http://forum.4islam.cc/t103272/




في التقفية و التصريع
الدكتور/عهدي إبراهيم السيسي
أستاذ الأدب العربي والعروض المساعد
بكليتي التربية جامعة حائل ,والآداب جامعة طنطا





التقفية و التصريع (*)

إنّ موسيقى الشعر الكاملة لا تتكون من الإيقاع العام أو العروضي وحده بل تنشأ من الإيقاع الـداخلي ,ويعـدّ التصريع من أهـم أنمـاط الإيقاعات الداخلية فهـو يسـهم في إثراء الحـركـة الموسيقية اللازمة لبنية القصيدة الفنية لمـا فيه من تناغم يجعـل النفس تتلقـاه بالارتياح والقبول,ومن ثم اهتم به علماء الموسيقى , ووقف البلاغيون والنقاد عنده , وبينوا أثره في بداية الفكرة و تهيئة السامع ؛لأنه أول ما يقرع السمع.

ويعـدّ التصريع من أمارات إجادة الشاعر و تعلقه بفنه فهو يُعِد أذن المتلقي و يمهّد لمعرفة القافية و تقبلها , ومِن ثمّ شغف به الشعراء على مر العصور و جعلوه مِن مهمات القصائد فيما يتأهبون له من الشعر0

وقد استهل ابن رشيق القيرواني (465هـ) باب التقفية و التصريع في كتابه العمدة بقوله : "هذا باب يشكل على كثير من الناس علمه " (1) وما يزال البلاغيون يخلطون بين التصريع و التقفية يقول صفي الدين الحلي (752 هـ) :"ولا يميز كثير من البلاغيين بين التصريع و التقفية " (2)

ونبدأ أولاً بتحديد المصطلحين "فليس من شك أنّْ تحديد المصطلح أمر بالغ الأهمية, فضلاً عن أنّه ضرورة علمية و منهجية "(3 )

التقفية لغةً واصطلاحًا:

التقفية لغةً: القاف و الفاء و الحرف المعتل أصل صحيح يدل على إتباع شيء لشيء يقال: قفوت الرجل و اقتفيته و استقفيته :اتبعت أثره, ويقال: قفيت على أثره بفلان ؛أي أتبعته إياه , وفي التنزيل : ثم قفينا علىءاثارهم برسلنا  (4) ؛أي أتبعنا نوحاً و إبراهيم رسلاً بعدهم , و فيه أيضاً : ولا تقف ما ليس لك به علم (5) ؛أي لاتتبع ما لا تعلم (6)

والتقفية اصطلاحاً: أن يكون البيت الأول معتدل الشطرين فيأتي الشاعر في عروض البيت بما يلزمه في ضربه مع إبقائها على ما تستحقه في نفسها من الحكم الثابت (7)؛ أي أن يتساوى الجزءان - العروض و الضرب – من غير نقص و لا زيادة ,فلا تتبع العروض الضرب في شيء إلا في السجع خاصة (8) ويذهب الشعراء المطبوعون إلى ذلك "لأنّ بنية الشعر إنما هو التسجيع والتقفية "(9)

فكل ما لم يختلف عروض بيته الأول مع سائر عروض أبيات القصيدة إلا في السجع فقط فهو مقفى كقول امرئ القيس : (من ثاني الطويل)

قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ و منزلِ بسقطِ اللّوى بين الدّخولِ فحوملِ (10)

فالتزم الروي , وهو اللام , والوصل , وهو الياء في العروض و الضرب مع عدم تغيير صيغة العروض حيث جاءت على (مفاعلن) و الضرب على (مفاعلن) فهما جميعاً (مفاعلن) إلا أن العروض مقفى مثل الضرب.

وبناءً على ذلك فإنّ التقفية تقع في مطالع القصائد في ثلاثين ضرباُ من أضرب الشعر العربي التسعة والستين على نحو ما يتضح من الجدول الآتي:

