبُ اللَّيْلا"


    (اَلقصيدة من الأعمال الكاملة مؤرخة ( لندن 1 / 2 / 1963) م 1 / ص 266– 268.


    كلمة (المركب)، لا تستقيم إلا بتسكين آخرها، فالتحريك معناه ثلاثة متحركات متتالية).


    ولشاعر اليمن، الشهيد، محمد محمود الزبيري ( 1910 م – 1965 م)، على المتدارك:


    (إِنَّ هٰذا الْـحَرَمْ ** فـي رُبا قُرْطُبَهْ


    عِشْقُ أَهْلِ الْـهِمَمْ ** لِلْعُلى أَنْـجَبَهْ


    جابَ عَصْرَ الْقِدَمْ ** وَالدُّنا الْـمُغْرِبَهْ


    وَمَشى فـي الظُّلَمْ** وَالدُّجى الْـمُرْعِبَهْ)


    (من قصيدته : مسجد قرطبة ، وهي طويلة، جمع فيها عدة أوزان وبحور، الرجز، البسيط، مجزوء الرمل، المديد، المتدارك، مجزوء الخفيف على الاصل/ وهي مثبتة في ديوانه / ص 664 – 684).


    ولرائد شعر التفعيلة المعاصر، الأول والحقيقي، علي أحمد باكثير :


    "يا حِزْبَ الرَّبِّ أَمونَ وَيا إِخْوانـي الْكِرامْ


    أَيْنَ أَنْتُمْ؟ أَرى النَّارَ تأْكُلُ فيكُمْ وَأَنْتُمْ نِيامْ


    أَيُكادُ الرَّبُّ وَأَنْتُمْ عَلى نَصْرِهِ قادِرونْ؟


    أَوَ ما تُبْصِرونَ الْـمَصيرَ الَّذي يَتَهَدَّدُ أَيَّامَكُمْ؟


    أَوَ ما تُبْصِرونَ الْعَدُوَّ الَّذي يَتَهَدَّدُ أَيَّامَكُمْ؟". ( أخناتون ونفرتيتي، ص 18).


    من مسرحية ( أخناتون ونفرتيتي)، كتبها سنة 1938، وصدرت طبعتها الأولى سنة 1940، كما يذكر في مقدمة الطبعة الثانية/ وهو الأول، قبل لويس عوض ونازك والسياب، بعشر سنوات، ويذكر باكثير أن السياب كان يعترف له بالسبق إلى شعر التفعيلة، ضمن ما يخطه من إهداء على كتبه التي كان يهديها لباكثير؛ وبالمناسبة فإن ناجي علوش في تقديمه لديوان السياب، المجلد الاول، يقول إن مسرحية باكثير نشرت سنة 1947، وهو خطأ، لأن الطبعة الأولى من المسرحية، صدرت سنة 1940، كما يذكر مؤلفها باكثير نفسه، في مقدمته للطبعة الثانية : "هذه مسرحية أخناتون ونفرتيتي". أعود إليها بعد تسعة وعشرين عاما، منذ عايشتها وكتبتها سنة 1938فأقدمها اليوم للقراء العرب، كما خرجت للناس في طبعتها الأولى سنة 1940).


    وقد كتب مقدمتها الأديب إبراهيم عبد القادر المازني، (1890-1949م). الذي مرض في سنواته الأخيرة، ومما قاله المازني في مقدمته للمسرحية،: " هذه ثمرة أخرى يجنينا إياها الصديق السيد أبو كثير – كثر الله خيره – من بستان أدبه . وكانت الأولى مما ترجم عن شكسبير – قرأته منسوخا، وراجعته على الأصل، وشهدت للصديق بالدقة والاقتدار وبقي في نفسي شك في صلاح البحر الذي تخيره لهذا الضرب من الشعر المرسل، الذي يجري فيه الحوار التمثيلي ".


    لقد شكك المازني في صلاحية المتدارك تفعيليا ، لمثل هذا اللون الأدبي . أما خاتمة مقدمته، فقال فيها: " وقد كانت الصعوبة الكبرى في نظم القصص التمثيلي، أن بحورنا تغلب عليها الموسيقية، فهي لا تكاد تصلح للحوار، فما كل كلام يستحق أن يجري مجرى الموسيقى أو بالذي يطيب في السماع أن يجري هذا المجرى، فالحاجة شديدة إلى بحر يتسع ويتحدر ولا يضيق بألوان الحوار الطبيعي، ولا يثقل على القارئ منه، التوقيع والتنغيم، ولا يبدو على الكلام من جراء ذلك أثر التكلف. وأحسب أن الصديق أبا كثير قد وفق في اختيار بحر لشعره التمثيلي، يسهل وروده على الأذن، ويطرد فيه الكلام اطراد النثر".


