وفقاً لرأي الأستاذ خشان التفعيلة كيان وهمي كلياً ولديه على ذلك برهان بسيط يقول إن البيت الواحد يمكن تقطيعه وفقاً لتفعيلات مختلفة فالشطر من الرمل: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن يمكن تقطيعه مثلاً هكذا: فاعلن مستفعلن مستفعلن وإلى آخره.
قلت: نعم هذا صحيح ولكن تشهد لوجود التفعيلة في بعض الحالات و لفوائد التفعيلة عموماً الحقائق التالية:
أولاً التفعيلة كيان موجود بصراحة في الأبحر وحيدة التفعيلة كالمتقارب والكامل والرمل بشكله النظري والمتدارك (وشكله المستعمل الخبب الذي يراه الأستاذ خشان نوعاً خاصاً من الوزن)
ذلك أن التفعيلة في هذه الأبحر بتكرارها تشكل وحدة إيقاعية تفرض نفسها.
والمماثلة مع الإيقاع مفيدة، إذ الوزن العروضي ما هو في الحقيقة إلا إيقاع. فإن جئت إلى الإيقاع وجدت الناقر على الدف يقدم لك مجموعة من النقرات المنفردة ولكن كل منها بانفرادها لا تقدم لك الإيقاع فهو تكون من تشكيلات معينة تستعاد وكل واحدة هي وحدة مستقلة تتألف من مجموعة من النقرات والفواصل الزمنية وهذه الوحدة تذكرك بالتفعيلة فإن شئت أن تشكك بوجود هذه الوحدة عدت إلى حقيقة أكيدة بحد ذاتها وهي تكونها من وحدات جزئية أصغر منها ولكنك بهذا التشكيك تنكر حقيقة واقعة هي وجود الوحدة الكبيرة التي تتكرر وتشكل الإيقاع.
ثانياً: تغيير التفعيلات في التقطيع حتى إن كان ممكناً فهو لا يكفل التعامل مع ما يسمى بالزحافات وأسميه تبسيطاً على المنهاج المدرسي السوري الذي يعجبني "جوازات" ولا يتيح لك التعامل مع ظاهرة المجزوء.
مثلاً إن قطعت الرمل هكذا: فاعلن مستفعلن مستفعلن
فأنت مضطر لعد المجزوء: فاعلن مستفعلن= فاعلاتن فاعلن ولن تقرر المجزوء الفعلي الذي هو: فاعلاتن فاعلاتن!
ولو قطعت الطويل الذي هو فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن بالشكل التالي: فعولن فعولن فاعلن فاعلاتن فع فأنت تضطر إلى قطع تفعيلة بشكل مزعج، ثم لن تستطيع التعامل بصورة "مرتبة" مع الأشكال المختلفة للتفعيلة الأخيرة في الطويل.
وتشكيك الأستاذ خشان بوجود التفعيلة أمر معتاد له نظائر في العلم إذ الباحث يميل إلى عدم رؤية ما لا ينسجم مع طريقته التحليلية الخاصة، والذي أنا لا أشك فيه هو فائدة طرق الأستاذ خشان التجزيئية في دراسة العلاقات الداخلية للإيقاع، ولكنه على ما يبدو لي في هذا البحث يهمل إلى حد ما الكل في سبيل دراسة الجزء. ولذلك أرى أن طريقته قيمة ولها إنجازات مؤكدة ولكن يجب علينا دوماً أن نعود إلى النظرة الكلية للبيت ونظامه وبالذات في اعتقادي ذلك النظام الذي تبلور مع العصور وليس كل شكل مهما شذ كما تفعل كتب العروض.
والله أعلم.