البحر عدد الأضرب مرات التقفية الأضرب التي تقع فيها التقفية ملاحظات
الطويل 3 1 ثانيه (مفاعلن)
المديد 6 3 أوله(فاعلاتن) وثالثه(فاعلن) وخامسه(فعَلن)
البسيط 7 4 أوله(فعَلن) ورابعه(مستفعلن) وسادسه(مفعولن) ومخلعه(فعولن)
الوافر 3 2 أوله (فعولن) وثانيه (مفاعلتن)
الكامل 9 3 أوله(متفاعلن) ورابعه(فعَلن) وثامنه (متفاعلن)
الهزج 2 1 أوله (مفاعيلن)
الرجز 5 2 أوله (مستفعلن) وثالثه(مستفعلن) له عروض مشطورة وأخرى منهوكة
الرمل 6 2 أوله (فاعلن) ورابعه (فاعلاتن)
السريع 6 2 أوله (فاعلن) ورابعه (فعَلن) له عروضان مشطورتان
المنسرح 4 ــــ له عروضان منهوكتان
الخفيف 5 3 أوله(فاعلاتن) وثالثه(فاعلن) ورابعه(مستفع لن)
المضارع 1 1 أوله(فاع لاتن)
المقتضب 1 1 أوله(مفتعلن)
المجتث 1 1 أوله(فاعلاتن)
المتقارب 6 2 أوله(فعولن) وخامسه (فعو)
المتدارك 4 2 أوله(فاعلن) وثانيه (فاعلن)
69 30
وفي الجدول نلحظ أنّ هناك ست أعاريض منهوكة ومشطورة في بحور الرجز و السريع و المنسرح ؛أي أنّ العروض فيها هي الضرب ,وعلى ذلك فإن نسبة ورود التقفية في مطالع القصائد إلى عدد الأضرب (30 :63 ) بنسبة 47.6% تقريباً ؛أي أن التقفية تأتي في نصف أعاريض الشعر العربي تقريبًا.

التصريع لغةً واصطلاحًا:

التصريع لغـةً: يقـال : صرّع الباب :جـعله ذا مصراعين ,ويقـال: صرّع البيت من الشعر :جعل شطريه متفقين في التقفية , واشتقاق التصريع من مصراعي الباب ,وقيل :بل هو من الصّرعين, وهما طرفا النهار ,وقال قوم :هو من الصّّرع الذي هو المثل (11)

والتصريع اصطلاحاً : أن يكون عروض البيت الأول مخالفاً لضربه في الاستعمال فيجعل الشاعر العروض كالضرب فيلزمها من اللوازم ما يلزم الضرب ؛أي ما كانت عروض البيت فيه تابعةً لضربه ,تنقص بنقصه ,وتزيد بزيادته (12) ومثال الزيادة قول امرئ القيس:
(من أول الطويل)
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ وعرفانِ ومنزلٍ عفت آياتُه منذ أزمانِ (13)

فقد جعل تفعيلة العروض (مفاعيلن) كتفعيلة الضرب من أجل التصريع , ولولا ذلك لكانت تفعيلة العروض (مفاعلن) مقبوضة , فعروض الطويل لم تستعمل إلا مقبوضة .

ومثال النقصان قول امرئ القيس: (من ثالث الطويل)
لِمن طللٌ أبصرتهُ فشجاني كخط زبورٍ في عسيب يماني (14)

فالضرب (فعولن) والعروض مثله لمكان التصريع ؛لأن العروض في سائر القصيدة (مفاعلن)

ومن ثمّ فإن قيود التصريع ثلاثة ,هي :
1) تغيير العروض عما تستحقه بالزيادة أو النقص.
2) موافقة العروض للضرب في الوزن العروضي .
3) موافقة العروض للضرب في حرف الروي وحركته .

وسبب التصريع" مبادرة الشاعر القافية ليعلم من أول وهلة أنه أخذ في كلام موزون غير منثور فضلاً عما له من طلاوة وموقع في النفس لاستدلالها به على القافية قبل الانتهاء إليها, ولمناسبة تحصل لها بازدواج صيغتي العروض والضرب ,ولذلك وقع في أول الشعر"(15) يقول أبو تمام الطائي : (من ثاني الطويل)
وتقفو إلى الجدوى بجدوى وإنّما يـروقـك بيت الشـعر حـين يصرّعُ (16)


وقد يصرّع الشاعر أكثر مرة في القصيدة, كأنّما يعمد بذلك إلى تجزئة الإنشاد إلى مقاطع, يتوقف عند نهاية كل منها, ثم يستأنف الإنشاد من جديد فإذا خرج الشاعر "من قصة إلى قصة ,أو مـن وصف شيء إلى وصف شيء آخر فيأتي حينئذ التصريع إخبارًا بذلك و تنبيهاً عليه "(17) وأكثر من كان يستعمل ذلك امرؤ القيس لمحله من الشعر (18) كقوله في قصيدة مطلعها : (من أول الطويل)
ألا عِم صباحاً أيّها الطللُ البالي وهل يعمن مَن كان في العُصُر الخالي (19)