    نعود إلى المسرحية، فنجد أن باكثير استعمل تفعيلة المتدارك، بأشكالها كافة ( فاعلنْ / فَعِلُنْ /فَعْلُنْ)، سوى (فاعِلُ)، وربما تكون منتشرة في المسرحية، فنحن لم نقرأ المسرحية ككل. إضافة لذلك، نجد احتمال الانتقال بين التفعيلتين فيها واضحا :


    "سادي: إِنَّ هٰذا لَشَيْءٌ عُجابٌ، وَلٰكِنَّني لا أَرى فيهِ


    بَأْسًا فَـماذا تَخافونَ مِنْ مِثْلِ هٰذا؟


    كبير الكهنة: رُبَّما لا تَرى فيهِ بَأْسًا، وَلٰكِنْ عَلى يَدِهِ سَتَكونُ نِهايَتُنا..


    سادي: كَيْفَ ذاكَ؟


    كبير الكهنة: حَكى لـي أَبـي يَوْمًا أَنَّ فِرْعَوْنًا كاهِنًا


    سَيَجيءُ بِدينٍ جَديدٍ وَيَـمْحو دينَ أَمونْ ..


    وَرَوى لِـيَ مِنْ وَصْفِهِ وَشَمائِلِهِ ما لا


    رَيْبَ عِنْدِيَ فـي أَنَّ هٰذا الَّذي تَـحْذَرونْ".(ص 27).


    ولباكثير أيضا من نفس المسرحية:


    "سَبِّحوا اسْمَ أَتونْ ** مَـجِّدوا ذِكْرَهُ


    أَيُّها الصَّالِـحونْ ** رَدِّدوا شُكْرَهُ


    رَبُّنا الْـمَعْبودْ** اَلْـحَيُّ الدَّائِمُ


    بِسَناهُ الْوُجودْ ** كُلُّهُ هائِمُ


    يَسْتَمِدُّ الْكَوْنْ ** مِنْ يَدَيْهِ الْـحَياهْ


    مُعْلي فِرْعَوْنْ ** وَمُذِلُ عِداهْ


    حامي الْوادي ** وَمُفيضُ النِّيلْ


    وَهْوَ الْـهادي ** لِسَواءِ السَّبيلْ


    هٰذا امْنوفيسُ الْعَبْدُ الْـخاضِعْ


    قَدْ جاءَ إِلَيْكَ بِقَلْبٍ خاشِعْ" . (ص 58).


    لاحظ استعماله أشكال (فاعِلُنْ)، سوى (فاعِلُ).


    وَهْوَ الْـهادي ** لِسَواءِ السَّبيلْ


    ××|××**** >>×|×>×<


    فَعْلُنْ| فَعْلُنْ*** فَعِلُنْ|فاعِلانْ


    هذا التنوع في التفعيلة، لا نجده عند الشاعر درويش، فهو يفصل، ويعتبر المتدارك وزنا، والمتدارك الخببي وزنا آخر. ليس هناك مجال للشك أن رائد شعر التفعيلة هو علي أحمد باكثير، وأن شاعرنا محمود درويش، ساهم في إحياء (فاعلنْ) والمتدارك ككل، لكن هناك من سبقه، وكما يقال: الحق أحق أن يتبع.


    مسرحية أخناتون ونفرتيتي ، منشورة مع باقي أعمال باكثير على الشبكة، في موقع باسمه ومواقع أخرى.


    الشاعر محمود درويش مبتكر القصيدة الدائرية


    نوضح قبل أن نتابع، ماذا نعني بالقصيدة الدائرية، وهذه التسمية من وضعنا، وهي تنطبق على معظم شعر محمود درويش؛ القصيدة الدائرية هي التي تعتمد على تفاعيل الدائرة الواحدة من الدوائر العروضية، ويمكن فك التفاعيل من خلال شعر الشاعر، وعلى سبيل المثال ( دائرة المؤتلف )، تشتمل على الكامل والوافر وبحر مهمل (المتوفر)، وتفاعيل البحور مبنية على (متفاعلن × 3 = كامل/ مفاعلتن ×3 = وافر/ فاعلاتك × 3 = متوفر)، وقد وجدت شاعرنا، في الجدارية، قد استعمل هذه التفاعيل كلها، وهذا إبداع تفرد به شاعرنا، من جهة القصيدة الدائرية، وكذلك تفرد بإحياء تفعيلة (فاعِلاتُكَ)، بصورتها الصحيحة والكتابة عليها؛ كذلك، فإن قصيدة (مديح الظل العالي) تندرج في سياق القصيدة الدائرية، وسنرى بيان ذلك بوضوح، وأيضا قصيدته ذائعة الصيت ( بطاقة هوية )، فهي قصيدة دائرية، والمقطع الثاني والخامس منها، يمكن قراءتهما على التفعيلتين معا (متفاعلن مفاعلتن)، كذلك فان أول استعمال لـ ( فعولن فاعلن) بشكل واضح ، جاء في قصيدته ( سرحان يشرب القهوة في الكفاتيريا )، من مجموعته ( أحبك أو لا أحبك )، الصادرة سنة 1972.


    (مديح الظل العالي) قصيدة دائرية


    قبل الدخول إلى القصيدة، أؤكد أنني لا أجزم بعدم وجود من انتبه لما انتبهنا له في قصيدة (مديح الظل العالي)، لكن ما ننفرد به عن غيرنا هو التسمية الجامعة، التي تنطبق على كل مزج للتفاعيل المشتقة من دائرة واحدة، ومما قاله البروفيسور سليمان جبران في هذا الصدد : "بل إن مجموعته «مديح الظلّ العالي » التي كتبها في حرب لبنان، وسمّاها «قصيدة تسجيلية »، لما تتسم به من خطابية عالية، تقوم كلّها على إيقاع الكامل". ( نظم كأنه نثر) .


