وقد قادني إلى هذا النص عن القافية موضوع الأستاذ محمد ب عن الشاعر محمد البزم.
والموضوع للكتور رحمن غركان في جريدة الأسبوع الأدبي

http://www.awu-dam.org/book/04/study...ok04-sd013.htm

والقافية بوصفها أصواتاً تتكرر على نحو متناسب في أواخر الأشطر، وتكرارها جزءاً من بنية الموسيقى الشعريّة، فهي فواصل صوتية يتوقع السامع ترديدها، والمتلقي يستمتع بهذا التردد الذي يطرق الآذن في مدد زمنية منتظمة، وبعدد معين من مقاطع ذات نظام خاص يسمى الوزن ([59]).

وعلى هذا النحو تعطي القافية للوزن "بعداً من التناسق والتمائل يضفي عليه طابع الانتظام النفسي والموسيقي والزمني" ([60]) وهذا ما انطلق منه حازم القرطاجني حين عرف القافية على أنها "حوافر الشعر، عليها جريانه واطراده، وهي مواقفه، فإن صمت استقامت حريته وحسنت مواقفه ونهاياته" ([61])، فالقافية أداة إيقاعية تبعث الإيقاع الأصلي للوزن، ذلك الإيقاع الذي يفترض ثباته جزءاً من الشكل الشعري. وقد أولاها النقاد والبلاغيون اهتماماً واشترطوا فيها شروطاً منها: التمكن وصحة الوضع والتمام. مما يجعل موقعها في النفس مؤثراً، بشروط: أن تكون حروف الروي في كل قافية من الشعر حرفاً واحداً بعينه، غير متسامح في إيراد ما يقاربه معه ([62]).

وبلغ أمر العناية بالقافية حد الحرص على التكرار الصوتي الذي لا يتناسب مع طبيعة الشعر كما في لزوميات المعرى، التي تؤكد أهمية الدور الموسيقي إحساساً منه بمدى فاعليتها في خلق الشعرية ([63]).

لأنها تؤدي إلى بنية التوازي التي "يحظى فيها الصوت حتماً بالأسبقية على الدلالة" ([64])، والوظيفة الدلالية التي يؤديها الوزن للقافية تكشف عن "أننا لا نفكر في القيم الصوتية منفصلة عن المعنى بل نفكر في المعنى، من خلال مستويات متعددة، تتجاوب تجاوباً لا يسمح بالتفكير فيها، منفصلة عن غيرها" ([65]).

وهذا كله يحدد شعرية الوزن والقافية في بنية الشعر العربي كونهما يعدان أحد مقومات هذه الشعرية، فهما ركنان في القصيدة "لا يمكن أن يقوم بناؤها إلا عليهما" ([66]) ولا نجد ناقداً عربياً قديماً، نفى أهمية الوزن والقافية عن الشعر، بل أن الوزن عند العرب "أعظم أركان حد الشعر، وأولاها به خصوصية وهو مشتمل على القافية، وجالب لها ضرورة" ([67]).

وقد أشار الفارابي إلى أن الجمهور وكثير من القراء يرون القول شعرياً متى كان موزوناً، مقسوماً بأجزاء، ينطلق بها في أزمنة متساوية، وإذا لم يكن موزوناً بإيقاع فليس يعد شعراً إنما هو قول شعري ([68]). والفارابي يفرق بين الشعر والقول الشعري، على أساس أن الشعر هو قول مخيل موزون، والقول الشعري قول مخيل غير موزون. أما ابن سينا فيرى القول الموزون غير المخيل لنا، إنما هو شعر ناقص، أما القول المخيل الموزون فهو الشعر الكامل، والقول المخيل غير الموزون هو النثر ([69]).

فالوزن بوصفه أحد مقومات الشعرية العربية إنما هو "إبراز أو إحداث لفجوة حادة في طبيعة اللغة، خلق لمسافة توتر عميقة بين المكونات اللغوية العائمة في وجودها العادي خارج الشعر ووجودها داخله، الوزن هو تناول للمادة اللغوية بأبعادها الصوتية" ([70]). أما النظم فهو، حتى في الدراسات الحديثة: خطاب يكرر كلياً أو جزئياً، الصورة الصوتية نفسها متجاوزاً في الواقع حدود الشعر، إلا أن الشعر يستلزم في الوقت نفسه الوظيفة الشعرية ([71]).

واقتضاء اللفظ الشعري للقافية، متصل بما لها من حضور في موسيقى الشعر وكاشف عنه، إذ أنها تطغى على البنية الموسيقية للشعر، لأنها الوقفة التي تبرز عندها النغمة الموسيقية، وأن التوازن الصوتي بين قافية البيت الشعري والبيت الذي يليه تجعل النفس في حضور دائم مع النص الشعري، والغنائية التي تحدثها القافية تولد التواصل الدائم بين المتلقي والنص الشعري.