أخي الكريم وأستاذي سائل علم

يدور في ذهني مضمون كتاب عن التفكير، وهو رجع لحوارات متعددة في الرقمي وسواه. قوامه أن لا صدفة في الكون وأن كل شيء بنظام. قد نعرفه وقد نعرف بعضه وقد نجهله.

قبل فيثاغوروس كان الناس يجتهدون في استنباط الوتر من ضلعي المثلث قائم الزاوية جاء فيثاغوروس واكتشف القانون الموجود أصلا.
لنا أن نتخيل أنهم كانوا يقولون

أن مثلث الوافر أضلاعه 3 ، 4 ، 5
وأن مثلث البسيط أضلاعه 6 ، 8 ، 10

فكانت النظرة الشمولية أن أ2 + ب2 = جـ2

وكانت مثلثات الوافر والبسيط والمنسرح تجليات جزئية لهذا القانون.

وكانت هذه خطوة مهمة في اكتشاف قوانين الهندسة المستوية، وكلما تقدم الإنسان زاد اكتشافه في قوانيننها. فتكاملت قوانينها تدريجيا. والقصد تكامل اكتشاف قوانينها تدريجيا.

وقل مثل هذا من حيث التدرج في كل العلوم.

شذ العروض وشذ معجم العين وكلاهما من إبداع الخليل وُلِدا تامّين، لماذ1؟ وكيف ؟

استعرض الخليل احتمالات تجاور الحروف في اللغة


عن حمزة الأصبهاني (المدارس العروضية - عبد الرؤوف بابكر السيد -ص101،102) (2) : "ذكر أن مبلغ عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل على مراتبها الأربع من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرير اثنا عشر ألف ألف وثلثمائة ألف وخمسة عشر ألف واربعمائة واثني عشر"=[412 ,315 ,12] ولم يذكر عدد الأبنية المحتملة للثلاثي فأضفتها.(عدد أحرف العربية=28)

عدد الأبنية
طريقة الحساب

"الثنائي سبعماية ووستة وخمسون"
28×27
756
-----------
[الثلاثي =19656]
28×27×26
656 ,19
----------
"والرباعي أربعمائة ألف وإحدى وتسعون ألفا وأربعمائة
28×27×26×25=
400 ,491
-------
"والخماسي أحد عشر ألف ألف وسبعمائة وثلاثة وتسعون ألفا وستمائة"
28×27×26×25×24
600 ,793 ,11
المجموع

412 ,305 ,12

منها ما هو مستعمل ومنها ما هو مهمل.

وبمثل هذه العقلية الرياضية الشمولية تناول الخليل إمكانات تجاور الأسباب والأوتاد فعبر عنها في دوائرة ومنها ما هو مستعمل من البحور ومنها ما ليس مستعملا ( مهملا ) ولهذا أستغرب القول إن الأخفش تدارك المتدارك على الخليل.

هذا من هذه الناحية، ومن ناحية أخرى لمن لا دراية له في الرياضيات ودوائر الخليل. عندما يضع الخليل مئات القوانين لرصد مئات الأوزان وتأتي كلها منسجمة تغطي كل الأوزان، فإن عدم تبين صدور ذلك عن رؤية شمولية يتطلب قدرا كبيرا من الغفلة.

لا أمل من ترديد قول الأستاذ ميشيل أديب في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:" وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنيةالتي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّة الرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ. " "

وهكذا فالرقمي وسيلة يسرها الله سبحانه لكشف عبقرية الخليل وشمول فكره.

إن هذا التفكير الكلي هو الطريق الوحيد الصحيح لتناول قضايانا وأحوالنا الذي يحول دون ضياعنا في التفاصيل على حساب الجوهر(لاحظ القرب بين تفاصيل وتفاعيل). كان عليه السلام يرى الناس يطوفون عرايا حول البيت فيقول لهم أسلموا .

كل هذا يأتي في سياق الرسالة الفكرية للرقمي. ولكن ثمة ما هو أسمى من ذلك في سياق هذه الرسالة الفكرية يتبادر للذهن إذا تأملنا أمرين :

1- انتظام هذا الكون على اتساعه ، وهذا وحده كاف للدلالة على عظمة وعلم وقدرة الخالق عز وجل
2- قوله تعالى {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82 وهذا إضافة إلى دلالته على عظمة وعلم وقدرة الخالق عز وجل، يدل على أن ما تخالف من آثار اختلف فيها وعليها المسلمون لا يمكن استبعاد أن بعضها على الأقل بقدر أو آخر ليس من الوحي.