بأي حال كان ذلك في الأيام الآوائل لدخولي للمدرسة ،، ففي الصف الاول ابتدائي وقد ادخلني والدي ( مستمعًا ) يعني ابن خمس سنوات ،، والدراسة كانت على ( حنبل ) خال حتى من الألوان ما عدى اللون الرمادي ،، حملني الأستاذ العملاق بيديه الطويلتين إلى أن الصقني بسقف الفصل ،،، ثم هبد بي الحنبل الممدود على ( الطبطاب ) أيام الاسمنت الأصلي ،، مستغلا عضلاته الجيدة لزيادة سرعة الارتطام ،،،
أفقت من الغيبوبة وأبي واقف عند راسي ،، واستمتعت بعدها بعدد من الأيام إجازة لم استطع اللعب فيها كثيرا ....

* ابتسامة *

ولست أدري لماذا أكره المعلمين صغيرهم وكبيرهم ووزيرهم وحتى فراش المدرسة .... ومع أن قلبي الصغير آنذاك كان نقيًا ،، فقد ملؤوه خوفًا وهلعًا وكرها لهم ولتعليمهم .... فليذهب إلى جنات النعيم أمواتهم - غفر الله لهم - ،، وأصلح الأحياء منهم ووفقهم للعودة إلى أسواق الخضروات وترك التعليم لأهله .....

ذات صباح تمطى فيه المزاج المتعكر جسدي النحيل ،، حملت ( جبل ) المدرسة الذي يسمى مجازًا في عالم هاؤلاء المعلمين ( حقيبة ) ،، وهرولت إلى معتقلي الحبيب والذي يسميه هؤلاء الجلادين مجا زًا مدرسة ،، فإذا بالدنيا مختلفة وعلى غير طبيعتها ،،،،،،، قلق وهلع إضافي .. ورأيت عدد من أساتذة الجحيم واقفين عند باب المعتقل وفي أيديهم وسائل الترهيب والتعذيب ،، ونظراتهم الحمقاء القاسية التي تسمر الركب في مسار مستقيم ،، وتجعلها تتصاكع دون أن نعرف ما هي الحكاية .....

تعال ياولد ،،،، واذهب الى زنزانتك وابق هناك ،، هيا أسرع ،،، ويلتفت أحد أساتذة الجحيم إلى أحد بني جلدتنا الضحايا من العملاء المتعاونين معهم رغبة أو رهبة ،، ويهمس له بصوت يسمعه من في طرف المدينة : انتبه له لا يشرد .... ورأيت عدد من الضحايا يقتادهم المتعاونين من أيديهم فيما لا يفرق كثيرًا عما نراه عبر شاشات التلفزة في معتقلات جوانتانامو ....

ياللهول ،،، ووصلت إلى الزنزانة 3/ب ،، فإذا بالرفاق وكأن على رؤوسهم الطير ،،، مستسلمين لقضاء الله وقدره ،، يتلافتون بأطراف عيونهم يتساءلون : ماهي الحكاية دون كلمات ! ،، ولا مجيب ......

ينفتح باب الزنزانة ،،، فيرتجف حتى المتعاون مع الجلادين والذي يسمونه عريف الفصل ،،، ليدخل جلاد يلبس غترة حمراء وثوب أبيض وعقال ،، لا فرق بينه وبين الأموات سوى أنه متاح له أن يتوظف كالآخرين في هذه المعتقل بعد أن لفضته المقابر ،،،، وبوجه عبوس وكأن زوجته قد ( لطشته ) قبل أن ينطلق ( ليفش غلّة ) فينا ،، جزاه الله خيرًا ..
تصنع ابتسامة ،، وقال : لا تخافوا ،، فاليوم ( تطعيم ) ،، والتفت إلى العريف قائلا له : انتبه لهم ... وكما جاء ذهب .....

الصمت يعم أرجاء الزنزانه حتى فتح العريف باب المداولات حول التطعيم ،،، فتعالت بعض الهمسات المرتكبة ،،، والتي تحدثت عن ( منشار ) وزجاجة وإبرة ،، دمجوها ببعض البراءة حتى أصبحت قطع لليد بالمنشار ومن ثم وضعها في زجاجة ،، والبعض قال ان كثيرين يموتون ،، والبعض بدأ يتساءل هل هي اليمين أم اليسار ،،، وكنت فيمن قبّل يده في طقس جنائزي أشبه بيوم القيامه ......

وجاء الموت ياتارك الصلاة ،،، أخرجونا طابور كل واحد فينا داعبته غريزة البقاء كأعنف ما يكون ،، فيدفع زميله ليكون أمامه ،،، ورأيت خارج الزنازنة مزيد من الطوابير ،،، ولسوء الحظ شاهدت اثنين من الجلادين يمسكون ببعض أشغب معتقلي المعتقل ،، وسمعت صرخاتهم المدوية والمختلطة بالبكاء : لا أريد أن أموت ،، ما أبغى اتطعم ... فيشير نائب مدير المعقتل للجلادين بأن اتركوه ،، كي لا يخاف البقية .....

خطواتي لا ترتفع عن الأرض ،، تزحف زحفًا ،،، وخيالي الخصب طاف جهنم والجحيم ،، وزمزم والحطيم ،، وفي نهاية يوم القيامة ،، وصلت إلى خازن الإبر اللعين ،،، وبجوارة آخر ذو رداء أبيض معه منشار صغير لست أدري لما أسموه منشار ،، يوقطع به أعناق الزجاجات الصغيرة ،، والإبرة تلمع في يد ذلك الذي اصطف بجوارة مدير المعتقل ....

كان التطعيم شيء يسير للغاية ،، لا يستدعي كل هذا الرعب .... ولم أمت في اليوم الثاني .....

* ملحوظة * ولا زلت أكره الأطباء والمعلمين ..