    وردنا على هذا القول، بأن القصيدة جاءت على أكثر من تفعيلة، فقد جاء فيها مقطع على


    الوافر ( مُفاعَلَتُنْ مُفاعَلَتُنْ فَعولُنْ)، بجوازات التفعيلة؛ وننقل المقطع، ثم نشرح بعده سبب اختيار نقطة بدايته :


    "مَساءً /فَوْقَ بَيْروتَ /الرُّخامُ


    >×××|>×××|>××


    مَفاعيلُنْ|مَفاعيلُنْ|فَعولُنْ


    يَنِزُّ دَمًا، وَيَذْبَحُني الْـحَمامُ


    >×>>×|>×>>×|>××


    مُفاعَلَتُنْ|مُفاعَلَتُنْ|فَعولُنْ


    إِلى مَنْ أَرْفَعُ الْكَلِماتِ سَقْفًا


    >×××|>×>>×|>××


    مَفاعيلُنْ|مُفاعَلَتُنْ|فَعولُنْ


    وَهٰذي الْأَرْضُ يَـحْمِلُها الْغَمامُ؟


    >×××|>×>>×|>××


    مَفاعيلُنْ|مُفاعَلَتُنْ|فَعولُنْ


    وَيَرْحَلُ، حينَ يَرْحَلُ، نَحْوَ تيهي


    >×>>×|>×>>×|>××


    مُفاعَلَتُنْ| مُفاعَلَتُنْ|فَعولُنْ


    أُحَدِّقُ فـي الْـمُسَدَّسِ، وَهْوَ مُلْقًى


    >×>>×|>×>>×|>××


    مُفاعَلَتُنْ| مُفاعَلَتُنْ|فَعولُنْ


    عَلى طَرَفِ السَّريرِ وَأَشْتَهيهِ


    >×>>×|>×>>×|>××


    مُفاعَلَتُنْ| مُفاعَلَتُنْ|فَعولُنْ


    وَيُنْقِذُنـي، وَيُنْقِذُنـي الْكَلامُ


    >×>>×|>×>>×|>××


    مُفاعَلَتُنْ| مُفاعَلَتُنْ|فَعولُنْ


    ظَلامٌ كُلُّ ما حَوْلـي.. ظَلامُ".


    >×××|>×××|>××


    مَفاعيلُنْ|مَفاعيلُنْ|فَعولُنْ


    هذا هو المقطع الذي جاء منفصلا، ووزنه الوافر، وقد اخترنا البداية لسبب محدد، إذا نظرنا إلى الشطر الثاني (يَنِزُّ دَمًا، وَيَذْبَحُني الْـحَمامُ)، فلن يستقيم على ( مُتَفاعِلُنْ)، حتى لو اعتبرناه مدوَّرًا مع الشطر الذي سبقه، أما الشطر الأول، فيمكن اعتباره مدوَّرًا مع الشطر الذي قبله


    ( ... أَيُّها الْبَطَلُ انْكَسِرْ فينا / مَساءً /فَوْقَ بَيْروتَ /الرُّخامُ). يمكن هنا البدء من ( فينا مسا / مُسْتَفْعِلُنْ)، واعتبار كلمة (الرخام) نهاية تفعيلة مرفلة، لكن تدويرها مع ما بعدها ( الرخا/مُ يَنِزُّ دَما)، ولو شددنا ميم ( دما) أو خففناها، فالحال واحد والوزن مختل، لأن هناك سببًا ناقصًا، لكن اعتبرنا كلمة ( فينا / مُتْفا = فَعْلُنْ)، أي تفعيلة مضمرة حذاء، لأن الشطر الذي يليها يستقيم على الوافر .


    تعدد قراءات القصيدة الدرويشية


    إن مما يميز قصيدة الشاعر محمود درويش، هو قابليتها واحتمالها لأكثر من قراءة، ويؤكد الشاعر محمود درويش، قضية تعدد القراءات للقصيدة الواحدة: "في كتابي الأخير [لا تعتذر عمّا فعلت] وربّما الذي قبله، القصيدة قد تُقرأ من أوّل كلمة إلى آخر كلمة على أساس أنّها سطر واحد. أنا أرى أنّ هذا يعطي حيويّة حركة وتصويرًا لارتباك وفوضى ما منظّمة، في داخل بناء يبدو أنّه فوضوي. أنا أردّ على الفوضى الخارجية بفوضى بصرية لكن منظّمة إيقاعيّا [...] فإذا كتبت سطرًا وسكّنت ثمّ كتبت بعده سطرًا شعريّا فسيبدو هذا شعرا عموديّا. أحبّ أن أوحي بتداخل الأشكال والمناخات وأحبّ أن أسترسل، ومع أنّ القصائد مقتضبة إلا أنّ السطر نفسه مسترسل وفيه جيشان داخلي". (نظم كأنه نثر).