وقال بعد بيتين من هذا البيت :
ديارٌ لسلمى عافياتٌ بذي الخالِ ألـحّ عليهـا كـلّ أسحم هـطّـال

وقال بعد أبيات أُُخر:
ألا إنّني بـالٍ عـلى جمـلٍ بـالٍ يـقود بنا بـالٍ و يتبـعنا بـالِ

وهذا دليل على اقتدار الشاعر وقوة طبعه وسعة بحره إلا أنه إذا كثر في القصيدة الواحدة دل على التكلف.

وليست التقفية ولا التصريع بالأمر المحتم فكثير من القصائد المشهورة غير مصرعة المطلع ولا مقفاة,و مِن الشعراء الفحول مَن يغفل التصريع في البيت الأول قلة اكتراث بالشعر ثُمّ يصرّع بعد ذلك ومِن هؤلاء الشعراء: الفرزدق وذو الرمة يقول صاحب العمدة :"الفرزدق قليلاً مايصرّع أو يلقي بالا بالشعر .....وأكثر شعر ذي الرمة غير مصرع الأوائل.وهو مذهب كثير من الفحول وإن لم يعد فيهم لقلة تصرفه "(20)



وغلب على الشعراء الصعاليك عدم التصريع " لما كانت تجيش به نفوسهم من ثورة على أوضاع مجتمعهم ,والحرية التي كانوا يعيشون فيها مما جعل شعرهم يثور على الأوضاع الفنية في الشعر الجاهلي " (21) فخلا شعر أبي خراش من التصريع ,وأغلب شعر الشّنفرى و تأبط شرًّا و عُروة بن الورد و صخر الغَيّ و السُّليك بن السُّلكة و أبي الطّمحان القيني.

ورتب ا بن الأثير(637هـ) التصريع من حيث المعنى في سبع مراتب ,هي 2)
1) التصريع الكامل.
2) التصريع الناقص .
3) التصريع المرتبط
4) التصريع الموجه.
5) التصريع المكرر.
6) التصريع المعلّق.
7) التصريع المشطور

ولعل التمييز بين التصريع و التقفية جاء من قِبل المتأخرين لا المتقدمين , فقد روى الخطيب التبريزي (502هـ) عن شيخه أبي العلاء المعري(449هـ) قوله :"فرّق بعض المتأخرين بين التصريع و التقفية فرقًا صناعيًّا, ليس ممّا يروى عن المتقدمين , فجعل التقفية لما اعتدل شطراه من قبل أن يكون مقفى ... وجعل التصريع لما كان شطراه ليسا بالمعتدلين من قبل أن يصرّع " (23) ولعله جاء كذلك من قِبل علماء موسيقى الشعر ففي باب التصريع من كتاب القول البديع في عـلم البديع يقول الشيخ مرعي الـحنبلي (1033هـ) عن التصريع : " وهو ضربان :عروضي و بديعي فالعروضي عبارة عن استواء عروض البيت و ضربه وزنًا و إعرابًا و تقفيةً بشرط أن تكون العروض قد غيرت عن أصلها , لتلحق الضرب في زنته , والبديعي كذلك , لكن بلا شرط " (24) فكأنّ البلاغيين يجعلون التقفية والتصريع تحت مصطلح واحد هو التصريع .


ومن المعاصرين من يرى أنّ "إطلاق مصطلح المقفى على النمطين أقرب إلى الموضوعية, وإن كان مصطلح التصريع أشهر. فالقافية ها هنا هي القافية التي وردت في نهاية الشطرة الأولى متحدةً مع القافية الأساسية للقصيدة " (25)

وعلى الرغم مِن أنّ التقفية أعم من التصريع , و أنّ كل تصريع تقفية إلا أنّنا لا نقر إطلاق مصطلح واحد على النمطين فبين النمطين فروق دقيقة ,ولكل منهما مواضعه0



عيوب التصريع :

و قد يقع في التصريع ما يقع في القافية من العيوب ,نحو الإقواء و الإيطاء و السناد و التضمين , ويقع فيه كذلك : الإقعاد و التدوير و الإدماج و الإدخال .

