http://www.ruowaa.com/vb3/showthread.php?p=196628#post196628




العروض الرقمي رسالة فكرية بما يمثله من النظر إلى التفاصيل في إطار كلي. وهذه رسالته الأسمى قبل أن تكون ضبطا لوزن الشعر. بل العروض أصلا كذلك، فكذلك أبدعه فكر الخليل بن أحمد الذي يعتبر مثالا للفكر الذي أطلقه الإسلام من كل قيد.

ليس المقام مقام تفصيل عن صدور العروض عن تفكير كلي لدى الخليل، كانت تفاعيله وبحوره وسائل إيضاح تجسيدية له. فشمل ذلك ما شمل الأمة من قديم وما زال يشملها في سائر شأنها من الاهتمام بالوسائل في تجسيدها وتجزيئيتها وإهمال الفكر في تجريده وكليّته. فوصلت إلى ما وصلت إليه.

يقول الأستاذ ميشيل أديب في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:" وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية التي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّة الرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ. "


الفكر هو التجسيد الأعلى لتكريم الله للإنسان ونفخه فيه من روحه فمنّه عليه بإسجاد الملائكة له.

"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ{28} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ{29} " – الحجر

الفكر الذي هدى به الله سبحانه سيدنا الخليل إبراهيم عليه السلام في محاولته أطر جزئيات الكون في إطار يشملها فما وسعها إلا إطار التوحيد.

"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ{74} وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ{75} فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ{76} فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ{77} فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ{78} إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{79}"- الأنعام


الفكر الذي علمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام الأخذ به لرد الأمر كله لله لدرجة التفريق بين الوحي وسواه حتى لو صدر عنه عليه السلام. وفهم الصحابة رضوان الله عليهم هذا فسمعوا وأطاعوا في الحديبية بلا حوار بعد نزول الوحي. وسمعوا وأطاعوا في بدر لما قرره الرسول بعد أن استأذنوا الرسول عليه السلام في محاورته واستبينوا منه إن كان الأمر وحيا أم غير وحي فحاوروا وأشاروا وقارنوا بعد أن تبينوا و سمح لهم رسول الله بذلك وأخذ بالرأي الذي رأى فيه الخير. فكان حوارهم لرسول الله من تمام إيمانهم.

الفكر الذي يبقى حارسا للتمييز بين الشرع كما نزل به الوحي وانطباع الناس عن الشرع.
هذا التمييز الذي يتمثل في الحوار بين مؤمنين حريصين على شرع الله كما في حوار صلاح الدين الأيوبي والقاضي الفاضل الذي أرسل من مصر يستأذنه وهو في الشام في تشديد العقوبة لانتشار الجريمة فكان توجيه صلاح الدين له أن يلتزم حكم الشرع في العقوبة ولا يتجاوزه بحال. فلا نقص يستكمل في شرع الله.

هنا أمران: الأول شرع الله والثاني تصور الناس لشرع الله. أما شرع الله فلا يجوز لمؤمن فيه غير الإذعان. وأما فهم الناس لهذا الشرع فأمر يجوز بل يجب فيه الحوار.

قادني إلى هذه المقدمة الطويلة هذه الرسالة التي وصلتني ووصلني قبلها تنبيه بذات المحتوى
مما جاء في الرسالة

" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليتك تؤكد لـ .............. وكذلك .............. عدم إدراج شعر الغزل حتى لو كان عذرياً
."

لا شك عندي في سمو الدافع لدى من أرسل الرسالة وقبلها التنبيه. ولكن هل يجوز لبشر بدافع الحرص على الشرع أن يحرم ما أحل الله ورسوله؟

وأيهما أشد ضررا ، شعر الغزل أم القول بغير قول رسول الله فيه؟

بانَتْ سُعادُ فَقَلبي اليومَ مَتْبولُ = مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مَكْبولُ
وما سعادُ غَداةَ البيْنِ إذ رَحَلوا = إلاّ أَغَنُّ غَضيضُ الطَّرْفِ مَكْحولُ
تَجْلو عَوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ = كأنّهُ مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلولُ
شُجَّتْ بِذي شَبَمٍ مِنْ ماء مَحْنِيَةٍ = صافٍ بأَبْطَحَ أَضْحى وهُوَ مَشْمولُ
تَجْلو الرّياحُ القَذى عنهُ وأَفْرَطَهُ = مِن صَوْبِ سارِيَةٍ بيضٌ يَعالِيلُ

هل هذه الأبيات وما يجري مجراها مسموح بنشرها في رواء ؟

لعلي أسأت الفهم فهل لمن يقول بمنع شعر الغزل العذري أن يبين موقفه في ضوء استماع رسول الله لهذه الأبيات وخلعه البردة على قائلها ؟
ربما يقال هذا ليس شعر غزل. حسنا إذن ما هو وما هو الشعر الذي يشابهه ومسموح نشره في المنتدى ؟

هو حوار دافعه المحبة في الله. وإعمال الفكر في الحكم على الأشياء بالشرع لا بسواه. فكم جر عدم التفريق بين الشرع وفهم بعض الناس للشرع من ضرر.

ليس شعر الغزل العذري سواء في نشره أو عدم نشره بالقضية الخطيرة في ذاته.
ولكن القضية الخطيرة هي في القول بغير ما قال به رسول الله عليه السلام فيه وإن كان دافعها الحرص على رسول الله وحبه.

إن الأمر أمر منهج لا أمر شعر غزل عذري وهناك العديد من الأمور التي هي أهم وأخطر من هذا الأمر يتأثر موقفنا تجاهها بفهمنا للصواب في قضية شعر الغزل العذري في المنتدى.

عندما اقتصرت الإدارة دخول المنتدى على المشاركين، خاطبتهم بأنه لا يجوز شرعا حجب العلم فأخذوا مشكورين برأيي.

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }الأحزاب36

{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31

فليحرص أحدنا على التمييز بين شرع الله وفهمه له، وهل يغضب لشرع الله أم لفهمه له.
كل هذا حوار بين مؤمنين مخلصين لدينهم قد تختلف آراؤهم. فلنحرص في معالجتنا لها على قطع الطريق على غير المخلصين ممن يتعمدون تقديم فهم محرف لرأي الشرع على أنه رأي الشرع. ولا سبيل إلى ذلك إلا بالالتزام بقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59

والالتزام يقتضي تقديم الدليل الشرعي فيصلا بين الشرع والرأي الشخصي.

لقد ناقشت الأمر من الاعتبار الأهم ولكنه ليس الاعتبار الوحيد. وثمة اعتبار آخر من اعتبارات أخرى وهو أن هذا الدين جاء للحياة بكامل جوانبها، واستثناء جانب من الحياة بما يشبه عدم الاعتراف بوجوده يناسب فهما ما ولكن الفهم الآخر هو أن كل جانب في الحياة له في هذا الدين حكم وحري بنا أن نلتزم به ولا نزاود فيه على شرع الله.

أقول هذا غير مستبعد من حيث المبدأ أن أكون قد أسأت الفهم فوقعت في ما نهيت عنه من عدم التمييز بين الشرع وفهمي له. فجزى الله خيرا من بين لي رأيه فيما ذكرت.