    لاحظ قوله "أحبّ أن أوحي بتداخل الأشكال والمناخات وأحبّ أن أسترسل"، إذن تعدد إيقاعات القصيدة، بفك تفعيلة من الأخرى، أمر متعمد من الشاعر، وليس مصادفة.


    كذلك يؤكد البروفيسور سليمان جبران، وجهة نظرنا في هذا، فيقول " نورد المقطع الأوّل من قصيدة "مصرع العنقاء"، كما ظهر هناك، لإبراز التدوير المركّب واختلاف الوزن باختلاف طريقة قراءته:


    "في الأناشيد التي نُنشدها


    نايُ،


    وفي الناي الذي يسكنُنا


    نارُ،


    وفي النار التي نوقدُها


    عنقاء خضراءُ،


    وفي مرثية العنقاء لم أعرفْ


    رمادي من غبارِكْ".


    المقطع أعلاه، ومقاطع القصيدة كلّها طبعًا، من الرمل التفعيلي (- ں - - / ںں- - )، ويمكن قراءته من أوّل كلمة فيه حتى آخره من الرمل المذكور، بحيث يتشكّل من تفعيلة فاعلاتن مكرّرة 15 مرّة، والأسطر كلّها مدوّرة لا ينتهي أيّ منها بالتفعيلة كاملة. إلا أنّ القارئ لا يقرأ المقطع كلّه في نفَس واحد، كما ذكرنا، فإذا توقّف في نهاية السطر الأوّل تحوّل الوزن في بقيّة المقطع إلى الرجز؛ 13 مستفعلن، وإذا توقّف في السطر الثاني في نهاية الجملة النحويّة عند الفاصلة التي أثبتها الشاعر، انقلب الوزن هزجًا؛ 12 مفاعيلن. لعلّ الشاعر لم يقصد هذه "التشكيلية" الإيقاعية فعلا، فالمقاطع الأخرى من القصيدة لا تتطابق مع هذا المقطع تمامًا. مع ذلك، يظلّ هذا الغنى الإيقاعي، وفي أسطر توهم بالنثر بتدويرها وشكل كتابتها، ظاهرة مدهشة حقّا".


    هذا التأكيد، ينقلنا للحديث عن (الجدارية) ، القصيدة المذهلة، فقد جاءت دائرية، مركبة من سبع تفاعيل مختلفة/متفاعلن، مفاعلتن، فاعلاتك، فعولن، فاعلن، خفيف، (فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن)، مع الجوازات، وفي هذا الصدد، يتحدث البروفيسور سليمان جبران عن الجدارية، فيقول:


    "في مجموعته "جدارية محمود درويش"، يرشدنا الشاعر بوضوح إلى دلالة المتقارب في شعر المرحلة الأخيرة. المجموعة/ القصيدة كلّها هي حوار "ملحمي" بين درويش والموت؛ كأنما يقف الشاعر أمام الموت وجها لوجه يناقشه ويناضله، متناولا مأساة الموت، متأملا في الوجود، متوسّلا بالإبداع والأساطير الشرقية القديمة لتحقيق الغلبة في هذا الصراع الرهيب. لذا، فالقصيدة مكتوبة كلّها في الكامل التفعيلي أيضا، كأنما ليضاهي بهذا الإيقاع الباذخ النفَس الملحمي والأسلوب التجريدي "الفلسفي" الذي يبسط ظلّه على القصيدة. إلا أن الشاعر إذ ينزل من عالمه التجريدي "الأبيض" في مقاطع معدودة يلتفت فيها إلى الواقع حوله، إلى "البياض" الواقعي على الممرّضات والأسرّة، عندئذ "ينزل" الإيقاع أيضا فيتحوّل إلى المتقارب، أو المتدارك:


    "الوقتُ صفرٌ، لم أفكِّر بالولادة


    حين طار الموتُ بي نحو السديم،


    فلم أكُن حيّاً ولا ميْتًا،


    ولا عَدَمٌ هناك، ولا وجودُ


    تقولُ مُمرِّضتي: أنتَ أحسَنُ حالا.


    وتحقُنُني بالمخدِّر: كنْ هادئاً


    وجديرًا بما سوف تحلمُ


    عمّا قليل...".


    عالم الرؤيا والتجريد، عالم محاورة الموت ومناهضته، في إيقاع الكامل الفخم، وأما عالم الواقع حوله، وهو ملقى على سريره، ففي المتقارب/ المتدارك، اليومي أو "النثري"، وتلك دلالة ما بعدها دلالة على موقع المتقارب في نفس الشاعر وفي قصيدته.


    علينا أن نبيّن هنا أن المتقارب المذكور ليس متقاربا خالصا، إذ غالبا ما يمتزج بالمتدارك في شعر درويش من المرحلة الأخيرة، كأن تبدأ القصيدة أو المقطع منها بالمتقارب، ثم تتحوّل إلى المتدارك أو بالعكس، ما يجيز لنا ببساطة اعتبار هذا المزيج وزنا "حديثا" فعلا نسمّيه المتدارب، أي المتدارك + المتقارب." . ( نثر كأنه نظم).


