أختي الكريمة: موضوع القافية موضوع ذو شجون, ويتندر أن تجدي من يبادلك حوله الحديث رغم أمهيته...
في البدء لم يكن الشاعر العربي القديم يستخدم غير القافية الموحدة في بناء قصيدته استجابة لشرط جمالي يتعلق بالغناء السائد في ذلك الوقت.
ثم حين تطورت أساليب الغناء وصحبته الموسيقى, وبدأت الصنعة تجد طريقها إلى الواقع الشعري, أخذت تظهر صور جديدة تتباين من حيث مواضع تكرار القوافي كمّا وكيفا ولكنها تتفق في ضرورة الإلتزام بذلك اللتكرار.
وبغض النظر عن الأسماء التي تحملها تلك الصور (وهي أسماء ذات طبيعة اشتقاقية مختلفة الحيثيات ولا تحضى باتفاق) يمكننا أن نطلق عليها جميعا اسم "القوافي الدورية" حيث يتم تتكرار القافية بشكل دوري وثابت بعد عدد معين من الشطور, وهي تسمية موفقة لبعض الباحثين.
وفي شعر القوافي الدورية, هنالك أنواع متعددة من أساليب الإلتزام والتكرار, فهنالك قوافٍ تكرر وأخرى تهمل, مع وجود عدد من القوالب السائدة كما في الأنموذج القياسي للموشح.
ولا بأس هنا من الإشارة إلى أن خروج الشعراء على نظام القافية الموحدة لا يعني أنهم خرجوا على شروطها الفنية, فقد ظلوا أوفياء لنظامها رويا ونغما.
وبعد هتين المرحلتين جاءت مرحلة الشعر الحر (شعر التفعيلة) ليشيد بناء القصيدة ككل على فلسفة تجاوزية لم تلغِ القافية ولكنها لم تقيد الشاعر أيضا بنمط هندسي معين بل تركت له حرية تكرار ما يشاء متى شاء بحبسب ما تقتضيه الدفقة الشعورية, ويبدو هذا الملمح أظهر في شكل الجملة الشعرية منه في شكل السطر الشعري.

وملخص القول أن هنالك ثلاث مراحل أساسية مرت بها القافية : مرحلة القافية الموحدة, مرحلة القافية الدورية, مرحلة القافية الحرة أو المطلقة.

وبالقافية يكتمل النغم الإيقاعي, وهذا ما لم يفهمه كتاب "الشعر المرسل" حين ظنوها قيدا يجب تحطيمه فتحطمت قصائدهم على صخرة النسيان مؤكدة ما للقافية من زخم نغمي وبعد دلالي, وأنها تشكل للنغم قرارا وللإيقاع مرتكزا.