أ- الإقواء:
وهو عند الجمهور " اختلاف حركة حرف الروي في الرفع و الجر" (26) كقول أحد الشعراء: (من البسيط )
ما بالُ عينك منها الماءُ مهراقُ سحًّا فلا غاربَ منها ولا راقي (27)

فاختلفت حركة حرف الروي رفعًا وجرًّا , حيث جاء الشاعر بروي العروض مضمومًا في قوله مهراقُ ) وجاء بروي الضرب مجرورًا في قوله راقي ) .

ب- الإكفاء :
وهو اختلاف حرف الروي مطلقًا, وبعضهم يرى أنّه لا يكون إلا بالحروف المتقاربة المخرج (28), كقول حسان بن ثابت: (من الطويل )
ولستَ بخيرٍ من أبيك و خالكا ولستَ بخيرٍ من معاظلة الكلبِ (29)

فقد اختلف حرف الروي بين العروض و الضرب , فجاء الروي في العروض كافًا في قوله خالكا ) , وجاء الروي في الضرب باءً في قوله : (الكلبِ ).

وإذا اختلفت العروض عن الضرب في الروي في مطلع القصيدة سمِّي المطلع المُصمت(30) و سمِّي كذلك المُدرج (31)

الإخلاف:
هو أن يخالف الشاعر بين قافية الضرب و قافية العروض في الروي في افتتاح القصيدة مع كون البيت مهيَّئًا للتصريع (32) كقول حميد بن ثور: ( من الطويل )
سلِ الربع أنّى يمّمت أم ّسالم وهل عادةٌ للربع أن يتكلّما (33)

فتهيأ ت له قافية مؤسسة , ثم أتى بتمام البيت غير مؤسس .

المرسل:
وهو أن يخالف الشاعر بين قافية الضرب و قافية العروض؛ لأن قافية العروض غير متمكنة و لا مستعمل مثلها؛ أي وقـعت بصورة لـفظ لا يحسن أن تقع قافيته على هذه الصورة, وإن كان استعمالها جائزًا(34) كقول ذ ي الرمة: ( من البسيط )
أإن ترسّمتَ من خرقاء منزلةًً ماء الصبابة من عينيك مسجومُ (35)

فإن قوله : (منزلةً ) لا يسبق إلى الذهن أنه تصريع , ولا أن الروي يأتي على ذلك .

وإذا خلّى الشاعر عروض بيته الأول من التصريع و التقفية ,و درج في الكلام فكان وقوفه على القافية سُمّي ذلك التخميع أو التجميع (36) – بالجيم المعجمة من تحتها – وقد استعمله الشعراء المجودون , ومنه قول جميل بثينة : ( من الكامل )
أبثينُ إنّك قد ملكتِ فأسجحي وخذي بحظِّك من كريمٍ واصلِ (37)


وبناءً على ما تقدم نخلص إلى أن المصمت مصطلح عام يطلق على مطلع القصيدة إذا ما خلا من التصريع , ويتفرع على هذا المصطلح العام مصطلحات أخرى تحمل الدلالة العامة نفسها مع فروق دقيقة تميز كل مصطلح منها 0فالتخميع كالإخلاف في تخلية الشاعر مطلع قصيدته من التصريع مع كون البيت مهيّأ للتصريع فتأتي قافية البيت بخلافه إلا أن الشاعر لا يقف في التخميع على نهاية القسيم الأول بل يدرج في الكلام فلا يقف إلا على القافية .

أما الإرسال فهو تخلية الشاعر مطلع القصيدة من التصريع ؛لأن قافية العروض غير متمكنة ولا مستعمل مثلها ,ولا يحسن أن تقع القافية على هذه الصورة ,وإذا لم يصرّع الشاعر قصيدته كان كالمتسور الداخل من غير باب , وتسمى القصيدة حينئذ الوثب(38) .

ج-الإيطاء :
وهو تكرار كلمة القافية بلفظها ومعنـاها (39) ومن الإيطاء في التصريع , قــول ابن المعــتز: (من المجتث )
يا سائلاً كيف حالي أنت أعلم بحالي (40)
فردّد ابن المعتز كلمة الروي بلفظها و معناها في العروض و الضرب, وهي قولهحالي )


د- السّناد :
وهو كما عرفه المبرد (285هـ) "اختلاف حركة ما قبل الروي , وأقبح ما يكون في المؤسّس " (41) ومنه في التصريع قول أبي العتاهية : ( من مجزوء الكامل )
ويلي مِن الأظعانِ ولّوْا عنّي بعتبة فاستقلُّوا (42)