    أما ردنا فهو الآتي:


    جاءت القصيدة دائرية/متفاعلن، مفاعلتن، فاعلاتك، فعولن، فاعلن، خفيف، مع الجوازات، ولم أقرأ تنوعًا بهذا الكم من التفاعيل في قصيدة واحدة، سوى للزبيري، قصيدته (مسجد قرطبة)، وهي طويلة، جمع فيها عدة أوزان وبحور، الرجز، البسيط، مجزوء الرمل، المديد، المتدارك، مجزوء الخفيف على الأصل، وسبق ذكرها في مقالنا. ولي قصيدة تفعيلية، استعملت فيها تفاعيل الشعر العربي كافة، عدا مفعولاتُ، وهي بعنوان ( دورة كاملة في المقام).


    إن قصيدة بهذا التنوع في التفاعيل، وهي الوحيدة في شعر درويش، التي تشتمل على هذا التنوع، ونشير هنا إلى أن التفاعيل المذكورة هنا، ليست بطريقة فك تفعيلة من أخرى، إنما يبدأ المقطع بالتفعيلة ويستمر حتى نهايته، ويمكن خلاله فك تفعيلة من شقيقتها، فقط تفعيلة (مُفاعَلَتُنْ)، هي التي خرجت بطريقة فكها من (مُتَفاعِلُنْ)، ورغم هذا فقد كانت ترد بداية مقطع، كذلك التفعيلة المهملة (فاعِلاتُكَ)، هناك مقطع عليها، ويمكن أن نحتال عليه ونعده مخزومًا، وندرجه على (مُتَفاعِلُنْ)، لكنها (فاعِلاتُك)، ونفس الأمر في تفعيلة (فَعولُنْ)، فهناك مقاطع عليها، ويمكن فك (فاعِلُنْ) منها، وهناك مقاطع تبدأ بـ (فاعِلُنْ)، إضافة إلى شعر على بحر الخفيف، وهذا ما أثار دهشتنا، فالتفاعيل السابقة تجمعها دائرتان، لكن الخفيف ينتمي إلى دائرة ثالثة.


    لن نتعسف في قضية فك التفاعيل من بعضها، فالمقاطع تظهر كل تفعيلة بصورتها، وحتى لا نطيل على القارئ، نبدأ بـ (مُتَفاعِلُنْ):


    ( هٰذا هُو اسْمُكَ/


    قالَتِ امْرَأَةٌ،


    وَغابَتْ فـي المَمَرِّ اللَّوْلَبِيِّ...


    أَرى السَّماءَ هُناكَ فـي مُتَناوَلِ الْأَيْدي.


    وَيَـحْمِلُني جَناحُ حَمامَةٍ بَيْضاءَ صَوْبَ طُفولَةٍ أُخْرى – م -) . (ص 441)


    هذا مطلع القصيدة، وقد جاء على (مُتَفاعِلُنْ)، ويمكننا أن نقرأ الشطر الأخير على (مُفاعَلَتُنْ)، بطريقة فك التفعيلة من شقيقتها.


    "... "هُوَ" فـي "أَنا" فـي "أَنْتِ".


    لا كُلٌّ وَلا جُزْءٌ. وَلا حَيٌّ يَقولُ


    لِـمَيِّتٍ : كُنِّي!


    .. وَتَنْحَلُّ الْعَناصِرُ وَالْـمَشاعِرُ. لا


    أَرى جَسَدي هُناكَ،وَلا أُحِسُّ


    بِعُنْفُوانِ الْـمَوْتِ، أَوْ بِحَياتِـيَ الْأُولى". (ص 459 – 460).


    الفاصل بين المقطعين، أثبته الشاعر، وبالتالي، فهو يعني التخيير، بين الاستمرار على (مُتَفاعِلُنْ)، مع التدوير، أو اعتبار (كُنِّي فَعْلُنْ)، أي تفعيلة حذاء مضمرة، ثم الانتقال إلى (مُفاعَلَتُنْ).


    ( تَقولُ مُمَرِّضَتي: أَنْتَ أَحْسَنُ حالًا.


    وَتَحْقُنُني بِالْـمُخَدِّرِ: كُنْ هادِئًا


    وَجَديرًا بِما سَوْفَ تَـحْلُمُ عَمَّـا قَليلٍ..) . ( ص 461) .


    هنا نجد (فَعولُنْ)، وقد استغرق المقطع 4 صفحات، وهناك غيره في الصفحات


    ( 497 – 499).


    " وَلَدًا سَيَحْمِلُ عَنْكَ روحَكَ.


    فَالْـخُلودُ هُوَ التَّناسُلُ فـي الْوُجودِ.


    وَكُلُّ شَيْءٍ باطِلٌ أَوْ زائِلٌ، أَوْ


    زائِلٌ أَوْ باطِلٌ.


    مَنْ أَنا؟


    أَنَشيدُ الْأَناشيدِ


    أَمْ حِكْمَةُ الْـجامِعَهْ؟


    وَكِلانا أَنا..


