http://www.alriyadh.com/2010/04/29/article520771.html



ظل آخر

سيرة الشجن..!

إبراهيم الوافي
منذ سبع سنواتٍ تقريباً التقيتُ به على شبكة المعاصر الالكترونية شاعرًا من فئة الجادين في تجاربهم ..كان هاجسه الإيقاع فظفر به مبكّرا.. ثم تخلّقت تجربته داخل أجمل ما يمكن أن تقدمه دائرة ذلك الإيقاع الشعري ...
ذاك هو الصديق محمد شيخ السقاف الذي أصدر مع أول هذا العام الميلادي 2010 مجموعته الشعرية الأولى (سيرة الشجن) ضمن منشورات (الغاوون) للطباعة والنشر.. استهلّها بتقديم مؤنّقٍ باللمحات النقدية من قبل الدكتور عبدالعزيز المقالح قبل أن يفاتحنا الشاعر بقصيدته الأولى (فلسفة الأسئلة).. وهي نص أول جاء بعده اثنان وأربعون نصا احتاجت لمائة وعشر صفحات من القطع المتوسط..
وإذا كان الدكتور عبدالعزيز المقالح قد كثّف في تقديمه للمجموعة على ملمح الإيقاع فيها والتزام الشاعر الجاد به، فإنه في المقابل لم يتعرض كثيرا لأثره في التجربة ك عائق نسبي حد كثيرا من انثيال التجربة الشعرية على مستوى الرؤيا وهي ما تميز بها الصديق السقاف في تجربته حينما كان حرّاً من هاجس الإيقاع الصارم على مستوى التفعيلة أو على مستوى كتابتها بهاجس القصيدة العمودية، وأيا كان ذلك فالشاعر محمد السقاف حمل في مجموعته تجربة شعرية ناضجة جداً على مستوى الرؤيا الشعرية، والمعرفة العروضية بصورة بهية في كثير من النصوص، وهذا الجمع بين الهاجسين لم يدخله كثيرا في نفق الصناعة الشعرية نتيجة تطور لغته ومائيتها وقدرتها على التموسق بذاتها على الرغم من تقييدها بالأوزان العروضية الصارمة:
( للون رائحة
ولي وجع تصلّب
فوق جدران المواسم والعيون
الحزن ياليلى قبيلتنا
فكيف نفر من لغة الجنون
الحزن تاريخ البلاد
وغيمها الصيفي
ذاكرة الربى الصفراء
والمطر الهتون
ماذا سيبقى من أناملنا
وفي أعصابها الخذلان
يحترف الظنون ... )
لكنّ هذه الصرامة المقيدة للمعنى والمكبّلة له لا تجيء دائما نتيجة الإحساس الشعري باللغة النافذة التي لاتقيدها موسيقى، ولا تقف أمام تدفّقها علّة واهنة أو زحاف جائر ..! :
( إن بين الخطى والطريق
ضياعًا
يخط إشاراته
في انعطاف الدروب
التي ليس تفضي إلى وجهةٍ
ليت هذا الضياع
يعاملني كالمشاة
فأعرف أن هنا سرعة
لايجوز تجاوزها
وأن هنالك منعطفاً
هو أخطرُ من جملةٍ
تحتويها الإشارة
رامزةً للخطر. )
والسقاف محمد الشاعر (المنظّم) في رؤياه نتيجة انتظامه الموسيقي لايخرج في لغته عن ثقافة ثريّة متمدّنة إلى حد كبير، وهو وجه آخر جميل ومثير للنص المموسق، الذي تعود به غالبا صرامته الموسيقية إلى لغة منغلقة ومحدودة التأويل، يتمرّد عليها السقاف كثيرا حينما تحضر في قصيدته ملامح المدينة المسافرة دائما على جناح خاطرة..:
(... ليس يدري إلى أين
إني أراه بكل تفاصيله
يتمشى كأهل الطريقةِ
بين السماوات والأرض
إني أراه بكل عناصره
يتوحّد مثل الغمام
ولا يتجزّأ مثل المطر.)
وإذا كان الدكتور عبدالعزيز المقالح قد أشاد في مطلع تقديمه للمجموعة بعنوانها الموسوم ب (سيرة الشجن) مفكّكا له ومحلّلا للرؤيا فيه، فإنني في المقابل تمنيت لو أن الصديق محمد السقاف خرج به عن هذا التركيب المباشر والتقليدي في العنوان، تبعًا لما اشتملت عليه المجموعة من نصوص متجاوزة لمثل هذه المباشرة..
ومهما كان الأمر عليّ القول أخيرا ان (سيرة الشجن) للصديق محمد السقاف إضافة نوعية للمكتبة الشعرية المحلية، وحضور مؤثر جدا لقصيدة التفعيلة التي لاتزال تمثل حضورها في نصوص نوعية ومتطورة...