هـ -التضمين:
وهو أن تتعلق القافية بما بعدها (43) و منه في التصريع قول البحتري :
(من الوافر )
عذيري فيك من لاحٍٍ إذا مَا شكوت الحب قطعني ملا مَا (44)


و- الإقعاد :
وهـو ذهاب حرف أو مـا يقوم مـقامه من عـروض البيت خـاصة (45), ومنه قـول الربيع بن زياد : (من الكامل )
أفبعدَ مقتل مالك بن زهيرٍ ترجُو النساءَ عواقب الأطهارِ (46)
وقيل : الإقعاد من عيوب الشعر , وهو يختص بالبحر الكامل , وذلك بأن يجمع الشاعر بين عروضين في قصيدة واحدة , كأن يجمع بين (فعَلن) و (متفاعلن) كقول أحد الشعراء :
(من الكامل )
إنّا وهذا الحي مِن يمنٍ عند الهياجِ أعزةٌ أكفاءُ
قومٌ لهم فينا دماءُ جمّةٌ ولنا لديهم إحنةٌ و دماءُ (47)
فجاء بعروض البيت الأول على وزن (فعلن) ؛ أي من العروض الثانية من الكامل , و جاء بعروض البيت الثاني على وزن (متفاعلن) ؛أي من العروض الأولى من الكامل .

ز-التدوير:
البيت المدور هو ذلك البيت الذي تحوي مكوناته الداخلية كلمة تصبح شركة بين قسميه –شطريه – غير قابلة للتقسيم إنشاديّا(48) وقسم القدماء التدوير قسمين هما:
المدمج:
وهوكل عروض تقع حروفها منقسمة بين آخر الصدر وأول العجز(49) نحو قول عبيد بن الأبرص: ( من الرمل)
يا خليليّ اربعا و استخبرا الــ ــمنزل الدارس عن أهل الحلال(50)
المداخل:
والفارق بين المدمج و المداخل " أن المدمج يختص بوقوع لام التعريف من الكلمة في آخر الصدر , وبقية الكلمة في العجز "(51) وما عداها فهو مداخل , نحو قول سبيعة بنت الأحب : (من مجزوء الكامل )
أبنيّ لا تظلم بمكّــــــ (م) ــــة لا الكبير و لا الصغير(52)
وهي قصيدة في ثمانية و عشرين بيتا التزم أن يكون آخر الشطر الأول من أبياتها (الــ) التي للتعريف عدا بيت واحد.
ويرى ابن رشيق أنّ أكثر ما يقع المداخل في عروض الخفيف , وهو حيثما يقع من الأعاريض دليل على القوة , إلا أنّه في غير الخفيف مستثقل عند المطبوعين , وقد بستخفونه في الأعاريض القصار :كالهزج ومربوع الرمل و ما أشبه ذلك (53).
وبعد ,فالتصريع والتقفية من أنماط الإيقاع الداخلي في القصيدة العربية ,وهما يقومان على السجع ,ومن ثمّ عُنِي بهما البلاغيون والعروضيون بيد أن عناية العروضيين كانت أكثر بروزا فمافتئ المتأخرون منهم يحرصون على بيان الحدود الفاصلة بين المصطلحين, رغم علاقة العموم و الخصوص بينهما فكل تصريع تقفية .
كما حرصوا كذلك على بيان الفروق الدقيقة بين مصطلحات عيوب التقفية و التصريع , ومن ذلك إطلاقهم على القصيدة التي يخلو مطلعها من التصريع (الوثب) وعلى المطلع الخالي من التصريع (المصمت) و (المدرج) أمّا المصطلح العام الذي أطلقوه على اختلاف حرف الروي في مطلع القصيدة فهو (الإكفاء) وفرّعوا عليه مصطلحات أخرى هي (الإخلاف) إذا كان المطلع مهيّأ للتصريع وأخلف الشاعر و لم يصرع ,و(المرسل) إذا كانت قافية العروض غير متمكّنة ولا يحسن وقوعها قافية ,و(التخميع) أو(التجميع) إذا درج الشاعر في الإنشاد فلم يقف إلا على القافية والمطلع غير مصرّع ولا مقفى.
والأمر نفسه نلقاه عندهم في (التدوير) ففرّّعوا عليه (المدمج) الذي يختص بوقوع لام التعريف من الكلمة في آخر الصدر, وبقية الكلمة في أول العجز, و(المداخل) لما دون لام التعريف.