    وَأَنا شاعِرٌ


    وَمَلِكْ


    وَحَكيمٌ عَلى حافَّةِ الْبِئْرِ


    لا غَيْمَةٌ فـي يَدي


    وَلا أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا


    عَلى مَعْبَدي


    ضاقَ بـي جَسَدي


    ضاقَ بـي أَبَدي


    وَغَدي


    جالِسٌ مِثْلَ تاجِ الْغُبارِ


    عَلى مَقْعَدي


    باطِلٌ، باطِلُ الْأَباطيلِ... باطِلْ


    كُلُّ شَيْءٍ عَلى الْبَسيطَةِ زائِلْ


    اَلرِّياحُ شَمالِيَّةٌ


    وَالرِّياحُ جَنوبِيَّةٌ


    تُشْرِقُ الشَّمْسُ مِنْ ذاتِها". (ص 517 – 519).


    الاقتباس هنا، متعدد التفاعيل والإيقاعات، فإلى قوله (زائِلٌ أَوْ باطِلٌ)، تفعيلة (مُتَفاعِلُنْ)، ثم تغير إلى (فاعِلُنْ)، حتى قوله (لا غَيْمَةٌ فـي يَدي)، تلا ذلك (فَعولُنْ)، ويجب قراءة (وَلا أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)، بإشباع حركتي الدال والراء من (أحد عشر)، (أَحَدَا عَشَرَا)، تلا ذلك بيت على الخفيف، (باطِلٌ، باطِلُ الْأَباطيلِ... باطِلْ // كُلُّ شَيْءٍ عَلى الْبَسيطَةِ زائِلْ)، ثم عاد إلى (فاعِلُنْ)، واستمر حتى صفحة (523)، وتكرر بيت الخفيف بنصه (ص 520) في نهاية الصفحة، وفي ختام المقطع، نهاية صفحة


    (523).


    ( مِثْلَما سارَ الْـمَسيحُ عَلى الْبُحَيْرَةِ،


    سِرْتُ فـي رُؤْيايَ. لٰكِنِّي نَزَلْتُ عَنِ


    الصَّليبِ لِأَنَّني أَخْشى الْعُلُوَّ، وَلا


    أُبَشِّرُ بِالْقِيامَةِ) . (524).


    هنا نجد (فاعلاتك)، بصورتها الصحيحة، تمثل مقطعا، وقد يقول قائل إن المقطع مخزوم، والتفعيلة (مُتَفاعِلُنْ)، وردنا، إن الشاعر استعملها مجاورة لـ (مُتَفاعِلُنْ )، وفي نفس الشطر، تنتهي واحدة لتبدأ الأخرى، وفي مجموعته الأخيرة ( لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي)، التي صدرت بعد وفاته، رحمه الله، لذا فإننا نميل إلى قراءة (فاعِلاتُكَ)، كونها من نفس الدائرة، ولأن الشاعر سلك هذا المسلك من قبل.


    حالة حصار /دائرية


    تندرج هذه المجموعة، أيضا، ضمن القصيدة الدائرية، والشعر الدائري، ويتحدث عنها البروفيسور سليمان جبران، فيقول:


    "الأمر ذاته نلحظه في مجموعتين لاحقتين، "سرير الغريبة" و "حالة حصار" اللتين تقومان على المتقارب الخالص أيضا" .( نثر كأنه نظم).

