http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=80331




الأستاذ أحمد بن يحي

يقول أصحاب الرقمي إن الخليل لأمر ما ستر أسرار عبقريته، ولم يبينوا الأسباب، وقد حاججهم المعارضون في هذه النقطة بالذات، ولم يجيبوا.

وقد خطر لي خاطر عجيب لعله يبعث التفكير في هذا الشأن، وفي طيه تفضيل للفكر الخليلي على الرقمي بمراحل.

لعلكم أيها الأحبة تذكرون بدايات النت والحاسوب بشكل عام، وكيف كانت العمليات مرهقة وطويلة بسبب الأرقام، ثم اهتدى المبرمجون إلى طريقة النوافذ وغيرها وما زال البحث جاريا.

الحاصل: إن الخليل قد تجاوز بفكره العبقري المراحل، ووجد أن أسهل طريقة وأنسبها لتلقي هذا العلم الكبير هي طريقة التفاعيل.

فما الرقمي إذا إلا عود إلى التطويل والتقعيد ورجوع إلى المربع الأول. فكأن الأرقام عند الخليل إنما كانت مرحلة أولى بسيطة برهانية؛ أما المراحل المتقدمة فهي نتائج هذه البرهنة، وفيها كانت التفاعيل وبث الروح بالكلمات الحية في أوصال الأرقام الجامدة.

لماذا؟ لأن الخليل لم يكن رياضيا ماديا فحسب؛ ولكنه كان عربيا فصيحا يحس بوقع الحروف وأجراسها والكلمات وإيحائها. وهل كان ما يتلقاه من شعر العرب إلا إيقاعا وكلمات، اتخذ له مدرج الأرقام ليؤصل نظريته العروضية، ثم هذب ذلك وسهله بطريق التفاعيل؛ فجمع بذلك بين المادة والروح، وبين الفكر التجريدي والتطبيق العملي.

ومن تمسك بالمنظور المادي البرهاني فقط فكأنما أسقط شطر عبقرية الخليل؛ بل كأنما أسقط عبقريته بالكلية؛ لما تقدم!

وعليه؛ فإن التفكير الرقمي أمام فكر الخليل إنما هو تفكير بسيط مجرد معقد، وحال معتنقيه اليوم كحال من عاد إلى زمن الأرقام الحاسوبي المعنت. وقس على ذلك كل المحدثات الصناعية المطورة التي قفزت قفزات نوعية في سبيل جودة العمل واختزال الوقت والجهد.

هذا، والله أعلم
والحمد لله رب العالمين

***

مع ملاحظة أن المصدر الأول لنظرية الخليل العروضية إنما هو روح اللغة التي فطر الله عليها القوم؛ تمهيدا لاستقبال النور الرباني.
فنظرية الخليل هي نظرية لغوية قبل أن تكون نظرية فكرية.