    جاءت القصيدة دائرية ( فَعولُنْ فاعِلُنْ)، بجوازاتهما، وقد كان الانتقال في مقاطع كثيرة، واضحًا، لا يحتاج إلى فك تفعيلة من أخرى، مثل أن تنتهي صفحة أو قطعة بـ (فَعولُنْ)، تليها مباشرة الصفحة التالية أو القطعة التالية بـ (فاعِلُنْ)، وهذا أمر واضح جدا في القصيدة، ونخالف أستاذنا جبران، الرأي في وزن القصيدة، فهي قصيدة دائرية، وليست من المتقارب الخالص، اعتمدت على التفعيلتين ( فَعولُنْ فاعِلُنْ)، ولا نقصد سهولة الانتقال من تفعيلة إلى أخرى، إيقاعيًا ، إنما هناك انتقال واضح، فالشاعر نجده يكتب على (فَعولُنْ)، ثم ينتقل إلى (فاعِلُنْ)، وهناك مواضع لا يمكن وصلها، بل الانتقال من تفعيلة إلى أخرى ، رغم أن التقطيع العروضي، يمكن أن يصلهما، لكن القراءة الإيقاعية لا تستقيم بالوصل؛ وقد اشتملت القصيدة على أخطاء أدت إلى خلل في الوزن. ونبدأ مع القصيدة من بدايتها، فقد جعلها الشاعر مقاطع، فصل بين كل مقطع وتاليه بمربع صغير، وهذه إمكانية تتيح فصل القراءة إلى قراءتين، لا واحدة، رغم أننا لم نلتزم بها بدقة، بل اعتمدنا ما ظهر جليا في الانتقال. بدأت القصيدة على (فَعولُنْ )، واستمرت عدة صفحات، وخلال هذه الصفحات، هناك مجال لاعتبار نهايات المقاطع (فَعو)، والانتقال إلى (فاعِلُنْ)، لكن تركناها، ونقتبس قوله:
    " [إِلى ناقِدٍ:] لا تُفَسِّرْ كَلامي
    بِـمِلْعَقَةِ الشَّايِ أَوْ بِفِخاخِ الطُّيورِ!
    يُـحاصِرُنـي فـي الْـمَنامِ كَلامي،
    كَلامي الَّذي لَـمْ أَقُلْهُ
    وَيَكْتُبُني ثُمَّ يَتْرُكُني باحِثًا
    عَنْ بَقايا مَنامي" – ص 193.
    هنا، واضح أن المقطع انتهى بـ (مَنامي/فَعولُنْ)، فإذا ما انتقلنا إلى المقطع التالي، نجد الإيقاع تغير:
    (شَجَرُ السَّرْوِ، خَلْفَ الْـحُدودِ، مَآذِنُ
    تَـحْمي السَّمـاءَ مِنَ الْاِنْـحِدارِ. وَخَلْفَ سِياجِ
    الْـحَديدِ جُنودٌ يَبولونَ . تَـحْتَ حِراسَةِ دَبَّابَةٍ.
    وَالنَّهارُ الْـخَريفِيُّ يُكْمِلُ نُزْهَتَهُ الذَّهَبِيَّةَ
    فـي شارِعٍ واسِعٍ كَالْكَنيسَةِ
    بَعْدَ صَلاةِ الْأَحَدْ" – ص 194.
    بدأ المقطع بـ (فَعِلُنْ فاعِلُنْ)، ولا يمكن القول إن المقطعين عروضيًا في نفس الوزن ، وقد طبقت القراءة الإيقاعية على التفعيلتين، فلم أحس باختلاف مطلقا، إلا في حالة الانتقال من (فعولن) المحذوفة إلى (فاعلن)، أو الانتقال من (فاعلن)، إلى (فعولن)، بحيث يجب الوقف ثم المتابعة. نأخذ المقطع الذي يلي:
    "بِلادٌ عَلى أُهْبَةِ الْفَجْرِ،
    لَنْ نَـخْتَلِفْ
    عَلى حِصَّةِ الشُّهَداءِ مِنَ الْأَرْضِ،
    ها هُمْ سَواسِيَةٌ
    يَفْرُشونَ لَنا الْعُشْبَ
    كَيْ نَأْتَلِفْ" – ص 195.
    بدأ المقطع، بـ (فَعولُنْ /بِلادٌ)، إذن، نحن أمام انتقال بين التفعيلتين، طبيعي غير قسري أو بطريقة فك تفعيلة من شقيقتها. جاء الأول ( فَعولُنْ)، والثاني (فاعِلُنْ)، والثالث ( فَعولُنْ)، وهذا الانتقال يصادفنا كثيرا في القصيدة، بالإضافة إلى الانتقال بطريقة فك تفعيلة من شقيقتها، وهو ما قلنا إننا تركناه، في هذه القصيدة تحديدا.
    نأخذ اقتباسا آخر:
    " لَنا إِخْوَةٌ خَلْفَ هٰذا الْـمَدى
    إِخْوَةٌ طَيِّبونَ، يُـحِبُّونَنا، يَنْظُرونَ إِلَيْنا
    وَيَبْكونَ، ثُـمَّ يَقولونَ فـي سِرِّهِمْ:
    "لَيْتَ هٰذا الْـحِصارَ هُنا عَلَنِيٌّ..."
    وَلا يُكْمِلونَ الْعِبارَةَ: " لا تَتْرُكونا
    وَحيدينَ.. لا تَتْرُكونا". – ص 201.
    لقد انتهى المقطع (لا تَتْـ/رُكونا/فَعولُنْ)، فإذا ما انتقلنا إلى المقطع التالي:
    " أَلْقَبائِلُ لا تَسْتَعينُ بِكِسْرى
    وَلا قَيْصَرٍ، طَمَعًا بِالْـخِلافَةِ،
    فَالْـحُكْمُ شورى عَلى طَبَقِ الْعائِلَةْ
    وَلٰكِنَّها أُعْجِبَتْ بِالْـحَداثَةِ
    فَاسْتَبْدَلَتْ
    بِطائِرَةٍ إِبِلَ الْقافِلَةْ" - ص 202.
    همزة القطع في بداية المقطع (أَلْقَبائِلُ)، أثبتناها كما أثبتها الشاعر في الديوان، وهذا يعني انفصال هذا المقطع عن سابقه، وحتى لو قرأنا قراءة متصلة مع قطع الهمزة، لا يمكن إلا أن تظهر التفعيلتان، وهذا يعني أن هذا المقطع (فاعِلُنْ)، وليس كسابقه، وللعودة إلى (فَعولُنْ) ، لا نحتاج إلى الانتقال إلى المقطع التالي، بل يكفي التدقيق في الشطور الثلاثة الأخيرة:
    "وَلٰكِنَّها أُعْجِبَتْ بِالْـحَداثَةِ
    فَاسْتَبْدَلَتْ
    بِطائِرَةٍ إِبِلَ الْقافِلَةْ".
    هذا يعني أن المقطع اشتمل على التفعيلتين، بشكل واضح وطبيعي، دون فك واحدة من أخرى، بدأ بـ (فاعِلُنْ)، ثم انتقل إلى (فَعولُنْ).
    نأخذ جزءًا ختاميًّا من مقطع آخر:
    " .....
    فَلَـمْ نَنْتَبِهْ لِنَزيفِ الْـجُروحِ الصَّغيرَةِ فينا.
    غَدًا حينَ يَشْفى الْـمَكانُ
    نُـحِسُّ بِأَعْراضِها الْـجانِبِيَّةْ" – ص 207 .
    انتهى المقطع بـ (فَعولُنْ)، تامة، سالمة من الزحاف والعلة، فإذا انتقلنا إلى تاليه، ونقتبس جزءًا من بدايته للدلالة:
    "فـي الطَّريقِ الْـمُضاءِ بِقِنْديلِ مَنْفى
    أَرى خَيْمَةً فـي مَهَبِّ الْـجِهاتْ:
    اَلْـجَنوبُ عَصِيٌّ عَلى الرِّيحِ،
    وَالشَّرْقُ غَرْبٌ تَصَوَّفَ – م –" – ص 208.
    واضح هنا، أن المقطع بدأ بـ (فاِعِلُنْ)، صحيحة ، وليس كسابقه.
    في الصفحتين ( 212 – 213) وهما متقابلتان، نأخذ النهاية والبداية، حتى لا نرهق القراء، ونبدأ بنهاية المقطع – ص 212 :
    " إلٰـهي.. إِلٰـهي لِـماذا تَـخَلَّيْتَ عَنِّي
    وَما زِلْتُ طِفْلًا .. وَلَـمْ تَـمْتَحِنِّي" . انتهى المقطع بـ (فَعولُنْ).
    وهذه بداية المقطع – ص 213 :
    " قالَتِ الْأُمُّ :
    لَـمْ أَرَهُ ماشِيًا فـي دَمِهِ
    لَـمْ أَرَ الْأُرْجُوانَ عَلى قَدَمِهْ" . بدأ المقطع بـ (فاعِلُنْ) .
    نفس الأمر في الصفحتين (214 – 215) ، وهما أيضا متقابلتان، نهاية بـ (فاعِلُنْ)، وبداية بـ(فَعولُنْ)، ونقتبس النهاية والمطلع، ونبدأ بنهاية (ص 214):
    " فَمَتى يَنْتَهي، يا حَبيبي، شَهْرُ الْعَسَلْ". انتهى المقطع بـ (فاعِلُنْ) ، وهذا مطلع (ص 215):
    " سَيَمْتَدُّ هٰذا الْـحِصارُ إِلى أَنْ
    يُـحِسَّ الْـمُحاصِرُ، مِثْلَ الْـمُحاصَرِ
    أَنَّ الَّضَّجَرْ
    صِفَةٌ مِنْ صِفاتِ الْبَشَرْ". بدأ المقطع بـ (فَعولُنْ)، صحيحة، وفي ختام نفس الصفحة والمقطع ( ص 215)، نقرأ:
    " أَلَـمْ تَتْعَبوا أَيُّها السَّاهِرونْ؟" . انتهى بـ ( فَعولْ)، فإذا انتقلنا إلى مطلع الصفحة التالية (ص 216)، نجدها:
    " واقِفونَ هُنا. قاعِدونَ هُنا.دائِمونَ هُنا.
    خالِدونَ هُنا. وَلَنا هَدَفٌ واحِدٌ واحِدٌ:
    أَنْ نَكونَ – م –". بدأ المقطع بـ (فاعِلُنْ)، صحيحة، وانتهى بنفس التفعيلة، وهذا ختامه ثم بداية الصفحة المقابلة :
    "أَنْ نَكونَ
    وَمِنْ بَعْدِهِ يَجِدُ الْفَرْدُ مُتَّسَعًا لِاخْتِيارِ الْـهَدَفْ". انتهى المقطع بـ (فاعِلُنْ)، صحيحة.
    نكتفي بهذا، وهناك سوى ما ذكرنا الكثير، فكل القصيدة تخضع لهذا التقسيم .
    إذن فإن ( حالة حصار ) ليست على المتقارب الخالص، بل هي دائرية، من الشعر الدائري، أو ما أسميناه، الممتزج، في عروضنا، أو ما أسماه البروفيسور سليمان جبران، المتدارب، ( متقارب + متدارك)، الذي اعتمد تفعيلتي الدائرة، ونسج منهما هذا الرائعة .

    في بداية (حالة حصار)، كتب الشاعر الآتي:"كتب هذا النص في يناير 2002 في رام الله .."، لم يقل ( القصيدة)، أو (المطولة)، فهل لنا أن نسأل عن معنى كلمة نص هنا، وهو نص موزون وليس نثريًا؟.

    ختاما: هذه بعض الملاحظات، رأينا نشرها، وهناك سواها، تتعلق بـ (مزامير)، و (قصيدة النثر)، حتى تلك التي في كتابات الشاعر الأخيرة، لأننا لا نرى أن الشاعر محمود درويش، كتب قصيدة النثر، إطلاقا.

    وللتوسع: ( تحولات الايقاع في شعر محمود درويش)، الذي سيصدر في كتاب، قريبا، إن شاء الله .

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
الاتصال بنا
يمكن الاتصال بنا عن طريق الوسائل المكتوبة بالاسفل
Email : email
SMS : 0000000
جميع ما ينشر فى المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأى القائمين عليه وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط